الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع خصائص نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
-
لقد منَّ الله تعالى علينا إذ جعلنا من أمة هذا النبي الكريم الذي كمله ربه تعالى بالخصال الحميدة، وخصَّه بالصفات الجميلة والمناقب الفريدة، والمقامات المحمودة التي لم تكن لما سواه من المرسلين فضلًا عن سائر الخلق أجمعين. "فالله سبحانه قد خصَّ نبينا صلى الله عليه وسلم من كرم الخُلُق ومن طيب النفس، ومن مقام الفتوة بما لم يخص به أحدًا غيره، وإليه الإشارة بقوله:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4}
(1)
وبقوله: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ}
(2)
"
(3)
.
وأكرمه سبحانه وتعالى بكمال معرفته وشدة خشيته فصار به صلى الله عليه وسلم في المقام الأعلى.
قال القرطبي: "إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بالله، لما خصه الله تعالى به في أصل الخلقة، من كمال الفطنة وجودة القريحة، وسداد النظر وسرعة الإدراك، ولما رفع الله عنه من موانع الإدراك، وقواطع النظر قبل تمامه، ومن اجتمعت له هذه الأمور، سهل عليه الوصول إلى العلوم النظرية، وصارت في حقه كالضرورية، ثم إن الله تعالى قد أطلعه من علم صفاته، وأحكامه وأحوال العالم كله ما لم يُطْلع عليه غيره وهذا كله معلوم من حاله صلى الله عليه وسلم بالعقل الصريح والنقل الصحيح، وإذا كان في علمه بالله تعالى أعلم الناس لزم أن يكون أخشى الناس لله تعالى لأن الخشية منبعثة عن
(1)
سورة القلم، الآية:4.
(2)
سورة التوبة، الآية:128.
(3)
المفهم (1/ 455).
العلم وبحسبه كما قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}
(1)
"
(2)
.
وهذه المقامات له صلى الله عليه وسلم لا تستغرب إذا عُلم أن الله تعالى اصطفاه وجعله مختارًا من خيار الناس، كما قال صلى الله عليه وسلم:"إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشًا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم"
(3)
.
قال القرطبي: " {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ}
(4)
قد اصطفى الله تعالى من هذا الجنس الحيواني نوع بني آدم، كما قال تعالى:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)}
(5)
يكفيك من ذلك كله: أن الله تعالى خلق العالم كله لأجله، كما صرح بذلك عنه لما قال تعالى:{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13)} [الجاثية: 13]
(6)
ثم إن الله تعالى اختار من هذا النوع الإنساني من جعله معدن نبوته، ومحل رسالته، فأولهم آدم عليه الصلاة والسلام ثم إن الله اختار من نطفته نطفة كريمة، فلم يزل ينقلها من الأصلاب الكريمة إلى الأرحام الطاهرة فكان منها الأنبياء والرسل كما قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34)}
(7)
ثم إن الله تعالى اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل وإسحاق، كما قال:
(1)
سورة فاطر، الآية:28.
(2)
المفهم (6/ 150).
(3)
رواه مسلم في كتاب الفضائل، باب فضل نسب النبي صلى الله عليه وسلم ح 2276 (15/ 41).
(4)
سورة القصص، الآية:68.
(5)
سورة الإسراء، الآية:70.
(6)
سورة الجاثية، الآية:13.
(7)
سورة آل عمران، الآيتان: 33، 34.
(1)
ثم إن الله تعالى اصطفى من ولد إسماعيل كنانة كما ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ثم إن الله تعالى ختمهم بختامهم وأمَّهم بإمامهم وشرفهم بصدر كتيبتهم، وبيت قصيدهم شمس ضحاها هلال ليلتها در تقاصيرها
(2)
زبرجدها وهو محمد صلى الله عليه وسلم أخَّره عن الأنبياء زمانًا، وقدَّمه عليهم رتبة ومكانًا جعله الله واسطة النظام وكمل بكماله أولئك الملأ الكرام وخصَّه من بينهم بالمقام المحمود في اليوم المشهود"
(3)
.
