الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإنس"
(1)
.
وقال ابن القيم رحمه الله: "الساحر يفعل هذا وهذا، فتارة يتصرف في نفس الرائي وإحساسه، حتى يرى الشيء بخلاف ما هو به، وتارة يتصرف في المرئي باستعانته بالأرواح الشيطانية حتى يتصرف فيها"
(2)
.
موقف القرطبي والمازري مما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد سحر:
جاء في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: سَحَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يهوديٌّ من بني زريق، يقال له: لبيد بن الأعصم، قالت: حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله
…
"
(3)
.
وهذا الحديث قد أنكرته بعض المبتدعة بزعم أنه يحط من منصب النبوة، وينافي العصمة، ويؤثر على الثقة بالشريعة.
وقد كان للقرطبي والمازري موقف من هذه الشبهة، إذ بيَّنا أن السحر ثابت لكنه لا يحط من منزلته صلى الله عليه وسلم، ولا يؤدي إلى نزع الثقة بشريعته، بل هو دليل بشريته عليه الصلاة والسلام، إذ هو كالأمراض والآلام والجراحات التي تصيبه صلى الله عليه وسلم، ولم يتعد الأمر أكثر من ذلك. قال القرطبي: "قد جعل هذا بعض أهل الزيغ مطعنًا في النبوة وقال: إذا انتهى الحال إلى هذا لم يوثق بقول من كان كذلك، والجواب: إن هذا صدر عن سوء فهم، وعدم علم. أما سوء فهم فلأنها إنما أرادت أنه صلى الله عليه وسلم أُخذ عن النساء، فكان قبل مقاربة الجماع يخيل إليه أنه يتأتى له ذلك، فإذا لابسه لم ينهض لغلبة مرض السحر عليه، وقد جاء هذا المعنى منصوصًا في غير
(1)
النبوات (2/ 273، 274).
(2)
بدائع الفوائد (2/ 453).
(3)
سبق تخريجه ص (322).
كتاب مسلم فقالت: حتى كان يخيل إليه أنه يأتي النساء فلا يأتيهن، ولو لم ينقل أن ذلك في الجماع لصح في غيره، كما صح فيه، فيخيل إليه أنه يقدم على الأكل أو المشي مثلًا، لأنه لا يحس بمانع يمنعه منه، فإذا رام ذلك، وأخذ فيه، لم يتأث له ذلك لغلبة المرض الناشئ عن السحر، لا أنه صلى الله عليه وسلم أوجب له خللًا في عقله، ولا تخليطًا في قوله إذ قام برهان المعجزة على صدقه وعصمة الله تعالى له عن الغلط فيما يبلغه بقوله وفعله، وأما عدم علم الطاعن: فقد سلبه الله العلم بأحكام النبوات، وما تدل عليه المعجزات، فكأنهم لم يعلموا أن الأنبياء من البشر، وأنه يجوز عليهم من الأمراض والآلام والغضب والضجر والعجز والسحر والعين وغير ذلك مما يجوز على البشر، لكنهم معصومون عما يناقض دلالة المعجزة من معرفة الله تعالى، والصدق والعصمة عن الغلط في التبليغ، وعن هذا المعنى عبَّر الله تعالى بقوله:{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ}
(1)
من حيث البشرية يجوز عليهم ما يجوز عليهم، ومن حيث الخاصة النبوية: امتاز عنهم وهو الذي شهد له العلي الأعلى بأن بصره ما زاغ وما طغى، وبأن فؤاده ما كذب ما رأى، وبأن قوله وحي يوحى وأنه ما ينطق عن الهوى"
(2)
.
وقال المازري: "قد أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث من طريق ثابتة، وزعموا أنه يحط منصب النبوة، ويشكك فيها، وكل ما أدى إلى ذلك فهو باطل، وزعموا أن تجويز هذا يعدم الثقة بما شرعوه من الشرائع، ولعله يُخيَّل إليه جبريل عليه السلام وليس ثم ما يراه أو أنه أوحي إليه وما أوحي إليه، وهذا الذي قالوه باطل، وذلك أن الدليل قد قام على صدقه فيما يبلغه عن الله سبحانه، وعلى عصمته فيه، والمعجزة
(1)
سورة الكهف، الآية:110.
(2)
المفهم (5/ 570).