الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما ما كان بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية، ففيه خلاف بين العلماء من السلف والخلف، فأجازه جماعة ومنعه آخرون. والميل إلى المنع أولى، خصوصًا في هذه الأزمان التي تعلق فيها كثير من الناس بالبدع والخرافات والأوهام.
قال الشيخ السعدي رحمه الله: "وأمَّا التعاليق التي فيها قرآن أو أحاديث نبوية، أو أدعية طيبة محترمة، فالأولى تركها لعدم ورودها عن الشارع، ولكونها يتوسل بها إلى غيرها من المحرم، ولأن الغالب على متعلقها أنه لا يحترمها ويدخل فيها المواضع القذرة"
(1)
.
المطلب الحادي عشر: التنجيم
(2)
:
وهو من ادعاء علم الغيب الذي لا يعلمه إلَّا الله سبحانه، وهو نوعان:
الأول: من اعتقد أن هذه الكواكب هي التي تدبر هذا الكون، ومنها يصدر الخير والشر والسعادة والنحوسة. والإجماع على كفر من اعتقد هذا
(1)
القول السديد في مقاصد التوحيد، ضمن المجموعة الكاملة لمؤلفات السعدي (3/ 19).
(2)
قال الشيخ السعدي رحمه الله: التنجيم نوعان: نوع يسمى (علم التأثير): وهو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الكونية فهذا باطل ودعوى لمشاركة الله في علم الغيب الذي انفرد به أو تصديق لمن ادَّعى ذلك وهذا ينافي التوحيد لما فيه من هذه الدعوى الباطلة ولما فيه من تعلق القلب بغير الله ولما فيه من فساد العقل، لأن سلوك الطرق الباطلة وتصديقها من مفسدات العقول والأديان.
النوع الثاني: (علم التسيير) وهو: الاستدلال بالشمس والقمر والكواكب على القبلة والأوقات والجهات فهذا النوع لا بأس به بل كثير منه نافع قد حث عليه الشارع إذا كان وسيلة إلى معرفة أوقات العبادات أو إلى الإهتداء به في الجهات فيجب التفريق بين ما نهى عنه الشارع وحرمه وبين ما أباحه أو استحبه أو أوجبه فالأول هو المنافي للتوحيد دون الثاني. القول السديد في مقاصد التوحيد، المجموعة الكاملة لمؤلفات السعدي (3/ 32).
الاعتقاد
(1)
.
الثاني: من اعتقد أن الله هو الخالق المدبر، ولكنه جعل هذه الكواكب علامات ودلالات على الحوادث الأرضية. وهذا مجمع على تحريمه، ولكن هل يكفر أم لا؟ اختلف العلماء في تكفيره على قولين:
الأول: من حكم بكفره؛ لأنه ادعى أن لهذه الكواكب دلالات على علم الغيب الذي استأثر الله بعلمه.
وقد ذهب إلى هذا القرطبي المفسر
(2)
والشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ حيث قال: "وينبغي أن يقطع بكفره؛ لأنها دعوى لعلم الغيب الذي استأثر الله تعالى بعلمه بما لا يدل عليه"
(3)
.
الثاني: من لم يحكم بكفره، وذهب إلى هذا، الإمام مالك وابن حجر وآخرون.
قال ابن حجر: "ولم يتعين الكفر في حق من قال ذلك، وإنما يكفر من نسب الاختراع إليها، وأما من جعلها علامة على حدوث أمر في الأرض فلا"
(4)
.
وقد بيَّن القرطبي كفر النوع الأول، وهو اعتقاد أن هذه الكواكب تدبر الكون، وذلك عند شرحه لقوله صلى الله عليه وسلم لأصحابه إثر سماء كانت من الليل: "هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك
(1)
التنجيم والمنجمون للدكتور عبد المجيد المشعبي ص (279).
(2)
تفسير القرطبي (19/ 19).
(3)
تيسير العزيز الحميد ص (442).
(4)
فتح الباري (6/ 341).
كافر بي مؤمن بالكوكب"
(1)
.
قال القرطبي: "ظاهره أنه الكفر الحقيقي؛ لأنه قابل به المؤمن الحقيقي، فيحمل على من اعتقد أن المطر من فعل الكواكب وخلقها، لا من فعل الله تعالى، كما يعتقده بعض جهال المنجمين والطبائعيين العرب"
(2)
.
