المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثالث: أدلة توحيد الربوبية: - آراء القرطبي والمازري الاعتقادية

[عبد الله بن محمد الرميان]

فهرس الكتاب

- ‌المقدِّمَة

- ‌خطة البحث:

- ‌الباب الأول المازري والقرطبي عصرهما وحياتهما

- ‌الفصل الأول المازري عصره وحياته

- ‌المبحث الأول عصره

- ‌المطلب الأول: الحالة السياسية:

- ‌المطلب الثاني: الحالة العلمية:

- ‌المبحث الثاني حياته الشخصية

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: اسمه ونسبه وولادته:

- ‌المطلب الثاني: نشأته:

- ‌المطلب الثالث: وفاته:

- ‌المبحث الثالث حياته العلمية

- ‌المطلب الأول: طلبه للعلم:

- ‌المطلب الثاني: شيوخه:

- ‌المطلب الثالث: جلوسه للتدريس:

- ‌المطلب الرابع: تلاميذه:

- ‌المطلب الخامس: مؤلفاته:

- ‌المطلب السادس: مذهبه الفقهي وعقيدته:

- ‌أولًا: مذهبه الفقهي:

- ‌ثانيا: عقيدته:

- ‌المطلب السابع: مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:

- ‌المبحث الرابع التعريف بالكتاب وبيان أهميته

- ‌المطلب الأول: تسميته:

- ‌المطلب الثاني: نسبته للمازري:

- ‌المطلب الثالث: تأليفه:

- ‌المطلب الرابع: أهميته:

- ‌المطلب الخامس: مميزاته ومنهج المازري فيه:

- ‌الفصل الثاني القرطبي عصره وحياته

- ‌المبحث الأول عصره

- ‌المطلب الأول: الحالة السياسية

- ‌أولًا: الحال في الأندلس:

- ‌ثانيًا: الحال في مصر:

- ‌المطلب الثاني: الحالة العلمية:

- ‌2).* في مصر:

- ‌المبحث الثاني حياته الشخصية

- ‌المطلب الأول: اسمه ونسبه

- ‌المطلب الثاني: مولده ونشأته

- ‌أولًا: مولده:

- ‌ثانيا: بيئته ونشأته:

- ‌المطلب الثالث: أسرته:

- ‌المطلب الرابع: وفاته:

- ‌المبحث الثالث حياته العلمية

- ‌المطلب الأول: طلبه للعلم ورحلاته فيه:

- ‌المطلب الثاني: شيوخه:

- ‌المطلب الثالث: تلاميذه:

- ‌المطلب الرابع: مؤلفاته:

- ‌المطلب الخامس: مذهبه الفقهي وعقيدته:

- ‌أولًا: مذهبه الفقهي:

- ‌ثانيًا: عقيدته:

- ‌المطلب السادس: علمه وثناء العلماء عليه:

- ‌المبحث الرابع التعريف بالكتاب وبيان أهميته

- ‌المطلب الأول: تسميته:

- ‌المطلب الثاني: نسبته للقرطبي:

- ‌المطلب الثالث: تأليفه:

- ‌المطلب الرابع: أهمية الكتاب:

- ‌المطلب الخامس: مميزاته:

- ‌المطلب السادس: منهج القرطبي فيه:

- ‌الباب الثاني الإيمان والتوحيد

- ‌الفصل الأول الإيمان وما يتعلق به من مسائل

- ‌المبحث الأول تعريف الإيمان لغة وشرعًا وحكم الاستثناء فيه

- ‌المطلب الأول: تعريف الإيمان لغة:

- ‌المطلب الثاني: تعريفه شرعًا:

- ‌المطلب الثالث: الاستثناء في الإيمان:

- ‌المبحث الثاني الإيمان والإسلام

- ‌المبحث الثالث الكبيرة وحكم مرتكبها

- ‌المطلب الأول: تقسيم الذنوب إلى كبائر وصغائر:

- ‌المطلب الثاني: تعريف الكبيرة وتحديدها:

- ‌المطلب الثالث: حكم مرتكب الكبيرة:

- ‌الفصل الثاني توحيد الربوبية

- ‌التمهيدعلم الكلام وموقف السلف منه

- ‌المبحث الأول أول واجب على المكلف والرد على المتكلمين

- ‌المبحث الثاني معنى توحيد الربوبية وأدلته

- ‌المطلب الأول: تعريف توحيد الربوبية لغة:

- ‌المطلب الثاني: تعريف توحيد الربوبية شرعًا:

- ‌المطلب الثالث: أدلة توحيد الربوبية:

- ‌المبحث الثالث الإيمان بالقدر

- ‌المطلب الأول: تعريف القضاء والقدر لغة وشرعًا:

- ‌(أ) لغة:

- ‌(ب) تعريفه شرعًا:

- ‌المطلب الثاني: هل يقع في القدر تغيير وتبديل أو محو وإثبات

- ‌المطلب الثالث: القضاء والقدر وفعل الأسباب:

- ‌المطلب الرابع: الاحتجاج بالقدر على المعاصي:

- ‌المطلب الخامس: أفعال العباد:

- ‌المطلب السادس: الحكمة والتعليل في أفعال الله:

- ‌المطلب السابع: تكليف ما لا يطاق:

- ‌المطلب الثامن: معنى الظلم:

- ‌المطلب العاشر: التحسين والتقبيح:

- ‌الفصل الثالث توحيد الألوهية

- ‌المبحث الأول حقيقته ومكانته

- ‌المبحث الثاني العبادة وبعض أنواعها

- ‌المطلب الأول: تعريفها وشروط صحتها:

- ‌المطلب الثاني: بعض أنواع العبادة:

- ‌المبحث الثالث نواقض التوحيدي وقوادحه

- ‌المطلب الأول: الشرك:

- ‌أنواع الشرك:

- ‌من وسائل الشرك:

- ‌المطلب الثاني: الكفر:

- ‌تعريفه لغة وشرعًا:

- ‌أنواع الكفر:

- ‌المطلب الثالث: النفاق:

- ‌أنواع النفاق:

- ‌الحكم في المنافق:

- ‌المطلب الرابع: الفسق:

- ‌المطلب الخامس: الحلف بغير الله:

- ‌المطلب السادس: الطيرة:

- ‌المطلب السابع: التبرك:

- ‌التبرك بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌التبرك بالصالحين:

- ‌المطلب الثامن: السحر:

- ‌حكم إنكار السحر:

- ‌حقيقة السحر وتأثيره:

