الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صفة الوجه:
صفة ذاتية ثابتة لله تعالى بالكتاب والسنة، قال تعالى:{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}
(1)
وقال تعالى: {وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ}
(2)
، وقوله تعالى:{وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27)}
(3)
، وقال صلى الله عليه وسلم:"إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه، يُرفعُ إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه"
(4)
. وعندما نزل قول الله تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ}
(5)
قال صلى الله عليه وسلم: "أعوذ بوجهك"
(6)
فالوجه صفة ثابتة لله عز وجل أثبتها أهل السنة والجماعة للنصوص الكثيرة المتواترة من الكتاب والسنة في إثباتها وأثبتوها على ما يليق به سبحانه وتعالى.
والقرطبي مع تأويله لهذه الصفة وصرفها عن ظاهرها في عدة مواضع إلَّا أنه في بعض المواضع تردد بين التأويل والتفويض حيث قال عند شرحه للحديث الأول: سبحات وجه ربنا: جلاله والهاء في بصره عائدة على الله تعالى على أحسن الأقوال، وهو الذي عاد عليه ضمير "وجهه" وكذلك ضمير "خلقه"
…
وقد أكثر الناس في تأويل هذا الحديث، وأبعدوا، لا سيما من قال: إن الهاء في وجهه تعود على
(1)
سورة القصص، آية:88.
(2)
سورة البقرة، آية:272.
(3)
سورة الرحمن، آية:27.
(4)
رواه مسلم في كتاب الإيمان، باب في قوله عليه السلام "إنَّ الله لا ينام" ح (179). (3/ 16).
(5)
سورة الأنعام، آية:65.
(6)
رواه البخاري في كتاب التوحيد، باب قول الله عزَّوجل {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} ح (7406)(13/ 400).
المخلوق، فإنه يحيل مساق الكلام ويخل بالمعنى، والأشبه ما ذكرناه أو التوقف كما قال السلف:"اقرؤوها كما جاءت" يعنون المشكلات
(1)
.
وقال في موضع آخر: "لطفه وكرمه بعباده المؤمنين ورحمته لهم وعوده عليهم يقتضي أن يمن عليهم بأن يريهم وجهه إبلاغًا في الإنعام، وإكمالًا للامتنان، فإذا كشف عنهم الموانع وأراهم وجهه الكريم، فقد فعل معهم خلاف مقتضى الكبرياء، فكأنه قد رفع عنهم حجابًا يمنعهم ووجه الله تعالى هل هو عبارة عن وجوده المقدس أو عن صفة شريفة عظيمة معقولة؟ في ذلك لأئمتنا قولان"
(2)
.
وقال عند قوله تعالى: {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}
(3)
أي: يخلصون في عباداتهم وأعمالهم لله تعالى ويتوجهون إليه بذلك لا لغيره ويصح أن يقال: يقصدون بأعمالهم وجهه الكريم أي: وجوده المنزه المقدس عن صفات المخلوقين"
(4)
.
وعند قوله تعالى: {فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}
(5)
قال: "أي جهة الله يعني القبلة وأضافها الله تعالى إليه تشريفًا، وقيل: رضاه، وقيل: رحمته كما قال في الحديث "فإن الرحمة تواجهه"
(6)
وقال الفراء: العمل كما قال الشاعر:
(1)
المفهم (1/ 411).
(2)
المفهم (1/ 412).
(3)
سورة الأنعام، آية:52.
(4)
المفهم (6/ 285).
(5)
سورة البقرة، آية:115.
(6)
رواه الترمذي في أبواب الطهارة باب ماجاء في كراهية مسح الحصى في الصلاة وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها باب مسح الحصى في الصلاة وضعفه الألباني في ضعيف ص (88) الجامع الصغير برقم (613).
أستغفر الله ذنبًا لستُ مُحصيه
…
رب العباد إليه الوجه العملُ
(1)
وفي قوله نظر فإن الوجه المذكور في الشعر ليس هو العمل بدليل ذكر العمل بعده، وإنما معناه: القصد أي: إليه القصد والعمل ويمكن حمل الوجه في الآية على هذا والله أعلم"
(2)
.
وقال المازري في شرحه للحديث الأول الذي سبق: الضمير الذي في "وجهه" يعود على المخلوق لا على الخالق إذ الحجاب بمعنى الستر إنما يكون على الأجسام المحدودة والباري جلَّت قدرته، ليس بجسم ولا محدود والحجاب في اللغة: المنع ومنه سمى المانع من الأمير: حاجبًا لمنعه الناس عنه ومنه الحاجب في الوجه؛ لأنه يمنع الأذى عن العين
…
وأما تفسير السبحات، فقال الهروي: سبحات وجهه: نور وجهه تعالى في كتاب العين: سبحة من نور وجهه وجلاله، وإنما نقلنا هذا ليعلم قول أهل اللغة في هذه اللفظة لا على اتباعهم فيما يرجع الضمير إليه وإطلاق اللفظ الذي قالوه"
(3)
.
