الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نفسي بيده، لو كان موسى حيًّا ما وسعه إلَّا أن يتبعني"
(1)
وإذا كان موسى ملزم باتباع النبي صلى الله عليه وسلم لو كان حيًّا فالخضر من باب أولى"
(2)
.
المطلب الخامس: نبوة النساء:
إن مما وقع فيه الخلاف في مسائل النبوة، نبوة النساء، فقد ذهب بعض العلماء إلى إثبات نبوة النساء، فقد صرَّح بعض العلماء بنبوة مريم، وآسية زوجة فرعون، وأم موسى، وحواء، وهاجر، وسارة، وذهب الجمهور إلى أن النبوة قاصرة على الرجال دون النساء، إذ من شروط النبوة الذكورة، كما قال في الدرة المضية:
وشرط من أكرم بالنبوة
…
حرية ذكورة كقوة
(3)
والقرطبي رحمه الله رجَّح نبوة مريم، وتردد في نبوة آسية حيث قال في إثبات نبوة مريم عند قوله صلى الله عليه وسلم:"خير نسائها مريم بنت عمران .. "
(4)
: "هذا الضمير عائد على غير مذكور، لكنه تفسره الحال والمشاهدة .. فكأنه قال: خير نساء الدنيا: مريم بنت عمران، وهذا نحو حديث ابن عباس المتقدم الذي قال فيه: "خير نساء العالمين مريم"
(5)
ويشهد لهذه
(1)
أخرجه أحمد في مسند" (3/ 387)، وابن أبي شبة في المصنف في كتاب الأدب، باب من كره النظر في كتب أهل الكتاب. وقال الألباني: الحديث عندي حسن لأن له طرقًا كثيرة عند اللالكائي والهروي وغيرهما. مشكاة المصابيح (1/ 63) هامش (2).
(2)
انظر: أضواء البيان للشنقيطي (3/ 328 - 331).
(3)
الدرة المضية في عقيدة الفرقة الرضية مع شرحها لوامع الأنوار البهية للسفاريني (2/ 265).
(4)
رواه البخاري في كتاب، أحاديث الأنبياء باب قوله تعالى:{وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42)} [آل عمران: 42] الآية ح 3432، (6/ 542) ومسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل خديجة أم المؤمنين- رضي الله عنها ح 2430 (15/ 207).
(5)
حديث ابن عباس المتقدم ذكر أفضل نساء أهل الجنة إنما جاء من قوله عليه السلام: "خير نساء العالمين مريم بنت عمران وبنت خويلد، وفاطمة بنت محمد وآسية امرأة فرعون "=
الأحاديث في تفضيل مريم: قول الله تعالى حكاية عن قول الملائكة لها: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42)}
(1)
فظاهر القرآن والأحاديث يقتضي أن مريم أفضل من جميع نساء العالم من حواء إلى آخر امرأة تقوم عليها الساعة، ويعتضد هذا الظاهر بأنها صديقة ونبية بلغتها الملائكة الوحي عن الله تعالى بالتكليف والإخبار والبشارة وغير ذلك كما بلغته سائر الأنبياء، فهي إذًا نبية. وهذا أولى من قول من قال: إنها غير نبية، وإذا ثبت ذلك ولم يسمع في الصحيح أن في النساء نبية غيرها، فهي أفضل من كل النساء الأولين والآخرين إذ النبي أفضل من الولي بالإجماع
(2)
.
وعند قوله صلى الله عليه وسلم: "كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء غير مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام"
(3)
.
قال القرطبي: "لا شك أن أكمل نوع الإنسان: الأنبياء ثم تليهم الأولياء، ويعني بهم: الصديقين والشهداء والصالحين، وإذا تقرر هذا فقد قيل: إن الكمال المذكور في الحديث يعني به: النبوة، فيلزم أن تكون مريم وآسية نبيتين، وقد قيل بذلك، والصحيح: أن مريم نبية؛ لأن الله تعالى أوحى إليها بواسطة الملك، كما أوحى إلى سائر النبيين، وأما آسية فلم يرد ما يدل على نبوتها دلالة واضحة بل: على صديقيتها وفضيلتها فلو
= أخرجه ابن حبان في صحيحه في ذكر فاطمة الزهراء.
