الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الحكم على الخوارج:
قال القرطبي: "بظاهر هذا التشبيه
(1)
تمسك من حكم بتكفيرهم من أئمتنا، وقد توقف في تكفيرهم كثير من العلماء لقوله صلى الله عليه وسلم:"فيتمارى في الفُوقِ" وهذا يقضي بأنه يشك في أمرهم، فيتوقف فيهم، وكأن القول الأول أظهر من الحديث، فعلى القول بتكفيرهم: يقاتلون ويقتلون وتسبى أموالهم، وهو قول طائفة من أهل الحديث في أموال الخوارج، وعلى قول من لا يكفرهم: لا يجهز على جريحهم ولا يتبع منهزمهم ولا تقتل أسراهم، ولا تستباح أموالهم، وكل هذا إذا خالفوا المسلمين، وشقوا عصاهم، ونصبوا راية الحرب، فأما من استتر ببدعته منهم، ولم ينصب راية الحرب، ولم يخرج عن الجماعة، فهل يقتل بعد الاستتابة أو لا يقتل وإنما يجتهد في رد بدعته ورده عنها؟ اختلف في ذلك وسبب الخلاف في تكفير من هذه حاله: أن باب التكفير بابٌ خطير أقدم عليه كثير من الناس فسقطوا، وتوقف فيه الفحول فسلموا، ولا نعدل بالسلامة شيئًا"
(2)
.
وفي موضع آخر بيَّن عدم كفرهم، وذلك عند شرحه لقوله صلى الله عليه وسلم:"لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلَّا الله وأني رسول الله إلَّا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة"
(3)
حيث قال: "قوله: "المفارق للجماعة" ظاهره: أنه أتى به نعتًا جاريًا على التارك لدينه، لأنه إذا ارتد عن دين الإسلام، فقد خرج عن جماعتهم، غير أنه يلحق بهم في هذا الوصف كل من خرج عن جماعة
(1)
وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية" أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن، باب إثم من راءى بقراءة القرآن ح (5058)(8/ 717).
(2)
المفهم (3/ 110).
(3)
رواه مسلم في كتاب القسامة، باب ما يباح من دم المسلم ح (1676)(11/ 176).
المسلمين، وإن لم يكن مرتدًا كالخوارج وأهل البدع إذا منعوا أنفسهم من إقامة الحد عليهم، وقاتلوا عليه، وأهل البغي والمحاربين ومن أشبههم"
(1)
.
أما المازري فعند شرحه لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في ذكر الخوارج ووصفهم الذي قال فيه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يخرج في هذه الأمة - ولم يقل منها - قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية"
(2)
.
قال المازري: "يتعلق بظاهر هذا الحديث من يرى تكفيرهم، وقد اختلف أهل الأصول في تكفيرهم، وقد ينفصل عن هذا من لا يرى تكفيرهم بأن يحمل قتلهم على أنه كالحد لهم على بدعتهم، ويشير إلى هذا قوله عليه السلام: "يقتلون أهل الإسلام""
(3)
.
وفي موضع آخر أشار المازري إلى دقة فهم الصحابة رضي الله عنهم وذلك لتفريق أبي سعيد الخدري رضي الله عنه بين قوله صلى الله عليه وسلم: "يخرج في هذه الأمة" وليس "من هذه الأمة"، وقد بيَّن المازري أنه وردت روايات فيها عبارة "من هذه الأمة"، ثم أشار إلى اختلاف الناس في تكفيرهم لشدة إشكال المسألة، حتى إن كثيرًا من العلماء يتهرب من الإجابة على ذلك لصعوبة إدخال كافر بالملة، أو إخراج مسلم منها، ولذا
(1)
المفهم (5/ 40).
(2)
رواه البخاري في كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم ح (6931)(12/ 295)، ومسلم في كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم ح (1064)(7/ 166).
(3)
المعلم (2/ 24).