الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موسى بصوت سمعه موسى، قال تعالى:{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (15) إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى}
(1)
، وقال تعالى:{وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164)}
(2)
، ففرق بين إيحائه للنبيين وبين تكليمه لموسى، فمن قال إن موسى لم يسمع صوتًا، بل ألهم معناه لم يفرق بين موسى وغيره، قال تعالى:{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ}
(3)
(4)
فقد فرَّق بين الإيحاء والتكلم من وراء حجاب، كما كلم الله موسى، فمن سوَّى بين هذا وهذا كان ضالًّا"
(5)
.
وخاتمة المطاف أن نعلم أن السلف يثبتون أن الله تعالى يتكلم بصوت يسمع كما دلَّت عليه النصوص من الكتاب والسنة، وأن صوته سبحانه لا يشبه أصوات خلقه كما أن ذاته لا تشبه ذواتهم ومن قال بغير هذا فقد ضل سواء السبيل.
صفتا السمع والبصر:
السمع والبصر صفتان ذاتيتان ثابتتان لله عز وجل بالكتاب والسنة والعقل والفطرة، وإجماع الأمة، ولم يخالف في ذلك إلَّا شواذ من المنحرفة كالجهمية وبعض المعتزلة
(6)
. قال تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا
(1)
سورة النازعات، آية:15.
(2)
سورة النساء، آية:164.
(3)
سورة البقرة، آية:253.
(4)
سورة الشورى، آية:51.
(5)
الفتاوى (12/ 583، 588) بتصرف.
(6)
انظر: شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري للغنيمان (1/ 182).
بَصِيرًا}
(1)
وقال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}
(2)
.
وأخرج أبو داود في سننه عن أبي يونس مولى أبي هريرة، قال: سمعت أبا هريرة يقرأ هذه الآية: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} إلى قوله: {سَمِيعًا بَصِيرًا (58)} ،
(3)
قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع إبهَامَهُ على أذُنِهِ والتي تليها على عينه قال أبو هريرة: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤُها ويضعُ إصبعيه قال ابن يونس: قال المقري: يعني أن الله سميع بصير: يعني أن لله سمعًا وبصرًا"
(4)
.
قال أبو داود - بعد ذكره للحديث -: "وهذا ردٌّ على الجهمية".
وقال البيهقي: "أراد بهذه الإشارة تحقيق إثبات السمع والبصر لله ببيان محلهما من الإنسان يريد أن له سمعًا وبصرًا، لا أن المراد به العلم، فلو كان كذلك لأشار إلى القلب، لأنه محل العلم، ولم يرد بذلك الجارحة
(5)
فإن الله تعالى منزه عن مشابهة المخلوقين"
(6)
.
قال الحافظ ابن كثير- رحمه الله: "فإذا نطق الكتاب العزيز ووردت الأخبار الصحيحة بإثبات السمع والبصر، والعين، والوجه، والعلم، والقوة، والقدرة، والعظمة، والمشيئة، والإرادة، والقول،
(1)
سورة النساء، آية:134.
(2)
سورة الشورى آية: 11.
(3)
سورة النساء، آية:58.
(4)
رواه أبو داود في كتاب السنة، باب الجهمية وقال الحافظ ابن حجر سنده قوي على شرط مسلم، انظر: فتح الباري (13/ 385) وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود: صحيح الإسناد (3/ 195).
(5)
الأولى: ترك مثل هذه العبارة لأنها ليست من عبارات السلف الذين يثبتون الصفات لله تعالى من غير تشبيه ولا تعرض لمثل هذه العبارات.
(6)
انظر: الأسماء والصفات للبيهقي (1/ 463).
والكلام، والرضى، والسخط، والحب، والبغض، والفرح، والضحك، وجب اعتقاد حقيقته من غير تشبيه بشيء من ذلك بصفات المربوبين المخلوقين، والانتهاء إلى ما قاله الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم من غير إضافة ولا زيادة عليه ولا تكييف له ولا تشبيه ولا تحريف، ولا تبديل ولا تغيير، وإزالة لفظ عما تعرفه العرب، وتصرفه عليه، والإمساك عما سوى ذلك"
(1)
.
قال القرطبي في إثبات صفتي السمع والبصر: "نقول: إن الله تعالى يدرك المدركات ويبصر المبصرات ويسمع المسموعات على الوجه اللائق بجماله وكماله وتقدسه عن شبه المخلوقات"
(2)
.
والأشاعرة وإن وافقوا أهل السنة في إثبات السمع والبصر، إلَّا أنهم يخالفونهم في قولهم إنه يسمع المسموعات ويبصر المبصرات بسمع واحد قديم، وأنه لا يتجدد له سمع ولا بصر عند حدوث المسموعات والمبصرات، وإنما يتجدد التعلق، وهذا قولهم في جميع الصفات التي يثبتونها
(3)
، وذلك بناءً على أصلهم في امتناع قيام الحوادث بذاته؛ لأن ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث كما زعموا، وهذا أصل فاسد التزموا لأجله بنفي قيام الأفعال الاختيارية بذات الله تعالى، كالاستواء والنزول والفرح والضحك وغيرها. قال ابن تيمية رحمه الله: "قد دلَّ الكتاب والسنة واتفاق سلف الأمة، ودلائل العقل على أنه سميع بصير، والسمع والبصر لا يتعلق بالمعدوم فإذا خلق الأشياء رآها سبحانه وإذا دعاه عباده
(1)
العقائد لابن كثير نقلًا عن كتاب "علاقة الإثبات والتفويض بصفات رب العالمين" للدكتور رضا نعسان ص (82).
(2)
المفهم (3/ 215).
(3)
انظر: الفرق بين الفرق ص (334) والإنصاف للباقلاني ص (38، 39).