الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال الشنقيطي: "رؤية الله جل وعلا بالأبصار جائزة عقلًا في الدنيا والآخرة، ومن أعظم الأدلة على جوازها عقلًا في دار الدنيا: قول موسى {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْك}
(1)
لأن موسى لا يخفى عليه الجائز والمستحيل في حق الله تعالى، وأما شرعًا فهي جائزة وواقعة في الآخرة كما دلَّت عليه الآيات، وتواترت به الأحاديث الصحاح، وأما في الدنيا: فممنوعة شرعًا كما تدل علية آية الأعراف هذه، وحديث:"إنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا"
(2)
"
(3)
.
هل رأى الرسول صلى الله عليه وسلم ربه ليلة الإسراء:
مع اتفاق أهل السنة على عدم رؤية الله تعالى في الدنيا فقد اختلفوا في الرسول صلى الله عليه وسلم فقط، هل رأى ربه ليلة الإسراء أم لا؟ لمجيء الأحاديث في ذلك. ومذهب العلماء في هذه المسألة كالتالي:
الأول: الإثبات، وهو مروي عن ابن عباس، وأبي ذر وكعب الأحبار رضي الله عنهم، وغيرهم من التابعين والعلماء المتأخرين. واستدلوا بالأحاديث المثبتة لرؤية الرسول صلى الله عليه وسلم لربه وهي مطلقة لم تقيد الرؤية بالعين.
الثاني: النفي: أي: نفي رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم لربه في الدنيا بعيني رأسه، وهذا القول مشهور عن عائشة وابن مسعود، وهو المشهور عن أبي هريرة، وأبي ذر رضي الله عنهم وقال به جماعة من المحدثين والفقهاء والمتكلمين. قالت عائشة رضي الله عنها:"من زعم أن محمَّدًا صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية"
(4)
. وعندما سئل صلى الله عليه وسلم هل رأى ربه؟ قال:
(1)
سورة الأعراف، آية:143.
(2)
سبق تخريجه ص (620).
(3)
أضواء البيان (2/ 40).
(4)
رواه مسلم في كتاب الإيمان، باب في ذكر سدرة المنتهى ح (177)(3/ 10).
"نور أنَّى أراه"
(1)
(2)
.
والمذهب الثالث في هذا هو التوقف وعدم الجزم بصحة أحد القولين، أو ترجيح واحدٍ على الآخر، وهم ما ذهب إليه القرطبي، حيث قال: اختلف في ذلك السلف والخلف، فأنكرته عائشة وأبو هريرة وجماعة من السلف، وهو المشهور عن ابن مسعود، وإليه ذهب جماعة من المتكلمين والمحدثين، وذهبت طائفة أخرى من السلف إلى وقوعه، وأنه رأى ربه بعينه، وإليه ذهب ابن عباس وقال: اختص موسى بالكلام وإبراهيم بالخلة، ومحمد صلى الله عليه وسلم بالرؤية، وأبو ذر وكعب والحسن وأحمد بن حنبل، وحكي عن ابن مسعود وأبي هريرة في قول لهما آخر، ومثل ذلك حكي عن أبي الحسن الأشعري، وجماعة من أصحابه، وذهبت طائفة من المشايخ إلى الوقف وقالوا: ليس عليه قاطع نفيًا ولا إثباتًا، ولكنه جائز عقلًا، وهذا هو الصحيح"
(3)
.
وقال أيضًا: "هل وقعت رؤية الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم الإسراء أو لم تقع؟ ليس في ذلك دليل قاطع، وغاية المستدل على نفي ذلك أو إثباته التمسك بظواهر متعارضة معرَّضة للتأويل، والمسألة ليست من باب العمليات فيكتفى فيها بالظنون، وإنما هي من باب المعتقدات، ولا مدخل للظنون فيها، إذ الظن من باب الشك؛ لأن حقيقته تغليب أحد المجوزين، وذلك يناقض العلم والاعتقاد"
(4)
.
والقول الصحيح الراجح في هذه المسألة هو نفي الرؤية، وأن من
(1)
رواه مسلم في كتاب الإيمان باب قوله عليه السلام "نور أنى أراه" ح (178)(3/ 15).
(2)
انظر رؤية الله وتحقيق الكلام فيها للدكتور أحمد بن ناصر الحمد ص (138، 170).
(3)
المفهم (1/ 401).
(4)
المفهم (1/ 402).