وأما النوع الثاني: الذين يعتقدون أن الكواكب دالة على علم الغيب ومعرفة حوادث الأرض، فقد بيَّن القرطبي فساد مذهبهم لكنه لم يحكم بكفرهم، حيث قال:"النجوم لا يعلم بها علم الغيب، ولا القضاء ولو كان كذلك لكانت الملائكة أعلم بذلك وأحق به، وكل ما يتعاطاه المنجمون من ذلك فليس شيء منه علمًا يقينًا، وإنما هو رجم بظن وتخمين بوهم، الإصابة فيه نادرة، والخطأ والكذب فيه غالب، وهذا مشاهد من أحوال المنجمين، والمطلوب من العلوم النجوميات ما يهتدى به في الظلمات، وتعرف به الأوقات، وما سوى ذلك فمخارق وترهات، ويكفي في الرد عليهم ظهور كذبهم واضطراب قولهم، وقد اتفقت الشرائع على أن القضاء بالنجوم محرم مذموم"
(3)
.
وأما المازري فقد حكم أيضًا بتكفير أصحاب القول الأول، فقال:
(1)
رواه البخاري في كتاب الأذان باب يستقبل الإمام الناس إذا سلم ح (846)(2/ 388) ومسلم في كتاب الإيمان باب بيان كفر من قال مطرنا بالنوء ح (71)(2/ 419).
(2)
المفهم (1/ 259) وقد بين أيضًا أنه لا يجوز إطلاقًا هذا اللفظ ولو اعتقد أن الله هو خالق المطر فقال عمن فعل هذا: ليس بكافر ولكنه مخطيء من وجهين: أحدهما: أنه خالف الشرع وقد حذر من هذا الإطلاق. وثانيهما: أنه قد تشبه بأهل الكفر في قولهم وذلك لا يجوز لأنا قد أمرنا بمخالفتهم
…
فلو قال غير هذا اللفظ الممنوع يريد به الإخبار عما أجرى الله به سنته جاز. المفهم (1/ 259).
(3)
المفهم (5/ 638).
"من اعتقد اعتقاد كثير من الفلاسفة في كون الأفلاك فاعلة لما تحتها، وكل فلك يفعل فيما تحته حتى ينتهي الأمر إلينا وسائر الحيوان والمعادن والنبات، ولا صنع للباري سبحانه وتعالى في ذلك فإن ذلك مروق من الإسلام"
(1)
.
وقال في شرحه للحديث السابق: "هذا يحمل على أن المراد به تكفير من اعتقد أن المطر من فعل الكوكب وخلقه، دون أن يكون خلقًا لله سبحانه كما يقول بعض الفلاسفة"
(2)
.
وأما النوع الثاني فقد ناقش المازري أصحابه وأطال في ذلك، وبيَّن أن هذه الكواكب ليس فيها دلالة على حوادث الأرض، وأن مرجع قولهم إلى النوع الأول، لكنه لم يصرح بكفرهم، فقال بعد مناقشتهم: "وهذه الطريقة تضعف طريقة الإسلاميين منهم الذين يقولون: لا خالق إلَّا الله عز وجل، وإنما هي دلالة على الغيوب بدلالة أجراها الباري جلت قدرته كما أجرى الغيوم والسحب الثقيلة دلالة على الأمطار، وإن كانت ربما خابت؛ لأن ما يذكرونه من الطرق التي تتحصل المعرفة منها تتسع جدًّا، ولا تنضبط، والحذَّاق منهم يعترفون بهذا، وقد حاول القاضي ابن الطيب
(3)
الاعتضاد في الرد عليهم بالسمعيات وما وقع من العموميات في أن لا يعلم الغيب إلَّا الله عز وجل وما وقع أيضًا من الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
المعلم (3/ 105).
(2)
المعلم (1/ 200) وبين أنَّ هذه العبارة لا تجوز وإن اعتقد أنَّ الله سبحانه وتعالى هو الخالق ولكن جعل في بعض الاتصالات من الكواكب دلالة على وقوع المطر لكنه لا يكفر بذلك إذا عبر عنه بعبارة لا يمنع الشرع منها ثم بين أنَّ الظن بمن قال ذلك من العوام إرادة هذا المعنى. انظر المعلم (1/ 200).
(3)
هو القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني. انظر المعلم (1/ 358).