ويتضح أن ماورد عن القرطبي والمازري مخالف لمذهب أهل السنة والجماعة الذين يثبتون هذه الصفة كما جاءت من غير تشبيه، وأما ما ذكره القرطبي في تفسير قوله تعالى:{فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}
(4)
فقد ذهب كثير من علماء السنة إلى أن هذه الآية ليست من آيات الصفات، بل المراد بها قبلة الله، وقد بيَّن هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث قال: المراد بالوجه هنا القبلة فإن "الوجه" هو الجهة في لغة العرب، يقال:
(1)
لم أقف عليه.
(2)
المفهم (2/ 341).
(3)
المعلم (1/ 224).
(4)
سورة البقرة، آية:115.
قصدت هذا الوجه وسافرت إلى هذا الوجه أي: إلى هذه الجهة، وهذا كثير مشهور، فالوجه هو: الجهة وهو الوجه كما في قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا}
(1)
أي: متوليها، فقوله تعالى:{وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} كقوله: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} كلا الآيتين في اللفظ والمعنى متقاربان، وكلاهما في شأن القبلة والوجه والجهة، وهو الذي ذكر في الآيتين: إنا نوليه: نستقبله، والسياق يدل عليه؛ لأنه قال: أينما تولوا، وأين من الظروف، وتولوا: أي تستقبلوا، فالمعنى: أي موضع استقبلتموه، فهنالك وجه الله، فقد جعل وجه الله في المكان الذي يستقبله هذا بعد قوله:{وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} وهي الجهات كلها، كما في الآية الأخرى:{قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142)}
(2)
فأخبر أن الجهات له فدل على أن الإضافة إضافة تخصيص وتشريف، كأنه قال: جهة الله وقبلة الله، ولكن من الناس من يسلم أن المراد بذلك جهة الله، أي: قبلة الله، ولكن يقول هذه الآية تدل على الصفة، وعلى أن العبد يستقبل ربه، كما جاء في الحديث:"إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الله قبل وجهه"
(3)
ويقول أن لآية دلَّت على المعنيين"
(4)
.
هذا بالنسبة لهذا الدليل، وأما ما سواه من الأدلة فهي نصٌّ في إثبات هذه الصفات، والسلف بإجماعهم على الاستدلال بها، قال الإمام ابن خزيمة: "فنحن وجميع علمائنا من أهل الحجاز وتهامة واليمن والعراق،
(1)
سورة البقرة، آية:148.
(2)
سورة البقرة، آية:142.
(3)
رواه البخاري في كتاب الصلاة باب حسك البزاق باليد من المسجد ح (406)(1/ 606)، ومسلم في كتاب المساجد وموضع الصلاة باب النهي عن البصاق في المسجد في الصلاة وغيرها ح (547)(5/ 41).
(4)
الفتاوى (6/ 16).
والشام، ومصر، مذهبنا: أنَّا نثبت لله ما أثبته الله لنفسه، نقر بذلك بألسنتنا، ونصدق ذلك بقلوبنا من غير أن نشبه وجه خالقنا بوجه أحد من المخلوقين عزَّ ربنا عن أن يشبه المخلوقين وجلَّ ربنا عن مقالة المعطلين"
(1)
.
ومما يدل على إبطال مذهب التأويل في هذه الصفة، قوله تعالى:{وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27)}
(2)
فأضاف الوجه إلى الذات وأضاف النعت إلى الوجه، فقال:"ذو" ولو كان ذكر الوجه صلة، ولم يكن صفة للذات لقال: ذي الجلال، فلما قال:"ذو الجلال" علمنا أنه نعت للوجه، وأن الوجه صفة للذات
(3)
.
وقال الدارمي في رده على المريسي: "لو كان وجه الله قبلته، أو الأعمال التي يبتغى بها وجهه أفيجوز أن يقال للقبلة والأعمال ذو الجلال والإكرام؟ فقد علم المؤمنون من خلق الله أنه لا يقدس وجه بذي الجلال والإكرام غير وجه الله.
ثم قوله في الحديث: "أحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره" أفيستقيم: أن يتأول هذا أنه أحرقت سبحات وجهه الأعمال الصالحة، ووجه القبلة كل شيء أدركه بصره؟ ما يشك مسلم في استحالة هذا، ثم قوله صلى الله عليه وسلم:"أعوذ بوجهك" وقوله: "أسألك لذة النظر إلى وجهك"
(4)
. أفيجوز أن يتأول هذا: أعوذ بثوابك والأعمال التي يبتغى بها
(1)
التوحيد لابن خزيمة (1/ 26).
(2)
سورة الرحمن، آية:27.
(3)
انظر: التوحيد لابن خزيمة (1/ 51)
(4)
أخرجه النسائي في السنن الكبرى كتاب صفة الصلاة باب (96) وابن حبان في صحيحه في باب صفة الصلاة، ذكر جواز دعاء المرء في الصلاة بما ليس في كتاب الله وصححه الألباني في صحيح الجامع ص (279) برقم (1301).