الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يكون اعتمادنا في الأمور الغيبية على الأدلة السمعية، لكن لا مانع من أن نستدل بأدلة عقلية لإلزام من أنكر أن تكون المحبة ثابتة بالأدلة العقلية، مثل الأشاعرة الذين يقولون: لا يمكن أن نثبت المحبة بين الله وبين العبد؛ لأن العقل لا يدل عليه، وكل ما لا يدل عليه العقل فإنه يجب أن ننزه الله عنه.
فنحن نقول: نثبت المحبة بالأدلة العقلية كما هي ثابتة عندنا بالأدلة السمعية احتجاجًا على من أنكر ثبوتها بالعقل، فإثابة الطائعين بالجنات، والنصر والتأييد، وغير ذلك، هذا يدل بلا شك على المحبة، ونحن نشاهد بأعيننا ونسمع بآذاننا عمن سبق وعمن لحق أن الله عز وجل أيَّد من أيَّد من عباده ونصرهم وأثابهم، وهذا من الأدلة على محبته لمن أيَّدهم ونصرهم وأثابهم عز وجل"
(1)
.
صفة الخلة:
الخلة هي كمال المحبة المستغرقة لله حب وهي أخص من مطلق المحبة، قال تعالى:{وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125)}
(2)
، وقال صلى الله عليه وسلم:"إن الله قد اتخذني خليلًا كما اتخذ إبراهيم خليلًا"
(3)
. ففي هذين الدليلين إثبات الخلة لله تعالى، وخلَّته سبحانه كصحبته، من صفاته المتعلقة بمشيئته، نثبتها له سبحانه على الوجه الذي يليق به، وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة
(4)
.
(1)
شرح العقيدة الواسطية (1/ 240، 246) بتصرف.
(2)
سورة النساء، آية:125.
(3)
رواه مسلم في كتاب المساجد، باب النهي عن بناء المساجد على القبور ح (532)(5/ 17).
(4)
انظر: الفتاوى لابن تيمية (5/ 80) وشرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي (2/ 396).
والخلة لم تثبت لأحد من البشر إلَّا لإبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام، وهذه الخلة من صفات الله عز وجل؛ لأنها أعلى أنواع المحبة، وهي توقيفية، فلا يجوز أن نثبت لأحد من البشر أنه خليل إلَّا بدليل
(1)
.
وقد أوَّل القرطبي هذه الصفة كما أوَّل صفة المحبة فقال: "الخُلَّة: بضم الخاء "الصداقة" و"المودة"، ويقال فيها أيضًا: خلالة -بالضم والفتح والكسر- والخَلة بفتح الخاء: الفقر والحاجة، والخِلة بكسرها: واحدة خلل السيوف وهي بطائن أغشيتها، والخلل: الفرجة بين الشيئين، والجمع: الخلال، واختلف في الخليل -اسم إبراهيم عليه السلام من أي هذه المعاني والألفاظ أخذ؟ فقيل: إنه مأخوذ من "الخلة" بمعنى "الصداقة"، وذلك أنه صدق في محبة الله تعالى، وأخلص فيها، حتى آثر محبته على كل محبوباته، فبذل ماله للضيفان وولده للقربان وجسده للنيران. وقيل: من الخلة التي بمعنى الفقر والحاجة، وذلك أنه افتقر إلى الله في حوائجه، ولجأ إليه في فاقته، حتى لم يلتفت إلى غيره بحيث آلت حاله إلى أن قال له جبريل وهو في الهواء حين رمي في المنجنيق: ألك حاجة؟ فقال: أمَّا إليك فلا. وقيل: من الخلل بمعنى الفرجة بين الشيئين، ذلك لما تخلل قلبه من معرفة الله تعالى ومحبته ومراقبته، حتى كأنه مزجت أجزاء قلبه بذلك، وقد أشار إلى هذا المعنى بعض الشعراء فقال:
قد تَخَلَّلْتَ مَسْلَكَ الرُّوح منّي
…
ولذا سُمِّي الخليلُ خليلا
(2)
ولقد جمع هذه المعاني وأحسن من قال في الخلة: إنها صفاء
(1)
شرح الواسطية لابن عثيمين (1/ 239).
(2)
البيت لبشار بن برد المتوفى سنة (167 هـ) وفي ديوانه: وبه سمي الخليل خليلًا، انظر: ديوان بشار بن برد ص (182).