الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إسحاق هو السبيعي كما في " الإصابة "، وكان اختلط، مع
تدليس له. وسعيد بن الحارث لم أعرفه، فالإسناد مظلم، والأول أقوى لمتابعة
معقل لابن لهيعة عليه، لكن فيه عنعنة أبي الزبير، وهو معروف بالتدليس، فلا
أدري إذا كان سمعه من جابر أم لا؟ ولعل الحافظ ابن حجر قد ترجح عنده الأول،
فقد أورده في " الفتح "(11 / 240) من رواية مسلم هذه ساكتا عليه، أو من أجل
شواهد ذكرها قريبا، وبها يتقوى الحديث عندي إن شاء الله تعالى. منها حديث
عائشة رضي الله عنها قالت: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في بيتي من
شيء يأكله ذو كبد، إلا شطر شعير في رف لي، فأكلت منه حتى طال علي، فكلته
ففني. أخرجه البخاري (6 / 146 و 11 / 239) ومسلم (8 / 218) وابن ماجه (
3345) وأحمد (4 / 108) وزاد: " فليتني لم أكن كلته ". وإسنادها جيد.
2626
- " أردف أختك عائشة فأعمرها من التنعيم، فإذا هبطت الأكمة فمرها فلتحرم، فإنها
عمرة متقبلة ".
أخرجه الحاكم (3 / 477) من طريق داود بن عبد الرحمن العطار: حدثني عبد الله
بن عثمان بن خثيم عن يوسف بن ماهك عن حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر عن
أبيها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: فذكره. وسكت عنه. وقال الذهبي
: " قلت: سنده قوي ".
قلت: وقد أخرجه أحمد أيضا (1 / 198) : حدثنا داود
بن مهران الدباغ: حدثنا داود - يعني العطار - به. وأخرجه أبو داود أيضا
وغيره وهو في " صحيح أبي داود " برقم (1569) . وقد أخرجه البخاري (3 / 478
) ومسلم (4 / 35) من طريق أخرى عن عبد الرحمن بن أبي بكر مختصرا. وكذلك
أخرجاه من حديث عائشة نفسها، وفي رواية لهما عنها قالت: فاعتمرت، فقال:
" هذه مكان عمرتك ". وفي أخرى: بنحوه قال: " مكان عمرتي التي أدركني الحج
ولم أحصل منها ". وفي أخرى: " مكان عمرتي التي أمسكت عنها ". وفي أخرى: "
جزاء بعمرة الناس التي اعتمروا ". رواها مسلم. وفي ذلك إشارة إلى سبب أمره
صلى الله عليه وسلم لها بهذه العمرة بعد الحج. وبيان ذلك: أنها كانت أهلت
بالعمرة في حجتها مع النبي صلى الله عليه وسلم، إما ابتداء أو فسخا للحج إلى
العمرة (على الخلاف المعروف)(1) ، فلما قدمت (سرف) . مكان قريب من مكة -،
حاضت، فلم تتمكن من إتمام عمرتها والتحلل منها بالطواف حول البيت، لقوله صلى
الله عليه وسلم لها - وقد قالت له: إني كنت أهللت بعمرة فكيف أصنع بحجتي؟
قال: -
(1) قلت: والأول أرجح، وهو الذي اختاره ابن القيم، ويؤيده قول عائشة في
رواية لأحمد (6 / 245) في رواية عنها: " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم في حجة الوداع، فنزلنا الشجرة، فقال: من شاء فليهل بعمرة
…
قالت:
وكنت أنا ممن أهل بعمرة ". فهذا صريح فيما رجحنا، لأن الشجرة شجرة ذي الحليفة
ميقات أهل المدينة ومبتدأ الإحرام.
