الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معهما من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين- لا يقتضي تكفير إحدى الطائفتين أو تفسيقها"
(1)
.
الدفاع عن صحابة بأعيانهم:
تبين لنا فيما سبق المنهج السوي والموقف المرضي مما وقع بين الصحابة رضي الله عنهم وذلك لئلا يطعن أحد في نزاهتهم أويشك في صدقهم، فهم صفوة هذه الأمة، وأعلامها، وقادتها، ونقلة ملتها، فالطعن فيهم أو في أحدهم من علامات أهل البدع، ومناهج أهل الأهواء، فنأخذ جميل أفعالهم، ونقتدي بها، وهو الكثير العام، ونغض الطرف عما وقعوا فيه من الأخطاء والذنوب التي وقعوا فيها بمقتضى البشرية، فغمرت هذه الزلات في بحر الإحسان والطاعات، قال ابن قدامة:"ومن السنه، تولي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحبتهم وذكر محاسنهم والترحم عليهم والاستغفار لهم، والكف عن ذكر مساوئهم، وما شجر بينهم، واعتقاد فضلهم ومعرفة سابقتهم"
(2)
.
وقال أبو نعيم الأصبهاني: "فالواجب على المسلمين في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إظهار ما مدحهم الله تعالى به وشكرهم عليه من جميل أفعالهم وجميل سوابقهم، وأن يغضوا عما كان منهم في حال الغضب والإغفال وفرط منهم عند استزلال الشيطان إياهم
…
فإن الهفوة والزلل والغضب والإفراط لا يخلو منه أحد"
(3)
.
وهذا المنهج العسوي هو الذي سلكه القرطبي رحمه الله فدافع عن الصحابة عمومًا ونافح عن بعضهم على وجه الخصوص خصوصًا من
(1)
المعلم (2/ 26).
(2)
لمعة الاعتقاد ص (32).
(3)
الإمامة والرد على الرافضة ص (341، 342).
كان عرضة منهم لأهل البدع والأهواء.
ومن هؤلاء الذين دافع عنهم بأعيانهم:
1 -
علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
قال القرطبي في الاعتذار له عن تأخره في مبايعة الصديق رضي الله عنه: "لا يظن بعلي أنه خالف الناس في البيعة لكنه تأخر عن الناس لمانع منعه، وهو الموجدة التي وجدها حين استُبدَّ بمثل هذا الأمر العظيم، ولم يُنتظر مع أنه كان أحق الناس بحضوره وبمشورته، لكن العذر للمبايعين لأبي بكر على ذلك الاستعجال مخافة ثوران الفتنة بين المهاجرين والأنصار، كما هو معروف في حديث السقيفة، فسابقوا الفتنة، فلم يتأت لهم انتظاره لذلك، وقد جرى بينهم في هذا المجلس
(1)
من المحاورة والمكالمة والإنصاف ما يدل: على معرفة بعضهم بفضل بعض وأن قلوبهم متفقة على احترام بعضهم لبعض ومحبة بعضهم لبعض ما يَشْرَقُ به الرافضي اللعين وتُشْرِق به قلوب أهل الدين"
(2)
.
وقال في رده على الشيعة فيما نسبوه إلى علي رضي الله عنه من بغضٍ للشيخين وعداءٍ لهما، وحاشاه رضي الله عنه من ذلك: هذا الحديث
(3)
ردٌّ من علي رضي الله عنه على الشيعة فيما ينقولونه عليه من بغضه للشيخين ونسبته إياهما إلى الجور في الإمامة وأنهما غصباه، وهذا كله كذب وافتراء، عليُّ رضي الله عنه منه براء بل المعلوم من حاله معهما تعظيمه ومحبته لهما واعترافه بالفضل لهما عليه وعلى غيره
(1)
وهو ما أخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب غزوة خيبر ح (4240، 4241)(7/ 564)، ومسلم في كتاب الجهاد والسير، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:"لا نورث ما تركنا فهو صدقة"ح 1758 (12/ 320).
