الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول: تقسيم الذنوب إلى كبائر وصغائر:
ذهب جمهور العلماء من السلف والخلف إلى أن الذنوب تنقسم إلى كبائر وصغائر، كما وردت بذلك النصوص من الكتاب والسنة.
فمن الكتاب: قوله تعالى:
(1)
.
- وقوله تعالى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ}
(2)
.
ومن السنة:
- قوله صلى الله عليه وسلم: "الصلواتُ الخمسُ، والجُمُعةُ إلى الجُمُعة، ورمضان إلى رمضان، مُكفراتٌ ما بينهُنَّ إذا اجْتنبت الكبائِرُ"
(3)
.
- وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن من أكبر الكبائر أن يَلْعَن الرجُلُ والديه. قالوا: يارسول الله وكيف يلعنُ الرجُلُ والديه؛ قال: يَسُبُّ الرجلُ أبا الرجلِ فيسب أباهُ ويسُب أمَّهُ فيسُب أمَّهُ"
(4)
.
والأحاديث في هذا كثيرة.
وشذت طائفة فقالت: إن جميع الذنوب كبائر، وليس فيها صغائر منهم أبو إسحاق الإسفرايني
(5)
، والجويني والقشيري
(6)
، والباقلاني،
(1)
سورة النساء، الآية:31.
(2)
سورة النجم، الآية:32.
(3)
أخرجه مسلم في كتاب الطهارة باب الصلوات الخمس ح (233)، (3/ 1109).
(4)
أخرجه البخاري في كتاب الأدب باب لا يسب الرجل والديه ح / 5973، (10/ 417)، ومسلم في كتاب الإيمان باب بيان الكبائر وأكبرها ح/ 87، (2/ 441).
(5)
أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الإسفراييني المعروف بالأستاذ فقيه شافعي متكلم أشعري توفي سنة (418 هـ). سير أعلام النبلاء (17/ 353)، البداية والنهاية (12/ 26).
(6)
هو القاسم بن عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك الخراساني القشيري الصوفي الأشعري له كتاب "شرح الأسماء الحسنى" توفي سنة (465 هـ). طبقات المفسرين للأدنه وي ص =
وابن فورك
(1)
وغيرهم. ونسبه بعضهم إلى الأشعرية، وحكاه القاضي عياض عن المحققين.
قال ابن حجر: ذهب الجمهور إلى أن من الذنوب صغائر وكبائر وشذت طائفة: منهم أبو إسحاق الإسفرايني، فقال: ليس من الذنوب صغيرة، بل كل ما نهى الله عنه كبيرة، ونقل ذلك عن ابن عباس وحكاه القاضي عياض عن المحققين
(2)
.
وقال ابن حجر الهيتمي
(3)
: "اعلم أن جماعة من الأئمة أنكروا أن في الذنوب صغيرة، وقالوا: بل سائر المعاصي كبائر منهم أبو إسحاق الإسفرايني، والقاضي أبو بكر الباقلاني، وإمام الحرمين في الإرشاد، وابن القشيري في المرشد، بل حكاه ابن فورك عن الأشاعرة، واختاره في تفسيره فقال: "معاصي الله تعالى عندنا كلها كبائر، وإنما يقال لبعضها صغيره وكبيرة بالإضافة إلى ما هو أكبر منها"
(4)
.
وقد رد القرطبي هذا القول، ونصر القول الأول الذي عليه جماهير أهل العلم فقال: "قد اختلف العلماء قديمًا وحديثًا في الكبائر ما هي، وما الفرق بينها وبين الصغائر. فروي عن ابن مسعود: أن الكبائر ما نهى الله
= (125)، "سير أعلام النبلاء"(18/ 227).
(1)
محمد بن الحسن بن فورك أبو بكر الأصبهاني، فقيه، شافعي، أصولي، متكلم، أشعري، كثير التصانيف توفي سنة (406 هـ)، طبقات المفسرين للأدنه وي ص (99)، سير أعلام النبلاء (17/ 214).
(2)
فتح الباري (10/ 423).
