الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأنه ليس علما، ولأنه خالف
الثقات الذين جزموا ولم يشكوا. وهذا أمر واضح جدا، لا يشك فيه من أوتي علما
وفقها. أرأيت أيها الأخ لو أن جماعة اتفقوا على إثبات حق على أحد من الناس
لآخر، ثم اتفقوا على أن هذا الحق عدده مثلا خمسة، إلا أن أحدهم شك فقال:
خمسة أو ستة. أفيقول عاقل بأن الحق غير ثابت بحجة أن الشاك أوثق من الذين لم
يشكوا؟! لذلك فإني - ختاما - أقول لهذا الأخ المحب ولأمثاله من الأحبة: أرجو
مخلصا أن لا تشغلوا أنفسكم بالكتابة في علم لم تنضجوا فيه بعد، ولا تشغلونا
بالرد عليكم حين تكتبون ردا علي، ولو بطريق السؤال والاستفادة، فإن ما أنا
فيه من الاشتغال بالمشروع العظيم " تقريب السنة بين يدي الأمة " الذي يشغلني
عنه في كثير من الأحيان ردود تنشر في رسائل وكتب ومجلات من بعض أعداء السنة
من المتمذهبة والأشاعرة والمتصوفة وغيرهم، ففي هذا الانشغال ما يغنيني عن
الرد على المحبين الناشئين، فضلا عن غيرهم. والله المستعان، وعليه التكلان.
2787
- " من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن أنزلها بالله، أوشك الله
له بالغنى، إما بموت عاجل أو غنى عاجل ".
أخرجه الترمذي (2327) والحاكم (1 / 408) وعنه البيهقي (4 / 196)
والطبري في " تهذيب الآثار "(1 / 13 / 12 و 13) والدولابي في " الكنى " (1
/ 96) وأبو يعلى في " مسنده "(3 / 1286) والبغوي في " شرح السنة " (14 /
301 / 4109) من طرق عن بشير بن سلمان عن سيار (زاد البغوي: أبي الحكم) عن
طارق بن شهاب عن عبد الله بن مسعود مرفوعا به. وقال الترمذي: " حديث حسن
صحيح غريب ". وقال الحاكم:
" صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وقال
البغوي: " حديث حسن غريب ". قلت: ورجاله كلهم ثقات رجال الشيخين إن كان
سيار هو أبا الحكم كما عند البغوي، وقد قيل: إنه سيار أبو حمزة، وهو ثقة
عند ابن حبان، وقد روى عنه جمع من الثقات فهو صحيح على كل حال، وقد اختلفوا
في تقييد اسمه على وجوه ثلاثة: الأول: (سيار) دون كنية كما في التخريج
المذكور. الثاني: (سيار أبي الحكم) ، أخرجه الطبري أيضا (1 / 11 / 11)
وأبو يعلى (3 / 1308) عن محمد بن بشر العبدي، وأحمد (1 / 389 و 442) عن
وكيع، و (1 / 407) عن أبي أحمد الزبيري، والطبراني في " المعجم الكبير " (
10 / 15 / 9785) وعنه أبو نعيم في " الحلية "(8 / 314) عن أبي نعيم، كلهم
عن بشير بن سلمان عن سيار أبي الحكم عن طارق به. الثالث: (سيار أبي حمزة) ،
أخرجه أبو داود (1645) من طريق ابن المبارك عن بشير بن سلمان عن سيار أبي
حمزة به. وتابعه سفيان الثوري عن بشير به. أخرجه أحمد (1 / 442) ومن
طريقه الدولابي (1 / 98) : حدثنا عبد الرزاق أخبرنا سفيان به. وقال أحمد
عقبه: " وهو الصواب: (سيار أبو حمزة) ، [وليس هو سيار أبو الحكم] ،
وسيار أبو الحكم لم يحدث عن طارق بن شهاب بشيء ". ومثله في كتابه: " العلل "
(1 / 97) والزيادة منه.
وتعقبه الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على "
المسند " (6 / 117) فقال: " نرى أن عبد الرزاق أخطأ في قوله: " عن سيار أبي
حمزة، وأن صوابه عن سيار أبي الحكم خلافا لما رجحه الإمام أحمد هنا ".
