الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2814
- " أول ما فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، فلما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة صلى
إلى كل صلاة مثلها غير المغرب، فإنها وتر النهار، وصلاة الصبح لطول قراءتها
، وكان إذا سافر عاد إلى صلاته الأولى ".
أخرجه الطحاوي في " معاني الآثار "(1 / 241) من طريق مرجى بن رجاء قال:
حدثنا داود عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت: فذكره. قلت: وهذا إسناد
حسن رجاله ثقات غير مرجى بن رجاء فإنه مختلف فيه وأورده الذهبي في " المتكلم
فيهم بما لا يوجب الرد "، وقال (173 / 319) : " علق له البخاري، جائز
الحديث ". وقد لخص كلام الأئمة فيه الحافظ، فقال في " التقريب ": " صدوق
ربما وهم ". قلت: قد قام الدليل على أنه قد حفظ ولم يهم، بمتابع له معتبر
وشاهد. أما المتابع فهو محبوب بن الحسن: حدثنا داود به. أخرجه السراج في "
مسنده " (ق 120 / 2) من طريقين عنه، وصححه ابن خزيمة وابن حبان كما في "
تمام المنة " (304) ، واحتج به الحافظ كما يأتي، ومحبوب هذا اسمه محمد
ومحبوب لقبه، قال ابن معين:" ليس به بأس ". وذكره ابن حبان في " الثقات ".
وقال النسائي: " ضعيف ". وقال أبو حاتم: " ليس بالقوي ". قلت: فمثله
يستشهد به على الأقل، وإلى ذلك أشار الحافظ بقوله:
" صدوق فيه لين ".
وتابعهما أبو معاوية الضرير - وهو ثقة - في " مسند ابن راهويه " (3 / 933 -
934) لكنه لم يذكر فيه (مسروقا) . وبعضه في " صحيح البخاري "(3935) و "
أبي عوانة " (2 / 28) وابن راهويه (2 / 107 / 31) من طريق معمر عن الزهري
عن عروة عن عائشة مختصرا بلفظ: " فرضت الصلاة ركعتين ثم هاجر النبي صلى الله
عليه وسلم ففرضت أربعا وتركت صلاة السفر على الأولى ". وهو متفق عليه دون
ذكر الهجرة، وهو مخرج في " صحيح أبي داود "(1082) . وأما الشاهد، ففي "
المطالب العالية المسندة " للحافظ ابن حجر (ق 25 / 2) : " إسحاق (1) : قلت
لأبي أسامة: أحدثكم سعد بن سعيد الأنصاري قال: سمعت السائب ابن يزيد يقول:
كانت الصلاة فرضت سجدتين سجدتين: الظهر والعصر، فكانوا يصلون بعد الظهر
ركعتين وبعد العصر ركعتين، فكتب عليهم الظهر أربعا والعصر أربعا، فتركوا
ذاك حين كتب عليهم، وأقرت صلاة السفر [ركعتين] ، وكانت الحضر أربعا؟ فأقر
به، وقال: نعم ". وقال الحافظ: " هذا حديث حسن ".
(1) هو ابن راهويه الإمام الحافظ صاحب " المسند " المعروف به. وانظر الصفحة
الآتية (747) . اهـ.
قلت: وإنما لم يصححه
مع أن رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، لأن سعدا الأنصاري مختلف فيه، قال أحمد: "
ضعيف ". وكذا قال ابن معين في رواية. وقال في أخرى: " صالح ". وقال
النسائي: " ليس بالقوي ". وقال ابن سعد: " كان ثقة قليل الحديث ". وقال
الترمذي: " تكلموا فيه من قبل حفظه ". وذكره ابن حبان في " الثقات " (4 /
298) وقال: " كان يخطىء ". قلت: ولهذا أورده الذهبي في رسالته المتقدمة "
المتكلم فيهم " (111 / 141) فمثله حسن الحديث إن شاء الله تعالى، فهو شاهد
جيد. وقد أخرجه السراج في " مسنده "(ق 120 / 1) والطبراني في " المعجم
الكبير " (7 / 184 - 185) من طرق أخرى عن سعيد به مختصرا. وقال الهيثمي (2
/ 155) : " رواه الطبراني في " الكبير "، ورجاله رجال (الصحيح) ". وله
شاهد آخر، ولكنه مما لا يفرح به لشدة ضعف راويه وهو عمرو بن
عبد الغفار،
رواه عن عاصم الأحول عن أبي عثمان عن سلمان قال: " فرضت الصلاة ركعتين [
ركعتين] ، فصلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة حتى قدم المدينة،
وصلاها في المدينة ما شاء الله، وزيد في صلاة الحضر ركعتين وتركت صلاة السفر
على حالها ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (2 / 31 / 2 / 5541 - بترقيمي)
وقال: " لم يروه عن عاصم إلا عمرو، ولا يروى عن سلمان إلا بهذا الإسناد ".
قلت: قال الهيثمي (2 / 156) : " وفيه عمرو بن عبد الغفار، وهو متروك ".
