الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صفة الفرح:
الفرح صفة فعلية اختيارية ثابتة لله تعالى، يقول الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلَّا وحيٌ يوحى:"لله أشد فرحًا بتوبة عبده المؤمن من رجل في أرض دوية مهلكة معه راحلته عليها طعامُه وشرابه، فنام فاستيقظ وقد ذهبت فطلبها حتى أدركه العطش، ثم قال: أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت فوضع رأسه على ساعده لموت، فاستيقظ وعنده راحلته وعليها زاده وطعامه وشرابه، فالله أشد فرحًا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده"
(1)
.
قال الشيخ محمد خليل هراس في شرحه لهذا الحديث: "في هذا الحديث إثبات صفة الفرح لله عز وجل والكلام فيه كالكلام في غيره من الصفات أنه صفة حقيقية لله عز وجل على ما يليق به وهو من صفات الفعل التابعة لمشيئته تعالى وقدرته، فيحدث له هذا المعنى المعبر عنه بالفرح عندما يُحدثُ عبدُهُ التوبة والإنابة إليه، وهو مستلزم لرضاه عن عبده التائب وقبوله توبته"
(2)
.
قال القرطبي في هذه الصفة عند شرحه للحديمث: "هذا مثل قصد به بيان سرعة قبول الله تعالى لتوبة عبده التائب، فإنه يقبل عليه بمغفرته ورحمته، ويعامله معاملة من يفرح به، ووجه هذا المثل: أن العاصي حصل بسبب معصيته (وقوعه)
(3)
في قبضة الشيطان وأسره، وقد أشرف على الهلاك، فإذا لطف الله تعالى به وأرشده للتوبة خرج من شؤم تلك
(1)
رواه البخاري في كتاب الدعوات باب التوبة ح (6308)(11/ 105) ومسلم في كتاب التوبة باب في الحض على التوبة والفرح بها ح (2744)(17/ 67).
(2)
شرح العقيدة الواسطية ص (166).
(3)
لا توجد في الأصل وأثبتها هنا ليستقيم المعنى.
المعصية، وتخلص من أسر الشيطان، ومن المهلكة التي أشرف عليها، فأقبل الله تعالى عليه برحمته ومغفرته، وبادر إلى ذلك مبادرة هذا الذي قد انتهى به الفرح واستفزَّه السرور إلى أن نطق بالمحال ولم يشعر به لشدة سروره وفرحه، وإلَّا فالفرح الذي هو من صفاتنا محال على الله تعالى؛ لأنه اهتزاز وطرب يجده الإنسان من نفسه عند ظفره بغرض يستكمل به الإنسان نقصه، ويسد به خلته، أو يدفع عن نفسه ضررًا أو نقصًا، وكل ذلك محال على الله تعالى، فإنه الكامل بذاته الغني بوجوده الذي لا يلحقه نقص، ولا قصوره، لكن هذا الفرح عندنا له ثمرة وفائدة، وهو الإقبال على الشيء المفروح به، وإحلاله المحل الأعلى، وهذا هو الذي يصح في حقه تعالى فعبر عن ثمرة الفرح على طريقة العرب في تسميتها الشيء باسم ما جاوره، أو كان منه بسبب"
(1)
.
وهذا الذي ذكر أنه محال على الله هو تشبيه صفات الله تعالى بصفات المخلوقين، ولا يلزم من إثبات الصفات التي جاءت في الكتاب والسنة لله تعالى مشابهة لخلقه، كما قال ذلك علماء السنة، فهو سبحانه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}
(2)
.
قال الشيخ محمد خليل هراس: "وإذا كان الفرح في المخلوق على أنواع، فقد يكون فرح خفة وسرور وطرب، وقد يكون فرح أشرٍ وبطرٍ، فالله عز وجل منزه عن ذلك كله، ففرحه لا يشبه فرح أحد من خلقه، لا في ذاته ولا في أسبابه، ولا في غاياته، فسببه كمال رحمته وإحسانه التي يحب من عباده أن يتعرضوا لها، وغايته إتمام نعمته على التائبين
(1)
المفهم (7/ 71).
(2)
سورة الشورى، آية:11.