"فالله تعالى قد حمده بما لم يحمد به أحدًا من الخلق وأعطاه من المحامد ما لم يعط مثله أحدًا من الخلق ويلهمه يوم القيامة من محامده، ما لم يلهمه أحدًا من الخلق، وقد حمده أهل السموات والأرض والدنيا والآخرة"
(4)
. نسأل الله تعالى أن يميتنا على ملته ويحشرنا في زمرته.
وأذكر هنا خصائصه صلى الله عليه وسلم بالتفصيل التي ذكرها القرطبي أو المازري وهي كما يلي:
1 -
خاتم الأنبياء:
لقد بعث الله تعالى الرسل مبشرين ومنذرين، قال تعالى:{رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}
(5)
، وما من أمة إلَّا بعث فيها رسول، قال تعالى:{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ}
(6)
. ولذا تتابع الرسل عليهم السلام واحدًا بعد
(1)
سورة النساء، الآية:163.
(2)
جمع تقصارة وهي: القلادة انظر: لسان العرب (5/ 102).
(3)
المفهم (6/ 47).
(4)
المفهم (6/ 145).
(5)
سورة النساء، الآية:165.
(6)
سورة فاطر، الآية:24.
الأخر، حتى ختمهم الله جلَّ وعلا بصفوة خلقه، وأفضل رسله، فجعل من خصائص هذا النبي الكريم أنه آخر الرسل، كما قال صلى الله عليه وسلم:"مثلي ومثل الأنبياء كمثل رجل بنى دارًا فأتمها وأكملها، إلَّا موضع لبنة، فجعل الناس يدخلونها ويتعجبون منها، ويقولون: لولا موضع اللبنة! فأنا موضع اللبنة جئت فختمتُ الأنبياء"
(1)
.
قال القرطبي في شرح هذا الحديث: "مقصود هذا المثل أن يبين به صلى الله عليه وسلم أن الله ختم به النبيين والمرسلين، وتمم به ما سبق في علمه إظهاره من مكارم الأخلاق وشرائع الإسلام، فيه كَمُلَ النظام، وهو ختمُ الأنبياء والرسل الكرام صلى الله عليه وعلى آله أفضل صلاة وسلم عليه أبلغ سلام"
(2)
.
ولذا انقطعت النبوة بعده صلى الله عليه وسلم كما قال عليه السلام: "إنه لا نبي بعدي"
(3)
قال القرطبي: "هذا النفي عام في الأنبياء والرسل؛ لأن الرسول نبي وزيادة، وقد جاء نصًّا في كتاب الترمذي قوله: "لا نبي بعدي ولا رسول"
(4)
وقد قال الله تعالى: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}
(5)
ومن أسمائه في الكتب القديمة وفيما أطلقته هذه الأمة: خاتم الأنبياء، ومما سمى به نفسه: العاقب، والمقفي، فالعاقب: الذي يعقبُ الأنبياء،
(1)
رواه البخاري في كتاب المناقب، باب خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم ح 3534 (6/ 645)، ومسلم في كتاب الفضائل، باب ذكر كونه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ح 2287 (15/ 57).
(2)
المفهم (6/ 88).
(3)
رواه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل ح 3455 (6/ 571)، ومسلم في كتاب الإمارة، باب وجوب الوفاء ببيعة الخليفة الأول فالأول ح 1842 (12/ 473).
(4)
رواه الترمذي في أبواب الرؤيا، باب ذهبت النبوة وبقيت المبشرات، وقال: حديث حسن صحيح غريب وصحح إسناده الألباني في صحيح سنن الترمذي (2/ 258).
(5)
سورة الأحزاب، الآية:40.
والمقفي: الذي يقفوهم أي: يكون بعدهم، وعلى الجملة: هو أمر مجمع عليه معلوم من دين هذه الأمة، فمن ادعى أن بعده نبيًّا أو رسولًا، فإن كان مُسرًّا لذلك واطُلع بالشهادة المعتبرة قُتِلَ قَتْلَة زنديق، فإن صرَّح بذلك فهو مرتد يستتاب، فإن تاب وإلَّا قُتِل قتلة مرتد"
(1)
.
