الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للمخلوق إرادة تليق به، قيل لك: وكذلك له محبة تليق به، وللمخلوق محبة تليق به، وله رضا وغضب يليق به، وللمخلوق رضا وغضب يليق به.
وإن قال الغضب غليان دم القلب لطلب الانتقام. قيل له: والإرادة ميل النفس إلى جلب منفعة أو دفع مضرة فإن قلت: هذه إرادة المخلوق قيل لك: وهذا غضب المخلوق.
وكذلك يلزم بالقول في كلامه وسمعه وبصره وعلمه وقدرته"
(1)
.
التفويض:
التفويض: هو صرف اللفظ عن ظاهره مع عدم التعرض لبيان المراد منه، بل يترك ويفوض علمه إلى الله تعالى، بأن يقال: الله أعلم بمراده. هذا هو التفويض عند القائلين به في نصوص الصفات الخبرية التي توهم التشبيه بصفات المخلوقين بزعمهم.
وجزمهم وقطعهم أن معاني النصوص ليست على ظواهرها يناقض قولهم بالتفويض.
إذ قالوا: إن ظواهر نصوص هذه الصفات يقتضي التشبيه حيث لا يعقل لها معنى معلوم إلَّا ما هو معهود في الأذهان من صفات المخلوقين، وبالتالي فإنه يتعين نفيه ومنعه، وهذه مقدمة مشتركة بين مذهب التأويل والتفويض.
وقولهم: إن المعاني المرادة من هذه النصوص مجهولة للخلق، لا سبيل للعلم بها، بل هي مما استأثر الله بعلمه، ولا يمكن تعيين المراد
(1)
التدمرية ص (31).
بها لعدم ورود النص التوقيفي بذلك، وهنا يفترق مذهب التفويض عن مذهب التأويل الذي يجوز الاجتهاد في تعيين معان مجازية للصفات السمعية
(1)
.
والقرطبي مع اعتقاده أن التفويض هو مذهب السلف إلَّا أنه قال به حيث اضطر إليه في بعض النصوص التي لم يجد له تأويلًا سائغًا، أو يرى بُعد التأويلات التي يوردها وأنها غير مقنعة فيلجأ إلى التفويض وهذا في مواضع كثيرة جدًّا في "المفهم"، منها قوله بعد ذكره لعدة تأويلات:"ويحتمل تأويلًا آخر، والله بمراده أعلم والتسليم للمتشابهات أسلم، وهي طريقة السلف وأهل الاقتداء من الخلف"
(2)
.
وقال بعد تأويله لاستواء الله تعالى على عرشه: "له محامل واضحة، وتأويلات صحيحة، غير أن الشرع لم يعين لنا محملًا من تلك المحامل فيتوقف في التعيين، ويسلك مسلك السلف الصالح في التسليم"
(3)
.
وقال في موضع آخر: "مذهب السلف ترك التعرض لتأويلاتها مع قطعهم باستحالة ظواهرها، ومذهب غيرهم إبداء تأويلاتها وحملها على ما يصح حمله في اللسان عليها، من غير قطع متعين محمل منها"
(4)
.
وقال أيضًا: "قد قلنا التسليم هو الطريق المستقيم
(5)
. والتسليم
(1)
انظر: مذهب التفويض في نصوص الصفات لأحمد القاضي ص (152، 170).
(2)
المفهم (6/ 666).
(3)
المفهم (6/ 670).
(4)
المفهم (6/ 697).
(5)
المفهم (7/ 7).
الذي عليه السلف أسلم"
(1)
.
والسلامة التي يمكن إثباتها في مذهب أهل التفويض هي السلامة من التحريف الذي يقوله المتكلمون على الله بغير علم بصرف معاني النصوص إلى استعمالات مجازية، ولا ريب أن هذا لون من السلامة، لكن قابله الوقوع في هلكة التجهيل بتفريغ تلك النصوص من أي معنى يفهمه السامع
(2)
. وكذلك التعطيل لما ثبت لله تعالى من حقائق تلك الصفات.
ثم مع اعتقاد القرطبي بأن التفويض هو مذهب السلف، وبيانه أن سلوكه أسلم، فلم يلتزم به طلبًا للسلامة - كما زعم - إنما جعله مخرجًا عند عدم وجود وجه للتأويل.
ونسبة التفويض للسلف واشتهار هذا القول عند الأشاعرة
(3)
، حتى أصبح عندهم من المسلمات التي لا تقبل الجدل، هو من الكذب على السلف، إذ مذهب السلف واضح في الإيمان بنصوص الصفات، وإجرائها على ظاهرها من غير تكييف وجعل هؤلاء عبارات السلف التي تدعو إلى إمرار النصوص هي الدليل على نسبة هذا القول إليهم، كما قال القرطبي: "قد أكثر الناس في تأويل هذا الحديث وأبعدوا
…
والأشبه ما ذكرناه أو التوقف كما قال السلف "اقرؤوها كما جاءت" يعنون المشكلات"
(4)
.
(1)
المفهم (1/ 419).
(2)
مذهب أهل التفويض للقاضي ص (444).
(3)
انظر: الملل والنحل (1/ 104).
(4)
المفهم (1/ 411).
والسلف- رحمهم الله أرادوا إمرارها دون تكييف لا كما يفهم هؤلاء. قال ابن تيمية: "هؤلاء المبتدعة الذين فضلوا طريقة الخلف على طريقة السلف من حيثما ظنوا أن طريقة السلف هي مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه، ولا فهم لمراد الله ورسوله منها، واعتقدوا أنهم بمنزلة الأميين، الذين قال الله فيهم:{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ}
(1)
وأن طريقة المتأخرين منهم هي استخراج معاني النصوص وصرفها عن حقائقها بأنواع المجازات وغرائب اللغات ومستنكر التأويلات
…
فجمعوا بين الجهل بطريقة السلف، والكذب عليهم"
(2)
.
قال الأصبهاني: "السنة هي: اتباع الأثر والحديث، والسلامة التسليم والإيمان بصفات الله عز وجل من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تعطيل ولا تأويل، بجميع ما ورد من الأحاديث في الصفات - ثم ذكر أمثلة من الآيات والأحاديث - ثم قال: كل ذلك بلا كيف ولا تأويل، نؤمن بها إيمان أهل السلامة والتسليم، ولا نتفكر في كيفيتها، وساحة التسليم لأهل السنة والسلامة واسعة بحمد الله ومنِّه، وطلب السلامة في معرفة صفات الله عز وجل أوجب وأولى وأقمن وأحرى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}
(3)
فليس كمثله شيء: ينفي كل تشبيه وتمثيل. وهو السميع البصير: ينفي كل تعطيل وتأويل، فهذا مذهب أهل السنة والجماعة والأثر، فمن فارق مذهبهم فارق السنة ومن اقتدى بهم وافق
(1)
سورة البقرة، آية: 78
(2)
الصواعق المرسلة لابن القيم (1/ 162).
(3)
سورة الشورى، آية:11.