الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلما جاءوا إلى مسألة القدر، وأفعال العباد، واعتقدوا أنها مفعولة لله قالوا: هي فعله، لأن الفعل عندهم هو المفعول فقيل لهم في ذلك: أهي فعل العبد؟ فاضطربوا في الإجابة
(1)
.
قال رحمه الله: "والتحقيق الذي عليه أئمة السنة، وجمهور الأمة من الفرق بين الفعل والمفعول، والخلق والمخلوق، فأفعال العباد هي كغيرها من الحدثان مخلوقة مفعوله لله كما أن نفس العبد وسائر صفاته مخلوقة مفعولة لله، وليس ذلك نفس خلقه وفعله بل هي مخلوقة ومفعولة، وهذه الأفعال هي فعل العبد القائم به ليست قائمة بالله، ولا يتصف بها فإنه لا يتصف بمخلوقاته ومفعولاته، وإنما يتصف بخلقه، وفعله كما يتصف بسائر ما يقوم بذاته، والعبد فاعل لهذه الأفعال، وهو المتصف بها وله قدرة عليها، وهو فاعلها باختياره ومشيئته وذلك كله مخلوق لله فهي فعل العبد، وهي مفعول الرب"
(2)
.
المطلب السادس: الحكمة والتعليل في أفعال الله:
الله سبحانه وتعالى حكيم لا يفعل جل وعلا عبثًا، ولا بغير معنى ومصلحة وحكمة، فأفعاله تعالى صادرة عن حكمة بالغة. قال تعالى:{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا}
(3)
وقال تعالى: {حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (5)}
(4)
، فالله سبحانه وتعالى أنكر أن يسوى بين المختلفين أو يفرق بين المتماثلين فقال تعالى:{أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35)}
(5)
، وقال
(1)
انظر الفتاوى (2/ 119).
(2)
المرجع السابق.
(3)
سورة المؤمنون، الآية:115.
(4)
سورة القمر، الآية:5.
(5)
سورة القلم، الآية:35.
تعالى: {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ}
(1)
.
ولذا فأثبت أهل السنة والجماعة الحكمة في أفعال الله تعالى، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:"قال الجمهور من أهل السنة وغيرهم: بل هو حكيم في خلقه وأمره، والحكمة ليست مطلق المشيئة، إذ لو كان كذلك لكان كل مريد حكيمًا، ومعلوم أن الإرادة تنقسم إلى محمودة ومذمومة بل الحكمة تتضمن ما في خلقه وأمره من العواقب المحمودة والغايات المحبوبة، والقول بإثبات هذه الحكمة ليس قول المعتزلة ومن وافقهم من الشيعة فقط، بل هو قول جماهير طوائف المسلمين من أهل التفسير والفقه والحديث والتصوف والكلام وغيرهم"
(2)
.
وظاهر كلام القرطبي في هذه المسألة موافقة أهل السنة في إثبات الحكمة لأفعال الله تعالى، حيث قال: "إن لله تعالى فيما يجريه حكمًا وأسرارًا راعاها، ومصالح راجعة إلى خلقه اعتبرها، كل ذلك بمشيئته وإرادته من غير وجوب عليه، ولا حكم عقليٍّ يتوجَّه إليه
(3)
بل ذلك بحسب ما سبق في علمه، ونافذِ حكمه، فما أُطلع عليه من تلك الأسرار عُرِفَ، وما لا، فالعقل عنده يقف، وحذار من الاعتراض والإنكار، فإن مآل ذلك إلى الخيبة وعذاب النار"
(4)
.
وقال أيضًا: "الحكيم: المحكم للأمور أو الكثير الحكمة"
(5)
.
(1)
سورة القمر، الآية:43.
(2)
منهاج السنة (1/ 141) وانظر الفتاوى (8/ 92).
(3)
أراد بهذا الاستثناء الاحتراز من قول المعتزلة الذين أوجبوا على الله تعالى بمقتضي الحكمة أمورًا ومنعوا أمورًا لمخالفتها لمقتضى الحكمة بزعمهم وبمحض عقولهم.
(4)
المفهم (6/ 216).
(5)
المفهم (1/ 405).