2 -
الشفاعة:
من الخصائص التي أُكرم بها صلى الله عليه وسلم وخُص بها دون الرسل عليهم السلام الشفاعة العامة لأهل المحشر يوم القيامة، وقد جاء إثباتها في الحديث الطويل الذي جاء فيه قوله صلى الله عليه وسلم:"أنا سيد الناس يوم القيامة وهل تدرون بم ذلك؟ يجمع الله يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد فيسمعهم الداعي وينفذهم البصر وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون وما لا يحتملون فيقول بعض الناس لبعض: ألا ترون ما أنتم فيه؟ ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول بعض الناس لبعض: ائتوا آدم، فيأتون آدم -ثم ذكر مجيئهم لآدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام، وكلهم يعتذر حتى قال: فيأتوني فيقولون: يا محمد! أنت رسول الله وخاتم الأنبياء وغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجدًا لربي، ثم يفتح الله عليَّ، ويلهمني من محامده وحسن الثناء عليه شيئًا لم يفتحه لأحد قبلي، ثم يقال: يا محمد! ارفع رأسك سل تعطه اشفع تشفع"
(2)
.
(1)
المفهم (4/ 48).
(2)
رواه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله عز وجل:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} ح 3340 (6/ 428)، ومسلم في كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة ح 194 (66/ 3).
قال القرطبي: "محمد صلى الله عليه وسلم أخَّره عن الأنبياء زمانًا وقدَّمه رتبةً ومكانًا جعله الله واسطة النظام وكمل بكماله أولئك الملأ الكرام، وخصه من بينهم بالمقام المحمود في اليوم المشهود، فهو شفيعهم إذا استشفعوا، وقائدهم إذا وفدوا، وخطيبهم إذا جمعوا وسيدهم إذا ذكروا
…
الناس كلهم إذا جمعهم موقف القيامة، وطال عليهم، وعظم كربهم، طلبوا من يشفع لهم إلى الله تعالى في إراحتهم من موقفهم، فيبدؤون بآدم عليه السلام فيسألونه الشفاعة فيقول: نفسي نفسي لست لها وهكذا يقول من سُئلها من الأنبياء حتى ينتهي الأمر إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فيقول: "أنا لها" فيقوم في أرفع مقام ويخص بما لا يحصى من المعارف والإلهام وينادى بألطف خطاب وأعظم إكرام: يا محمد! قل تسمع وسل تعطه واشفع تشفع وهذا مقام لم ينله أحد من الأنام ولا سمع بمثله لأحد من الملائكة الكرام"
(1)
.
هذا في شفاعته العامة لأهل المحشر إذ لا شافع في هذا المقام غيره ومن خصائصه أيضًا فيما يتعلق بالشفاعة أنه أول شافع يوم القيامة في الشفاعات الأخرى غير العامة وقد قال صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من ينشق عنه القبر وأول شافع وأول مشفع"
(2)
.
قال القرطبي في شرح هذا الحديث: "مقصود هذا الحديث أن يبين أنه لا يتقدمه شافع، لا من الملائكة ولا من النبيين، ولا من المؤمنين في جميع أقسام الشفاعات، على أن الشفاعة العامة لأهل الموقف خاصة لا تكون لغيره. وهذه المنزلة أعظم المراتب وأشرف المناقب"
(3)
.
(1)
المفهم (6/ 47).
(2)
سبق تخريجه ص (646).
(3)
المفهم (6/ 49).
3 -
الوسيلة:
ومما خص الله تعالى به نبينا صلى الله عليه وسلم الوسيلة وهي: منزلة رفيعة في الجنة، قال صلى الله عليه وسلم:"واسألوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلَّا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو"
(1)
.
