الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سبحانه على حقيقته دون مجاز"
(1)
.
صفة الرحمة:
الرحمة صفة من صفات الله الثابتة في الكتاب والسنة، فالنصوص الواردة في إثباتها أكثر من أن تحصى، ولذا فلا مجال لعرض هذه الأدلة المثبتة لهذه الصفة، ومن أسماء الله تعالى الحسنى:{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} وهما مشتقان من "الرحمة".
وقد أوَّل القرطبي والمازري هذه الصفة وصرفاها عن ظاهرها، فقال القرطبي: "الرحمة في حقنا: هي رقة وحنو يجده الإنسان في نفسه عند مشاهدة مبتلى أو ضعيف، أو صغير، يحمله على الإحسان إليه واللطف به، والرفق والسعي في كشف ما به، وقد جعل الله هذه الرحمة في الحيوان كله -عاقله وغير عاقله- فيها تعطف الحيوانات على نوعها، وأولادها، فتحنو عليها، وتلطف بها في حال ضعفها وصغرها، وحكمة هذه الرحمة تسخير القوي للضعيف، والكبير للصغير، حتى ينحفظ نوعه، وتتم مصلحته، وذلك تدبير اللطيف الخبير، وهذه الرحمة التي جعلها الله في القلوب في هذه الدار، وتحصل عنها هذه المصلحة العظيمة هي رحمة واحدة من مائة رحمة، ادخرها الله ليوم القيامة، فيرحم بها عباده المؤمنين، وقت أهوالها وشدائدها، حتى يخلصهم منها، ويدخلهم في جنته وكرامته، ولا يفهم من هذا أن: الرحمة التي وصف الحق بها نفسه هي: رقة وحنو كما هي في حقنا؛ لأن ذلك تغير يوجب للمتصف به الحدوث والله تعالى منزه ومقدس عن ذلك، وعن نقيضه الذي هو القسوة والغلظ، وإنما ذلك راجع في حقنا إلى ثمرة تلك الرأفة
(1)
مختصر الصواعق المرسلة لابن القيم (2/ 30 - 32) بتصرف.
وفائدتها، وهي: اللطف بالمبتلي والضعيف، والإحسان إليه، وكشف ما هو فيه من البلاء، فإذًا هي في حقه سبحانه وتعالى من صفات الفعل لا من صفات الذات، وهذا كما تقدم في غضبه تعالى ورضاه"
(1)
.
وقال المازري: "غضب الله عز وجل ورضاه يرجعان إلى إرادته لإثابة المطيع ومنفعة العبد أو عقاب العاصي، فالأولى منهما يسمى رحمة، والثاني يسمى غضبًا"
(2)
.
ويتبين من قولهم هذا مخالفة مذهب السلف في إثبات هذه الصفة التي وردت فيها النصوص على الوجه اللائق به سبحانه من غير تشبيه لها بصفة المخلوق، وهي ولا شك من صفات الكمال، ولذا تكون غالبًا من القوي للضعيف، ومن الكبير للصغير، ومن القادر للعاجز، وأما هذا التأويل فهو على مذهب الأشاعرة، ومن سلك سبيلهم لتنزيه الرب بزعمهم عن مشابهة المخلوق لقولهم: إن الرحمة رقة في القلب، وهذه رحمة المخلوق لا رحمة الخالق، فالرحمة صفة الرحيم، وهي في كل موصوف بحسبه، فإذا اتصف أرحم الراحمين بالرحمة حقيقة لم يلزم أن تكون رحمته من جنس رحمة المخلوق. وإن ظهور آثار صفة الرحمة في الوجود، كظهور أثر صفة الربوبية والملك والقدرة، فإن ما لله على خلقه من الإحسان والإنعام شاهد برحمة تامة وسعت كل شيء.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: "الرحمة صفة الله التي اشتق لنفسه منها اسمه "الرحمن"، واسمه "الرحيم"، وهي صفة تظهر آثارها في خلقه الذين يرحمهم. وصيغة التفضيل في قوله: {وَأَنْتَ أَرْحَمُ
(1)
المفهم (6/ 108).
(2)
المعلم (3/ 189).