- ‌موقف القرطبي والمازري مما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد سحر:

- ‌حكم الساحر:

- ‌المطلب التاسع: النشرة:

- ‌المطلب العاشر:‌‌ الرقىوالتمائم:

- ‌ الرقى

- ‌التمائم:

- ‌المطلب الحادي عشر: التنجيم

- ‌المطلب الثاني عشر: الكهانة:

- ‌تعريف الكاهن:

- ‌استمداد الكهان:

- ‌تحريم الكهانة والنهي عن إتيان الكهان:

- ‌المطلب الثالث عشر: ما جاء في كراهية بعض الألفاظ:

- ‌أ - التسمي بملك الأملاك:

- ‌ب - كلمة (لو):

- ‌ج - القول للمملوك: عبدي، وللسيد: ربي:

- ‌المطلب الرابع عشر: نسبة الحوادث إلى الدهر:

- ‌المبحث الرابع البدع والموقف من الفرق المبتدعة

- ‌المطلب الأول: ما يعصم من البدع:

- ‌1 - الدعوة إلى التمسك بالكتاب والسنة:

- ‌2 - ذم الكلام وتقديم العقل على الشرع

- ‌3 - سلوك منهج السلف:

- ‌المطلب الثاني:‌‌ تعريف البدعةوالموقف من المبتدعة:

- ‌ تعريف البدعة

- ‌الموقف من المبتدعة:

- ‌ التحذير من التشبه بالمبتدعة:

- ‌ جواز غيبتهم:

- ‌ هجرهم:

- ‌ ترك الصلاة عليهم:

- ‌المطلب الثالث: الكلام على بعض الفرق المبتدعة:

- ‌1 - الخوارج:

- ‌سبب التسمية:

- ‌ضلالتهم وعظم الابتلاء بهم:

- ‌سبب خروجهم:

- ‌ الحكم على الخوارج:

- ‌الرد عليهم:

- ‌2 - الصوفية:

- ‌أ - الكشف الصوفي:

- ‌ب - في تقديسهم للأولياء:

- ‌ج - في الوسوسة والغلو في الزهد:

- ‌د - في الوجد والسماع:

- ‌هـ - في جهلهم بمفهوم التوكل:

- ‌3 - المعتزلة:

- ‌4 - الشيعة:

- ‌حكم الشيعة:

- ‌الرد عليهم:

- ‌5 - القدرية:

- ‌6 - المرجئة:

- ‌7 - الأشاعرة:

- ‌الفصل الرابع توحيد الأسماء والصفات

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول منهجهما في أسماء الله تعالى

- ‌المطلب الأول: الاسم والمسمى:

- ‌المطلب الثاني: عدد أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب الثالث: معنى الإحصاء المذكور:

- ‌المطلب الرابع: طريق إثباتها:

- ‌المطلب الخامس: أقسامها:

- ‌المطلب السادس: اسم الله الأعظم:

- ‌المطلب السابع: شرح بعض أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب الثامن: الأسماء المزدوجة:

- ‌المطلب التاسع: ما ليس من أسماء الله:

- ‌المبحث الثاني منهجهما في صفات الله تعالى

- ‌المطلب الأول: منهج السلف في الصفات:

- ‌المطلب الثاني: منهجهما في الصفات وموقفهما من ظواهر النصوص:

- ‌التفويض:

- ‌المطلب الثالث: الشبهات العقلية التي ردوا بها الصفات:

- ‌1 - التركيب:

- ‌2).2 -الجسم:

- ‌3 - حلول الحوادث والأعراض:

- ‌4 - الجهة والتحيز:

- ‌5 - الحد:

- ‌6 - لفظ الأعضاء والأركان والجوارح:

- ‌المطلب الرابع: رمي السلف بالتشبيه والتجسيم:

- ‌المطلب الخامس: منهجهما في سائر صفات الله تعالى:

- ‌صفة العلم:

- ‌صفة القدرة:

- ‌صفة الإرادة:

- ‌صفة الكلام:

- ‌الكلام النفسي:

- ‌قولهم كلام الله ليس بحرف ولا صوت:

- ‌صفتا السمع والبصر:

- ‌صفة العلو:

- ‌صفة العزة:

- ‌صفتا العظمة والكبرياء:

- ‌وصف الله تعالى بالصورة:

- ‌صفة الوجه:

- ‌صفة اليد:

- ‌إطلاق اليمين والشمال على يد الله تعالى:

- ‌صفة الأصابع:

- ‌صفة الرِّجْل والقَدَم:

- ‌صفة السَّاق:

- ‌صفة الاستواء:

- ‌صفة النزول:

- ‌صفتا الإتيان والمجيء:

- ‌صفة القرب والدنو:

- ‌صفة المعية:

- ‌صفتا الرضا والغضب:

- ‌صفة الفرح:

- ‌صفة الضحك:

- ‌صفة المحبة:

- ‌صفة الخلة:

- ‌صفة الغيرة:

- ‌صفة الاستحياء:

- ‌صفة الإعراض:

- ‌صفة السخرية والاستهزاء والمكر:

- ‌صفة الرحمة:

- ‌صفة الصبر:

- ‌صفة الكنف:

- ‌صفة العتب:

- ‌صفة الملل:

- ‌صفة النظر:

- ‌صفة الأذن "بمعنى الاستماع

- ‌نسبة استطابة الروائح إلى الله تعالى:

- ‌وصف الله تعالى بأنه شخص:

- ‌إطلاق لفظ "الذات" على الله تعالى:

- ‌إطلاق النفس على الله تعالى:

- ‌المبحث الثالث منهجهما في رؤية الله تعالى

- ‌رؤيته في الدنيا:

- ‌هل رأى الرسول صلى الله عليه وسلم ربه ليلة الإسراء:

- ‌رؤيته تعالى في الآخرة:

- ‌الرد على منكري الرؤية:

- ‌الباب الثالث النبوة والإمامة والصحابة

- ‌الفصل الأول النبوة

- ‌المبحث الأول تعريف النبوة والرسالة وبيان فضل الأنبياء

- ‌المطلب الأول: النبوة والرسالة والفرق بينهما:

- ‌المطلب الثاني: فضل الأنبياء ومكانتهم:

- ‌المطلب الثالث: المفاضلة بين الأنبياء:

- ‌المطلب الرابع: نبوة الخضر وحياته:

- ‌نبوته:

- ‌حياته:

- ‌المطلب الخامس: نبوة النساء:

- ‌المبحث الثاني دلائل النبوة

- ‌المطلب الأول: المعجزة والكرامة:

- ‌المطلب الثاني: معجزاته عليه الصلاة والسلام:

- ‌المبحث الثالث عصمة الأنبياء

- ‌المبحث الرابع خصائص نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الخامس الإيمان بالملائكة والجن

- ‌المطلب الأول: الإيمان بالملائكة:

- ‌1 - تعريف الملائكة:

- ‌2 - الإيمان بالملائكة:

- ‌3 - صفاتهم:

- ‌4 - تفاضلهم:

- ‌5 - أعمالهم:

- ‌المطلب الثاني: الإيمان بالجن:

- ‌تعريفهم:

- ‌صفاتهم:

- ‌تكليفهم:

- ‌الفصل الثاني الإمامة

- ‌المبحث الأول حكم نصب الإمام وبما تنعقد به الإمامة

- ‌المبحث الثاني البيعة

- ‌المبحث الثالث شروط الإمام

- ‌1 - القرشية:

- ‌2 - الحرية:

- ‌المبحث الرابع واجبات الإمام وحقوقه

- ‌1).1 -واجبات الإمام:

- ‌3 - حقوق الإمام:

- ‌المبحث الخامس الموقف من الأئمة

- ‌الفصل الثالث الصحابة

- ‌المبحث الأول مكانة الصحابة وفضلهم

- ‌تفضيل الصحابة على من بعدهم:

- ‌المفاضلة بين الصحابة:

- ‌المبحث الثاني عدالتهم وعظم الطعن فيهم

- ‌المبحث الثالث الموقف مما وقع بينهم

- ‌الدفاع عن صحابة بأعيانهم:

- ‌الباب الرابع اليوم الآخر

- ‌الفصل الأول أشراط الساعة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول تعريف أشراط الساعة وأقسامها

- ‌أولًا: تعريف أشراط الساعة:

- ‌ثانيا: أقسامها:

- ‌المبحث الثاني أشراط الساعة الصغرى

- ‌1 - بعثة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌2 - ظهور نار الحجاز:

- ‌3).3 -رفع العلم وظهور الجهل:

- ‌4 - أن تلد الأمة ربَّتها:

- ‌5 - التطاول في البنيان:

- ‌6 - عبادة الأوثان:

- ‌7 - حسر الفرات عن جبل من ذهب:

- ‌8 - عودة أرض العرب مروجًا وأنهارًا:

- ‌المبحث الثالث أشراط الساعة الكبرى

- ‌1 - المهدي:

- ‌2).2 -المسيح الدجال:

- ‌3 - نزول عيسى عليه السلام:

- ‌4).4 -يأجوج ومأجوج

- ‌أصلهم:

- ‌خروجهم من السد:

- ‌5 - الخسوفات الثلاثة:

- ‌6 - الدخان:

- ‌7 - طلوع الشمس من مغربها:

- ‌8 - الدابة:

- ‌9 - النار التي تحشر الناس:

- ‌الفصل الثاني فتنة القبر وعذابه ونعيمه

- ‌المبحث الأول الروح

- ‌مستقر الأرواح بعد مفارقة الأبدان:

- ‌المبحث الثاني فتنة القبر

- ‌المبحث الثالث عذاب القبر ونعيمه

- ‌المبحث الرابع سماع الموتى

- ‌الفصل الثالث البعث والنشور

- ‌المبحث الأول النفخ في الصور

- ‌عدد النفخات في الصور:

- ‌المبحث الثاني البعث والنشور

- ‌صفة البعث والنشور:

- ‌المبحث الثالث الحشر

- ‌أرض المحشر:

- ‌المبحث الرابع الميزان

- ‌ما الذي يوزن في الميزان:

- ‌المبحث الخامس الشفاعة

- ‌أنواع الشفاعة:

- ‌المبحث السادس الحوض

- ‌وجوب الإيمان به والرد على من أنكره:

- ‌موضع الحوض:

- ‌عظم الحوض ودفع دعوى الاضطراب في أحاديث تحديده:

- ‌من يَرِدُ الحوضَ ومن يُرَدُّ عنه:

- ‌المبحث السابع الصراط

- ‌المبحث الثامن ذبح الموت

- ‌الفصل الرابع الجنة والنار

- ‌خلق الجنة والنار:

- ‌خلود الجنة والنار:

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

- ‌حرف الألف

- ‌حرف الباء

- ‌حرف التاء

- ‌حرف الجيم

- ‌حرف الحاء

- ‌حرف الخاء

- ‌حرف الدال

- ‌حرف الذال

- ‌حرف الراء

- ‌حرف الزاء

- ‌حرف السين

- ‌حرف الشين

- ‌حرف الصاد

- ‌حرف الضاد

- ‌حرف الطاء

- ‌حرف العين

- ‌حرف الغين

- ‌حرف الفاء

- ‌حرف القاف

- ‌حرف الكاف

- ‌حرف اللام

- ‌حرف الميم

- ‌حرف النون

- ‌حرف الهاء

- ‌حرف الواو

- ‌الرسائل العلمية والمجلات:

الفصل: ‌المطلب الثالث: أدلة توحيد الربوبية:

كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89)}

(1)

.

فهم عبدوا الأصنام، وأشركوها مع الله تعالى في العبادة، مع إقرارهم بتفرد الله سبحانه وتعالى بالخلق والرزق، والإحياء والإماتة.

‌المطلب الثالث: أدلة توحيد الربوبية:

تبين مما سبق أن الاعتقاد بوجود الله سبحانه أمرٌ فطريٌّ، لا يحتاج إلى دليل، ولكن انحراف بعض طوائف الملحدين، أوجد الحرص على إبراز الأدلة التي جاءت في الكتاب والسنة، والعقل السليم، والتي تدل على وجود الله سبحانه وتعالى، لرد أولئك إلى الفطر السليمة التي فطر الله الناس عليها.

قال شيخ الإسلام: "الإقرار بالخالق وكماله يكون فطريًّا ضروريًّا في حق من سلمت فطرته، وإن كان مع ذلك تقوم عليه الأدلة الكثيرة، وقد يحتاج إلى الأدلة عليه كثير من الناس عند تغير الفطرة وأحوال تعرض لها"

(2)

.

فهذه القضية مع وضوحها تخبط فيها بعض الناس، فأكثروا فيها من القيل والقال، واشتد النزاع وطال الجدال.

