الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا شك أن هذا زعمٌ باطلٌ، وقولٌ مردودٌ، إذ جاء إثبات هذه الصفات في الكتاب والسنة، فلا ندعها لقول هؤلاء، ولذا فأهل السنة يقولون عن هذا الزعم: لا يقال لهذه الصفات إنها أعضاء أو جوارح، أو أدوات أو أركان؛ لأن الركن جزء الماهية، والله تعالى هو الأحد الصمد، لا يتجزأ، والأعضاء فيها معنى التفريق والتعضية، والجوارح فيها معنى الاكتساب والانتفاع، وكذلك الأدوات هي الآلات التي ينتفع بها في جلب المنفعة ودفع المضرة، وكل هذه المعاني منتفية عن الله، ولهذا لم يرد ذكرها في صفات الله تعالى"
(1)
.
المطلب الرابع: رمي السلف بالتشبيه والتجسيم:
إن متابعة القرطبي والمازري للمتكلمين في قواعدهم التي أحدثوها لنفي صفات الله سبحانه وتعالى جعلتهم يرمون أهل السنة بألقاب ذميمة هم منها براء، وذلك كتسميتهم بالحشوية، والمجسمة، إذ كل من أثبت الصفات لله سبحانه كما جاءت بها النصوص رموه بهذه الألقاب والأوصاف للتنفير منه.
وتسميتهم بالحشوية أرادوا أنهم من حشو الناس وسقطهم، فلا يعتد بكلامهم، أو لإثباتهم العلو والاستواء، وهذا بزعمهم يؤدي إلى أن يكون الله تعالى في السماء مظروفًا محشوًا تعالى الله عن ذلك.
قال ابن القيم:
ومن العجائب قولهم لمن اقتدى
…
بالوحي من أثر ومن قرآن
حشوية يعنون حشوًا في الوجو
…
د وفضلة في أمة الإنسان
ويظن جاهلهم بأنهم حشوا
…
رب العباد بداخل الأكوان
(1)
شرح العقيدة الطحاوية (1/ 264).
لا تبهتوا أهل الحديث به فما
…
ذا قولهم تبًّ لذي البهتان
كم ذا مشبهة وكم حشوية
…
فالبهت لا يخفى على الرحمن
(1)
فأولى أن يتصف هؤلاء المتكلمون بالحشو؛ لأنهم حشوا الأوراق وسودوها بزبالات عقولهم، وأفسدوها بالبدع، والضلالات المخالفة للقرآن والسنة
(2)
. وسموهم بالمجسمة؛ لأنهم أثبتوا الصفات التي نفاها المتكلمون بعقولهم التي قدموها على نصوص الوحي، وأهل السنة أثبتوها لله تعالى من غير تشبيه له سبحانه وتعالى بخلقه.
قال ابن القيم:
كم ذا مشبهة مجسمة نوا
…
بتة مسبة جاهل فتان
أسماء سميتم بها أهل الحـ
…
ـديث وناصري القرآن والإيمان
ما ذنبهم والله إلَّا أنهم
…
أخذوا بوحي الله والفرقان
وأبوا يدينوا بالذي دنتم به
…
من هذه الآراء والهذيان
(3)
وعند شرح القرطبي لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمَّاهم الله فاحذروهم"
(4)
قال: يعني يتبعونه ويجمعونه طلبًا للتشكيك في القرآن، وإضلالًا للعوام، كما فعلته الزنادقة والقرامطة الطاعنون في القرآن. أو طلبًا لاعتقاد ظواهر المتشابه كما فعلته المجسمة الذين جمعوا ما وقع في الكتاب والسنة مما يوهم ظاهره الجسمية حتى
(1)
القصيدة النونية مع شرحها للهراس (1/ 333).
(2)
تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص (80، 82).
(3)
القصيدة النونية مع شرحها للهراس (1/ 336).
