الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المنيبين"
(1)
.
وكذلك المازري صرف هذا النص عن ظاهره فلم يثبت هذه الصفة حيث قال في شرحه للحديث: "الفرح يتصرف إلى معانٍ منها: أن يراد به السرور، ولكن السرور يقارنه الرضا بالمسرور به، فالمراد ههنا أن الله سبحانه يرضى
(2)
توبة العبد أشد مما يرضى الواجد لناقته بالفلاة، فعبَّر عن الرضا بالفرح تأكيدًا لمعنى الرضا في نفس السامع، ومبالغة في معنا"
(3)
.
"وتفسير الفرح بلازمه، وهو الرضى، وتفسير الرضى بإرادة الثواب فكل ذلك نفي وتعطيل لفرحه ورضاه سبحانه أوجبه سوء ظن هؤلاء المعطلة بربهم حيث توهموا أن هذه المعاني تكون فيه كما هي في المخلوق تعالى الله عن تشبيههم وتعطيلهم"
(4)
.
"فنحن نؤمن بأن الله تعالى له فرح كما أثبت ذلك أعلم الخلق به صلى الله عليه وسلم، وأنصح الخلق للخلق، وأفصح الخلق فيما نطق به صلى الله عليه وسلم ونقول المراد بالفرح: الفرح حقيقة مثلما أن المراد بالله عز وجل نفسه حقيقة، ولكننا لا نمثل صفاتنا بصفات الله أبدًا"
(5)
.
صفة الضحك:
الضحك من صفات الله تعالى الفعلية الاختيارية التي وردت في السنة الصحيحة، لذا أثبتها أهل السنة والجماعة صفة لله تعالى على
(1)
شرح العقيدة الواسطية ص (166).
(2)
وهو يأول الرضا بإرادة الثواب أيضًا.
(3)
المعلم (3/ 187).
(4)
شرح الواسطية للهراس ص (166).
(5)
شرح الواسطية للشيخ محمد بن عثيمين (2/ 20).
المعنى الذي يليق به سبحانه من غير تشبيه لها بصفة المخلوقين، ولا تأويل لها على خلاف ظاهرها
(1)
.
قال ابن خزيمة: "باب: ذكر إثبات ضحك ربنا عز وجل: بلا صفة تصف ضحكه جل ثناؤه لا ولا يشبَّه ضحكه بضحك المخلوقين، وضحكهم كذلك، بل نؤمن بأنه يضحك، كما أعلم النبي صلى الله عليه وسلم ونسكت عن صفة ضحكه جل وعلا، إذ الله عز وجل استأثر بصفة ضحكه لم يطلعنا على ذلك، فنحن قائلون بما قال النبي صلى الله عليه وسلم مصدقون بذلك بقلوبنا، منصتون عما لم يبين لنا مما استأثر الله بعلمه"
(2)
.
وقال الآجري: "باب الإيمان بأن الله عز وجل يضحك: اعلموا -وفَّقنا الله وإياكم للرشاد من القول والعمل- أن أهل الحق يصفون الله عز وجل بما وصف به نفسه عز وجل وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم وبما وصفه به الصحابة رضي الله عنهم وهذا مذهب العلماء ممن اتبع ولم يبتدع ولا يقال فيه: كيف؟ بل التسليم له والإيمان به أن الله عز وجل يضحك كذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن صحابته رضي الله عنهم فلا ينكر هذا إلَّا من لا يحمد حاله عند أهل الحق"
(3)
.
وقد سار القرطبي والمازري على منهج الأشاعرة في تأويل هذه الصفة، فقال القرطبي: "الضحك من خواص البشر، وهو: تغير أوجبه سرور القلب بحصول كمال لم يكن حاصلًا من قبل فتثور من القلب حرارة ينبسط لها الوجه ويضيق عنها الفم فينفتح وهو التبسم، فإذا زاد ولم يضبط الإنسان نفسه قهقه، وذلك كله على الله تعالى محال، لكن لما كان دلالة
(1)
انظر: شرح الواسطية لابن عثيمين (2/ 25) بتصرف.
(2)
التوحيد لابن خزيمة (2/ 563).
(3)
الشريعة للآجري (2/ 1051).