" انقضي رأسك وامتشطي وأمسكي عن العمرة وأهلي بالحج، واصنعي ما
يصنع الحاج غير أن لا تطوفي ولا تصلي حتى تطهري. (وفي رواية: فكوني في حجك
، فعسى الله أن يرزقكيها) "، ففعلت، ووقفت المواقف، حتى إذا طهرت طافت
بالكعبة والصفا والمرة، وقال لها صلى الله عليه وسلم كما في حديث جابر: "
قد حللت من حجك وعمرتك جميعا "، فقالت: يا رسول الله إني أجد في نفسي أني لم
أطف بالبيت حتى حججت، وذلك يوم النفر، فأبت، وقالت: أيرجع الناس بأجرين
وأرجع بأجر؟ وفي رواية عنها: يصدر الناس بنسكين وأصدر بنسك واحد؟ وفي أخرى
: يرجع الناس (وعند أحمد (6 / 219) : صواحبي، وفي أخرى له (6 / 165
و266) : نساؤك) بعمرة وحجة، وأرجع أنا بحجة؟ وكان صلى الله عليه وسلم
رجلا سهلا إذا هويت الشيء تابعها عليه، فأرسلها مع أخيها عبد الرحمن، فأهلت
بعمرة من التنعيم (1) . فقد تبين مما ذكرنا من هذه الروايات - وكلها صحيحة -
أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمرها بالعمرة عقب الحج بديل ما فاتها من
عمرة التمتع بسبب حيضها، ولذلك قال العلماء في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم
المتقدم: " هذه مكان عمرتك " أي: العمرة المنفردة التي حصل لغيرها التحلل
منها بمكة، ثم أنشأوا الحج مفردا (2) . إذا عرفت هذا، ظهر لك جليا أن هذه
العمرة خاصة بالحائض التي لم تتمكن من إتمام عمرة الحج، فلا تشرع لغيرها من
النساء الطاهرات، فضلا عن الرجال. ومن هنا يظهر السر في إعراض السلف عنها،
وتصريح بعضهم بكراهتها، بل إن عائشة نفسها لم يصح عنها العمل بها، فقد كانت
إذا حجت تمكث إلى أن
(1) انظر " حجة النبي صلى الله عليه وسلم "(92 / 111 - 114) .
(2)
انظر " زاد المعاد "(1 / 280 - 281) و " فتح الباري ". اهـ.
يهل المحرم ثم تخرج إلى الجحفة فتحرم منها بعمرة، كما في
" مجموع الفتاوى " لابن تيمية (26 / 92) . وقد أخرجه البيهقي في " السنن
الكبرى " (4 / 344) بمعناه عن سعيد بن المسيب أن عائشة رضي الله عنها كانت
تعتمر في آخر ذي الحجة من الجحفة. وإسناده صحيح. وأما ما رواه مسلم (4 /
36) من طريق مطر: قال أبو الزبير: فكانت عائشة إذا حجت صنعت كما صنعت مع نبي
الله صلى الله عليه وسلم. ففي ثبوته نظر، لأن مطرا هذا هو الوراق فيه ضعف من
قبل حفظه، لاسيما وقد خالفه الليث بن سعد وابن جريج كلاهما عن أبي الزبير عن
جابر بقصة عائشة، ولم يذكرا فيها هذا الذي رواه مطر، فهو شاذ أو منكر، فإن
صح ذلك فينبغي أن يحمل على ما رواه سعيد بن المسيب، ولذلك قال شيخ الإسلام
ابن تيمية في " الاختيارات العلمية "(ص 119) : " يكره الخروج من مكة لعمرة
تطوع، وذلك بدعة لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أصحابه على عهده،
لا في رمضان ولا في غيره، ولم يأمر عائشة بها، بل أذن لها بعد المراجعة
تطييبا لقلبها، وطوافه بالبيت أفضل من الخروج اتفاقا، ويخرج عند من لم
يكرهه على سبيل الجواز ". وهذا خلاصة ما جاء في بعض أجوبته المذكورة في "
مجموع الفتاوى " (26 / 252 - 263) ، ثم قال (26 / 264) : " ولهذا كان
السلف والأئمة ينهون عن ذلك، فروى سعيد بن منصور في " سننه " عن طاووس - أجل
أصحاب ابن عباس - قال: " الذين يعتمرون من
التنعيم ما أدري أيؤجرون عليها أم
يعذبون؟ قيل: فلم يعذبون؟ قال: لأنه يدع الطواف بالبيت، ويخرج إلى أربعة
أميال ويجيء، وإلى أن يجيء من أربعة أميال [يكون] قد طاف مائتي طواف،
وكلما طاف بالبيت كان أفضل من أن يمشي في غير شيء ". وأقره الإمام أحمد.
