المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

سمع دعاءهم وسمع نجواهم كما قال تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ - آراء القرطبي والمازري الاعتقادية

[عبد الله بن محمد الرميان]

فهرس الكتاب

- ‌المقدِّمَة

- ‌خطة البحث:

- ‌الباب الأول المازري والقرطبي عصرهما وحياتهما

- ‌الفصل الأول المازري عصره وحياته

- ‌المبحث الأول عصره

- ‌المطلب الأول: الحالة السياسية:

- ‌المطلب الثاني: الحالة العلمية:

- ‌المبحث الثاني حياته الشخصية

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: اسمه ونسبه وولادته:

- ‌المطلب الثاني: نشأته:

- ‌المطلب الثالث: وفاته:

- ‌المبحث الثالث حياته العلمية

- ‌المطلب الأول: طلبه للعلم:

- ‌المطلب الثاني: شيوخه:

- ‌المطلب الثالث: جلوسه للتدريس:

- ‌المطلب الرابع: تلاميذه:

- ‌المطلب الخامس: مؤلفاته:

- ‌المطلب السادس: مذهبه الفقهي وعقيدته:

- ‌أولًا: مذهبه الفقهي:

- ‌ثانيا: عقيدته:

- ‌المطلب السابع: مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:

- ‌المبحث الرابع التعريف بالكتاب وبيان أهميته

- ‌المطلب الأول: تسميته:

- ‌المطلب الثاني: نسبته للمازري:

- ‌المطلب الثالث: تأليفه:

- ‌المطلب الرابع: أهميته:

- ‌المطلب الخامس: مميزاته ومنهج المازري فيه:

- ‌الفصل الثاني القرطبي عصره وحياته

- ‌المبحث الأول عصره

- ‌المطلب الأول: الحالة السياسية

- ‌أولًا: الحال في الأندلس:

- ‌ثانيًا: الحال في مصر:

- ‌المطلب الثاني: الحالة العلمية:

- ‌2).* في مصر:

- ‌المبحث الثاني حياته الشخصية

- ‌المطلب الأول: اسمه ونسبه

- ‌المطلب الثاني: مولده ونشأته

- ‌أولًا: مولده:

- ‌ثانيا: بيئته ونشأته:

- ‌المطلب الثالث: أسرته:

- ‌المطلب الرابع: وفاته:

- ‌المبحث الثالث حياته العلمية

- ‌المطلب الأول: طلبه للعلم ورحلاته فيه:

- ‌المطلب الثاني: شيوخه:

- ‌المطلب الثالث: تلاميذه:

- ‌المطلب الرابع: مؤلفاته:

- ‌المطلب الخامس: مذهبه الفقهي وعقيدته:

- ‌أولًا: مذهبه الفقهي:

- ‌ثانيًا: عقيدته:

- ‌المطلب السادس: علمه وثناء العلماء عليه:

- ‌المبحث الرابع التعريف بالكتاب وبيان أهميته

- ‌المطلب الأول: تسميته:

- ‌المطلب الثاني: نسبته للقرطبي:

- ‌المطلب الثالث: تأليفه:

- ‌المطلب الرابع: أهمية الكتاب:

- ‌المطلب الخامس: مميزاته:

- ‌المطلب السادس: منهج القرطبي فيه:

- ‌الباب الثاني الإيمان والتوحيد

- ‌الفصل الأول الإيمان وما يتعلق به من مسائل

- ‌المبحث الأول تعريف الإيمان لغة وشرعًا وحكم الاستثناء فيه

- ‌المطلب الأول: تعريف الإيمان لغة:

- ‌المطلب الثاني: تعريفه شرعًا:

- ‌المطلب الثالث: الاستثناء في الإيمان:

- ‌المبحث الثاني الإيمان والإسلام

- ‌المبحث الثالث الكبيرة وحكم مرتكبها

- ‌المطلب الأول: تقسيم الذنوب إلى كبائر وصغائر:

- ‌المطلب الثاني: تعريف الكبيرة وتحديدها:

- ‌المطلب الثالث: حكم مرتكب الكبيرة:

- ‌الفصل الثاني توحيد الربوبية

- ‌التمهيدعلم الكلام وموقف السلف منه

- ‌المبحث الأول أول واجب على المكلف والرد على المتكلمين

- ‌المبحث الثاني معنى توحيد الربوبية وأدلته

- ‌المطلب الأول: تعريف توحيد الربوبية لغة:

- ‌المطلب الثاني: تعريف توحيد الربوبية شرعًا:

- ‌المطلب الثالث: أدلة توحيد الربوبية:

- ‌المبحث الثالث الإيمان بالقدر

- ‌المطلب الأول: تعريف القضاء والقدر لغة وشرعًا:

- ‌(أ) لغة:

- ‌(ب) تعريفه شرعًا:

- ‌المطلب الثاني: هل يقع في القدر تغيير وتبديل أو محو وإثبات

- ‌المطلب الثالث: القضاء والقدر وفعل الأسباب:

- ‌المطلب الرابع: الاحتجاج بالقدر على المعاصي:

- ‌المطلب الخامس: أفعال العباد:

- ‌المطلب السادس: الحكمة والتعليل في أفعال الله:

- ‌المطلب السابع: تكليف ما لا يطاق:

- ‌المطلب الثامن: معنى الظلم:

- ‌المطلب العاشر: التحسين والتقبيح:

- ‌الفصل الثالث توحيد الألوهية

- ‌المبحث الأول حقيقته ومكانته

- ‌المبحث الثاني العبادة وبعض أنواعها

- ‌المطلب الأول: تعريفها وشروط صحتها:

- ‌المطلب الثاني: بعض أنواع العبادة:

- ‌المبحث الثالث نواقض التوحيدي وقوادحه

- ‌المطلب الأول: الشرك:

- ‌أنواع الشرك:

- ‌من وسائل الشرك:

- ‌المطلب الثاني: الكفر:

- ‌تعريفه لغة وشرعًا:

- ‌أنواع الكفر:

- ‌المطلب الثالث: النفاق:

- ‌أنواع النفاق:

- ‌الحكم في المنافق:

- ‌المطلب الرابع: الفسق:

- ‌المطلب الخامس: الحلف بغير الله:

- ‌المطلب السادس: الطيرة:

- ‌المطلب السابع: التبرك:

- ‌التبرك بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌التبرك بالصالحين:

- ‌المطلب الثامن: السحر:

- ‌حكم إنكار السحر:

- ‌حقيقة السحر وتأثيره:

- ‌موقف القرطبي والمازري مما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد سحر:

- ‌حكم الساحر:

- ‌المطلب التاسع: النشرة:

- ‌المطلب العاشر:‌‌ الرقىوالتمائم:

- ‌ الرقى

- ‌التمائم:

- ‌المطلب الحادي عشر: التنجيم

- ‌المطلب الثاني عشر: الكهانة:

- ‌تعريف الكاهن:

- ‌استمداد الكهان:

- ‌تحريم الكهانة والنهي عن إتيان الكهان:

- ‌المطلب الثالث عشر: ما جاء في كراهية بعض الألفاظ:

- ‌أ - التسمي بملك الأملاك:

- ‌ب - كلمة (لو):

- ‌ج - القول للمملوك: عبدي، وللسيد: ربي:

- ‌المطلب الرابع عشر: نسبة الحوادث إلى الدهر:

- ‌المبحث الرابع البدع والموقف من الفرق المبتدعة

- ‌المطلب الأول: ما يعصم من البدع:

- ‌1 - الدعوة إلى التمسك بالكتاب والسنة:

- ‌2 - ذم الكلام وتقديم العقل على الشرع

- ‌3 - سلوك منهج السلف:

- ‌المطلب الثاني:‌‌ تعريف البدعةوالموقف من المبتدعة:

- ‌ تعريف البدعة

- ‌الموقف من المبتدعة:

- ‌ التحذير من التشبه بالمبتدعة:

- ‌ جواز غيبتهم:

- ‌ هجرهم:

- ‌ ترك الصلاة عليهم:

- ‌المطلب الثالث: الكلام على بعض الفرق المبتدعة:

- ‌1 - الخوارج:

- ‌سبب التسمية:

- ‌ضلالتهم وعظم الابتلاء بهم:

- ‌سبب خروجهم:

- ‌ الحكم على الخوارج:

- ‌الرد عليهم:

- ‌2 - الصوفية:

- ‌أ - الكشف الصوفي:

- ‌ب - في تقديسهم للأولياء:

- ‌ج - في الوسوسة والغلو في الزهد:

- ‌د - في الوجد والسماع:

- ‌هـ - في جهلهم بمفهوم التوكل:

- ‌3 - المعتزلة:

- ‌4 - الشيعة:

- ‌حكم الشيعة:

- ‌الرد عليهم:

- ‌5 - القدرية:

- ‌6 - المرجئة:

- ‌7 - الأشاعرة:

- ‌الفصل الرابع توحيد الأسماء والصفات

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول منهجهما في أسماء الله تعالى

- ‌المطلب الأول: الاسم والمسمى:

- ‌المطلب الثاني: عدد أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب الثالث: معنى الإحصاء المذكور:

- ‌المطلب الرابع: طريق إثباتها:

- ‌المطلب الخامس: أقسامها:

- ‌المطلب السادس: اسم الله الأعظم:

- ‌المطلب السابع: شرح بعض أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب الثامن: الأسماء المزدوجة:

- ‌المطلب التاسع: ما ليس من أسماء الله:

- ‌المبحث الثاني منهجهما في صفات الله تعالى

- ‌المطلب الأول: منهج السلف في الصفات:

- ‌المطلب الثاني: منهجهما في الصفات وموقفهما من ظواهر النصوص:

- ‌التفويض:

- ‌المطلب الثالث: الشبهات العقلية التي ردوا بها الصفات:

- ‌1 - التركيب:

- ‌2).2 -الجسم:

- ‌3 - حلول الحوادث والأعراض:

- ‌4 - الجهة والتحيز:

- ‌5 - الحد:

- ‌6 - لفظ الأعضاء والأركان والجوارح:

- ‌المطلب الرابع: رمي السلف بالتشبيه والتجسيم:

- ‌المطلب الخامس: منهجهما في سائر صفات الله تعالى:

- ‌صفة العلم:

- ‌صفة القدرة:

- ‌صفة الإرادة:

- ‌صفة الكلام:

- ‌الكلام النفسي:

- ‌قولهم كلام الله ليس بحرف ولا صوت:

- ‌صفتا السمع والبصر:

- ‌صفة العلو:

- ‌صفة العزة:

- ‌صفتا العظمة والكبرياء:

- ‌وصف الله تعالى بالصورة:

- ‌صفة الوجه:

- ‌صفة اليد:

- ‌إطلاق اليمين والشمال على يد الله تعالى:

- ‌صفة الأصابع:

- ‌صفة الرِّجْل والقَدَم:

- ‌صفة السَّاق:

- ‌صفة الاستواء:

- ‌صفة النزول:

- ‌صفتا الإتيان والمجيء:

- ‌صفة القرب والدنو:

- ‌صفة المعية:

- ‌صفتا الرضا والغضب:

- ‌صفة الفرح:

- ‌صفة الضحك:

- ‌صفة المحبة:

- ‌صفة الخلة:

- ‌صفة الغيرة:

- ‌صفة الاستحياء:

- ‌صفة الإعراض:

- ‌صفة السخرية والاستهزاء والمكر:

- ‌صفة الرحمة:

- ‌صفة الصبر:

- ‌صفة الكنف:

- ‌صفة العتب:

- ‌صفة الملل:

- ‌صفة النظر:

- ‌صفة الأذن "بمعنى الاستماع

- ‌نسبة استطابة الروائح إلى الله تعالى:

- ‌وصف الله تعالى بأنه شخص:

- ‌إطلاق لفظ "الذات" على الله تعالى:

- ‌إطلاق النفس على الله تعالى:

- ‌المبحث الثالث منهجهما في رؤية الله تعالى

- ‌رؤيته في الدنيا:

- ‌هل رأى الرسول صلى الله عليه وسلم ربه ليلة الإسراء:

- ‌رؤيته تعالى في الآخرة:

- ‌الرد على منكري الرؤية:

- ‌الباب الثالث النبوة والإمامة والصحابة

- ‌الفصل الأول النبوة

- ‌المبحث الأول تعريف النبوة والرسالة وبيان فضل الأنبياء

- ‌المطلب الأول: النبوة والرسالة والفرق بينهما:

- ‌المطلب الثاني: فضل الأنبياء ومكانتهم:

- ‌المطلب الثالث: المفاضلة بين الأنبياء:

- ‌المطلب الرابع: نبوة الخضر وحياته:

- ‌نبوته:

- ‌حياته:

- ‌المطلب الخامس: نبوة النساء:

- ‌المبحث الثاني دلائل النبوة

- ‌المطلب الأول: المعجزة والكرامة:

- ‌المطلب الثاني: معجزاته عليه الصلاة والسلام:

- ‌المبحث الثالث عصمة الأنبياء

- ‌المبحث الرابع خصائص نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الخامس الإيمان بالملائكة والجن

- ‌المطلب الأول: الإيمان بالملائكة:

- ‌1 - تعريف الملائكة:

- ‌2 - الإيمان بالملائكة:

- ‌3 - صفاتهم:

- ‌4 - تفاضلهم:

- ‌5 - أعمالهم:

- ‌المطلب الثاني: الإيمان بالجن:

- ‌تعريفهم:

- ‌صفاتهم:

- ‌تكليفهم:

- ‌الفصل الثاني الإمامة

- ‌المبحث الأول حكم نصب الإمام وبما تنعقد به الإمامة

- ‌المبحث الثاني البيعة

- ‌المبحث الثالث شروط الإمام

- ‌1 - القرشية:

- ‌2 - الحرية:

- ‌المبحث الرابع واجبات الإمام وحقوقه

- ‌1).1 -واجبات الإمام:

- ‌3 - حقوق الإمام:

- ‌المبحث الخامس الموقف من الأئمة

- ‌الفصل الثالث الصحابة

- ‌المبحث الأول مكانة الصحابة وفضلهم

- ‌تفضيل الصحابة على من بعدهم:

- ‌المفاضلة بين الصحابة:

- ‌المبحث الثاني عدالتهم وعظم الطعن فيهم

- ‌المبحث الثالث الموقف مما وقع بينهم

- ‌الدفاع عن صحابة بأعيانهم:

- ‌الباب الرابع اليوم الآخر

- ‌الفصل الأول أشراط الساعة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول تعريف أشراط الساعة وأقسامها

- ‌أولًا: تعريف أشراط الساعة:

- ‌ثانيا: أقسامها:

- ‌المبحث الثاني أشراط الساعة الصغرى

- ‌1 - بعثة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌2 - ظهور نار الحجاز:

- ‌3).3 -رفع العلم وظهور الجهل:

- ‌4 - أن تلد الأمة ربَّتها:

- ‌5 - التطاول في البنيان:

- ‌6 - عبادة الأوثان:

- ‌7 - حسر الفرات عن جبل من ذهب:

- ‌8 - عودة أرض العرب مروجًا وأنهارًا:

- ‌المبحث الثالث أشراط الساعة الكبرى

- ‌1 - المهدي:

- ‌2).2 -المسيح الدجال:

- ‌3 - نزول عيسى عليه السلام:

- ‌4).4 -يأجوج ومأجوج

- ‌أصلهم:

- ‌خروجهم من السد:

- ‌5 - الخسوفات الثلاثة:

- ‌6 - الدخان:

- ‌7 - طلوع الشمس من مغربها:

- ‌8 - الدابة:

- ‌9 - النار التي تحشر الناس:

- ‌الفصل الثاني فتنة القبر وعذابه ونعيمه

- ‌المبحث الأول الروح

- ‌مستقر الأرواح بعد مفارقة الأبدان:

- ‌المبحث الثاني فتنة القبر

- ‌المبحث الثالث عذاب القبر ونعيمه

- ‌المبحث الرابع سماع الموتى

- ‌الفصل الثالث البعث والنشور

- ‌المبحث الأول النفخ في الصور

- ‌عدد النفخات في الصور:

- ‌المبحث الثاني البعث والنشور

- ‌صفة البعث والنشور:

- ‌المبحث الثالث الحشر

- ‌أرض المحشر:

- ‌المبحث الرابع الميزان

- ‌ما الذي يوزن في الميزان:

- ‌المبحث الخامس الشفاعة

- ‌أنواع الشفاعة:

- ‌المبحث السادس الحوض

- ‌وجوب الإيمان به والرد على من أنكره:

- ‌موضع الحوض:

- ‌عظم الحوض ودفع دعوى الاضطراب في أحاديث تحديده:

- ‌من يَرِدُ الحوضَ ومن يُرَدُّ عنه:

- ‌المبحث السابع الصراط

- ‌المبحث الثامن ذبح الموت

- ‌الفصل الرابع الجنة والنار

- ‌خلق الجنة والنار:

- ‌خلود الجنة والنار:

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

- ‌حرف الألف

- ‌حرف الباء

- ‌حرف التاء

- ‌حرف الجيم

- ‌حرف الحاء

- ‌حرف الخاء

- ‌حرف الدال

- ‌حرف الذال

- ‌حرف الراء

- ‌حرف الزاء

- ‌حرف السين

- ‌حرف الشين

- ‌حرف الصاد

- ‌حرف الضاد

- ‌حرف الطاء

- ‌حرف العين

- ‌حرف الغين

- ‌حرف الفاء

- ‌حرف القاف

- ‌حرف الكاف

- ‌حرف اللام

- ‌حرف الميم

- ‌حرف النون

- ‌حرف الهاء

- ‌حرف الواو

- ‌الرسائل العلمية والمجلات:

الفصل: سمع دعاءهم وسمع نجواهم كما قال تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ

سمع دعاءهم وسمع نجواهم كما قال تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا}

(1)

أي تشتكي إليه وهو يسمع التحاور- والتحاور تراجع الكلام - بينها وبين الرسول عليه السلام فالله تعالى إذا خلق العباد وعملوا وقالوا: فإما أن نقول إنه يسمع أقوالهم ويرى أعمالهم، وإما لا يرى ولا يسمع فإن نفى ذلك فهو تعطيل لهاتين الصفتين وتكذيب للقرآن، وهما صفتا كمال لا نقص فيه"

(2)

.

"فأهل السنة والجماعة يثبتون لله سمعًا وبصرًا أزليين يسمع ويبصر بهما كل مسموع وكل مبصر عند حدوثه وهذا هو الحق الذي يدل عليه الكتاب والسنة ويقبله العقل السليم"

(3)

.

‌صفة العلو:

علو الله تعالى من أعظم صفاته التي تضافرت على إثباتها الأدلة من الكتاب والسنة، وإجماع سلف الأمة. إلَّا أن آثار علم الكلام الذي شوَّه صفاء العقيدة وغير سلامة الفطرة جعل بعض من ركب علم الكلام وخاض في هذه الأوهام ينكر علو الله تعالى، ويصرف ما جاء في ذلك من النصوص إلى علو القهر أو الشأن.

وهذا ما ذهب إليه القرطبي والمازري تبعًا لمتأخري الأشاعرة في نفيهم لعلو الله تعالى. ولا شك أن الكتاب والسنة والعقل والفطرة يشهد بضد ما ذهبوا إليه وما قالوا به.

ويتبين هذا من تكلفهم في تأويل النصوص وحيرتهم من كثرة الأدلة.

(1)

سورة المجادلة، آية:1.

(2)

انظر: الرد على المنطقيين ص (465) والفتاوى (6/ 228).

(3)

انظر: جامع الرسائل لابن تيمية (2/ 15 - 17).

ص: 490

ومن أصرح الأدلة وأوضحها في إثبات علو الله تعالى حديث الجارية، إلَّا أن القرطبي رحمه الله تكلَّف في تأويله وأجهد نفسه في ذلك، ويتضح هذا من خلال كلامه عليه حيث قال:"قوله صلى الله عليه وسلم للجارية: "أين الله؟ "

(1)

هذا السؤال من النبي صلى الله عليه وسلم تنزل مع الجارية على قدر فهمها إذ أراد أن يُظهر منها ما يدل على أنها ليست ممن يعبد الأصنام ولا الحجارة التي في الأرض، فأجابت بذلك، وكأنها قالت: إن الله ليس من جنس ما يكون في الأرض و"أين" ظرف يسأل به عن المكان

وهو لا يصح إطلاقه على الله تعالى بالحقيقة إذ الله تعالى منزه عن المكان كما هو منزه عن الزمان، بل هو خالق الزمان والمكان، ولم يزل موجودًا ولا زمان ولا مكان، وهو الآن على ما عليه كان، ولو كان قابلًا للمكان لكان مختصًّا به، ويحتاج إلى مخصص، ولكان فيه إما متحركًا وإما ساكنًا، وهما أمران حادثان، وما يتصف بالحوادث حادث، ولما صدق قوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}

(2)

إذ كانت تماثله الكائنات في أحكامها، والممكنات في إمكانها، وإذا ثبت ذلك ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أطلقه على الله بالتوسع والمجاز لضرورة إفهام المخاطبة القاصرة الفهم الناشئة مع قوم معبوداتهم في بيوتهم فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعرف منها هل هي ممن يعتقد أن معبوده في بيت الأصنام أم لا؟ فقال لها: أين الله؟ فقالت: في السماء، فقنع منها بذلك، وحكم بإيمانها إذ لم تتمكن من فهم غير ذلك، وإذ نزهت الله تعالى عن أن يكون من قبيل معبوداتهم وأصنامهم ورفعته عن أن يكون في مثل أمكنتهم، وحملها على ذلك أنها رأت المسلمين يرمقون

(1)

رواه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب تحريم الكلام في الصلاة ح (537)(5/ 23).

(2)

سورة الشورى، آية:11.

ص: 491

أبصارهم وأيديهم إلى السماء عند الدعاء فتُركت على ذلك في تلك الحال لقصور فهمها، إلى أن يتمكن فهمها وينشرح صدرها، إذ لو قيل لها في تلك الحال: الله يستحيل عليه المكان والزمان، لخيف عليها أن تعتقد النفي المحض والتعطيل، إذ ليس كل عقل يقبل هذا ويعقله على وجهه، بل إنما يعقله العالمون الذين شرح الله صدورهم لهدايته، ونور قلوبهم بنور معرفته، وأمدهم بتوفيقه ومعونته، وأكثر الخلق تغلب عليهم الأوهام وتكلّ منهم الأفهام، وقيل في تأويل هذا الحديث: إن النبي صلى الله عليه وسلم سألها بـ "أين" عن الرتبة المعنوية التي هي راجعة إلى جلاله تعالى، وعظمته التي بها باين كل من نسبت إليه الإلهية، وهذا كما يقال: أين الثريا من الثرى؟ ! والبصر من العمى؟ ! أي: بعد ما بينهما واختصت الثريا والبصر بالشرف والرفعة، وعلى هذا يكون قولها "في السماء" أي في غاية العلو والرفعة، وهذا كما يقال: فلان في السماء ومناط الثريا وهذا كما قال:

وإن بني عوفٍ كما قد علمتم

مناط الثُّريَّا قد تعالت نجُومها

(1)

أقول هذا والله ورسوله أعلم والتسليم أسلم.