(تنبيه) : زيادة (ركعتين) في حديث سلمان هذا استدركتها من " مجمع الزوائد "
، كما استدركتها في حديث السائب المتقدم من " المطالب العالية " المطبوعة (1 /
180) ، وقد سقط منها عزو الحديث لإسحاق! والظاهر أن محقق الكتاب الشيخ
الأعظمي لم يرجع إلى النسخة المسندة من " المطالب العالية "، وإلا لتدارك هذا
السقط، ولما وقع في خطأ تفسيره لقوله المتقدم في الحديث:" فأقر به "، فإنه
قال: " أي فأقر به سعد بن سعيد "! وهذا خطأ محض، والصواب أن يقال: " أي
فأقر به أبو أسامة " كما هو ظاهر من سياق إسناده المتقدم (ص 745) . وهو أبو
أسامة حماد بن أسامة من ثقات شيوخ الأئمة الشافعي وأحمد، وإسحاق بن راهويه.
(فائدة) : دلت الأحاديث المتقدمة على أن صلاة السفر أصل بنفسها، وأنها
ليست
مقصورة من الرباعية كما يقول بعضهم، فهي في ذلك كصلاة العيدين ونحوها، كما
قال عمر رضي الله عنه: " صلاة السفر وصلاة الفطر وصلاة الأضحى وصلاة الجمعة
، ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم ". رواه ابن خزيمة
وابن حبان في " صحيحيهما "، وهو مخرج في " إرواء الغليل "(638) . وذلك هو
الذي رجحه الحافظ في " فتح الباري " بعد أن حكى الاختلاف في حكم القصر في السفر
، ودليل كل، فقال (1 / 464) : " والذي يظهر لي - وبه تجتمع الأدلة
السابقة - أن الصلوات فرضت ليلة الإسراء ركعتين ركعتين إلا المغرب، ثم زيدت
بعد الهجرة عقب الهجرة إلا الصبح، (ثم ذكر حديث محبوب، وفاته متابعة المرجى
، وقال:) ثم بعد أن استقر فرض الرباعية خفف منها في السفر عند نزول الآية
السابقة وهي قوله تعالى: * (فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة) *، ويؤيد
ذلك ما ذكره ابن الأثير في " شرح المسند ": أن قصر الصلاة كان في السنة
الرابعة من الهجرة.. ". وخالف ما تقدم من التحقيق حديثيا وفقهيا بعض ذوي
الأهواء من المعاصرين، وهو الشيخ عبد الله الغماري المعروف بحبه للمخالفة
وحب الظهور، وقديما قيل: حب الظهور يقصم الظهور! والأمثلة على ذلك كثيرة
كنت ذكرت بعضها في مقدمة المجلد الثالث من السلسلة الأخرى: " الضعيفة "، وفي
تضاعيف أحاديثها. وأمامنا الآن هذا المثال الجديد: لقد زعم في رسالته "
الصبح السافر " (ص 12) في عنوان له: " فرضت الصلاة أربعا لا اثنتين "،
واستدل لذلك - مموها على القراء - بأمور ثلاثة:
الأول: الآية السابقة * (فليس
عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة..) *، وذكر أنها نزلت في صلاة الخوف في
العهد المدني. الثاني: أحاديث منها قوله صلى الله عليه وسلم: " إن الله وضع
عن المسافر الصيام وشطر الصلاة ". رواه أصحاب السنن وغيرهم، وهو مخرج عندي
في " صحيح أبي داود "(2083) وغيره. الثالث: أنه ساق خمسة أحاديث صريحة في
أن قصر الصلاة كان في مكة حين نزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه
وسلم، وصلى به الصلوات الخمس. والجواب على الترتيب السابق:
1 -
أما الآية فقد اعترف هو (ص 20) أنها نزلت بعد الهجرة في السنة الرابعة أو
الخامسة، وزاد ذلك بيانا فقال (ص 21) : " بل الذي وقع أنه كان بين زيادة
صلاة الحضر وقصر صلاة السفر فترة زادت على ثلاث سنوات كما مر "! قلت: فهو قد
هدم بهذا القول الصريح ذلك العنوان، وما ساقه تحته من الأدلة، وهذا أولها،
فإن معنى ذلك أن صلاة الحضر فرضت اثنتين اثنتين، ثم زيدت في المدينة، وهذا
يوافق تماما حديث عائشة وبخاصة حديث الترجمة، وما استظهره الحافظ كما تقدم،
ويخالف زعمه أنها فرضت أربعا أربعا في مكة! 2 - الأحاديث التي ذكرها وأشرت
إليها، ونقلت إلى القراء واحدا منها، لأن الجواب عنه جواب عنها، وهو في
الحقيقة نفس الجواب عن الآية السابقة، لأن الوضع المذكور في الحديث يصح حمله
في كل من الاحتمالين أي سواء كانت
الزيادة مكية كما يزعم الغماري، أو مدنية
كما يدل عليه ما تقدم من الأحاديث، فقوله (ص 12) : " فهذه ثلاثة أحاديث تصرح
بأن صلاة المسافر مقصورة من أربع ركعات، لأن معنى وضع شطر الصلاة حط نصفها بعد
أن كان إتمامها واجبا عليه ". قلت: فهذا الكلام لا ينافي ما ذكرته، ولا
دليل فيه يؤيد به انحرافه! 3 - أما الأحاديث الخمسة الصريحة، فهي في الحقيقة
أربعة لأن الثالث والخامس منها مدارهما على الحسن البصري مرسلا، وهي كلها
ضعيفة منكرة، وقد دلس فيها على القراء ما شاء له التدليس، وأوهمهم صحة بعض
أسانيدها وصراحة متونها وهو في ذلك غير صادق، وإليك البيان بإيجاز وتفصيل
: أما الإيجاز: فهو أن الأحاديث الخمسة منكرة كلها، لضعف أسانيدها ومخالفتها
للأحاديث الصحيحة التي لم تذكر تربيع الركعات في الظهر والعصر والعشاء،
وبعضها يصرح أن الصلاة فرضت ركعتين ركعتين، فأقرت في السفر وزيدت في الحضر.