قال القرطبي: "قوله: "وأرجو أن أكون أنا هو" قال هذا صلى الله عليه وسلم قبل أن يبان له أنه صاحبها، إذ قد أخبر أنه يقوم مقامًا لا يقومه أحد غيره، ويحمد الله محامد لم يُلهمها أحد غيره"
(2)
.
4 -
الكوثر:
وهو الحوض المورود، الذي خص الله تعالى به نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم العظيم -وسيأتي تفصيل ذلك- فهو من خصائصه التي لم تكن لغيره.
قال القرطبي: "إن الله تعالى قد خصَّ نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بالكوثر، الذي هو الحوض المصرح باسمه وصفته وشرابه وآنيته في الأحاديث الكثيرة الصحيحة الشهيرة"
(3)
.
ومن خصائصه ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: "اعطيت خمسًا لم يعطهن أحد قبلي. كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى كل أحمر وأسود. وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي وجعلت لي الأرض طيبة طهورًا ومسجدًا، فأيما رجل أدركته الصلاة صلى حيث كان، ونصرت بالرعب
(1)
رواه مسلم في كتاب الصلاة، باب استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يسأل له الوسيلة ح 384 (4/ 328).
(2)
المفهم (2/ 13).
(3)
المفهم (6/ 90).
بين يدي مسيرة شهر، واعطيت الشفاعة"
(1)
.
وقد جاء في بعض الأحاديث: "أعطيت ثلاثًا" وجاء في حديث آخر: "أعطيت ستًّا" وقد بيَّن القرطبي أنه لا تعارض بين هذه الأحاديث، فقال: "لا يظن القاصد
(2)
أن هذا تعارض، وإنما يظن هذا من توهم أن ذكر الأعداد يدل على الحصر، وأنها لها دليل خطاب، وكل ذلك باطل، فإن القائل عندي خمسة دنانير -مثلًا- لا يدل هذا اللفظ على أنه ليس عنده غيرها، ويجوز له أن يقول تارة أخرى: عندي عشرون، وتارة أخرى: عندي ثلاثون، فإن من عنده ثلاثون صدق عليه أن عنده عشرين وعشرة، فلا تناقض ولا تعارض، ويجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أُعلِم في وقت بالثلاث، وفي وقت بالخمس، وفي وقت بالست، والله تعالى أعلم"
(3)
.
وقد بيَّن القرطبي أن هذه المذكورات من الخصائص التي تميز بها صلى الله عليه وسلم عن غيره من المرسلين، فقال:"قوله: "وبعثت إلى الأحمر والأسود" يعني كافة الخلق، كما قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ}
(4)
. وقوله: "جعلت لي الأرض طيبة طهورًا ومسجدًا" وهذا مما خصَّ الله به نبيه صلى الله عليه وسلم، وكانت الأنبياء قبله إنما أبيح لهم الصلاة في مواضع مخصوصة، كالبيَع والكنائس. وقوله:"واحلت لي الغنائم " هذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام، وإنما كانت الغنائم قبله تجمع، ثم تأتي نار من السماء فتأكلها. و"الرعب" الفزع، والشفاعة الخاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم هي الشفاعة
(1)
رواه البخاري في كتاب التيمم ح 335 (1/ 519)، ومسلم في كتاب المساجد، ومواضع الصلاة ح 521 (5/ 6).
(2)
هكذا في الأصل ولعلها: القاصر.
(3)
المفهم (2/ 115).
(4)
سورة سبأ، الآية:28.
لأهل الموقف كما تقدم"
(1)
.
وقال المازري في شرحه لهذا الحديث: "قوله: "مسجدًا" قيل: إن من كان قبله إنما أبيح لهم الصلاة في مواضع مخصوصة، كالبيع والكنائس، وقوله: "وأحلت لي الغنائم" هو من خصائصه صلى الله عليه وسلم وكان من قبله لا تحل لهم الغنائم بل كانت تجمع ثم تأتي نار من السماء فتأكلها"
(2)
.
5 -
أول من ينشق عنه القبر:
وهي من خصائصه صلى الله عليه وسلم التي لا يشاركه فيها غيره، قال صلى الله عليه وسلم:"أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من ينشق عنه القبر"
(3)
.