تنبيه: ثم اعلم أنه لا خلاف بين المسلمين قاطبةً محدِّثِهم وفقيههم ومتكلمهم ومقلدهم ونُظَّارهم أن الظواهر الواردة بذكر الله تعالى في السماء كقوله: {أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ}

(2)

ليست على ظاهرها وأنها متأولة عند جميعهم أما من قال منهم بالجهة فتلك الجهة عنده جهة الفوق التي عبر عنها بالعرش وهي فوق السموات كما جاء في الأحاديث فلابد أن يتأول كونه في السماء، وقد تأولوا تأويلات وأشبه ما فيه: أن في:

(1)

لم أقف عليه.

(2)

سورة الملك، آية:16.

ص: 492

بمعنى: على كما قال: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ}

(1)

أي: على جذوع النخل ويكون العلو بمعنى الغلبة، وأما من يعتقد نفي الجهة في حق الله تعالى، فهو أحق بإزالة ذلك الظاهر وإجلال الله تعالى عنه وأولى الفرق بالتأويل، وقد حصل من هذا الأصل المحقق: أن قول الجارية "في السماء" ليس على ظاهره باتفاق المسلمين فيتعين أن يعتقد فيه أنه مُعرَّضٌ لتأويل المتأولين وأن من حمله على ظاهره فهو ضالٌّ من الضِّالين"

(2)

.

ومع صراحة هذا الحديث وسؤال الرسول صلى الله عليه وسلم للجارية بأين، إلَّا أن القرطبي أنكر جواز ذلك، فقال: "الله يحكم ما يشاء

فلا يتوجه في فعله لم وكيف؟ كما لا يتوجه عليه في وجوده أين"

(3)

.

وقد نقل هذا الكلام الحافظ ابن حجر في فتح الباري، وسكت عنه، وتعقبه الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله فقال:"الصواب عند أهل السنة وصف الله سبحانه بأنه في جهة العلو، وأنه فوق العرش، كما دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة، ويجوز عند أهل السنة السؤال عنه بأين كما جاء في صحيح مسلم"

(4)

.

وكذا المازري نفى علو الله تعالى عند شرحه لهذا الحديث فقال: "إنما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتطلب دليلًا على أنها موحدة فخاطبها بما تفهم به قصده، إذ من علامات الموحدين التوجه إلى السماء عند الدعاء، وطلب الحوائج؛ لأن العرب التي تعبد الأصنام تطلب حوائجها من الأصنام والعجم من النيران، فأراد صلى الله عليه وسلم الكشف عن معتقدها: هل هي من جملة من

(1)

سورة طه، آية:71.

(2)

المفهم (2/ 142 - 145) وانظر: (3/ 111)(4/ 305).

(3)

المفهم (6/ 216).

(4)

فتح الباري (1/ 266). هامش (1).

ص: 493

آمن؟ فأشارت إلى السماء وهي الجهة المقصودة عند الموحدين، كما ذكرنا، وقيل: إنما وجه السؤال بـ "أين" ههنا سؤال عما تعتقده من جلال الباري وعظمته وإشارتها إلى السماء إخبار عن جلالته تعالى في نفسها، والسماء قبلة الداعين، كما أن الكعبة قبلة المصلين، فكما لم يدل استقبال الكعبة على أن الله جلَّت قدرته فيها لم يدل التوجه إلى السماء والإشارة على أن الله سبحانه حالٌّ فيها"

(1)

.

فالقرطبي والمازري نفيا علو الله تعالى، وهو في الحديث نصٌّ صريح لا يقبل التأويل، والعجب من كلام القرطبي هذا؛ إذ مضمونه: أن إجابة الجارية: باطل وضلال، وكيف يرضى الرسول صلى الله عليه وسلم بإقرارها على هذا الباطل هي ومن حضر أو نقل له هذا الحديث إلى قيام الساعة، وهو عليه الصلاة والسلام الذي بُعث لدفع الباطل وإقرار الحق ونشره وتصحيح تصورات العباد في ربهم تعالى.

مع ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من إنكار المنكر وعدم التواني في ذلك، ولذا عد العلماء إقراره صلى الله عليه وسلم وسكوته من التشريع، ولكن الذي دفع القرطبي لهذا القول - المخالف للقواعد والأصول والذي يُعرَفُ ضلاله ببداهة العقول - التزامه بالقواعد الفاسدة التي رتبها المتكلمون لنفي صفات الله تعالى كما صرح بذلك في كثير من المواضع، ثم قوله هنا مخالف لما قرره عند رده على المتكلمين في قولهم بأن أول واجب على العبد النظر، حيث بين فساد قولهم ولازمه تكفير عامة المسلمين؛ لأنهم ليس عندهم أهلية النظر التي قصرها المتكلمون على أصحاب العقل والفهم. وهذا ما وقع فيه هنا إذ بين أن قول الجارية ضلال وأن الحق بضده، ولكن تقصر عامة العقول

(1)

المعلم (1/ 275).

ص: 494

والأفهام عن معرفته فلا يقبله أو يفهمه كل عقل بل هو مقصور على العلماء دون أكثر الخلق. وهذا كقول المتكلمين في مسألة أول واجب على المكلف، إذ معنى قوله هذا أن عامة الخلق على ضلال في اعتقادهم بالله تعالى، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أقرهم على هذا الضلال - حاشاه صلى الله عليه وسلم من ذلك -.

وأمَّا قوله: إن إثبات هذا يقتضي مشابهة المخلوقات، وأن الله تعالى لو كان قابلًا للمكان لكان مختصًا به ويحتاج إلى مخصص وأيضًا يقتضي وصف الله تعالى بالحوادث، وما لا يخلو من الحوادث فهو حادث، وغيرها من قواعد المتكلمين، فقد سبق الإجابة عليها بالتفصيل، فلتراجع.