عندنا على الرضا ومظهرًا له غالبًا عبر عن سببه به، وقد قالوا: تضحك الأرض من بكاء السماء، أي: يظهر خيرها، وفي بعض الحديث:"فيبعث الله سحابًا يضحك أحسن الضحك"
(1)
يعني السحاب، ومنه قولهم:
..................
…
ضحك المشيب برأسه فبكى
(2)
وقال:
..................
…
في طعنة تضحك عن نجيع
(3)
فالضحك في هذه المواضع بمعنى: الظهور فيكون معناه في الحديث: أن الله تعالى رضي عن هذا العبد، وأظهر عليه رحمته وفضله ونعمته، ولهذا حمله قوم هنا: على أنه تجلى للعبد وظهر له"
(4)
.
وعند قوله صلى الله عليه وسلم: "يضحك الله عز وجل إلى رجلين يقتل أحدُهما الآخر كلاهما يدخل الجنة، قال: يقاتل هذا في سبيل الله فيستشهد، ثم يتوب الله على القاتل فيسلم فيقاتل في سبيل الله فيستشهد"
(5)
.
قال القرطبي في شرحه لهذا الحديث: "الضحك المنسوب إلى الله
(1)
رواه أحمد في مسنده (5/ 435) قال عنه الهيثمي: رجاله رجال الصحيح انظر: مجمع الزوائد (2/ 216)، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (4/ 228) ح (1665).
(2)
هو لدعبل بن علي الخزاعي المتوفى سنة (246 هـ) وهذا عجز البيت، وصدره:
* لا تعجبي يا سلْمَ من رجلٍ *
انظر: شعر دعبل بن علي الخزاعي ص (204).
(3)
لم أقف عليه.
(4)
المفهم (1/ 424).
(5)
رواه البخاري في كتاب الجهاد والسير باب الكافر يقتل المسلم ثم يُسلِمُ فيسدِّدُ بعدُ ويقتل ح (2826)(6/ 47) ومسلم في كتاب الإمارة باب بيان الرجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة ح (1890)(13/ 39).
تعالى عبارة عن الرضا بالمضحوك منه وإكرامه والإقبال عليه، ويحتمل أن يكون من باب حذف المضاف أي: يضحك رسول الله وملائكته ممن ذكر عند قبض أرواحهم، والله تعالى أعلم"
(1)
.
ؤقال المازري: الضحك من الله محمول على إظهار الرضا والقبول؛ إذ الضحك في البشر علامة على ذلك، ويقال: ضحكت الأرض إذا ظهر نباتها، وفي بعض الحديث:"فيبعث الله سحابًا فيضحك أحسن الضحك"
(2)
فجعل انجلاءه عن البرق ضحكًا على الاستعارة، كأنه تعالى لما أظهر له رحمته استعير له اسم الضحك مجازًا"
(3)
.
وعند شرحه لقوله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تعالى للرجل: اذهب فادخل الجنة، فتتخيل له أنها ملأى، فيقول الله له: اذهب فادخل الجنة، فيقول: أتسخر بي أو تضحك بي وأنت الملك"
(4)
.
قال: "إن قيل: ما معنى قوله: "تسخر بي أو تضحك بي وأنت الملك؟ " وهب أنكم تأولتم الضحك على ماذ كرتم من الرضا وغيره، وهذا غير متأت ههنا، فيقال: من عادة المستهزئ من المخلوقين والساخر أن يضحك فوضع ههنا "تضحك" موضع: تستهزئ وتسخر لما كانت حالة للساخر"
(5)
.
وعند قوله صلى الله عليه وسلم: "فتجلى لهم يضحك"
(6)
، قال: "التجلي في لسان
(1)
المفهم (3/ 724).
(2)
سبق تخريجه ص (582).
(3)
المعلم (1/ 227).
(4)
رواه مسلم في كتاب الإيمان باب آخر أهل النار خروجًا ح (186)(3/ 41).
(5)
المعلم (1/ 227).
(6)
رواه مسلم في كتاب الإيمان باب أدنى أهل الجنة منزلة ح (191)(3/ 50).