قال القرطبي في شرح هذا الحديث: "يعني: أنه أول من يعجل إحياؤه مبالغة في إكرامه وتخصيصًا له بتعجيل جزيل إنعامه"
(4)
.
6 -
أنه نبي التوبة والرحمة:
وقد جاء هذا في قوله صلى الله عليه وسلم: "أنا محمد وأحمد والمقفي والحاشر ونبي التوبة ونبي الرحمة"
(5)
.
كل نبي جاء بالتوبة والرحمة ولا شك ولكن ذكر هذا من النبي صلى الله عليه وسلم يدل على اختصاص، لم يكن لغيره فيرجع هذا إلى المعنى، وقد قال القرطبي عند شرحه لهذا الحديث: "أي: الذي تكثر التوبة في أمته وتعم حتى لا يوجد فيما ملكته أمته إلَّا تائب من الكفر
…
ويحتمل أن يكون معناه: أن أمته لما كانت أكثر الأمم كانت توبتهم أكثر من توبة غيرهم
(1)
المفهم (2/ 116).
(2)
المعلم (1/ 272).
(3)
سبق تخريجه ص (646).
(4)
المفهم (6/ 48).
(5)
رواه مسلم في كتاب الفضائل، باب في أسمائه صلى الله عليه وسلم ح 2355 (15/ 114).
ويحتمل أن تكون توبة أمته أبلغ حتى يكون التائب منهم كمن لم يذنب ولا يؤاخذ لا في الدنيا ولا في الآخرة، ويكون غيرهم يؤاخذ في الدنيا، وإن لم يؤاخذ في الآخرة، والله أعلم. والذي أحوج إلى هذه الأوجه: اختصاص نبينا صلى الله عليه وسلم بهذا الاسم مع أن كل نبي جاء بتوبة أمته فيصدق أنه نبي التوبة فلابد من إبداء مزية لنبينا يختص بها كما بيَّنا، وقوله:"ونبي الرحمة" والرحمة إفاضة النعم على المحتاجين والشفقة عليهم واللطف بهم، وقد أعطى الله نبينا صلى الله عليه وسلم وأمته منها ما لم يعطه أحدًا من العالمين، ويكفي من ذلك قوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)} [الأنبياء: 107]
(1)
فهو أعظم كل رحمة وأمته القابلة لما جاء به قد حصلت على أعظم حظ من هذه الرحمة وشفاعته يوم القيامة لأهل الموقف أعم كل رحمة ولأهل الكبائر أجل كل نعمة وخاتمة ذلك شفاعته في ترفيع منازل أهل الجنة"
(2)
.
وبالجملة فخصائصه صلى الله عليه وسلم كثيرة، سواء فيما أعطاه الله تعالى في الدنيا، أو ما جعله له تعالى في الآخرة من المواقف المحمودة، والمقامات الفاضلة، مع ما خص به تعالى أمته، وأكرمها إذ جعلها خير الأمم، وأكثر أهل الجنة. كل ذلك جاءنا من خبر الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلَّا وحي يوحى.
قال القرطبي: "وهذه الخصائص والفضائل التي حدث بها النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه، إنما كان ذلك منه؛ لأنها من جملة ما أُمر بتبليغه؛ لما يترتب عليها من وجوب اعتقاد ذلك، وأنه حق في نفسه وليُرغَب في الدخول في دينه وليتمسك به من دخل فيه وليعلم قدر نعمة الله عليه في أن
(1)
سورة الأنبياء، الآية:107.
(2)
المفهم (6/ 147).
جعله من أمة من هذا حاله، ولتعظم محبته في قلوب متبعيه، فتكثر أعمالهم، وتطيب أحوالهم، فيحشرون في زمرته، وينالون الحظ الأكبر من كرامته، وعلى الجملة فيحصل بذلك شرف الدنيا وشرف الآخرة؛ لأن شرف المتبوع متعدٍّ لشرف التابع على كل حال"
(1)
.
(1)
المفهم (6/ 49).