(4)
وذلك بعد ما قرأ قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} الآية [سورة آل عمران ،آية 7] رواه البخاري في كتاب التفسير، باب "منه آيات محكمات" ح (4547)(8/ 57)، ومسلم في كتاب العلم، "باب رفع العلم وقبضه"ح (2673)(16/ 465).
اعتقدوا أن الباري تعالى جسم مجسم، وصورة مصورة، ذات وجه وعين ويد وجنب
(1)
ورجل وإصبع، تعالى الله عن ذلك، فحذر النبي صلى الله عليه وسلم عن
(1)
أهل السنة لا يقولون بأن الجَنْب صفة من صفات الله تعالى لعدم ورود ذلك بالكتاب أو السنة أما قوله تعالى: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} [سورة الزمر، آية: 56]. فمعناه: قصرت في طاعة الله، قال ابن جرير في تفسير هذه الآية: قوله "على ما فرطت في جنب الله" يقول: على ما ضيعت من العمل بما أمرني الله به وقصرت في الدنيا في طاعة الله انظر: تفسير الطبري (11/ 19). وقال الدارمي في رده على المريسي: وأدعيت علينا زورًا وبهتانًا أننا نقول أنَّ الجنب الوارد في الآية هو العضو فإن كنت صادقًا فأشر إلى أحد من بني آدم قاله؟ ! إنما تفسيرها: تحسر الكافرين على ما فرطوا في الإيمان والفضائل التي تدعو إلى ذات الله تعالى واختاروا عليها الكفر، ولا يجهل هذا المعنى كثير من عوام المسلمين فضلًا عن علمائهم، انظر: رد الدارمي على المريسي (2/ 807). قال ابن تيمية: لا يعرف عالم مشهور عند المسلمين ولا طائفة مشهورة من طوائف المسلمين أثبتوا لله جنبًا نظير جنب الإنسان وهذا اللفظ جاء في القرآن في قوله: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} فليس في مجرد الإضافة ما يستلزم أن يكون المضاف إلى الله صفة له، بل قد يضاف إليه من الأعيان المخلوقة وصفاتها القائمة بها ما ليس بصفة له باتفاق الخلق كقوله تعالى:"بيت الله "و"ناقة الله"و"عباد الله" بل وكذلك "روح الله" عند سلف المسلمين وأئمتهم وجمهورهم ولكن إذا أضيف إليه ما هو صفة له وليس بصفة لغيره مثل: كلام الله وعلم الله ويد الله ونحو ذلك كان صفة له وفي القرآن ما يبين أنه ليس المراد بالجنب ما هو نظير جنب الإنسان فإنه قال: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} والتفريط ليس في شيء من صفات الله عز وجل والإنسان إذا قال: فلان قد فرط في جنب فلان، أو جانبه لا يريد به أنَّ التفريط وقع في شيء من نفس ذلك الشخص بل يريد به أنه فرط في جهته اللفظ وفي حقه فإذا كان هذا اللفظ إذا أضيف إلى المخلوق لا يكون ظاهره أنَّ التفريط في نفس جنب الإنسان المتصل بأضلاعه بل ذلك التفريط لم يلاصقه فكيف يظن أنَّ ظاهره في حق الله أنَّ التفريط كان في ذاته.
الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح (4/ 415).
وقد ذكر ابن الجوزي عند تفسيره لهذه الآية خمسة أقوال لجنب الله هي: طاعة الله وحق الله وأمر الله وذكر الله وقرب الله. زاد المسير (7/ 60). على أن صديق حسن خان رحمه الله قد ذكر الجنب من صفات الله تعالى وهو وهم منه رحمه الله. انظر: قطف الثمر في عقيدة أهل الأثر لصديق حسن ص (67).
سلوك طريقهم، فأما القسم الأول: فلا شك في تكفيرهم وأن حكم الله فيهم القتل من غير استتابة. وأما القسم الثاني: فالصحيح القول بتكفيرهم إذ لا فرق بينهم وبين عباد الأصنام والصور، ويستتابون، فإن تابوا، وإلَّا قتلوا، كما يفعل بمن ارتد"
(1)
.
