الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد بيَّن المازري سبب تسمية المنافق بهذا الاسم نقلًا عن ابن الأنباري
(1)
فقال: قال ابن الأنباري في تسمية المنافق منافقًا ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه يسمى بذلك؛ لأنه يستر كفره، فأشبه الداخل للنفق وهو السرب يستتر فيه.
والثاني: أنه شبه باليربوع الذي له جحر يقال له: النافقاء، وآخر يقال له: القاصعاء، فإذا طُلِبَ من القاصعاء خرج من النافقاء، وكذلك المنافق؛ لأنه يخرج من الإيمان من غير الوجه الذي يدخل فيه.
الثالث: أنه شبه باليربوع أيضًا، ولكن من جهة أن اليربوع يخرق الأرض حتى إذا كاد يبلغ ظاهرها أرق التراب فإذا رابه ريب دفع ذلك التراب برأسه فخرج فظاهره جحره تراب على وجه الأرض وباطنه حفر، فكذلك المنافق ظاهره الإيمان وباطنه الكفر
(2)
.
وقد تابعه القرطبي على ذلك فنقل هذا القول في سبب التسمية
(3)
.
أنواع النفاق:
النفاق على نوعين:
1 -
نفاق الاعتقاد وهو: إظهار الإسلام وإبطان الكفر، وهذا لا شك في كفر صاحبه.
2 -
نفاق العمل، وهو الاتصاف ببعض صفات المنافقين، كما قال صلى الله عليه وسلم: "آية المنافق ثلاث -وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم-: إذا حدَّث
(1)
محمد بن عبد الكريم بن إبراهيم الشيباني المعروف بابن الأنباري من الكُتَّاب والوزراء توفي سنة (558 هـ). معجم المؤلفين (3/ 421).
(2)
المعلم (1/ 198).
(3)
المفهم (1/ 249).
كذب وإذا وعد أخلف، وإذا ائتُمن خان"
(1)
.
وقال القرطبي: "ظاهر هذا الحديث أن من كانت هذه الخصال الثلاث
(2)
فيه خرج عن الإيمان، وصار في النفاق الذي هو الكفر الذي قال فيه مالك: النفاق الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الزندقة عندنا اليوم، وليس الأمر على مقتضى هذا الظاهر
…
ولما استحال حمل هذا الحديث على ظاهره على مذهب أهل السنة اختلف العلماء فيه على أقوال:
أحدها: أن هذا النفاق هو نفاق العمل الذي سأل عنه عمر حذيفة لما قال له: هل تعلم في شيئًا من النفاق؟ أي: من صفات المنافقين الفعلية، ووجه هذا: أن من كانت فيه هذه الخصال المذكورة كان ساترًا لها، ومظهرًا لنقائضها، فصدق عليه اسم منافق.
وثانيها: أنه محمول على من غلبت عليه هذه الخصال، واتخذها عادة، ولم يبال بها تهاونًا واستخفافًا بأمرها، فأيُّ من كان هكذا كان فاسد الاعتقاد غالبًا فيكون منافقًا خالصًا.
(1)
رواه البخاري في كتاب الإيمان باب علامة النفاق ح (33)(1/ 111) ومسلم في كتاب الإيمان باب بيان خصال المنافق ح (59)(2/ 407).
(2)
قال القرطبي: كونه عليه الصلاة والسلام ذكر في حديث أبي هريرة أن علامة المنافق ثلاث، وفي حديث ابن عمر أنها أربع، يحتمل أن يكون ذلك لأنه عليه الصلاة والسلام استجد من العلم بخصال المنافقين مالم يكن عنده فإما بالوحي وإما بالمشاهدة لتلك منهم وعلى مجموع الروايتين تكون خصالهم خمسًا: الكذب والغدر والإخلات والخيانة، والفجور في الخصومة. ولا شك في أن للمنافقين خصالًا أخرى مذمومة كما وصفهم الله تعالى حيث قال:{وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142)} [النساء: 142] فيحمل أن يقال: إنما خصَّت تلك الخصال الخمس بالذكر لأنها أظهر عليهم من غيرها عند مخالطتهم للمسلمين، أو لأنها هي التي يضرون بها المسلمين ويقصدون بها مفسدتهم دون غيرها من صفاتهم والله أعلم. المفهم (1/ 259).
وثالثها: أن تلك الخصال كانت علامة المنافقين في زمانه، فإن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا مجتنبين لتلك الخصال، بحيث لا تقع منهم، ولا تعرف فيما بينهم، وبهذا قال ابن عباس وابن عمر وروي عنهما في ذلك حديث وهما أنهما أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فسألاه عن هذا الحديث فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال:"ما لكم ولهن إنما خصصت بهن المنافقين أنتم من ذلك براء"
(1)
وذكر الحديث بطوله القاضي عياض قال: وإلى هذا صار كثير من التابعين والأئمة"
(2)
.
وقال المازري في شرح هذا الحديث: "قد توجد هذه الأوصاف الآن فيمن لا يطلق عليه اسم النفاق، فيحتمل أن يكون الحديث محمولًا على زمنه صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك علامة للمنافقين في أهل زمانه، ولا شك أن أصحابه كانوا مبرئين من هذه النقائص مطهرين منها، وإنما كانت تظهر في زمانه من أهل النفاق، أو يكون صلى الله عليه وسلم أراد بذلك من غلب عليه فعل هذه واتخذها عادة تهاونًا بالديانة أو يكون أراد النفاق اللغوي الذي هو إظهار خلاف المضمر، وإذا تأملت هذه الأوصاف وجدت فيها معنى ذلك؛ لأن الكاذب يظهر إليك أنه صدق ويبطن خلافه، والخصم يظهر أنه أنصف ويبطن الفجور والواعد يظهر أنه سيفعل وينكشف الباطن بخلافه"
(2)
.
(1)
لم أجده مع طول البحث والتحري ثم وجدته عند القاضي عياض في إكمال المعلم وقد قال فيه الدكتور: يحيى إسماعيل محقق المعلم: لم أجده وليس عليه أنوار النبوة. إكمال المعلم (1/ 315).
وقال الدكتور حسين شواط في تحقيقه لكتاب الإيمان من إكمال المعلم: لم أقف على هذا الحديث برغم طول البحث في المظان. كتاب الإيمان من إكمال المعلم (1/ 344) هامش (4).
(2)
المعلم (1/ 197).