وأما التفصيل، فأقول مستعينا بالله عز وجل: 1 - أما الحديث الأول: فذكره (ص
13) من طريق أبي بكر بن عمرو بن حزم عن أبي مسعود الأنصاري قال: " جاء جبريل
إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قم فصل، وذلك لدلوك الشمس حين مالت،
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الظهر أربعا.. ". ثم ذكر مثله في
صلاة العصر والعشاء. وقال: " رواه إسحاق بن راهويه في " مسنده " على شرط
الشيخين ".
قلت: هذا من تدليسه فإنه يعلم أن أبا بكر بن عمرو لم يسمعه من أبي
مسعود لأنه نقله من كتاب " نصب الراية " للزيلعي (1 / 223) وقد نقل عن
البيهقي أنه منقطع، وهذا قد أخرجه في " سننه "(1 / 361) وكذا الباغندي في
" مسند عمر ابن عبد العزيز "(رقم 62) من طريق أخرى عن أبي بكر به. وقال
البيهقي: " أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم لم يسمعه من أبي مسعود الأنصاري
وإنما هو بلاغ بلغه ". هذا أولا. وثانيا: هو يعلم أن الحديث في " الصحيحين "
وغيرهما من طريق أخرى عن أبي مسعود مختصرا ليس فيه بيان الصلوات بله الركعات،
وأخرجه أبو داود ببيان الصلوات دون الركعات، وهذا كله يعني أن ذكر الركعات
منكر لأنها زيادة بسند ضعيف على الرواية الصحيحة، وقد أشار إلى هذه الحقيقة
الحافظ ابن حجر بقوله عقب حديث أبي بكر: " قلت: وأصله في " الصحيحين " من
غير بيان " الأوقات ". وكذا في " نصب الراية ". وهو مخرج في " صحيح أبي
داود " (418) و " الإرواء " (1 / 269) . وثالثا: هو يعلم أيضا أن الحديث
قد جاء عن جماعة من الصحابة بلغوا سبعة نفر ليس في حديثهم عدد الركعات، منهم
عبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله وأبو هريرة، وهي مخرجة في " الإرواء "
(249)
، و " صحيح أبي داود "(417 و 419 و 420) وهي كلها مخرجة في " نصب
الراية "، فماذا يقول الإنسان عن رجل يتجاهل كل هذه الروايات، وبعضها صحيح
وحسن لذاته،
وبعضها حسن لغيره، ويتشبث برواية ضعيفة منكرة هي رواية أبي بكر
هذه عند إسحاق. على أن هذا قد روى عنه رواية أخرى موافقة لرواية الجماعة، هي
أصح من روايته الأولى المنقطعة، فقد روى معمر عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد
بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده عمرو بن حزم قال: " جاء جبريل فصلى بالنبي صلى
الله عليه وسلم.. " الحديث ليس فيه ذكر الركعات. رواه إسحاق بن راهويه في "
مسنده " كما في " نصب الراية " (1 / 225) و " المطالب العالية " (ق 9 / 2)
من طريق عبد الرزاق، وهذا في " المصنف "(1 / 534) لكن وقع سقط في إسناده.
وقال الحافظ عقبه في " المطالب " أيضا: " هذا إسناد حسن، إلا أن محمد بن
عمرو بن حزم لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم لصغره، فإن كان الضمير في "
جده " يعود إلى " أبي بكر " توقف على سماع أبي بكر من عمرو ". قلت: هو عن جده
مصرح به - كما ترى - فهو منقطع لأن (محمد بن عمرو) لم يدركه، ولكنه صحيح
لشواهده المتقدمة، فإنه ليس فيه شيء من النكارة بخلاف رواية أبي بكر الأولى.