وأما قوله: "إن هذا من باب التوسع والمجاز" فهو باطل؛ إذ المجاز عندهم هو قسيم الحقيقة أي: بمعنى الشيء المقابل للحقيقة، والقول بالمجاز قول محدث، قد حدث بعد القرون المفضلة، وكان منشؤه من جهة المعتزلة، كما نص على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم.

وقد سبق الرد عليهم في قولهم بالمجاز. فجعل هذا من المجاز تأويل منافٍ لسياق الكلام والأدلة كثيرة وصريحة على علو الله تعالى وفوقيته.

وأما تأويل هذا على أن المراد به علو الرتبة المعنوية

(1)

، فلا يسلم له؛ لأن أهل السنة والجماعة يثبتون لله تعالى العلو بأقسامه الثلاثة: علو الشأن، وعلو القهر، وعلو الفوقية (علو الذات)، فيعتقدون أن الله تعالى في السماء فوق جميع المخلوقات، مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه،

(1)

وانظر أيضًا: المفهم (1/ 405).

ص: 495

عالٍ عليهم غير مختلط بهم.

وألفاظ العلو لم تستعمل في القرآن عند الإطلاق، إلَّا في معنى علو الذات، وهذا المعنى مستلزم لمعاني العلو الأخرى"

(1)

.

وقد بسط العلماء رحمهم الله أدلة العلو في كتبهم فقد نقل شيخ الإسلام عن بعض أكابر الإمام الشافعي أنه قال: "في القرآن ألف دليل أو أزيد تدل على أن الله تعالى عالٍ على الخلق، وأنه فوق عباده، وقال غيره: فيه ثلاثمائة دليل تدل على ذلك"

(2)

.

وقد ذكر ابن القيم في "الصواعق المرسلة" ثلاثين دليلًا من أدلة العقل والفطرة على علو الله تعالى

(3)

.

قال الإمام الدارمي: "فالله تبارك وتعالى فوق عرشه فوق سمواته، بائن من خلقه، فمن لم يعرفه بذلك لم يعرف إلهه الذي يعبد، وعلمه من فوق العرش بأقصى خلقه وأدناهم واحد، لا يبعد عنه شيء .. والآثار في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرة، والحجج متظاهرة والحمد لله على ذلك"

(4)

.

وقال ابن قدامة: "فإن الله تعالى وصف نفسه بالعلو في السماء، ووصفه بذلك رسوله صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، وأجمع على ذلك جميع العلماء من الصحابة الأتقياء والأئمة الفقهاء، وتواترت الأخبار بذلك على وجه حصل به اليقين وجمع الله تعالى عليه قلوب المسلمين، وجعله مغروزًا في طباع الخلق أجمعين، فتراهم عند نزول الكرب بهم يلحظون السماء بأعينهم، ويرفعون نحوها للدعاء أيديهم، وينظرون مجيء الفرج من

(1)

انظر: الفتاوى لابن تيمية (16/ 359).

(2)

الفتاوى لابن تيمية (5/ 121).

(3)

الصواعق المرسلة لابن القيم (4/ 1279 - 1340).

(4)

الرد على الجهمية للدارمي ص (47).

ص: 496

ربهم ينطقون بذلك بألسنتهم"

(1)

.

وقال ابن تيمية: "فهذا كتاب الله من أوله إلى آخره، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من أولها إلى آخرها، ثم عامة كلام الصحابة والتابعين، ثم كلام سائر الأئمة مملوء بما هو إما نص، وإما ظاهر في أن الله سبحانه وتعالى هو العلي الأعلى، وهو فوق كل شيء، وهو على كل شيء، وأنه فوق العرش وأنه فوق السماء"

(2)

.

فمن الأدلة على علو الله تعالى من الكتاب: قوله تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ}

(3)

، وقوله تعالى:{يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ}

(4)

، وقوله عز وجل:{أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16)}

(5)

، وقوله تعالى:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}

(6)

، والآيات في هذا كثيرة.

ومن السنة حديث الجارية السابق، وقوله صلى الله عليه وسلم:"ألا تأمنونني وأنا أمين من في السماء"

(7)

.

ومنها حديث المعراج الطويل، وفيه تجاوز النبي صلى الله عليه وسلم سماءً سماءً، حتى انتهى إلى ربه تعالى، فقرَّبه وأدناه، وفرض عليه خمسين صلاة، فلم

(1)

إثبات صفة العلو لابن قدامة ص (41).

(2)

الفتاوى (5/ 12).

(3)

سورة الأنعام، آية:18.

(4)

سورة النحل، آية:50.

(5)

سورة الملك، آية:16.

(6)

سورة فاطر، آية:10.

(7)

رواه البخاري في كتاب المغازي باب بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه ح (4351)(7/ 665) ومسلم في كتاب الزكاة باب ذكر الخوارج وصفاتهم ح (1064)(7/ 168).

ص: 497

يزل يتردد بين موسى عليه السلام وبين ربه تبارك وتعالى ينزل من عند ربه إلى موسى فيسأله كم فرض عليه، فيخبره، فيقول: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فيصعد إلى ربه فيسأله التخفيف

(1)

. فهذه النصوص وغيرها قد تضافرت مع دلالة العقل والفطرة

(2)

على إثبات علو الله تعالى على خلقه.

وأما قوله باتفاق المسلمين على أن الظواهر الواردة بذكر الله تعالى في السماء ليست على ظاهرها، فهذه الشبهة هي التي جعلتهم ينفون علو الله تعالى وفوقيته مع اعترافهم بأن جهة العلو أشرف من غيرها، وذلك أنهم تصوروا أن النصوص التي نطقت بأن الله في السماء تدل بظاهرها على أنه تعالى مظروف في جوف السماء، فشبهوه بمخلوق داخل مخلوق آخر

(3)

. فأرادوا أن يفروا من هذا التشبيه الذي أوقعهم فيه سوء الفهم، فوقعوا في التعطيل.