فأهل الكلام من المعتزلة وغالب الأشاعرة أنكروا المعرفة الفطرية التي في قلب العبد، وأوجبوا النظر لمعرفة الله تعالى -كما سبق-.

وأما أهل السنة والجماعة فقد استدلوا على وجود الله بعدة أدلة جاءت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كدليل الفطرة، ودليل الخلق ودليل المعجزة، وهو ما ذهب إليه القرطبي رحمه الله موافقًا فيه السلف

(1)

سورة المؤمنون، الآيات: 84 - 89.

(2)

الفتاوى (6/ 73).

ص: 200

معرضًا عن منهج أهل الكلام.

وأما المازري فله كلام في دليل الفطرة يفهم منه ميله إلى إثبات أن الفطرة هي دين الإسلام كما سيأتي مفصلًا.

أ- دليل الفطرة:

ذكر القرطبي تعريف الفطرة لغة وشرعًا. فقال في تعريفها اللغوي: "أصل الفطرة ابتداء الخلقة، ومنه فطر ناب البعير إذا ابتدأ خروجه. ومنه قول الأعرابي المتحاكم إلى ابن عباس في البئر "أنا فطرتها" أي ابتدأت حفرها"

(1)

.

وقال في تعريفها شرعًا: "أي جبلة الله التي جبلهم عليها من التهيؤ لمعرفته والإقرار به"

(2)

.

ودليل الفطرة من كتاب الله تعالى قوله جل وعلا: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)}

(3)

.

ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من مولُود إلَّا يُولَدُ على الفطرة، فأبَواهُ يُهَوِّدَانِه، ويُنصِّرَانه ويُمَجسانه، كما تُنْتَجُ البهيمةُ بهيمةً جمعاء هل تحشُون فيها من جدعاء"

(4)

.

وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي فيما يرويه عن ربه عز وجل قال: "إنِّي خلقتُ عبادي حُنَفاء كُلَّهُم وإنَّهُم أتتهُم الشياطينُ فاجْتَالَتْهُم عن دينهِم

(1)

المفهم (1/ 388).

(2)

المفهم (1/ 388).

(3)

سورة الروم، الآية:30.

(4)

رواه البخاري في كتاب التفسير باب تفسير سورة الروم ح (4775)(8/ 372)، ومسلم في كتاب القدر باب معنى كل مولود يولد على الفطرة ح (2658)(16/ 446).

ص: 201

وحرَّمت عليهم ما أحْلَلتُ لهُم"

(1)

.

وقد اختلف في الفطرة الواردة في الآية والحديثين على أقوال:

قيل: الفطرة هي الإسلام، وقيل: قدرة العبد على معرفة الله تعالى بعد بلوغه فهو يولد سالمًا ليس في قلبه شيء، وقيل: هي البداءة التي ابتدأهم الله عليها من الحياة والموت والسعادة والشقاوة.

وقيل: ما أخذ عليهم من الميثاق قبل خروجهم إلى الدنيا.

وقيل: هي ما كتب عليهم فمنهم من فطر على الإيمان ومنهم من فطر على الكفر

(2)

.

والقول الراجح الذي تؤيده الأدلة هو القول الأول الذي فسر الفطرة بالإسلام وهو الذي عليه عامة السلف وأكثر المفسرين.

قال مجاهد: "فطرة الله: أي الإسلام"

(3)

.

وقال البخاري: "باب لا تبديل لخلق الله": لدين الله، والفطرة: الإسلام"

(4)

.

وقال ابن عبد البر: "أجمع أهل العلم بالتأويل على أن المراد بقوله تعالى: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} الإسلام وهو المعروف عند عامة السلف"

(5)

.

وهو الذي رجَّحه القرطبي، ورد الأقوال الأخرى لمخالفتها

(1)

رواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار ح (2865)(17/ 203).

(2)

انظر: فطرية المعرفة وموقف المتكلمين منها للدكتور أحمد حمدان ص (166).

(3)

تفسير الطبري (10/ 183).

(4)

صحيح البخاري مع الفتح (8/ 372).

(5)

انظر: التمهيد (18/ 72).

ص: 202

للأدلة، فقال عند شرحه لحديث:"ما من مولود إلَّا يولد على الفطرة"

(1)

: "اختلف الناس في الفطرة المذكورة في هذا الحديث، وفي الآية فقيل: هي سابقة السعادة والشقاوة وهذا إنما يليق بالفطرة المذكورة في القرآن؛ لأن الله تعالى قال: {لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ}

(2)

وأما في الحديث فلا؛ لأنه قد أخبر في بقية الحديث بأنها تبدل وتغير، وقيل: هي ما أخذ عليهم من الميثاق، وهم في أصلاب أبائهم، وهذا إنما يليق بالرواية التي جاء فيها:"كل مولود يولد على الفطرة" ويبعد في رواية من رواه "على هذه الملة" وهي إشارة إلى ملة الإسلام.

وقال بظاهر هذه الآية طائفة من المتأولين، وهذا القول أحسن ما قيل في ذلك -إن شاء الله تعالى- لصحة هذه الرواية، ولأنها مبينة لرواية من قال: على الفطرة. ومعنى الحديث: إن الله تعالى خلق قلوب بني آدم مؤهلة لقبول الحق، كما خلق أعينهم وأسماعهم قابلة للمرئيات والمسموعات، فما دامت باقية على ذلك القبول، وعلى تلك الأهلية أدركت الحق ودين الإسلام هو الدين الحق، وقد جاء ذلك صريحًا في الصحيح:"جبل الله الخلق على معرفته فاجتالتهم الشياطين"

(3)

وقد تقدم هذا المعنى وقد دلَّ على صحة هذا المعنى بقية الخبر حيث قال: "كلما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟ " يعني: أن البهيمة تلد ولدها كامل الخلق سليمًا من الآفات، فلو نزل على أصل تلك الخلقة لبقي كاملًا بريئًا من العيوب، لكن يُتصرفُ فيه، فتجدع أذنه ويوسم وجهه فتطرأ عليه الآفات والنقائص فيخرج عن الأصل، وكذلك

(1)

سبق تخريجه ص (201).

(2)

سورة الروم، الآية:30.

(3)

سبق تخريجه ص (202).

ص: 203

الإنسان وهو تشبيه واقع ووجهه واضح"

(1)

.

