الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأخوة الحظ الأوفر؛ لأنها الأخوة اليقينية العامة، وانفردت الصحابة بخصوصية الصحبة. وأما قوله:"للعامل منهم أجر خمسين منكم" فلا حجة فيه؛ لأن ذلك - إن صح - إنما هو في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأنه قد قال صلى الله عليه وسلم في آخره: "لأنكم تجدون على الخير أعوانًا ولا يجدون"
(1)
ولا بُعد في أن يكون في بعض الأعمال لغيرهم من الأجور أكثر مما لهم فيه ولا تلزم منه الفضيلة المطلقة التي هي المطلوبة بهذا البحث، والله أعلم"
(2)
.
المفاضلة بين الصحابة:
لقد دلَّت نصوص الشرع على وقوع التفاضل بين الصحابة رضي الله عنهم قال تعالى: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10)}
(3)
. وهذا التفضيل لا يفضي إلى تنقيص المفضول إذ {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} وقال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}
(4)
. وقال ابن عمر رضي الله عنه: "كنا نخير بين الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فخير أبا بكر ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان"
(5)
فأهل السنة على إثبات التفاضل بين الصحابة رضي الله عنهم وتفاوتهم في الفضيلة، فهم يقدمون الصديق رضي الله عنه ثم عمر على غيرهم من الصحابة، وهذا أمر
(1)
سبق تخريجه ص (741).
(2)
المفهم (1/ 501).
(3)
سورة الحديد، الآية:10.
(4)
سورة التوبة، الآية:100.
(5)
رواه البخاري في كتاب فضائل الصحابة، باب فضل أبي بكر بعد النبي صلى الله عليه وسلم (3655)(7/ 20).
متفق عليه بين أهل السنة. قال عمرو بن العاص رضي الله عنه: "سألت النبي صلى الله عليه وسلم من أحب الناس إليك قال: "عائشة" قلت من الرجال؟ قال: "أبوها" قلت: ثم من؟ قال: "عمر بن الخطاب" فعد رجالًا
(1)
.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو واقف على عمر في سرير موته بعد أن ترحم عليه: "ما خلفت أحدًا أحب إليَّ أن ألقى الله بمثل عمله منك، وأيم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك وحسبت أني كثيرًا أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ذهبت أنا وأبو بكر وعمر ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر"
(2)
.
قال ابن تيمية: "أما تفضيل أبي بكر ثم عمر على عثمان وعلي فهذا متفق عليه بين أئمة المسلمين المشهورين بالإمامة في العلم والدين من الصحابة والتابعين وتابعهم"
(3)
.
أما عثمان وعلي رضي الله عنهما فقد وقع اختلاف يسير في تقديم أحدهما إلَّا أن الأمر استقر بعد ذلك على تقديم عثمان رضي الله عنه قال يحيى بن سعيد
(4)
: "من أدركت من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين
(1)
رواه البخاري في كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:"لو كنت متخذًا خليلًا" ح (3662)(7/ 22). ومسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه ح 2384 (15/ 163).
(2)
رواه البخاري في كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه ح (3685)(7/ 51)، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عمر رضي الله عنه ج 2389 (15/ 167).
(3)
الفتاوى (4/ 421).
(4)
هو يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري، عالم المدينة في زمانه، وتلميذ الفقهاء السبعة، سمع من بعض الصحابة وحدث عنهم توفي سنة (144 هـ). تهذيب التهذيب (4/ 360)، سير أعلام النبلاء (5/ 468).
لم يختلفوا في أبي بكر وعمر وفضلهما إنما كان الاختلاف في علي وعثمان"
(1)
.
قال - ابن تيمية: "مع أن بعض أهل السنة كانوا قد اختلفوا في عثمان وعلي رضي الله عنهما بعد اتفاقهم على تقدير أبي بكر وعمر أيهما أفضل؟ فقدم قوم عثمان: وسكتوا أو ربعوا بعلي وقدم قوم عليًّا وقوم توقفوا. لكن استقر أمر أهل السنة على تقديم عثمان ثم علي، وإن كانت هذه المسألة - مسألة عثمان وعلي - ليست من الأصول التي يضلل المخالف فيها عند جمهور أهل السنة"
(2)
.
وهذا هو القول الحق وهو الذي اختاره القرطبي رحمه الله ونصره حيث قال: "إذا قلنا إن أحدًا من الصحابة رضي الله عنهم فاضل فمعناه أن له منزلة شريفة عند الله تعالى، وهذا لا يتوصل إليه بالعقل قطعًا، فلابد أن يرجع ذلك إلى النقل، والنقل إنما يتلقى من الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بشيء من ذلك تلقيناه بالقبول، فإن كان قطعيًا حصل لنا العلم بذلك، وإن لم يكن قطعيًا كان كسبيل المجتهدات على ما تقدم وعلى ما ذكرناه في الأصول، وإذا لم يكن لنا طريق إلى معرفة ذلك إلَّا بالخبر
…
فالمقطوع بفضله وأفضليته بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أهل السنة هو الذي يقطع به من الكتاب والسنة، أبو بكر الصديق ثم عمر الفاروق، ولم يختلف في ذلك أحد من أئمة السلف، ولا الخلف، ولا مبالاة بأقوال أهل التشيع، ولا أهل البدع، فإنهم بين مكفر تضرب رقبته،
(1)
شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي (8/ 1449)، وسير أعلام النبلاء (5/ 473).
(2)
العقيدة الواسطية لابن تيمية ضمن الفتاوى (3/ 153)، وانظر: الاستيعاب لابن عبد البر (3/ 214)، وفتح الباري لابن حجر رحمه الله (7/ 34).
وبين مبتدع مفسق لا تقبل كلمته، وتدحض حجته، وقد اختلف أئمة أهل السنة في علي وعثمان رضي الله عنهما، فالجمهور منهم على تقديم عثمان وقد رُوي عن مالك أنه توقف في ذلك ورُوي عنه أنه رجع إلى ما عليه الجمهور وهو الأصح إن شاء الله والمسألة اجتهادية لا قطعية ومستندها الكلي أن هؤلاء الأربعة: هم الذين اختارهم الله تعالى لخلافة نبيه ولإقامة دينه فمراتبهم عنده بحسب ترتيبهم في الخلافة إلى ما ينضاف إلى ذلك بما يشهد لكل واحد منهم من شهادات النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك تأصيلًا وتفصيلًا
(1)
.
والمازري رحمه الله تكلم في هذه المسألة وذكر الأقوال فيها وبين ما حصل من خلاف في بعض تفاصيلها، ولكنه لم يرجح ولم يبد رأيه فيها بل اكتفى بما نقله من أقوال"
(2)
.
(1)
المفهم (6/ 237).
(2)
انظر: المعلم (3/ 137، 138).