الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رؤيته في الدنيا:
اتفقت الأمة على منع رؤية الله تعالى في الدنيا، وعدم وقوعها مع جواز وقوعها عقلًا. قال صلى الله عليه وسلم في تعريف الإحسان في حديث جبريل عليه السلام:"أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك"
(1)
.
قال الحافظ ابن حجر: "دلَّ سياق الحديث على أن رؤية الله في الدنيا بالأبصار غير واقعة"
(2)
.
وقد قال صلى الله عليه وسلم مصرحًا بذلك: "اعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا"
(3)
.
قال القرطبي: "اختلف قديمًا وحديثًا في جواز رؤية الله تعالى فأكثر المبتدعة على إنكار جوازها في الدنيا والآخرة، وأهل السلف والسنة على جوازها فيهما ووقوعها في الآخرة
…
إذ رؤية الله تعالى جائزة كما دلَّت عليها الأدلة العقلية والنقلية، فأما العقلية: فتعرف في علم الكلام وأما النقلية فمنها: سؤال موسى رؤية ربه، ووجه التمسك بذلك، علم موسى بجواز ذلك، ولو علم استحالة ذلك لما سأله، ومحال أن يجهل موسى جواز ذلك، إذ يلزم منه أن يكون مع علو منصبه في النبوة وانتهائه إلى أن يصطفيه الله على الناس، وأن يسمعه كلامه بلا واسطة، جاهلًا بما يجب لله تعالى ويستحيل عليه ويجوز، ومجوز هذا كافر. ومنها قوله تعالى:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}
(4)
ووجه التمسك بها امتنانه تعالى على عباده بالنظر إلى وجهه تعالى في الدار الآخرة، وإذا جاز أن يروه فيها
(1)
سبق تخريجه ص (137).
(2)
فتح الباري (1/ 147).
(3)
رواه مسلم في كتاب الفتن باب ذكر ابن صياد ح (2932)(18/ 268).
(4)
سورة القيامة، آية: 22، 23.
جاز أن يروه في الدنيا لتساوي الوقتين بالنظر إلى الأحكام العقلية"
(1)
.
وقد بيَّن سبب عدم رؤيته تعالى في الدانيا فقال: "الله تعالى لو كشف عن خلقه ما منعهم به من رؤيته في الدنيا لما أطاقوا رؤيته ولهلكوا من عند آخرهم، كما قال تعالى:{فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا}
(2)
ويفيد أن تركيب هذا الخلق وضعفهم في هذه الدار لا يحتمل رؤية الله فيها فإذا أنشأهم الله للبقاء وقواهم حملوا ذلك"
(3)
.
وهذا هو الصواب الذي جاءت به الأدلة من الكتاب والسنة، وعند قوله تعالى:{وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي}
(4)
.
قال ابن القيم: "إن الله سبحانه وتعالى لم ينكر عليه سؤاله، ولو كان محالًا لأنكره عليه، ولهذا لما سأل إبراهيم الخليل ربه تبارك وتعالى أن يريه كيف يحي الموتى لم ينكر عليه، ولما سأل عيسى ابن مريم ربه إنزال المائدة من السماء لم ينكر سؤاله، ولما سأل نوح ربه نجاة ابنه أنكر عليه سؤاله.
ثم إنه أجابه بقوله: لن تراني، ولم يقل لا تراني، ولا إني لست بمرئي، ولا لا تجوز رؤيتي، والفرق بين الجوابين ظاهر لمن تأمله وهذا يدل على أنه سبحانه وتعالى يرى، ولكن موسى لا تحتمل قواه رؤيته في هذه الدار لضعف قوة البشر فيها عن رؤيته تعالى
…
فإذا كان الجبل لم يثبت لرؤيته في هذه الدار، فالبشر أضعف"
(5)
.
(1)
المفهم (1/ 401 ، 402).
(2)
سورة الأعراف، آية:143.
(3)
المفهم (1/ 411).
(4)
سورة الأعراف، آية:143.
(5)
حادي الأرواح لابن القيم (1/ 197).