(3)
أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي السعدي شهاب الدين فقيه، مشارك في أنواع من العلوم له العديد من المصنفات منها:"تحفة المحتاج لشرح المنهاج"، و"الصواعق المحرقة لإخوان الابتداع والضلال والزندقة" وغيرها، توفي سنة (973 هـ). الأعلام (1/ 234)، معجم المؤلفين (1/ 293).
(4)
الزواجر عن اقتراف الكبائر للهيتمي (1/ 8).
عنه في أول سورة النساء إلى قوله: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ}
(1)
. وعن الحسن: أنها كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب، أو لعنة، أو عذاب، وقيل: هي كل ما أوعد الله عليه بنار أو بحد في الدنيا، وروي عن ابن عباس أنها كل ما نهى الله عنه"
(2)
.
ثم أنكر نسبة ذلك لابن عباس وردَّه، وبين صحة تقسيم الذنوب إلى صغائر وكبائر فقال: "وما أظنه صحيحًا -أي النقل عن ابن عباس-؛ لأنه مخالف لما في كتاب الله من التفرقة بين المنهيات، فإنه قد فرَّق بينها في قوله تعالى:{إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ}
(3)
، وقوله:{الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ}
(4)
فجعل من المنهيات كبائر وصغائر، وفرَّق بينها في الحكم لمَّا جعل تكفير السيئات في الآية مشروطا باجتناب الكبائر، واستثنى اللمم من الكبائر والفواحش، فكيف يخفى هذا الفرق على مثل ابن عباس؛ وهو حبر القرآن! فتلك الرواية عن ابن عباس ضعيفة أو لا تصح"
(5)
.
ولكن الحافظ ابن حجر صحَّح هذا النقل عن ابن عباس، ولكنه وجه قوله بعد نقله لقول القرطبي السابق حيث قال: "لكن النقل المذكور عنه أخرجه إسماعيل القاضي
(6)
والطبري
(7)
بسندِ صحيح على شرط
(1)
سورة النساء، الآية:31.
(2)
المفهم (1/ 283).
(3)
سورة النساء، الآية:31.
(4)
سورة النجم، الآية:32.
(5)
المفهم (1/ 284).
(6)
إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل الأزدي المالكي، مفسر، مقريء، تولى قضاء بغداد وله عدة مصنفات منها "أحكام القرآن". توفي سنة (282 هـ). الديباج المذهب ص (151)، طبقات المفسرين للأدنه وي ص (41).
(7)
أبو جعفر محمد بن جرير الطبري الإمام المحدث المفسر، صاحب كتاب "جامع البيان في =
الشيخين إلى ابن عباس، فالأولى أن يكون المراد بقوله:"ما نهى الله عنه" محمولًا على نهي خاص، وهو الذي قرن به وعيد كما قيد في الرواية الأخرى عن ابن عباس، فيحمل مطلقه على مقيده جمعًا بين كلاميه"
(1)
.
والقول بتقسيم الذنوب إلى كبائر وصغائر، والذي قال به القرطبي هو القول الصحيح الذي عليه جماهير العلماء.
قال أبو حامد الغزالي: "إنكار الفرق بين الصغيرة والكبيرة لا يليق بالفقيه"
(2)
.
وقال النووي: "وذهب الجماهير من السلف والخلف من جميع الطوائف إلى انقسام المعاصي إلى صغائر وكبائر، وهو مروي أيضًا عن ابن عباس، وقد تظاهر على ذلك دلائل من الكتاب والسنة، واستعمال سلف الأمة وخلفها"
(3)
.
وقال ابن القيم: "وقد دلَّ القرآن والسنة وإجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم والأئمة على أن الذنوب كبائر وصغائر"
(4)
.
وقال ابن حجر الهيتمي: "وقال جمهور العلماء أن المعاصي تنقسم إلى صغائر وكبائر"
(5)
.
= تأويل القرآن" توفي سنة (310 هـ)، طبقات الحفاظ ص (327)، ترجمة (704)، طبقات المفسرين للأدنه وي ص (48).
(1)
فتح الباري (10/ 424).
(2)
شرح مسلم للنووي (2/ 444).
(3)
المرجع السابق.
(4)
الجواب الكافي ص (170).
(5)
الزواجر (1/ 8).