قال القرطبي: "مذهب أهل الحق والتحقيق أنهم يحيلون على الله تعالى أن يكون في السماء أو في الأرض إذ لو كان في شيء لكان محصورًا محدودًا ولو كان كذلك لكان محدثًا وعلى هذه القاعدة فقوله تعالى: {أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ}

(4)

وقول الأمة للنبي صلى الله عليه وسلم حين قال لها: "أين الله؟ " فقالت: "في السماء" ولم ينكر عليها ذلك، وما قد روي عن بعض السلف أنهم كانوا يطلقون ذلك ليس على ظاهره بل هو مؤول تأويلات صحيحة

(1)

رواه مسلم في كتاب الإيمان باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات وفرض الصلوات ح (162)(2/ 567).

(2)

انظر: الفتاوى لابن تيمية (4/ 60)(5/ 152، 275، 276).

(3)

الصفات الإلهية لمحمد أمان الجامي ص (235).

(4)

سورة الملك، آية:16.

ص: 498

قد أبداها كثير من أهل العلم في كتبهم لكن السلف رضي الله عنهم أجمعين - كانوا يجتنبون تأويل المتشابهات ولا يتعرضون لها مع علمهم بأن الله تعالى يستحيل عليه سمات المحدثات ولوازم المخلوقات"

(1)

.

فالنصوص لا تدل على ما فهموا، بل تدل على ما يليق بالله تعالى، وقد ردَّ شيخ الإسلام هذه الشبهة، فقال:"من توهم كون الله في السماء بمعنى أن السماء تحيط به وتحويه فهو كاذب - إن نقله عن غيره - ضال - إن اعتقده في ربه - وما سمعنا أحدًا يفهم هذا من اللفظ، ولا رأينا أحدًا يفهم هذا من اللفظ، ولا رأينا أحدًا نقله عن واحد، ولو سئل سائر المسلمين، هل تفهمون من قول الله ورسوله: "إن الله في السماء" أن السماء تحويه؟ لبادر كل واحد منهم إلى أن يقول: هذا شيء لعله لم يخطر ببالنا، وإذا كان الأمر هكذا، فمن التكلف أن يجعل ظاهر اللفظ شيئًا محالًا لا يفهمه الناس منه، ثم يريد أن يتأوله بل عند الناس "أن الله في السماء" و"هو على العرش" واحد، إذ السماء إنما يراد به العلو، فالمعنى أن الله في العلو لا في السفل، وقد علم المسلمون أن كرسيه سبحانه وتعالى وسع السموات والأرض، وأن الكرسي في العرش كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وأن العرش خلق من مخلوقات الله لا نسبه له إلى قدرة الله وعظمته، فكيف يتوهم بعد هذا أن خلقًا يحصره ويحويه؟ وقد قال سبحانه:{وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ}

(2)

وقال: {فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ}

(3)

بمعنى "على" ونحو ذلك، وهذا كلام عربي حقيقة لا مجازًا، وهذا يعلمه من عرف حقائق معاني الحروف، وأنها متواطئة في الغالب لا

(1)

المفهم (1/ 335).

(2)

سورة طه، آية:71.

(3)

سورة آل عمران، آية:137.

ص: 499

مشتركة

(1)

.

ولهذه الشبهة التي انقدحت في أذهانهم ذهب القرطبي إلى نفي العلو وتأويل كل دليل يدل عليه.

فعند شرحه لقوله صلى الله عليه وسلم: "يُرفَعُ إليه عَمَلُ الليل قبل عَمَلِ النهار، وعمل النهار قبلَ عملِ الليل"

(2)

وهو من أدلة العلو. قال: "قوله: "يرفع إليه عمل النهار قبل عمل الليل" يعني: أن الملائكة الموكلين بنا تحصى علينا عمل اليوم، فترفعه في آخره لقرب الليل وكذلك في الليل ترفعه بقرب النهار، ولذلك جاء في الرواية الأخرى "يُرفع إليه عملُ الليل بالنهار وعمل النهار بالليل" فجعل الباء مكان "قبل" وهذا الحديث كقوله "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار"

(3)

والهاء في "إليه" عائدة إلى الله تعالى لكن على طريقة حذف المضاف والمراد به: المحل الذي تنتهي الملائكة إليه بأعمال العباد، ولعله سدرة المنتهى، وهذا كما تقول: رفع المال إلى الملك أي: إلى خزائنه، وعلى هذا يحمل قوله تعالى:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ}

(4)

وقوله: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ}

(5)

أي: مقاماتهم في حضرته وإنما احتجنا إلى إبداء هذا التأويل، لئلا يتخيل الجاهل أنه مختص بجهة فوق، فيلزمه التجسيم، ويكفيك مما يدل على

(1)

الفتاوى (5/ 106).

(2)

رواه مسلم في كتاب الإيمان باب في قوله عليه السلام "إنَّ الله لا ينام" وفي قوله "حجابه النور" ح (179)(3/ 16).

(3)

رواه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة باب فضل صلاة العصر ح (555)(2/ 41) ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب فضل صلاتي الصبح والعصر، والمحافظة عليهما ح (632)(5/ 138).

(4)

سورة فاطر، آية:10.

(5)

سورة المعارج، آية:4.

ص: 500

نفي الجهة في حقه تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ}

(1)

"

(2)

.

