الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سواه من الأنبياء والمرسلين، كما جاءت بذلك النصوص، فقد قال شارح الطحاوية: "الجواب أن هذا كان له سبب، فإنه كان قد قال يهودي: لا والذي اصطفى موسى على البشر، فلطمه مسلم، وقال: أتقول هذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا! فجاء اليهودي فاشتكى من المسلم الذي لطمه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا لأن التفضيل إذا كان على وجه الحمية والعصبية وهوى النفس كان مذمومًا، فإن الله حرَّم الفخر، وقد قال تعالى:{وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ}
(1)
(2)
. فعلم أن المذموم إنما هو التفضيل على وجه الفخر أو على وجه الانتقاص بالمفضول، وعلى هذا يحمل قوله صلى الله عليه وسلم:"لا تفضلوا بين الأنبياء"
(3)
.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إذا كان التفضيل على وجه الغض من المفضول في النقص له نهي عن ذلك، كما نهى في هذا الحديث عن تفضيل موسى، وكما قال لمن قال يا خير البرية قال: "ذاك إبراهيم" وصح قوله: "أنا سيد ولد آدم ولا فخر، آدم ومن دونه تحت لوائي يوم القيامة ولا فخر"
(4)
"
(5)
.
المطلب الرابع: نبوة الخضر وحياته:
نبوته:
اختلف في الخضر، هل هو نبي أو رسول أو ولي؟ كما قال الراجز:
(1)
سورة الإسراء، الآية:55.
(2)
سورة البقرة، الآية:253.
(3)
شرح الطحاوية (1/ 159).
(4)
رواه الترمذي في كتاب تفسير القرآن، باب 18، وابن ماجه في سننه في كتاب الزهد، باب (18)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1/ 309) ح (1468).
(5)
منهاج السنة لابن تيمية (7/ 256).
واختلف في خضر أهل العقول
…
قيل نبي أو ولي أو رسول؟
(1)
وقد رجَّح القرطبي أن الخضر نبي، وليس برسول ولا ولي. فقال:"الخضر عليه السلام لم يتفق على أنه نبي، بل هو أمر مختلف فيه، هل هو نبي، أو ولي؟ فإن كان نبيًّا فليس برسول بالاتفاق، إذ لم يقل أحد: أن الخضر عليه السلام أُرسل إلى أمة"
(2)
.
وقال في إثبات نبوته بعد أن ذكر بعض كراماته: فيه دليل على كرامات الأولياء، وكذلك كل ما وصف عن أحوال الخضر في هذا الحديث، وكلها أمور خارقة للعادة، هذا إذا تنزلنا على أنه ولي لا نبي، وقد اختلف فيه أئمة أهل السنة، والظاهر من مساق قصته واستقراء أحواله مع قوله:{وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي}
(3)
أنه نبي يوحى إليه بالتكاليف والأحكام، كما أُوحي إلى الأنبياء غير أنه ليس برسول"
(4)
.
وأما المازري فقد ذكر الخلاف في هذه المسألة ولم يرجح حيث قال: اضطرب العلماء في الخضر، هل هو نبي أم لا؟ واحتج من قال بنبوته بقوله:{وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} فدلّ على أن الله عز وجل يوحي إليه بالأمر، وهذه النبوة. وينفصل الآخرون عن هذا بأنه يحتمل أن يكون نبي غيره، أمره بذلك عن الله تعالى، وقصارى ما في الآية أنه ما فعله عن أمره، ولكن إذا كان المراد عن أمر الله تعالى فمن المبلغ له؟ ليس في الآية تعيين فيه، وقد يحتج من قال بنبوته بكونه أعلم من موسى، ويبعد أن يكون الولي أعلم من النبي"
(5)
. وما
(1)
أضواء البيان للشنقيطي (3/ 322).
(2)
المفهم (6/ 217).
(3)
سورة الكهف، الآية:82.
(4)
المفهم (6/ 209).
(5)
المعلم (3/ 136).
ذكره المازري هنا ليس بحجة إذ لو كان الخضر نبيًّا فلا يصل إلى منزلة موسى عليه السلام بالاتفاق فلا يكون علمه الذي أخفى عن موسى دليل النبوة.
والذي رجَّحه القرطبي هو الذي ذهب إليه الحفاظ ابن حجر
(1)
وابن الجوزي
(2)
.
وكذلك الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في أضواء البيان، حيث قال عند تفسيره لقوله تعالى:{فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65)} [الكهف: 65]
(3)
: "يفهم من بعض الآيات أن هذه الرحمة المذكورة هنا رحمة نبوية، وأن هذا العلم اللدني علم وحي
…
ومن أظهر الأدلة في أن الرحمة والعلم اللدني اللذين امتن الله بهما على عبده الخضر عن طريق النبوة والوحي قوله تعالى عنه: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي}
(4)
أي: وإنما فعلته عن أمر الله جل وعلا وأمر الله إنما يتحقق عن طريق الوحي إذ لا طريق تعرف بها أوامر الله ونواهيه إلَّا بالوحي من الله جل وعلا"
(5)
.
وقد ذكر- رحمه الله الأدلة والمبررات التي تؤيد ما ذهب إليه، والتي يصعب نقلها لطولها فلتراجع. وهذا هو القول الراجح، وقد نسبه القرطبي المفسر إلى جمهور العلماء
(6)
.
(1)
فتح الباري (1/ 267).
(2)
ذكره عنه شيخ الإسلام ابن تيمية. انظر: الفتاوى (4/ 397).
(3)
سورة الكهف، الآية:65.
(4)
سورة الكهف، الآية:82.
(5)
أضواء البيان (3/ 323).
(6)
تفسير القرطبي (11/ 12).