العرب معناه: الظهور فيكون المعنى ههنا: يظهر لهم، ومنه قوله تعالى:{فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا}
(1)
معناه: ظهر، والضحك ذكرنا أنه يعبر به عن الرضا وإظهار الرحمة، فيكون المعنى على هذا: يظهر لهم وهو راضٍ، ويكون ذلك مجازًا خاطب عليه السلام به العرب على ما اعتادت من لغتها"
(2)
.
وهذا الذي أقرَّاه ونصراه من التأويل المذموم، وصرفِ للفظ عن ظاهره، وتعطيل لصفة الرب عز وجل التي جاءت في الأحاديث الصحيحة، وتلقاها السلف بالإيمان والتسليم.
وأما جعل الضحك عبارة عن الرضا أو الإكرام، أو من باب حذف المضاف، وجعل المضاف إليه مكانه وادعاء أن هذا الذي جاء في الحديث من باب المجاز، فقد رد العلماء هذه التأويلات.
قال أبو يعلى: "اعلم أنه غير ممتنع حمل هذه الأحاديث على ظاهرها من غير تأويل، وقد نصَّ أحمد على ذلك
…
وقال المروذي
(3)
: سألت أبا عبد الله عن عبد الله التيمي، فقال: صدوق، وقد كتبت عنه من الرقائق، ولكن حكي عنه أنه ذكر حديث الضحك فقال: مثل الزرع الضحك وهذا كلام الجهمية"
(4)
.
وقد ردَّ الدارمي على من أوَّل الضحك في كلام يطول ذكره قال فيه: قال المعارض في تفسير الضحك أن ضحك الرب رضاه ورحمته،
(1)
سورة الأعراف، آية:143.
(2)
المعلم (1/ 228).
(3)
أحمد بن محمد المروذي أبو بكر الإمام القدوة صاحب الإمام أحمد كان إمامًا في السنة شديد الاتباع توفي سنة (275 هـ) سير أعلام النبلاء (13/ 173)، تاريخ بغداد (4/ 423).
(4)
إبطال التأويلات لأبي يعلى (1/ 217).
وصفحه عن الذنوب، ألا ترى أنك تقول: رأيت زرعًا يضحك. وهذا كذب إذ ضحك الزرع ليس بضحك، إنما هو خضرته ونضارته، فهو أبدًا -ما دام أخضر- ضاحك لكل أحد للولي والعدو، ولمن يسقيه ولمن يحصده، لا يقصد بضحكه إلى شيء، والله يقصد بضحكه إلى أوليائه عندما يعجبه فعالهم، ويصرفه عن أعدائه فيما يسخطه من أفعالهم، فضحك الله أصل وحقيقة للضحك، ويضحك كما يشاء، وأما قولك إن ضحكه رضاه ورحمته، فقد صدقت في بعض؛ لأنه لا يضحك إلى أحد إلَّا عن رضى، فيجتمع منه الضحك والرضى. ثم ذكر عددًا من الأحاديث التي لا مجال لتأويلها، ومنها قول أبي رزين رضي الله عنه للرسول صلى الله عليه وسلم:"أيضحك ربنا؟ قال صلى الله عليه وسلم: "نعم"، قال: لن نعدم من ربٍّ يضحك خيرًا"
(1)
- ثم قال: لو كان تفسير الضحك الرضى والرحمة والصفح من الذنوب فقط، كان أبو رزين جاهلًا لا يعلم أن ربه يرحم ويرضى ويغفر الذنوب"
(2)
.
قال الأصبهاني: "وأنكر قوم في الصفات الضحك، وإذا صح الحديث لم يحل لمسلم رده، وخيف على من يرده الكفر، قال بعض العلماء: من أنكر الضحك فقد جهل جهلًا شديدًا، والحق أن الحديث إذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وجب الإيمان به، ولا توصف صفته بكيفية ولكن نسلم إثباتًا له وتصديقًا به"
(3)
.
(1)
رواه أحمد في المسند (4/ 11) وابن ماجه في سننه باب فيما أنكرت الجهمية وضعفه الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه ص (13).
(2)
انظر نقض الدارمي (2/ 769، 800) بتصرف.
(3)
الحجة في بيان المحجة (2/ 491) بتصرف.