(1)
سورة آل عمران، الآية:42.
(2)
المفهم (6/ 314).
(3)
رواه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى:(وضرب الله مثلًا للذين آمنوا امرآة فرعون -إلى قوله- وكانت من القانتين) ح 3411 (6/ 514)، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل خديجة رضي الله عنها ح 2431 (15/ 208).
صحت لها نبوتها لما كان في الحديث إشكال فإنه يكون معناه: إن الأنبياء في الرجال كثير، وليس في النساء نبي إلَّا هاتين المرأتين، ومن عداهما من فضلاء النساء صديقات لا نبيَّات وحينئذ يصح أن تكونا أفضل نساء العالمين، والأولى أن يقال: إن الكمال المذكور في الحديث ليس مقصورًا على كمال الأنبياء بل يندرج معه كمال الأولياء"
(1)
.
وهذا الذي ذهب إليه القرطبي قد رجّحه الأشعري وابن حزم، وحجتهم في ذلك ما ذكره القرطبي من أن الله تعالى أوحى إليها وأرسل إليها ملكًا وأثبت غيره نبوة غير مريم. والصحيح خلاف ما ذكروه، إذ قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)} [النحل: 43]
(2)
، وأما قولهم أن هذا في نفي الرسالة لا النبوة، فلا يوافقون عليه إذ الصحيح أن النبي مأمورٌ بالتبليغ كالرسول، وهذا يحتاج إلى مخالطة الناس وكثرة الاجتماع بهم إلى غير ذلك مما لا يتناسب مع طبيعة المرأة المأمورة بالحشمة والبعد عن الاختلاط.
وأما الاستدلال بالكمال، فلا يلزم من إثبات الكمال حصول النبوة لأن الكمال يطلق على تمام الشيء وتناهيه في بابه، فالمراد بلوغها النهاية في جميع الفضائل التي للنساء
(3)
.
أما الاستدلال علي إثبات النبوة وجود الوحي فالجواب أن الوحي أنواع، منه وحي نبوة، ووحي إلهام، ووحي منام، كما هو معلوم من معنى الوحي في اللغة. وقد ثبت الوحي لغير مريم ممن لا يثبت القرطبي
(1)
المفهم (6/ 332).
(2)
سورة النحل، الآية:43.
(3)
فتح الباري (6/ 515).
نبوتها كأم موسى، إذ قال تعالى:{وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى}
(1)
. وقد نقل الطبري عن قتادة قوله في هذه الآية: "وحيًا جاءها من الله فقذف في قلبها وليس بوحي نبوة"
(2)
.
وأما مجيء الملك إلى مريم فلا حجة فيه؛ لأنه قد ثبت مجيء الملك لمن لا يشك في أنه ليس بنبي كالذي زار أخًا له في الله، فبعث الله إليه ملكًا يسأله عن سبب زيارته، فلما أخبره أنه يحبه في الله أعلمه الملك أن الله قد بعثه إليه ليخبره أنه يحبه
(3)
.
واما قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ}
(4)
فليس فيه حجة أيضًا؛ لأن الاصطفاء قد يكون اصطفاء هداية إلى دين الله تعالى وزيادة يقين ورسوخ إيمان، وقد قال تعالى:{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا}
(5)
فالصحيح الذي تدل عليه الأدلة هو ما ذهب إليه جمهور العلماء، وذكر النووي أن الجويني ذكر الإجماع عليه، وهو عدم وجود نبية من النساء، وأن النبوة تقتصر على الرجال، وبهذا يتبين أن القول بنبوة بعض النساء قول ضعيف نقلًا وعقلًا، ولذا ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أنه من الأقوال المنكرة الشاذة التي يعجب منها
(6)
.
(1)
سورة القصص، الآية:7.
(2)
تفسير الطبري (10/ 29).
(3)
وقد أخرج الحديث مسلم في صحيحه في كتاب البر والصلة، باب في فضل الحب في الله ح 2567 (16/ 359).
(4)
سورة آل عمران، الآية:42.
(5)
سورة فاطر، الآية:32.
(6)
انظر: الفتاوى (4/ 396).