وقال عطاء بن السائب: " اعتمرنا بعد الحج، فعاب ذلك علينا سعيد بن جبير ".
وقد أجازها آخرون، لكن لم يفعلوها
…
". وقال ابن القيم رحمه الله في " زاد
المعاد " (1 / 243) : " ولم يكن صلى الله عليه وسلم في عمره عمرة واحدة
خارجا من مكة كما يفعل كثير من الناس اليوم، وإنما كانت عمره كلها داخلا إلى
مكة، وقد أقام بعد الوحي بمكة ثلاث عشرة سنة، لم ينقل عنه أنه اعتمر خارجا
من مكة في تلك المدة أصلا، فالعمرة التي فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم
وشرعها فهي عمرة الداخل إلى مكة، لا عمرة من كان بها فيخرج إلى الحل ليعتمر،
ولم يفعل هذا على عهده أحد قط إلا عائشة وحدها من بين سائر من كان معه، لأنها
كانت قد أهلت بالعمرة فحاضت، فأمرها فأدخلت الحج على العمرة وصارت قارنة،
وأخبرها أن طوافها بالبيت وبين الصفا والمروة قد وقع عن حجتها وعمرتها،
فوجدت في نفسها أن ترجع صواحباتها بحج وعمرة مستقلين فإنهن كن متمتعات ولم
يحضن ولم يقرن، وترجع هي بعمرة في ضمن حجتها، فأمر أخاها أن يعمرها من
التنعيم تطييبا لقلبها، ولم يعتمر هو من التنعيم في تلك الحجة ولا أحد ممن
كان معه " أهـ. قلت: وقد يشكل على نفيه في آخر كلامه، ما في رواية للبخاري
(3 / 483 - 484) من طريق أبي نعيم: حدثنا أفلح بن حميد عن القاسم عن عائشة،
فذكر القصة -، وفيه: " فدعا عبد الرحمن فقال: اخرج بأختك الحرم فلتهل بعمرة
، ثم افرغا من طوافكما ".
لكن أخرجه مسلم (4 / 31 - 32) من طريق إسحاق بن
سليمان عن أفلح به، إلا أنه لم يذكر:" ثم افرغا من طوافكما ". وإنما قال:
" ثم لتطف بالبيت ". فأخشى أن يكون تثنية الطواف خطأ من أبي نعيم، فقد وجدت
له مخالفا آخر عند أبي داود (1 / 313 - 314) من رواية خالد - وهو الحذاء -
عن أفلح به نحو رواية مسلم، فهذه التثنية شاذة في نقدي لمخالفة أبي نعيم
وتفرده بها دون إسحاق بن سليمان وخالد الحذاء وهما ثقتان حجتان. ثم وجدت لهما
متابعا آخر وهو أبو بكر الحنفي عند البخاري (3 / 328) وأبي داود. ويؤيد
ذلك أنها لم ترد لفظا ولا معنى في شيء من طرق الحديث عن عائشة، وما أكثرها
في " مسند أحمد " (6 / 43 و 78 و 113 و 122 و 124 و 163 و 165 و 177 و 191
و219 و 233 و 245 و 266 و 273) وبعضها في " صحيح البخاري " (3 / 297 و 324
و464 و 477 - 478 و 482 و 4 / 99 و 8 / 84) ومسلم (4 / 27 - 34) وكذا لم
ترد في حديث جابر عند البخاري (3 / 478 - 480) ومسلم (4 / 35 - 36) وأحمد
(3 / 309 و 366) وكذلك لم ترد في حديث الترجمة لا من الوجه المذكور أولا،
ولا من الطريق الأخرى عند الشيخين وغيرهما. نعم في رواية لأحمد (1 / 198) من
طريق ابن أبي نجيح أن أباه حدثه أنه أخبره من سمع عبد الرحمن بن أبي بكر يقول:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
فذكره نحوه. إلا أنه قال: " فأهلا
وأقبلا، وذلك ليلة الصدر "، لكن الواسطة بين أبي نجيح وعبد الرحمن لم يسم،
فهو مجهول، فزيادته منكرة، وإن سكت الحافظ في " الفتح "(3 / 479) على
زيادته التي في آخره: " وذلك ليلة الصدر "، ولعل ذلك لشواهدها. والله
أعلم.