(2)
المفهم (3/ 570).
(3)
وهو حديث ثناء علي على عمر رضي الله عنهما عند موته وقد سبق تخريجه ص (744).
وحديثه هذا ينص على هذا المعنى، وقد تقدم ثناء عليٍّ على أبي بكر رضي الله عنهما واعتذاره عن تخلفه عن بيعته وصحة مبايعته له، وانقياده له، مختارًا طائعًا سرًّا وجهرًا، وكذلك فعل مع عمر رضي الله عنهم أجمعين- وكل ذلك يكذب الشيعة والروافض في دعواهم لكن الهوي والتعصب أعماهم"
(1)
.
وكذلك رد على من نسب إلى عليٍّ رضي الله عنه الإعانة على قتل "عثمان رضي الله عنه أو التقصير في نصرته حيث قال: "بنو أمية
(2)
(1)
المفهم (6/ 252).
(2)
أرى القرطبي رحمه الله، تحامل على بني أمية وذمهم وقدح فيهم، وبالغ في ذلك ومما لا شك فيه أنهم مع ما لهم من المساوئ إلَّا أن لهم من المحامد: من نصرة الإسلام، ونشر دين الله في شتى البلاد ما لا يخفى، ولكن لقرب عهدهم بالخلافة الراشدة، بانت عيوبهم، وظهرت، كما أنَّ أكثر المصادر قد كتبت في عهد العباسيين فشحنت أكثرها بروايات مدسوسة للنيل من هؤلاء الخلفاء، والتشنيع عليهم. قال القرطبي في ذمهم بعدما ذكر فضائل آل البيت وحقوقهم: ومع ذلك فقد قابل بنو أمية عظم هذه الحقوق بالمخالفة والعقوق، فسفكوا من أهل البيت دماءهم وسبوا نساءهم وأسروا صغارهم، وخربوا ديارهم، وجحدوا شرفهم، وفضلهم، واستباحوا سبهم، ولعنهم، فخالفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصيته، وقابلوه بنقيض مقصوده وأمنيته، فواخجلهم إذا وقفوا بين يديه، ويا فضيحتهم يوم يعرضون عليه. المفهم (6/ 304)، وانظر (6/ 310).
وقال أيضًا: "فيزيد -بن معاوية- واكثر ولاته ومن بعده من خلفاء بني أمية هم الذين يصدق عليهم أنهم "دعاة على أبواب جهنم من أجابهم قذفوه فيها" فإنهم لم يسيروا بالسواء ولا عدلوا في القضاء، يدل على ذلك تصفح أخبارهم، ومطالعة سيرهم، ولا يعترض على هذا بمدة خلافة عمر بن عبد العزيز بأنها كانت خلافة عدل لقصرها، وندورها في بني أمية، فقد كانت سنتين وخمسة أشهر، فكان هذا الحديث لم يتعرض لها، والله تعالى أعلم" المفهم (4/ 56).
قال شيخ الإسلام: "بنو مروان لم يقتلوا على الإطلاق أحدًا من بني هاشم لا آل علي ولا آل العباس، إلَّا زيد بن عليب المصلوب بكناسة الكوفة، وابنه يحيى ولا سبىَ أهل البيت أحد ولا سُبي منهم أحد انظر: الفتاوى (27/ 481).
كانوا يسبون عليًّا وينتقصونه وذلك كان منهم لما وقر في أنفسهم من أنه أعان على قتل عثمان، وأنه أسلمه لمن قتله، بناءً منهم على أنه كان بالمدينة، وأنه كان متمكنًا من نصرته، وكل ذلك ظن كذب، وتأويل باطل، غطَّى التعصب منه وجه الصواب، وقد قدمنا أن عليًّا رضي الله عنه أقسم بالله أنه ما قتله ولا مالا على قتله ولا رضيه، ولم يقل أحد من النقلة قط ولا سُمع من أحد أن عليًّا كان مع القتلة ولا أنه دخل معهم الدار عليه. وأما ترك نصرته فعثمان رضي الله عنه أسلم نفسه ومنع نصرته كما ذكرناه في بابه ومما تشبثوا به أنهم نسبوا عليًّا إلى ترك أخذ القصاص من قتلة عثمان، وإلى أنه منعهم منهم، وأنه قام دونهم، وكل ذلك أقوال كاذبة أنتجت ظنونًا غير صائبة ترتب عليها ذلك البلاء كما سبق به القضاء"
(1)
.