وعند شرحه للحديث الذي فيه إثبات القدم لله تعالى قال: "قد ضل بظاهر هذا اللفظ من أذهب الله عقله، وأعدم فهمه، وهم المجسمة المشبهة، فاعتقدوا أن لله تعالى رِجْلًا من لحم وعصب تشبه أرجلنا، كما اعتقدوا في الله تعالى أنه: جسم يشبه أجسامنا، ذو وجه وعينين، وجنب، ويد، ورجل، وهكذا، وهذا ارتكاب جهالة خالفوا بها العقول وأدلة الشرع المنقول، وما كان سلف هذه الأمة عليه من التنزيه عن المماثلة والتشبيه، وكيف يستقر هذا المذهب الفاسد في قلب من له أدنى فكرة ومن العقل أقل مسكة"
(2)
.
وعند شرحه لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قاتل أحدكلم أخاه فليجتنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورته"
(3)
.
قال: "قد أعادت المشبهة هذا الضمير على الله تعالى، فالتزموا القول بالتجسيم، وذلك نتيجة العقل السقيم، والجهل العميم، وقد بيَّنا جهلهم وحقَّقنا كفرهم، فيما تقدم"
(4)
.
وقال عند حديثه عن فتنة الدجال: "وكل ما يظهره الله على يدي الدجال من الخوارق للعادة محن امتحن الله بها عباده، وابتلاء ابتلاهم به
(1)
المفهم (6/ 670).
(2)
المفهم (7/ 194).
(3)
أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة، باب النهي عن ضرب الوجه ح (2612)(16/ 404).
(4)
المفهم (6/ 598).
ليميز أهل التنزيه والتوحيد بما يدل عليه العقل السديد من استحالة الإلهية على ذوي الأجسام، وإن أتوا على دعواهم بامتثال تلك الطوام أو ليغتر أهل الجهل باعتقاد التجسيم حتى يوردهم ذلك نار الجحيم"
(1)
.
وقال أيضًا: "الغالب على اليهود أنهم يعتقدون الجسمية، وأن الله تعالى شخص ذو جوارح، كما تعتقده غلاة الحشوية في هذه الملة"
(2)
.
وقال المازري بعد ذكره لعدة تأويلات لصرف ما ثبت في الحديث الصحيح من إثبات القدم لله تعالى: "وإذا أمكن حمل الحديث على هذه التأويلات الصحيحة الجائزة على الله سبحانه لم يصح حمله على ما تقوله المجسمة من إفادته إثبات الجارحة لله، تعالى الله عن قولهم، وقد قام الدليل القاطع على استحالة ذلك عليه جل وعلا وهذا واضح فتأمله"
(3)
.
ولا شك أن رميهم أهل السنة بهذه الألقاب من التعدي والظلم الذي لا يرضاه الله تعالى إضافة إلى إلزامهم لمن يثبت هذه الصفات لله تعالى كما وردت بالتشبيه وأهل السنة من هذا براء
(4)
.
قال الإمام الدارمي في رده على المريسي: "وكيف استجزت أن تسمى أهل السنة وأهل المعرفة بصفات الله المقدسة مشبهة إذا وصفوا الله بما وصف به نفسه في كتابه بالأسماء التي أسماؤها موجودة في صفات بني آدم بلا تكييف"
(5)
.
(1)
المفهم (7/ 2173) وانظر: أيضًا (7/ 293).
(2)
المفهم (3/ 389).
(3)
المعلم (3/ 201).
(4)
ويتبين هذا في هذا المبحث أي: مبحث منهجهما في الصفات حيث صرفوا عامة النصوص الواردة في الصفات الفعلية والذاتية عن ظاهرها والزموا من أثبتها بالتجسيم والتشبيه.
(5)
رد الدارمي على المريسي (1/ 301).