تدليس آخر للغماري هداه الله، قال عقب حديثه المتقدم عن أبي مسعود وفيه عدد
الركعات المنكر: " ورواه البيهقي في " المعرفة " من طريق أيوب بن عتبة:
حدثنا أبو بكر بن عمرو ابن حزم عن عروة بن الزبير عن ابن أبي مسعود الأنصاري عن
أبيه ". قلت: وجه تدليسه على القراء من ناحيتين: الأولى: سكت عن إسناده
فأوهم أن لا شيء فيه وأن البيهقي لم يتكلم
عليه، وهو خلاف الواقع، فإن
الزيلعي لما عزاه للبيهقي لم يدلس كما صنع الغماري! ومنه نقله، بل أتبعه
بقوله (1 / 223) : " قال البيهقي: فأيوب بن عتبة ليس بالقوي ". والأخرى -
وهي أخطر -: أنه ليس في هذه الطريق تربيع الركعات، وقد أشار لذلك البيهقي
في " المعرفة " بقوله (1 / 173) عقب الحديث: " ولم أر ذكر العدد إلا في
حديث سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد (يعني: حديثه عن أبي بكر المتقدم والذي
أعله بالانقطاع) وقد اختلفوا فيه، وحديث معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة
يدل على أنها فرضت بمكة ركعتين ركعتين، فلما خرج إلى المدينة فرضت أربعا،
وهو أصح ". قلت: وهذا مما لا شك فيه لحديث الترجمة وغيره مما تقدم، ولكن
الغماري لا يقيم وزنا لما صح من الحديث، بل ويضعفه بالرأي لمجرد مخالفته
لهواه كحديث معمر هذا، فإنه قد ضعفه مع كونه في " صحيح البخاري " كما سيأتي
بيانه، والله المستعان. ويؤيد ما أشار إليه البيهقي، أن الحديث أخرجه
الطبراني في " المعجم الكبير "(17 / 260 / 718) فقد ساقه فيه بتمامه من طريق
أيوب بن عتبة، وليس فيه التربيع. وثمة تدليس ثالث للغماري في قوله عقب
فقرته السابقة: " ورواه الباغندي في " مسند عمر بن عبد العزيز "، وصرح في
روايته باسم بشير ابن أبي مسعود. وبشير قال عنه الحافظ: تابعي جليل..
فالحديث بمجموع الطريقين صحيح ".
قلت: ليتأمل القارىء هذا التدليس الخبيث،
كيف أنه تكلم عن بشير وأنه ثقة - وهذا حق - وانصرف عن الكلام عن علة الحديث
وهي أيوب بن عتبة الذي في رواية البيهقي موهما القراء أن لا علة فيه! كما أنه
ليس عند الباغندي (رقم 64) التربيع أيضا! وقوله: فالحديث صحيح بمجموع
الطريقين إن كان يعني بهما رواية البيهقي والباغندي فهو واضح البطلان لأنه من
باب تقوية رواية الضعيف بروايته الأخرى، وهذا لا يصدر إلا من مأفون! وإن
كان يعني طريق أيوب هذه وطريق ابن راهويه، فهو قريب من الأول لأن مدارهما على
أبي بكر، غاية ما في الأمر أن الطريق الأولى منقطعة كما تقدم، والأخرى متصلة
، لكن الذي وصلها - وهو أيوب - ضعيف، والأولى رجالها ثقات، وقد قال
الغماري نفسه كما سبق أن إسنادها على شرط الشيخين فكيف يصح تقوية المنقطع
بالمتصل وروايته مرجوحة! هذا لو كان في متن كل منهما التربيع، وليس كذلك
كما سبق، ولم يكن ذكر التربيع في رواية أبي بكر منكرا، وهيهات هيهات، فقد
أثبتنا نكارته بما لا قبل لأحد برده مهما كان مكابرا كالغماري. وبهذا ينتهي
الكلام على حديثه الأول. 2 - وأما حديثه الثاني وهو عن أنس، فقد كفانا مؤنة
رده اعتراف الغماري بأن في إسناده مجهولين، لكن هذا ليس بعلة قادحة عندي
لأنهما قد توبعا وإنما هي المخالفة، بل النكارة في المتن، والمخالفة في
السند والمتن! أما الأولى: فهي قولهما في حديثهما: أن جبريل أمر النبي صلى
الله عليه وسلم أن يؤذن للناس بالصلاة. ومعلوم أن الأذان إنما شرع في المدينة
!