وردنا لهذا التعقب من وجهين: أولا: أن عبد الرزاق لم يتفرد به، فقد قال
الحافظ في " التهذيب ": " رواه عبد الرزاق وغيره ". وكأنه يشير إلى المعافى
بن عمران، فقد أخرجه الدولابي (1 / 159) من طريق يحيى ابن مخلد: حدثنا
معافى عن سفيان به، ولفظه:" بأجل عاجل، أو رزق حاضر ". ويحيى بن مخلد
وثقه النسائي كما رواه الخطيب في " التاريخ "(14 / 207 - 208) لكن قد ساق
الحافظ رواية المعافى هذه دون عزو بلفظ: " سيار أبي الحكم "، فلا أدري أهي
المحرفة، أم رواية الدولابي المتقدمة؟ ولعل الأرجح الأول، لأن الحافظ عقب
بها رواية عبد الرزاق. والله أعلم. ثانيا: أن الإمام أحمد ليس وحده في
ترجيح أنه سيار أبو حمزة، بل وافقه على ذلك جماعة من أقرانه وغيرهم، ففي "
التهذيب " عن أبي داود أنه قال عقب الحديث: " هو سيار أبو حمزة، ولكن بشير
كان يقول: (سيار أبو الحكم) وهو خطأ ". وقال الدارقطني:
" قول البخاري:
" (سيار أبو الحكم) سمع طارق بن شهاب " وهم، منه وممن تابعه، والذي يروي
عن طارق هو سيار أبو حمزة، قال ذلك أحمد ويحيى وغيرهما ". إلا أنه قد تبع
البخاري في أنه يروي عن طارق - مسلم في " الكنى " والنسائي والدولابي وغير
واحد كما في " التهذيب " أيضا، وعقب عليه بقوله: " وهو وهم كما قال
الدارقطني ". قلت: وهذا اختلاف شديد من هؤلاء الأئمة الفحول، لعل سببه
اختلاف الرواة على الوجهين الأخيرين من الوجوه الثلاثة المتقدمة، فإن الأول
منها لا يخالفهما، فإنه يحمل على أحدهما من باب حمل المطلق على المقيد،
فالقولان يدوران عليهما، ومن الصعب لأمثالنا أن يرجح أحدهما، لعدم وجود دليل
ظاهر يساعد على ذلك، ومع هذا فإن النفس تميل إلى ترجيح قول الإمام البخاري
ومن معه، لأن رواة الوجه المؤيد له أكثر من رواة الوجه الآخر، كما هو ظاهر من
تخريجهما. أقول هذا إذا كان الاختلاف من الرواة عن بشير بن سلمان، أما إذا
كان الاختلاف منه نفسه كما يشير إلى ذلك أبو داود بقوله المتقدم: ".. ولكن
بشير كان يقول: سيار أبو الحكم، وهو خطأ ". قلت: فإذا كان الخطأ من بشير
نفسه فالأمر أشكل، لأن لقائل أن يقول: ما الدليل على أنه منه، وليس هناك
راو آخر سواه رواه عن سيار، فقال فيه:(سيار أبو حمزة) ؟ وبالجملة،
فالأمر بعد يحتاج إلى مزيد من البحث والتحقيق لتحديد هوية الراوي، أهو أبو
حمزة هذا أم أبو الحكم؟
ولكننا نستطيع أن نقول جازمين أن ذلك لا يضر في صحة
الإسناد لأنه تردد بين ثقتين كما تقدم، فلا ضير فيه سواء كان هذا أو ذاك.
والله أعلم. وأما قول المعلق على " شرح السنة ": " وإسناده صحيح قوي على
مذهب البخاري ومن تبعه كالترمذي وابن حبان والحاكم، وضعيف على مذهب أحمد
والدارقطني وغيرهما ". فأقول: هذا كلام عار عن التحقيق لوجوه: الأول: أنه
لم يبد فيه رأيه الخاص في إسناد الحديث ومتنه، تصحيحا أو تضعيفا. الثاني:
أنه لا يصح الجزم بصحة إسناده على مذهب البخاري، لأنه يستلزم أن يكون رواته
جميعا ثقاتا عند البخاري ومنهم بشير بن سلمان، فإنه وإن كان قد وثقه جماعة،
فإنهم لم يذكروا البخاري معهم، ولا يلزم من سكوته عنه في " التاريخ " (1 / 2
/ 99) وإخراجه له في " الأدب المفرد " أنه ثقة عنده كما لا يخفى على أهل
العلم، خلافا لبعض ذوي الأهواء من الإباضية وغيرهم. الثالث: وعلى العكس من
ذلك يقال فيما نسبه من الضعف على مذهب أحمد و.. فإن ذلك إنما يستقيم لو أنهما
كانا يريان ضعف أو جهالة سيار أبي حمزة، وهيهات، فإنه لم ينقل شيء من ذلك
عنهما. فتأمل. وهذا وثمة اختلاف آخر بين الرواة يدور حول قوله في آخر
الحديث: " إما بموت عاجل، أو غنى عاجل ". وذلك على وجوه: الأول: ما في
حديث الترجمة:
" موت عاجل "، وهو رواية الحاكم ومن بعده، وكذا أبي داود،
وأحمد في رواية. الثاني: بلفظ: " موت آجل "، وهو لأحمد في رواية أخرى.
الثالث: بلفظ: " أجل آجل "، وهو للطبراني وأبي نعيم. الرابع: بلفظ: "
برزق عاجل أو آجل " وهو للترمذي. وهذا اللفظ الأخير مع تفرد الترمذي به،
فهو مخالف لما قبله من الألفاظ، مع احتمال أن يكون حرف (أو) فيه شكا من
الراوي، فلا يحتج به للشك أو المخالفة. وأما اللفظ الثاني والثالث فهما
وإن كانا في المعنى واحدا، إلا أن النفس لم تطمئن لهما لمخالفتهما اللفظ الأول
، لأنه هو المحفوظ في رواية الأكثرين من الرواة والمخرجين، فهو الراجح إن شاء
الله تعالى، وبه التوفيق. وإذا كان الأمر كذلك فما معنى قوله: " إما بموت
عاجل، أو غنى عاجل "؟ فأقول: لم أقف على كلام شاف في ذلك لأحد من العلماء،
وأجمع ما قيل فيه ما ذكره الشيخ محمود السبكي في " المنهل العذب "(9 / 283)
قال: " إما بموت قريب له غني، فيرثه، أو بموت الشخص نفسه، فيستغني عن المال
، أو بغنى ويسار يسوقه الله إليه من أي باب شاء، فهو أعم مما قبله، ومصداقه
قوله تعالى: * (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) * ".