وقول القرطبي السابق موافقٌ للقول الصحيح في هذه المسألة، أما قوله:"إن الله خلق بني آدم مؤهلة لقبول الحق"، وقوله في تعريف الفطرة:"أي جبلة الله التي جبلهم عليها من التهيؤ لمعرفته والإقرار به" والتي نقلتها سابقًا فلا يفهم منه مخالفته للقول الصحيح، فقد نقل الحافظ بن حجر عن الطيبي

(2)

قوله: إن المراد بالفطرة: تمكن الناس من الهدى من أصل الجبلة، والتهيؤ لقبول الدين، فلو ترك المرء عليها لاستمر على لزومها ولم يفارقها إلى غيرها؛ لأن حسن هذا الدين ثابت في النفوس، وإنما يعدل عنه لآفة من الآفات البشرية، كالتقليد. ثم قال الحافظ: وإلى هذا مال القرطبي في المفهم

(3)

.

فقول القرطبي موافق للمشهور عن السلف؛ لأن السلف الذين فسَّروا الفطرة بالإسلام لم يقصدوا أن المولود يولد عالمًا بأحكام الدين، وإنما قصدوا أن الفطرة تستلزم معرفة الله تعالى وتوحيده من غير سبب خارجي

(4)

.

ولذا نقل الحافظ ابن حجر عقب نقله لقول القرطبي السابق قول ابن القيم الذي يوضح هذا المعنى حيث قال: "ليس المراد بقوله: "يولد على الفطرة" أنه خرج من بطن أمه يعلم الدين؛ لأن الله يقول: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ

(1)

المفهم (6/ 675).

(2)

هو الحسين بن محمد بن عبد الله الطيبي شرف الدين عالم مشارك في شتى العلوم له "التبيان في المعاني والبيان" وغيرها، توفي سنة (743 هـ). الدرر الكامنة (2/ 68)، معجم المؤلفين (1/ 639).

(3)

فتح الباري (3/ 293).

(4)

انظر: دلائل التوحيد لمحمد جمال الدين القاسمي ص (22).

ص: 204

مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا}

(1)

ولكن المراد أن الفطرة مقتضية لمعرفة دين الإسلام ومحبته

كل مولود يولد على إقراره بالربوبية، فلو خُلِّيَ وعدم المعارض لم يعدل عن ذلك إلى غيره"

(2)

.

وأما المازري فقد ذكر الأقوال التي قيلت في الفطرة، ولم يرجح، لكن رده للأقوال الأخرى المخالفة لتفسير الفطرة بالإسلام يدل على ترجيحه لهذا القول، وسياق كلامه يظهر ذلك، حيث قال عند شرحه لحديث:"ما من مولود إلَّا يولد على الفطرة"

(3)

: "ذهب بعض الناس إلى أن المراد بالفطرة المذكورة في الحديث ما أُخذ عليهم وهم في أصلاب آبائهم، وأن الولادة تقع عليها حتى يقع التغير بالأبوين. وذهب بعض الناس إلى أن الفطرة هي ما قضي عليه من سعادة أو شقاوة يصير إليها، وهذا التأويل إنما يليق بما في بعض الطرق، وهو قوله: "على الفطرة مطلقًا"، وأما ما وقع في بعض الطرق وهو قوله: "على هذه الفطرة" وقوله في أخرى: "إلَّا وهو على هذه الملة" فإن هذه الإشارة إلى فطرة معينة وملة معينة تمنع هذا التأويل وقد يتعلق هؤلاء بقوله: "إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرًا"

(4)

وظاهر هذا يمنع من كون كل مولود يولد على هذه الفطرة، وقد ينفصل الأخرون عنه بأن المراد به حالة ثانية طرأت عليه من التهيؤ للكفر وقبوله عليه، غير الفطرة التي ولد عليها، وقال آخرون: يحتمل أن يريد بالفطرة ما هيء له وكان مناسبًا لما وضع في العقول، وفطرة الإسلام صوابها كالموضوع في العقل، وإنما يدفع العقل عن

(1)

سورة النحل، الاية:78.

(2)

فتح الباري (3/ 293).

(3)

سبق تخريجه ص (201).

(4)

رواه البخاري في كتاب التفسير باب: {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا} ح (4726)(8/ 274).

ص: 205

إدراكه آفة وتغيير من قبل الأبوين وغيرهما"

(1)

.

فذكره الأقوال السابقة، والرد عليها، ثم ذكر تفسير الفطرة بالإسلام، ووجه ذلك، وعدم إعقابه بالرد يدل على اختياره لهذا القول.

وقد وجَّه أيضًا الحديث القدسي الذي قال فيه الله تعالى فيما يرويه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا يا عبادي كُلُّكم ضالٌّ إلَّا من هديتُهُ"

(2)

فقال: "ظاهره أن الناس على الضلال يخلقون إلَّا من هداه سبحانه، وقد ذكر في الحديث الآخر أنهم على الفطرة يولدون وقد يراد بهذا هاهُنا وصفهم بما كانوا عليه قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، أو أنهم إن تركوا وما في طباعهم من إيثار الراحة وإهمال النظر ضلوا إلَّا من هداه الله سبحانه"

(3)

.

وقد جمع القرطبي بين الحديثين، وبيَّن أنه لا تعارض بينها، فقال:"لا معارضة بين قوله تعالى: "كلكم ضال إلَّا من هديته" وبين قوله: "كل مولود يولد على الفطرة"؛ لأن هذا الضلال المقصود في هذا الحديث هو الطارئ على الفطرة الأولى المغير لها الذي بينه النبي صلى الله عليه وسلم بالتمثيل في بقية الخبر حيث قال: "كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء""

(4)

.

ب- دليل الخلق:

إن المتأمل في هذا الكون العظيم الصنع في أجرامه السماوية ومخلوقاته الأرضية في الليل والنهار في سائر الكائنات والمخلوقات وما تدل عليه من بديع الصنع، وقمة الإعجاز، فهي آيات باهرة ودلالات

(1)

المعلم (3/ 179).

(2)

رواه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب باب تحريم الظلم ح (2577)(16/ 368).

(3)

المعلم (3/ 165).

(4)

المفهم (6/ 552).

ص: 206

واضحة تدل على أن لهذا الكون خالقًا مدبرًا أوجده وأبدعه، وأحكم صنعه، وهذا يعرفه كل من نظر في هذه المخلوقات وتدبر في هذه الكائنات

(1)

.

ولذا عندما سئل أحد الأعراب بما عرف الله؟

قال: البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، أفلا تدل على العليم الخبير؟ ! .