والأخرى: أن البيهقي أخرج الحديث بسند صحيح عن شيبان بن عبد الرحمن النحوي
عن قتادة: حدثنا أنس بن مالك أن مالك بن صعصعة حدثهم فذكر حديث المعراج بطوله
وفيه فرض الصلوات الخمس. قال قتادة: وحدثنا الحسن يعني البصري أن النبي صلى
الله عليه وسلم.. قلت: فذكر الحديث نحو رواية المجهولين، لكن دون الأمر
بالأذان، وفيه تربيع الصلوات الثلاث، وقال البيهقي عقبه: " ففي هذا الحديث
، وما روي في معناه دليل على أن ذلك كان بمكة بعد المعراج، وأن الصلوات
الخمس فرضت حينئذ بأعدادهن، وقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها خلاف ذلك ". ثم
ساق البيهقي حديث معمر المتقدم برواية البخاري، وحديث داود بن أبي هند من
طريق ثالث عنه، استغنيت عن ذكره هناك بالطريقين السابقين. قلت: ووجه
المخالفة أن شيبان النحوي بين في روايته عن قتادة عن أنس أنه ليس فيها ذكر
التربيع الذي رواه قتادة عن الحسن مرسلا. ومعنى ذلك أن الحسن زادها على أنس،
فكانت منكرة بهذا الاعتبار، فكيف إذا ضم إلى ذلك مخالفته أيضا للأحاديث
الصحيحة التي سبقت الإشارة إليها؟ 3 - وأما حديثه الثالث، وقد ساقه من طريق
سعيد عن قتادة عن الحسن. فقد عرفت الجواب عنه آنفا، ولذلك فمن التدليس
الخبيث قوله: " مرسل صحيح الإسناد، وهو مع حديث أنس حجة، كما تقرر في علم
الحديث والأصول "! قلت: يشير إلى قولهم - واللفظ للنووي في " تقريبه " (1
/ 198 - بشرح " التدريب ") :
" فإن صح مخرج المرسل بمجيئه من وجه آخر مسندا أو
مرسلا أرسله من أخذ عن غير رجال الأول كان صحيحا ". وراجع " فتح المغيث " (1
/ 138) . وجوابنا عن قوله المذكور من وجهين: الأول: أن هذا في غير المرسل
الذي ثبتت نكارته ومخالفته للأحاديث الصحيحة، ومثله أقول في المسند الشاهد
له أنه لا يصلح للشهادة لأنه منكر أيضا كما سبق تحقيقه، فكيف يقوي منكر منكرا
؟! والآخر: أن مراسيل الحسن عند العلماء شبه الريح كما قال الحافظ العراقي
فيما نقله السيوطي في " شرحه "(1 / 204) ، وذلك لأنه كان ممن يصدق كل من
يحدثه، ولذلك قال ابن سيرين: حدثوا عمن شئتم من المراسيل إلا عن الحسن وأبي
العالية، فإنهما لا يباليان عمن أخذا الحديث. وقال أحمد: ليس في المرسلات
شيء أضعف من مرسلات الحسن وعطاء بن أبي رباح، فإنهما يأخذان عن كل أحد.
نقلتهما من " جامع التحصيل " للعلائي (ص 44 و 86 و 87 و 97) . وإن مما يؤكد
ما ذكر العلماء أن الحسن نفسه قد يروي حديثا عن صحابي دون أن يسمي من حدثه عنه
، ثم هو يفتي بخلافه! الأمر الذي يشعرنا بأنه هو نفسه كان لا يثق بما يرسله،
فانظر " الضعيفة " الحديث (342) . 4 - وأما حديثه الرابع، فقد ذكره من
رواية عبد الرزاق في " المصنف " عن ابن جريج قال: قال نافع بن جبير وغيره:
…
فذكر الحديث. وقال عقبه: " إسناده صحيح "!
قلت: وهذا كذب صريح،
وتدليس على القراء خبيث، فإن نافع بن جبير تابعي معروف ثقة، فلو أنه قال:
إسناده مرسل صحيح، لكان كذابا أيضا، فإن في الطريق إليه علتين تحولان دون
التصحيح: الأولى: وهي ظاهرة لكل ذي معرفة بهذا العلم، وما أظن ذلك مما
يخفى على الغماري، ولكنه الهوى! وهي قول ابن جريج: قال: قال نافع. فإن
ابن جريج كان من المدلسين المعروفين بذلك والمكثرين منه كما في " التحصيل " (
ص 123) للعلائي، فمثله لا يقبل حديثه إلا إذا صرح بالتحديث، وبخاصة أنه كما
قال الدارقطني: " تدليسه قبيح، لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح، مثل إبراهيم
بن أبي يحيى وموسى بن عبيدة "! والعلة الأخرى: أن عبد الرزاق أخرجه في "
كتاب الصلاة " من " مصنفه " (1 / 532 / 2030) ، وهذا الكتاب يرويه عنه إسحاق
بن إبراهيم الدبري (انظر ص 349 منه) وفي سماعه منه كلام معروف، قال النسائي
في " الضعفاء "(ص 297 / 379) في ترجمة عبد الرزاق: " فيه نظر لمن كتب عنه
بأخرة ". زاد في " التهذيب " عنه: " كتب عنه أحاديث مناكير ". وقال الذهبي
في " الميزان " في ترجمة إسحاق بن إبراهيم الدبري: " سمع من عبد الرزاق
تصانيفه، وهو ابن سبع سنين أو نحوها، لكن روى عن عبد الرزاق أحاديث منكرة،
فوقع التردد فيها هل هي منه فانفرد بها، أو هي معروفة مما تفرد به عبد الرزاق
".
