الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس الموقف من الأئمة
قد سبق بيان وجوب طاعة الإمام في غير المعصية، وأن طاعته من طاعة الله عز وجل.
وعدم طاعته في معصية الله أيضًا محل اتفاق بين العلماء. لكن الخلاف في مسألة الخروج على الأئمة ومتى يكون ذلك؟ . إذ جاءت الأحاديث الكثيرة بالدعوة إلى الصبر على جور الحكام، وعدم نزع اليد من طاعتهم، والنهي عن الخروج عليهم. والأمر المتفق عليه بين العلماء هو الخروج عليهم حال كفرهم كما قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه:"بايعنا - أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وألا ننازع الأمر أهله، إلَّا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان"
(1)
.
قال القرطبي: "بواحًا من باح الرجل بالشيء يبوح به بوحًا وبواحًا: إذا أظهره
…
وقوله: "عندكم من الله فيه برهان" أي: حجة بينة وأمر لا شك فيه، يحصل به اليقين أنه كفر فحينئذ يجب أن يخلع من عقدت له البيعة"
(2)
.
وقال في موضع آخر: "لا تجوز طاعة الإمام في المعصية، وإن كانت هذه المعصية كفرًا، وجب خلعه على المسلمين كلهم، وكذلك لو
(1)
رواه البخاري في كتاب الفتن، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:"سترون بعدي أمورًا تنكرونها"ح 7056 (13/ 7)، ومسلم في كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية ح 1840 (12/ 470).
(2)
المفهم (4/ 45).
ترك إقامة قاعدة من قواعد الدين كإقامة الصلاة، وصوم رمضان، وإقامة الحدود، ومنع ذلك، وكذلك لو أباح شرب الخمر والزنى، ولم يمنع منها لا يختلف في وجوب خلعه"
(1)
.
وهذا القول هو الصحيح إذ الكفر سبب لخلع الحاكم بأي طريقة ممكنة، وترك العمل بكتاب الله تعالى جاء النص بأنه سبب لخلع الحاكم والخروج عن طاعته، قال لمجفه:"اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة ما أقام فيكم كتاب الله"
(2)
. وإباحة شرب الخمر والزنى وترك إقامة الصلاة، أو الصيام، والمنع من ذلك كلها صور للكفر بالله تعالى، وترك العمل بكتابه. فالخلاف الذي وقع بين العلماء ليس في الصور السابقة، إنما فيما يكون دون الكفر، كالفسق والظلم ونحوها.
فالقرطبي ذهب إلى عدم الخروج على الإمام الظالم والفاسق، حيث قال: "متى أجمع المسلمون على إمام فلا يخرج عليه، وإن جار
…
فتشهد مع أئمة الجور الصلوات والجماعات والجهاد، والحج، وتجتنب معاصيهم ولا يطاعون فيها"
(3)
.
وعند قوله صلى الله عليه وسلم: "يهلكُ أُمتي هذا الحيُّ من قريش" قالوا: فما تأمرنا؟ قال: "لو أن الناس اعتزلوهم"
(4)
.
قال القرطبي: "هذا فيه دليل على إقرار أئمة الجور، وترك الخروج
(1)
المفهم (4/ 39).
(2)
رواه البخاري في كتاب الأذان، باب إمامة العبد والمولى ح 693 (2/ 216).
(3)
المفهم (4/ 57)، وانظر:(4/ 66).
(4)
رواه البخاري في كتاب المناقب، باب علامات النبوة ح 3604 (6/ 708)، ومسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت مما يرى من البلاء ح 2917 (18/ 256).
عليهم، والإعراض عن هنات ومفاسد تصدر منهم، وهذا ما أقاموا الصلاة، ولم يصدر منهم كفر بواح عندنا من الله فيه برهان"
(1)
.
وقال المازري: "الإمام العدل: لا يحل الخروج عليه باتفاق، والإمام إذا فسق وجار، فإن كان فسقه كفرًا، وجب خلعه، وإن كان ما سواه من المعاصي فمذهب أهل السنة أنه لا يخلع، واحتجوا بظاهر الأحاديث، وهي كثيرة، ولأنه قد يؤدي خلعه إلى إراقة الدماء، وكشف الحريم، فيكون الضرر بذلك أشد من الضرر به، وعند المعتزلة أنه يخلع، وهذا في إمام عقد له على وجه يصح ثم فسق وجار، وأما المتغلبون على البلاد فالكلام فيهم يتسع وليس هذا موضعه"
(2)
.
وهذا الذي ذهب إليه القرطبي والمازري هو الذي عليه أكثر علماء أهل السنة، بل قد حكى النووي الإجماع عليه
(3)
؛ لأن الخروج على الأئمة يؤدي إلى الفتنة والنصوص الكثيرة قد جاءت في النهي عن القتال في الفتنة، قال ابن تيمية:"ولهذا استقر رأي أهل السنة على ترك القتال في الفتنة للأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وصاروا يذكرون هذا في عقائدهم ويأمرون بالصبر على جور الأئمة وترك قتالهم"
(4)
.
(1)
المفهم (7/ 254).
(2)
المعلم (3/ 35).
(3)
شرح مسلم للنووي (12/ 469).
(4)
منهاج السنة (2/ 241).