ولهذا قالت الرسل عليهم الصلاة والسلام لقومهم -كما حكى الله تعالى عنهم-: {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}

(2)

فقولهم فاطر السموات والأرض إشارة إلى استنكار الشك فيمن هذا صنعه وأثره.

والقرآن مليء بالآيات التي تدعو الإنسان إلى التفكر في خلق الله تعالى، والنظر في ملكوت السموات والأرض؛ لأن ذلك سببٌ لإيمان من طمست فطرته، فجحد الله تعالى، وسببٌ لزيادة إيمان المؤمن وقوة يقينه بالله تعالى.

قال تعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101)}

(3)

، وقال تعالى:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164)}

(4)

، وقال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى

(1)

انظر: دلائل التوحيد للقاسمي ص (35).

(2)

سورة إبراهيم، الآية:10.

(3)

سورة يونس، الآية:101.

(4)

سورة البقرة، الآية:164.

ص: 207

يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53)}

(1)

، وقال تعالى:{وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21)}

(2)

.

وغيرها من الآيات الكثيرة الدالة على ذلك.

قال ابن تيمية رحمه الله: "فالاستدلال على الخالق بخلق الإنسان في غاية الحسن والاستقامة، وهي طريقة عقلية صحيحة، وهي شرعية دلَّ القرآن عليها، وهدى الناس إليها، وبيَّنها وأرشد إليها

هذا يعلمه الناس كلهم بعقولهم سواء أخبر به الرسول أم لم يخبر، لكن الرسول أمر أن يستدل به ودل به، وبيِّنه واحتج به، فهو دليلٌ شرعيٌّ؛ لأن الشارع استدل به، وأمر أن يستدل به، وهو عقلي؛ لأنه بالعقل تعلم صحته"

(3)

.

وقال ابن القيم رحمه الله: "لما كان أقرب الأشياء إلى الإنسان نفسه دعاه خالقه وبارئه ومصوره وفاطره من قطرة ماء إلى التبصر والتفكر في نفسه، فإذا تفكر الإنسان في نفسه استنارت له ايات الربوبية، وسطعت له أنوار اليقين، واضمحلت عنه غمرات الشك والريب"

(4)

.

وقال أيضًا: "وإذا تأملت ما دعا الله سبحانه في كتابه عباده إلى الفكر فيه أوقعك على العلم به سبحانه وتعالى وبوحدانيته وصفات كماله، ونعوت جلاله من عموم قدرته وعلمه، ، وكمال حكمته وإحسانه، وبره ولطفه، وعدله، ورضاه، وغضبه، وثوابه وعقابه، فبهذا

(1)

سورة فصلت، الآية:53.

(2)

سورة الذاريات، الآيتان: 20، 21.

(3)

النبوات (1/ 52).

(4)

التبيان في أقسام القرآن (1/ 190).

ص: 208

تعرف إلى عباده وندبهم إلى التفكر في آياته"

(1)

.

ولقد عقد الإمام ابن منده رحمه الله في كتابه "التوحيد" عدة فصول تدل على هذا المعنى، وساق تحتها الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، وفهم السلف لتلك النصوص

(2)

.

وقد بيَّن القرطبي أن هذه المخلوقات تدل على وجود الله سبحانه وتعالى، فما ترى من الشمس والقمر والنجوم والجبال وغيرها من المخلوقات العظيمة دالة على ذلك حيث قال:"الشمس والقمر دليلان على وجود الحق سبحانه وقهره وكمال إلهيته"

(3)

.

وأشار رحمه الله إلى أن النظر في هذه المخلوقات يؤدي بالعبد إلى الإيمان بالله تعالى، واليقين به سبحانه، وأن العاقل هو الذي يقوده هذا التفكر إلى الإيمان بالله تعالى والدخول في دينه، فعند شرحه لحديث أنس الذي قال فيه: "جاء رجل من أهل البادية فقال: يا محمد أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك. قال: صدق، قال: فمن خلق السماء؟ قال: الله. قال: فمن خلق الأرض؟ قال: الله. قال: فمن نصب هذه الجبال، وجعل فيها ما جعل؟ قال: الله. قال: فبالذي خلق السماء وخلق الأرض ونصب هذه الجبال، آلله أرسلك؟ قال: نعم

"

(4)

.

قال القرطبي رحمه الله: هذا الرجل كان كامل العقل، وقد كان

(1)

مفتاح دار السعادة (1/ 187).

(2)

التوحيد لابن منده (1/ 113) فما بعدها.

(3)

المفهم (2/ 552).

(4)

رواه البخاري في كتاب العلم باب ما جاء في العلم وقوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114)} ح (63)(1/ 179) ومسلم في كتاب الإيمان باب السؤال عن أركان الإسلام ح (12)(1/ 283).

ص: 209

نظر بعقله في المخلوقات فدله ذلك على أن لها خالقًا خلقها، ألا ترى أنه استفهم النبي صلى الله عليه وسلم عن خالق المخلوقات استفهام تقرير للقاعدة التي لا يصح العلم بالرسول إلَّا بعد حصولها، وهي التي تفيد العلم بالمرسل، ثم إنه لما وافقه على ما شهد به العقل وأن الله تعالى هو المنفرد بخلق هذه المخلوقات أقسم عليه، وسأله به هل أرسله؟ "

(1)

.

وهذا دليلٌ عقليٌّ على إثبات الخالق سبحانه وتعالى فهذه المخلوقات لا شك أنها تدل على الخالق بالنظر والتفكر فيها، ووجود هذه المخلوقات من غير خالق أمر يحيله العقل، فهذه الموجودات محدثة، فهي موجودة بعد أن لم تكن، فهي إما أن تكون وجدت من عدم أو من محدث لها.

والأول معلوم البطلان عقلًا، فلابد إذًا من محدث لها. فإما أن تكون أحدثت نفسها، وهذا معلوم البطلان أيضا، وإما أن يكون المُحْدِثُ مُحَدثًا لمُحدثٍ آخر، وهذا الأخيرُ مُحْدَث لمُحْدِثِ آخر أيضا إلى ما لا نهاية. وهذا باطلٌ؛ لأنه يؤدي إلى الدور أو التسلسل، فلابد أن تحتاج إلى محدث أول لها قديم أزلي لا يحتاج إلى غيره، وهو واجب الوجود

(2)

وهو الله سبحانه وتعالى.

(1)

المفهم (1/ 163).