وفي " اللسان ": " ذكر أحمد أن عبد الرزاق عمي فكان يلقن فيتلقن، فسماع
من سمع منه بعدما عمي لا شيء. قال ابن الصلاح: وقد وجدت فيما روى الدبري عن
عبد الرزاق أحاديث استنكرتها جدا، فأحلت أمرها على الدبري، لأن سماعه منه
متأخر جدا ". قلت: وبالجملة فالحديث ضعيف لإرساله، وانقطاعه بين مرسله
والراوي عنه، وضعف السند إليه، ظلمات بعضها فوق بعض، ومع هذا كله يقول فيه
هذا الهالك في عجبه وغروره: إسناده صحيح!! أضف إلى ذلك العلة العامة الشاملة
لأحاديثه الخمسة، وهي مخالفة الأحاديث الصحيحة! 5 - وأما حديثه الخامس،
فهو عن الحسن البصري أيضا كما تقدمت الإشارة إليه وتقدم الجواب عنه في حديثه
الثالث بما فيه كفاية وأنه منكر مثل كل أحاديثه! هذا، ومن ضلال هذا المأفون
أنه بعد أن ساق هذه الأحاديث الضعيفة وبنى عليها أن الصلوات الثلاث فرضت أربعا
أربعا، انبرى ليضعف ما صح من الأحاديث المخالفة لها، وهي ثلاثة: الأول:
حديث عائشة المتقدم: فرضت الصلاة ركعتين
…
الحديث. وهو مما أخرجه الشيخان
وغيرهما من أصحاب الصحاح، حتى قال ابن رشد في " البداية " (3 / 395 - بتخريج
الهداية) : " إنه حديث ثابت باتفاق ". وأقره مخرجه الشيخ أحمد الغماري أخو
عبد الله هذا، وخرجه ولم يعلق عليه
بشيء، وأما هذا المأفون، فزعم (ص 16
و18) : أنه شاذ، والشاذ من قبيل الضعيف. بعد أن ادعى أنه موقوف عليها.
وهذه الدعوى وإن كان مسبوقا إليها من بعض فقهاء الشافعية، فقد ردها الحافظ -
وهو شافعي أيضا - بقوله في " الفتح "(1 / 464) ردا على المخالفين: " فهو مما
لا مجال للرأي فيه، فله حكم الرفع ". قلت: وإني - والله - لأتعجب كل العجب
من أولئك الفقهاء وكيف يجيزون على السيدة عائشة أن تقول من نفسها: " فرض الله
الصلاة حين فرضها ركعتين ركعتين في الحضر والسفر.. " الحديث، وهو متفق عليه
- كما تقدم - ولو أنها قالت من نفسها: " فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
" كما قال ذلك ابن عمر في صدقة الفطر، لو أن ذلك قاله قائل دون توقيف من
رسول الله صلى الله عليه وسلم لاعتبر القائل من الكاذبين على رسول الله صلى
الله عليه وسلم، فكيف يكون حاله لو قال:" فرض الله.. "؟! تالله إنها لإحدى
الكبر أن يقال في عائشة الصديقة رضي الله عنها أنها قالت ذلك من نفسها دون
توقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم! ولا يقال: لعلهم لم يقفوا على هذا
اللفظ الصريح في الرفع، وإنما على اللفظ الآخر: " فرضت الصلاة ركعتين ركعتين
.. ". لأننا نقول: هب أن الأمر كذلك بالنسبة لغير الغماري، فإنه في معنى
الأول، ألا ترى أن العلماء ذكروا في " مصطلح الحديث ":" وقول الصحابي: "
أمرنا بكذا " أو " نهينا عن كذا " مرفوع مسند عند أصحاب الحديث ". كذا في "
اختصار علوم الحديث " (ص 50) وغيره. وليس بخاف على أحد أنه لا فرق بين قول
الصحابي: " أمر " وقوله " فرض "، وبخاصة إذا صرح بالفاعل كما في هذه
الرواية الصحيحة عن عائشة
رضي الله عنها، فالحكم على الحديث والحالة هذه
بالوقف مخالف لقواعد علم الحديث، هذه القواعد التي يتبجح الغماري بالإحالة
إليها كثيرا دون ما فائدة كما فعل في الحديث الثالث المتقدم. وإنما قلت آنفا
: " لغير العماري "، لأن أولئك الفقهاء قد يمكن أن يلتمس لهم العذر من باب
إحسان الظن بهم، وأما هذا الغماري فقد أغلق هذا الباب بينه وبين مخالفيه،
لكثرة طعنه فيهم بغير حق، كما كنت شرحت ذلك في مقدمة المجلد الثالث المشار
إليه فيما سبق، ولمكابرته في رد النصوص إما بردها وتضعيفها، أو بتأويلها
وإخراجها عن معانيها الظاهرة. وهذا هو المثال بين يديك حديث عائشة يرده بعلة
الوقف، وقد عرفت بطلانها مما بينت آنفا. وهناك شيء ثان وثالث يدل على
