الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب التاسع: النشرة:
وهي مسألة لها علاقة بالسحر؛ لأن السحر بمنزلة الداء، والنشرة بمنزلة الدواء. هي ضربٌ من العلاج يعالج به من يظن أن به سحرًا، أو مسًا من الجن. قال ابن الجوزي:"هي حل السحر عن المسحور، ولا يكاد يقتدر عليه إلَّا من يعرف السحر"
(1)
.
وقد اختلف العلماء في حكم النشرة:
فكان الحسن البصري يكره ذلك، ويقول: لا يعلم ذلك إلَّا ساحر. واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم "النشرة من عمل الشيطان"
(2)
وأجازها آخرون، وقد جاء في البخاري عن قتادة
(3)
قال: قلت لسعيد بن المسيب
(4)
: رجل به طب -أو يؤخذ عن امرأته- أيحل عنه أو ينشر؟ قال: لا بأس به، إنما يريدون به الإصلاح، فأما ما ينفع فلم ينه عنه"
(5)
.
وسُئِلَ الإمام أحمد عمَّن يطلق السحر عن المسحور، فقال:"لا بأس به" وقال الحافظ ابن حجر بعد نقله لكلام الإمام أحمد السابق: "وهو المعتمد"
(6)
.
(1)
فتح الباري (10/ 244).
(2)
رواه أحمد في مسنده (3/ 294) وأبو داود في كتاب الطب باب في النشرة قال الحافظ ابن حجر: أخرجه أبو داود في المراسيل ووصله أحمد وأبو داود بسند حسن عن جابر. فتح الباري (10/ 244).
(3)
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، من الحفاظ الثقات رمي بشيء من القدر لكنه ممن يحتج به توفي سنة (117 هـ). تهذيب التهذيب (3/ 428). صفة الصفوة (3/ 259).
(4)
هو سعيد بن المسيب بن حزن المخزومي القرشي من أئمة التابعين أخذ عن كثير من الصحابة وكان من عُبَّاد الناس وعلمائهم توفي سنة (93 هـ). تهذيب التهذيب (2/ 43). صفة الصفوة (2/ 79).
(5)
أخرجه البخاري في كتاب الطب باب هل يستخرج السحر (10/ 243).
(6)
انظر: فتح الباري (10/ 244) وتيسير العزيز الحميد ص (416).
وقد ذكر القرطبي الخلاف بين العلماء في هذه المسألة، ونقل قول المازري فيها فقال: "اختلف العلماء في النشرة وهي: أن يكتب شيئًا من أسماء الله أو من القرآن ثم يغسله بالماء، ثم يمسح به المريض أو يسقيه إياه، فأجازها سعيد بن المسيب، قيل له: الرجل يؤخذ عن امرأته أيحل عنه وينشر؟ قال: لا بأس به، وما ينفع لم ينه عنه. وقال المازري
(1)
: "النشرة أمر معروف عند أهل التعزيم، وسميت بذلك، لأنها تنشر عن صاحبها أي: تحل، ومنعها الحسن وقال: هي من السحر، وقد روى أبو داود من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال؛ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النشرة فقال: "هي من عمل الشيطان"
(2)
قال بعض علمائنا: هذا محمول على أنها خارجة عما في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعن المداواة المعروفة والنشرة من جنس الطب. قلت -أي القرطبي-: ويتأيد هذا بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك، ومن استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل"
(3)
"
(4)
.
والصحيح أن النشرة على نوعين:
الأول: حل السحر بسحر مثله، وهو الذي من عمل الشيطان، فإن السحر من عمله، فيتقرب إليه الناشر والمنتشر بما يحب فيُبطِلُ عملَهُ عن المسحور.
والثاني: النشرة بالرقية والتعوذات والدعوات والأدوية المباحة، فهذا جائز، بل مستحب، وعلى النوع المذموم يحمل قول الحسن: لا يحل
(1)
انظر: المعلم (3/ 94).
(2)
سبق تخريجه ص (333).
(3)
رواه مسلم في كتاب السلام، باب استحباب الرقية من العين والنملة والحمة ح (2199)(14/ 437).
(4)
المفهم (5/ 590).