(2)

قال الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله: لفظ الوجود ومعناه المطلق يشترك فيهما كل من الممكن والواجب والحادث والقديم الأزلي فالله يوصف بأنه موجود والحادث يقال له أيضًا: إنه موجود. ولكن للممكن وجود يخصه فإنه حادث سبق وجوده عدم ويلحقه الفناء وهو في حاجة دائمة ابتداءً ودوامًا إلى من يكسبه ويعطيه الوجود بل يحفظه عليه ولله تعالى وجود يخصه فهو سبحانه واجب الوجود لم يسبق وجوده عدم ولا يلحقه فناء ووجوده من ذاته لم يكسبه من غيره وذلك لأنه تعالى الغني عن كل ما سواه. الشيخ العلامة عبد الرزاق عفيفي لمحمد أحمد سيد (2/ 408).

ص: 210

وهذا الاستدلال يدل عليه قوله تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35)}

(1)

.

قال ابن القيم في تفسيره لهذه الآية: "فتأمل هذا الترديد والحصر المتضمن لإقامة الحجة بأقرب طريق وأفصح عبارة، يقول تعالى: هؤلاء مخلوقون بعد أن لم يكونوا، فهل خُلقوا من غير خالق خلقهم، فهذا من المحال الممتنع عند كل من له فهم وعقل

ثم قال: {أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} وهذا أيضًا من المستحيل أن يكون العبد موجدًا خالقًا لنفسه

وإذا بطل القسمان تعين أن لهم خالقًا خلقهم، وفاطرًا فطرهم، فهو الإله الحق الذي يستحق العبادة"

(2)

.

وقد استدل القرطبي بهذ الدليل العقلي فقال: "العقل الصريح قد دلَّ على أن كل ما نشاهده من هذه الموجودات ممكن في نفسه متغير في ذاته، وكل ما كان كذلك كان مفتقرًا إلى غيره، وذلك الغير إن كان ممكنًا متغيرًا كان مثل الأول، فلابد أن يستند إلى موجود لا يفتقر إلى غيره يستحيل عليه التغير

(3)

، وهو المعبر عنه بلسان النظار بواجب الوجود، وفي لسان الشرع بالصمد، المذكورفي قوله تعالى {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ}

(4)

"

(5)

.

وهذا الدليل يعرفه كل أحد إذ مخلوقات الله سبحانه وتعالى ظاهرة

(1)

سورة الطور، الآية:35.

(2)

بدائع التفسير (4/ 268).

(3)

هذه جعلها المتكلمون قاعدة فاسدة لنفي صفات الله سبحانه وتعالى الفعلية كالاستواء والمجيء والنزول إلى السماء الدنيا ونحو ذلك.

(4)

سورة الإخلاص، الآية: 1 - 2.

(5)

المفهم (5/ 528).

ص: 211

واضحة وفيها دلالة بينه، ولكن يؤكد على هذا الدليل ويوجَهُ إليه خاصة من انقدحت الشبُه في قلبه، فتمكنت منه فأفسدته حتى أنكر الخالق أوشك فيه.

وقد بيَّن القرطبي هذا عند شرحه لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا وكذا؟ حتى يقول له: من خلق ربك؟ فإذا بلغ ذلك فليستتعذ بالله ولينته"

(1)

حيث قال: "قوله في الحديث الآخر: "قل آمنت بالله" أمرٌ بتذكر الإيمان الشرعي واشتغال القلب به لتمحى تلك الشبهات وتضمحل تلك الترهات وهذه كلها أدوية للقلوب السليمة الصحيحة المستقيمة التي تعرضُ الترهات لها ولا تمكث فيها، فإذا استعملت هذه الأدوية على نحو ما أمر به بقيت القلوب على صحتها وانحفظت سلامتها، فأما القلوب التي تمكنت أمراض الشُّبه فيها ولم تقدر على دفع ما حل بها بتلك الأدوية المذكورة فلابد من مشافهتها بالدليل العقلي والبرهان القطعي كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع الذي خالطته شبهة الإبل الجرب حين قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا عدوى"

(2)

فقال أعرابي: فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء فإذا دخل فيها البعير الأجرب أجربها؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فمن أعدى الأول" فاستأصل الشبهة من أصلها وتحرير ذلك على طريق البرهان العقلي أن يقال: إن كان الداخل أجربها فمن أجربه، فإن كان أجربه بعير أخر كان الكلام فيه كالكلام في الأول، فإما أن يتسلسل أو يدور وكلاهما محال، فلابد أن نقف عند بعير أجربه الله من

(1)

رواه البخاري في كتاب بدء الخلق باب صفة إبليس وجنوده ح (3276)(6/ 387). ومسلم في كتاب الإيمان باب بيان الوسوسة في الإيمان وما يقوله من وجدها ح (134)(2/ 513).

(2)

رواه البخاري في كتاب الطب باب لا صَفَرَ وهو داء يأخذ البطن ح (5717)(10/ 180).

ومسلم في كتاب السلام باب لاعدوى ولا طيرة ولا هامة

ح (2220)(14/ 464).

ص: 212

غير عدوى"

(1)

.

ووجدت للمازري كلامًا في هذا الدليل ذهب فيه إلى قريب مما ذكره القرطبي حيث قال في شرحه للحديث السابق: "أمره عليه السلام لهم عند وجود ذلك أن يقول: "آمنت بالله": فإن ظاهره أنه أمرهم أن يدفعوا الخواطر بالإعراض عنها، والرد لها من غير استدلال ولا نظر في إبطالها والذي يقال في هذا المعنى: إن الخواطر على قسمين: فأما التي ليست بمستقره ولا اجتلبتها شبهة طرأت، فهي التي تدفع بالإعراض عنها، وعلى هذا يحمل الحديث وعلى مثلها ينطلق اسم الوسوسة، فكأنه لما كان أمرًا طارئًا على غير أصل دفع بغير نظر في دليل إذ لا أصل له ينظر فيه، وأما الخواطر المستقرة التي أوجبتها الشبهة فإنها لا تدفع إلَّا باستدلال ونظر في إبطالها، ومن هذا المعنى حديث: "لا عدوى" مع قول الأعرابي: فما بال الإبل الصحاح تجرب بدخول الجمل الأجرب فيها، وعلم صلى الله عليه وسلم أنه اغتر بهذا المحسوس وأن الشبهة قدحت في نفسه فأزالها عليه السلام من نفسه بالدليل فقال له: "فمن أعدى الأول"

(2)

. ثم فصَّل في شرح كيفية ذلك كما فعل القرطبي.