مكابرته وجحوده. أما الأمر الثاني، فهو مخالفته لأئمة الحديث الذين أوردوا
الحديث في " مسانيدهم " كالطيالسي (1535) وحديثه صريح في الرفع كما يأتي في
الذي بعده، وأحمد (6 / 234 و 241 و 265 و 272) وأبي يعلى (5 / 48 و 8 /
107) وغيرهم، ومعلوم أن " المسانيد " وضعها مؤلفوها للأحاديث المرفوعة،
ولا يذكرون فيها شيئا من الموقوفات إلا نادرا. أما الأمر الثالث، فهو تقصده
الإعراض عن ذكر الأحاديث المرفوعة صراحة كحديث الترجمة وما في معناه مما تقدم
تخريجه، لمخالفتها ما ذهب إليه من أن أصل الصلاة التربيع، وهذا مما يؤكد أنه
من أهل الأهواء، لأنهم يذكرون ما لهم، ولا يذكرون ما عليهم بخلاف أهل السنة
فإنهم يذكرون ما لهم وما عليهم ولا يصح أن يقال: أنه لعله لم يطلع على تلك
الأحاديث، ذلك لأن بعضها في " فتح الباري "، وهو من مراجعه يقينا، وقد رآه
فيه معزوا لصحيح ابن خزيمة وابن حبان،
فلماذا أعرض عنه؟! ولقد زاد في
المكابرة فقال في الوجه العاشر (ص 18) : " ولم يأت في شيء من الطرق التي
استندوا إليها صحيحها وضعيفها أن الصلاة كانت اثنتين ثم فرضت بعد الهجرة أربعا
". قلت: يأبى الله بحكمته إلا أن يكشف مكابرة هذا المدبر وضلاله - بقلمه -
فإنه ينفي ذلك في كل الطرق حتى الضعيفة منها، فكيف يقول هذا وهو في صدد تضعيف
حديث عائشة، ومن ألفاظه في رواية معمر المتقدمة بلفظ: " فرضت الصلاة ركعتين
ثم هاجر النبي ففرضت أربعا.. ". وهذا اللفظ قد ذكره هذا المدبر نفسه في
رسالته (ص 20) ، فهذا نص صريح ينافي ما نفاه، فهل كان ذلك عن غفلة منه أو
تغافل؟ أحلاهما مر، فهذا الحديث صريح في الرفع، فهو يبطل ادعاءه بأنه موقوف
، وحسبك أنه في صحيح البخاري مع وروده من طرق أخرى كما تقدم. وأما زعمه بأنه
شاذ ضعيف، فهو أبطل من سابقه، لأنه لم يقله مسلم من قبله، وقد ذكرت آنفا عن
ابن رشد أنه ثابت باتفاق. بل إنني أقول: إنه صحيح يقينا لأنه من أحاديث
الصحيحين التي تلقتها الأمة بالقبول، لا فرق بين من حمله على الوجوب، ومن
حمله على الاستحباب، وما كان كذلك من أحاديثهما فهو يفيد العلم كما هو مقرر
في " المصطلح "، وراجع لذلك " شرح اختصار علوم الحديث " لابن كثير. ولهذا
فإني أخشى أن يشمله وعيد قوله تعالى * (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له
الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) * (
115: النساء) . ولو علم القارىء الأسباب التي حملته على مخالفته للمسلمين
لازداد تعجبا معي من جرأته في المخالفة، ويمكن تلخيصها بما يأتي:
أولا:
مخالفته بزعمه للقرآن وحديث وضع شطر الصلاة، وقد سبق بيان بطلان هذه
المخالفة، وأنه موافق لهما، فلا داعي للإعادة. ثانيا: أنه مخالف بزعمه
أيضا لأحاديثه الخمسة، وقد عرفت أنها ضعيفة الأسانيد منكرة مخالفة للأحاديث
الصحيحة، ومنها حديث الترجمة. ولذلك لم يصححها أحد! ثالثا: أنه يجوز أن
يكون شرعت الركعتان حين فرض عليه صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء خمسون صلاة،
ثم خففت إلى خمس وكملها أربعا أربعا! وهذا تجويز عقلي - ومن عقله هو! -
يغني حكايته عن رده لمعارضته للنصوص الصحيحة. رابعا: لما تواتر من بيان
ركعاتها من جبريل صبيحة ليلة الإسراء! وهذا كذب وزور لم يقله أيضا مسلم قبله
، وهو تكرار للمخالفة الثانية. والمتواتر إنما هو صلاة جبريل عليه السلام
بالنبي صلى الله عليه وسلم دون بيان الركعات. بل لو قيل بأن المتواتر أنها
فرضت ركعتين ركعتين لما كان بعيدا عن الصواب، لتلقي الأمة لحديثها بالقبول كما
تقدم آنفا. وبالجملة فالرجل مغرم بالمخالفة للعلماء بسوء فهمه الذي يصور له
الصحيح ضعيفا والضعيف صحيحا، ومما ضعفه أيضا من الحديث الصحيح حديث عمر
المتقدم (ص 748) : " صلاة السفر.. ركعتان تمام غير قصر.. على لسان نبيكم "