وهذه التأويلات التي ذكرها القرطبي لهذه النصوص باطلة؛ لأنها خروج بالنصوص عن حقيقتها إلى معانٍ فاسدة لا تحتملها من دون دليل، ولا صحيح تعليل، دفعه ذلك دعوى التنزيه وعدم الوقوع في التشبيه، وهي دعوى ساقطة، الأدلة بضدها وأهل السنة والجماعة أثبتوا علو الله تعالى بهذه الأدلة وبغيرها من النصوص الكثيرة التي يقف أمامها أهل التأويل في حيرة من كثرتها وصراحتها على ما ينفون. بل الفطرة دالة على علو الله تعالى على خلقه لأن الله تبارك وتعالى فطر الخلق كلهم، العرب والعجم، حتى البهائم على الإيمان به، وبعلوه، فما من عبد يتوجه إلى ربه بدعاء أو عبادة، إلَّا وجد من نفسه ضرورة بطلب العلو، وارتفاع قلبه إلى السماء لا يلتفت إلى غيره يمينًا، ولا شمالًا، ولا ينصرف عن هذه الفطرة، إلَّا من اجتالته الشياطين والأهواء، ولهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الجارية التي سألها "أين الله؟ " فقالت: في السماء، مؤمنة؛ لأنها لم تقل إلَّا الحق، وكان أبو المعالي يقول في مجلسه: كان الله ولا شيء، وهو الآن على ما كان عليه - يعرِّض بإنكار استواء الله على عرشه - فقال أبو جعفر الهمذاني

(3)

: دعنا من ذكر العرش - أي لأنه ثبت بالسمع - وأخبرنا عن هذه الضرورة التي نجدها في قلوبنا ما قال عارف قط: يا الله إلَّا وجده من قلبه ضرورة بطلب العلو لا يلتفت يمنة ولا يسرة، فكيف تدفع هذه الضرورة من قلوبنا فصرخ أبو المعالي ولطم رأسه وقال: حيَّرني

(1)

سورة الحديد، آية:4.

(2)

المفهم (1/ 410).

(3)

محمد بن أبي الحسن بن محممد الهمذاني أبو جعفر إمام حافظ رحل كثيرًا في طلب العلم قال الذهبي: كان من أئمة أهل الأثر ومن كبراء الصوفية توفي سنة (531 هـ). سير أعلام النبلاء (20/ 101). شذرات الذهب (4/ 97).

ص: 501

الهمذاني حيرني الهمذاني"

(1)

.

ولهذا كان صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع يرفع بإصبعه "السبابة" إلى السماء وينكبها إلى الناس ويقول: "اللهم اشهد اللهم اشهد"

(2)

وكان صلى الله عليه وسلم كثيرًا ما يرفع يديه عند الدعاء، فجعل العلماء هذا من الأدلة الفطرية الشرعية على علو الله تعالى، ولكن القرطبي أوَّلَ هذا كغيره من الأدلة حيث قال عند شرحه لحديث أبي بردة رضي الله عنه الذي قال فيه:"ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماءٍ فتوضأ منه ثم رفع يديه حتى رأيت بياض إبطيه"

(3)

.

قال القرطبي: "قوله: ثم رفع يديه حتى رأيت بياض إبطيه" دليل على استحباب الرفع عند الدعاء، وقد فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك يوم بدر، وفي الاستسقاء، وقد رويت كراهية ذلك عن مالك، ويمكن أن يقال: إنما كره أن يتخذ ذلك سنة راتبة على أصله في هذا الباب، أو مخافة أن يعتقد الجهال مكانًا لله تعالى، والذي يزيل هذا الوهم: أن يقال: لا يلزم من مدِّ الأيدي إلى السماء أن يكون مكانًا لله ولا جهة كما لا يلزم من استقبال الكعبة أن يكون الله تعالى فيها، بل السماء قبلة الدعاء، كما أن الكعبة قبلة الصلاة

(4)

. وقال عن الحديث الأول: هذه الإشارة منه صلى الله عليه وسلم إلى السماء؛ لأنها قبلة الدعاء، وإما لعلو الله المعنوي؛ لأن الله تعالى لا يحويه مكان، ولا يختص بجهة

(5)

.

(1)

شرح الطحاوية (2/ 390).

(2)

رواه مسلم في كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم ح (1218)(8/ 420).

(3)

رواه مسلم في كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل أبي موسى وأبي عامر الأشعريين رضي الله عنهما ح (2498)(16/ 292).

(4)

المفهم (6/ 450).

(5)

المفهم (3/ 335).

ص: 502

وقد أجاب عن هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بجواب مفصل اشتمل على أربعين وجهًا - وصلت إلينا في الجزء المطبوع من نقض التأسيس -. والحمد لله.

وقد ركَّز شيخ الإسلام في هذه الأوجه على بيان أن الاستدلال برفع الأيدي والأبصار إلى السماء عند الدعاء إنما هو حجة أهل الإثبات من السلف والخلف، وإن من هؤلاء الأشعري، وأئمة أصحابه، وقد نقل شيخ الإسلام كلامهم في ذلك فالمعترض إنما يعترض على شيوخه الأشاعرة، وهم باستدلالهم يردون عليه، والإشارة إلى الله في العلو باليد، والأصابع، أو العين، أو الرأس، قد تواترت به السنن عن الرسول صلى الله عليه وسلم، والنهي عن رفع البصر في الصلاة؛ لأنه من باب الخشوع الذي أثنى الله على أهله، ولو كان الله ليس في الفوق، بل هو في السفل كما هو في الفوق لم يكن رفع البصر إلى السماء ينافي الخشوع بل يكون بمنزلة خفضها.

والناس على اختلاف عقائدهم وأديانهم يشيرون عند الدعاء إلى السماء؛ لأن هذا شيء يجدونه في فطرهم.

ودعوى أن السماء قبلة الدعاء كالكعبة قبلة للصلاة باطل معلوم بالاضطرار بطلانه من وجوه منها أن المسلمين مجمعون على أن قبلة الداعي هي قبلة الصلاة، ومنها أن كون السماء أو العرش قبلة لا يثبت بغير الشرع، وليس في النصوص أي دليل على ذلك، ومنها أن القبلة أمر يدخله النسخ ولذلك تحولت، القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، ولو كانت القبلة هي العرش أو السماء لجاز تغييرها وتبديلها ولجاز أن يدعو الإنسان ربه إلى سائر الجهات، وهذا فضلًا عن أنه باطل فإن العباد

ص: 503