جـ دليل المعجزة:

إن المعجزات التي يجريها الله تعالى تأييدًا لرسله عليهم الصلاة والسلام وتصديقًا لهم، هي من دلائل ربوبيته وإثبات وحدانيته. ذلك أنه إذا ثبتت نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم بحصول المعجزة، وجب تصديقه في كل ما يخبر به، والاستجابة لكل ما يدعو إليه، وأعظم ذلك إثبات ربوبية الله تعالى ووحدانيته والدعوة إلى توحيده.

(1)

المفهم (1/ 345).

(2)

المعلم (1/ 210).

ص: 213

قال ابن تيمية رحمه الله: "المعجزة تدل على الوحدانية والرسالة، وذلك لأن المعجزة -التي هي فعلٌ خارقٌ للعادة- تدل بنفسها على ثبوت الصانع كسائر الحوادث بل هي أخص من ذلك؛ لأن الحوادث المعتادة ليست في الدلالة كالحوادث الغريبة، ولهذا يسبح الرب عندها ويمجد ويعظم ما لا يكون عند المعتاد، ويحصل في النفوس ذلة من ذكر عظمته ما لا يحصل للمعتاد إذ هي آيات جديدة فتعطى حقها، وتدل بظهورها على الرسول، وإذا تبين أنها تدعو إلى الإقرار بأنه رسول الله فتتقرر بها الربوبية والرسالة"

(1)

.

وكذلك ابن القيم رحمه الله يرى أن دلالة المعجزة من أقوى الطرق التي يستدل بها على وجود الله تعالى وتوحيده، حيث قال: "وهذه الطريق من أقوى الطرق وأصحها، وأدلها على الصانع وصفاته وأفعاله وارتباط أدلة هذه الطريق بمدلولاتها أقوى من ارتباط الأدلة العقلية الصريحة بمدلولاتها فإنها جمعت بين دلالة الحس والعقل، ودلالتها ضرورية بنفسها، ولهذا يسميها الله سبحانه آيات بينات، وليس في طرق الأدلة أوثق ولا أقوى منها، فإن انقلاب عصا تقلها اليد ثعبانًا عظيمًا يبتلع ما يمر به ثم يعود عصا كما كانت، من أدل الدليل على وجود الصانع وحياته وقدرته، وإرادته، وعلمه بالكليات والجزئيات، وعلى رسالة الرسول، وعلى المبدأ والمعاد، فكل قواعد الدين في هذه العصا، وكذلك اليد، وفلق البحر

وكذلك سائر آيات الأنبياء

من أعظم الأدلة على الصانع وصفاته وأفعاله وصدق رسله واليوم الآخر، وهذه من طرق القرآن التي أرشد إليها عباده ودلهم بها"

(2)

.

(1)

الفتاوى (11/ 379).

(2)

الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة (3/ 1197، 1198).

ص: 214

وقد وقف القرطبي وقفات كثيرة عند معجزاته عليه الصلاة والسلام ودلائل نبوته مبينًا أن ذلك علامةٌ على صدقه وآية لرسالته والتي لا شك أنها تتضمن الدعوة إلى وحدانيته والإقرار بربوبيته، والدعوة إلى عبادته تعالى. حيث قال:"قوله عليه الصلاة والسلام: "الله أكبر، أشهد أني عبد الله ورسوله"

(1)

عند وقوع ما أخبر به من الغيب، دليلٌ على أن ذلك من جملة معجزاته، وإن لم يقترن بها في تلك الحال تحد قولي، وهذا على خلاف ما يقوله المتكلمون: إن من شروط المعجزة اقتران التحدي القولي بها، فإن لم تكن كذلك، فالخارق كرامة لا معجزة والذي ينبغي أن يقال: إن ذلك لا يشترط بدليل: أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا كلما ظهر لهم خارق للعادة على يدي النبي صلى الله عليه وسلم استدلوا بذلك على صدقه وثبوت رسالته"

(2)

.

والتفصيل في معجزاته صلى الله عليه وسلم يأتي في مبحث دلائل النبوة في الفصل الثالث من هذه الرسالة.

على أنه صرَّح في موضع آخر على أن هذا الدليل -أي المعجزة- علامة على ربوبية الله سبحانه وإثبات وحدانيته، فعند شرحه لحديث أنس رضي الله عنه الذي سبق ذكره بسؤال الأعرابي للرسول صلى الله عليه وسلم عن خلق السماء والأرض والجبال، قال القرطبي بعد ذلك: "ثم إن الرجل استمر على أسئلته إلى أن حصل على طلبته فانشرح صدره للإسلام، وزاحت عنه الشكوك والأوهام، وذلك ببركة مشاهدته أنوار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان

(1)

رواه البخاري في كتاب الجهاد والسير باب "إنَّ الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر ح (3062)(6/ 207). ومسلم في كتاب الإيمان باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه ح (111)(2/ 482).

(2)

المفهم (1/ 319).

ص: 215

كثير من العقلاء يحصل لهم العلم بصحة رسالته بنفس رؤيته ومشاهدته، قبل النظر في معجزته

والحاصل: من حال هذا السائل أنه حصل له العلم بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وبصحة رسالته لمجموع قرائن لا تتعين إحداها ولا تنحصر أعدادها، ويستفاد من هذا الحديث: أن الشرع إنما طلب من المكلفين التصديق الجزم بالحق كيفما حصل وبأي وجه ثبت، ولم يقصرهم في ذلك على النظر في دلالة معينة، ولا معجزة ولا غيرها، بل كل من حصل له اليقين بصدقه، بمشاهدة وجهه، أو بالنظر في معجزته، أو بتحليفه، أو بقرينة لاحت له كان من المؤمنين، ومن جملة عباد الله المخلصين، لكن دلالات المعجزات هي الخاصة بالأنبياء، والطرق العامة للعقلاء"

(1)

.

وبهذا يتبين لنا أن هذه الأدلة التي ذكرها القرطبي لإثبات ربوبية الله تعالى تدل على أنه يرى أن معرفة الله تعالى لا تنحصر في طريقة معينة لا يعرف إلَّا بها، فالمعرفة بالله تعالى أعظم المعارف وأوضحها، والطرق المؤدية إليها كثيرة، وهذا هو المنهج الصحيح الذي سلكه السلف الصالح، ودلَّت عليه نصوص الكتاب والسنة.

(1)

المفهم (1/ 163).

ص: 216