(ص 23) وحديث ابن عباس: " إن الله فرض الصلاة على لسان نبيكم على المسافر
ركعتين.. " حكم عليه أيضا بالشذوذ! (ص 22 - 23) . وإن من خبثه ومكره
بقرائه، أن هذه الأحاديث الصحيحة والتي هو يضعفها، لا يخرجها حتى لا يتنبه
القراء أنها صحيحة فيشكون على الأقل بتضعيفه إياها! فحديث ابن عباس رواه مسلم
وأبو عوانة وابن خزيمة وابن حبان في
" صحاحهم "، وحديث عائشة أخرجه
الشيخان كما تقدم، وكذا المذكورون مع مسلم آنفا، وحديث ابن عباس مخرج عندي
في " صحيح أبي داود "(1134) و " الروض النضير "(393) وحديث عمر سبق
تخريجه. ومن الأحاديث الضعيفة التي صححها هذا الغماري المأفون حديث عائشة: "
كان يسافر فيتم الصلاة ويقصر " (ص 26 - 28) ولا أريد إطالة الكلام في الرد
عليه فإنني قد بينت ضعفه وكشفت عن علته في " إرواء الغليل "(3 / 6 - 9)
وإنما أريد أن ألفت نظر القراء إلى أمرين هامين: الأول: أن الغماري لم يبين
صحة الحديث على طريقة المحدثين، وبخاصة وهو بصدد الرد على المضعفين له كابن
تيمية وابن القيم وابن حجر وإنما اقتصر على تقليد الدارقطني في قوله: "
إسناده صحيح " وقد بينت هناك أن فيه مجهول الحال، وأما الغماري فقال (ص 30
) : " رجال إسناده ثقات "! دون أي بيان أو تحقيق! والآخر: أن من المضعفين
لهذا الحديث الذي صححه هذا الغماري الصغير أخاه الكبير أحمد الغماري رحمه الله
، فإنه قال معلقا على قول ابن رشد: " لم يصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه أتم
الصلاة قط ". فقال الشيخ أحمد: " قلت: هذا معلوم من سيرته لمن تتبع الأحاديث
والأخبار في أسفاره صلى الله عليه وسلم، وقد نص الحفاظ على ذلك، قال ابن
القيم في " الهدي النبوي "
…
" ثم ساق كلام ابن القيم، وارتضاه. وأما
الغماري الصغير، فإنه حكاه ورده بتصحيح الدارقطني لإسناده وتقليده إياه كما
تقدم، فتأمل كم هو مغرور بنفسه، هالك في مخالفاته! نسأل الله العافية
والسلامة.
وخلاصة ما تقدم أن حديث الترجمة صحيح بمتابعه وشاهده، وبعضه في "
صحيح البخاري "، وبشاهده الذي حسنه الحافظ. وقد جاء الحديث من طريق أخرى عن
عائشة، وهو الآتي بعده. والحمد لله تعالى وحده. ثم رأيت المسمى حسن السقاف
الهالك في تقليد شيخه عبد الله الغماري، قد نقل عن كتابه " الصبح " بعض أقواله
في أحكام السفر، نقلها في كتاب له أسماه " صحيح صلاة النبي صلى الله عليه وسلم
من التكبير إلى التسليم كأنك تنظر إليها "، وهو كتاب مزور مسروق من كتابي
المعروف كما يشعرك به عنوانه، ويؤكد ذلك لكل باحث بصير مضمونه، فإنه جرى فيه
على نهج شيخه في التدليس على القراء وتضعيف الأحاديث الصحيحة وتصحيح الأحاديث
الضعيفة مؤكدا بذلك أنه - على الأقل - من أهل الأهواء بما لا مجال لبيان ذلك
الآن، فحسبي من ذلك هنا الإشارة إلى أنه في كتابه المذكور عقد فصلا في آخره في
قصر الصلاة في السفر، جرى فيه على الإعراض عن دلالة حديث عائشة وغيره في وجوب
قصر الصلاة في السفر، مصرحا بأنه رخصة فقط! وأتى برواية باطلة عن عائشة، أن
قصره صلى الله عليه وسلم إنما كان في حرب، وأنه كان يخاف!! ومن المتواتر عن
النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين أنهم داوموا على القصر في السفر
في حجة الوداع وغيرها، فهل خفي هذا على هذا المقلد، أم هي المكابرة والجحد
للحقائق؟! ثم لم يكتف بذلك بل زاد في الطين بلة أنه زعم (ص 276) أن سنده حسن
، وهو في ذلك غير صادق، وقد بينت ذلك في " الضعيفة " رقم (4141) . والله
المستعان. وإليك الآن بالطريق الآخر الموعود لحديث عائشة الصحيح رضي الله
تبارك وتعالى عنها: " كان يصلي بمكة ركعتين - يعني - الفرائض، فلما قدم
المدينة، وفرضت عليه الصلاة أربعا، وثلاثا، صلى وترك الركعتين كان
يصليهما بمكة تماما للمسافر ".