ووجه القرطبي ذم العباس لعلي رضي الله عنهما عندما شكاه إلى عمر بما يتناسب مع مكانة الصحابة رضي الله عنهم
(2)
.
2 -
معاوية رضي الله عنه:
تعرض معاوية رضي الله عنه لطعن الشيعة وذمهم، وليسوا ممن يؤخذ منهم، لكن ربما تأثر بقولهم بعض المنتسبين للسنة، فلم يحسنوا الظن بمعاوية رضي الله عنه قال القرطبي في الثناء على معاوية- رضي الله عنه والدفاع عنه فيما نسب إليه من لعن علي وذمه: "يبعد على معاوية أن يصرح بلعن علي وسبه، لما كان معاوية موصوفًا به من الفضل والدين،
= وقال أيضًا: ويزيد لم يأمر بقتل الحسين ولم يظهر الرضا به. منهاج السنة (8/ 141).
وقال: "وأعظم ما نقمه الناس على بني أمية شيئان أحدهما: تكلمهم في علي، والثاني: تأخير الصلاة عن وقتها" منهاج السنة (8/ 239).
(1)
المفهم (6/ 272).
(2)
انظر: المفهم (3/ 561).
والحلم وكرم الأخلاق، وما يروى عنه من ذلك، فأكثره كذب لا يصح
…
أما التصريح باللعن وركيك القول، مما اقتحمه جهال بني أمية وسفلتهم فحاش معاوية منه، ومن كان على مثل حاله من الصحبة والدين والفضل والعلم"
(1)
.
وكذلك المازردي دافع عن هذا الصحابي الجليل فقال: "معاوية من عدول الصحابة وأفاضلهم وما وقع من الحروب بينه وبين علي وما جرى بين الصحابة من الدماء فعلى التأويل والاجتهاد
(2)
.
3 -
عائشة رضي الله عنها:
نال عائشة رضي الله عنها ما نال غيرها من الصحابة الكرام رضي الله عنهم من الشيعة أهل الكذب والافتراء، عندما أولوا إتمامها في السفر على أنها كانت في سفر معصية، فقال القرطبي مدافعًا عنها: هذا باطل قطعًا فإنها كانت، اتقى لله وأخوف وأطوع من أن تخرج في سفر لا يرضاه الله تعالى، وهذا التأويل عليها من أكاذيب الشيعة المبتدعة وتشنيعاتهم عليها {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ}
(3)
وإنما خرجت رضي الله عنها مجتهدة محتسبة في خروجها تريد أن تطفئ نار الفتنة ثم خرجت الأمور عن ضبطها وأقل درجاتها أن تكون ممن قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر"
(4)
"
(5)
.
(1)
المفهم (6/ 278). وانظر: (4/ 53).
(2)
المعلم (3/ 139).
(3)
سورة النور، الآية:16.
(4)
رواه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ، ح 7352 (13/ 330)، ومسلم في كتاب الأقضية باب بيان أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ ح 1716 (12/ 254).
(5)
المفهم (2/ 327).
4 -
فاطمة بنت قيس رضي الله عنها:
دافع القرطبي رحمه الله عن هذه الصحابية الجليلة ممن اتهمها بسلاطة اللسان، وإيذاء الجيران، حيث قال: "إنما أذن النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة أن تخرج من البيت الذي طلقت فيه لما ذكره مسلم في الرواية الأخرى من أنها خافت على نفسها من عورة منزلها، وفيه دليل على أن المعتدة تنتقل لأجل الضرورة وهذا أولى من قول من قال: إنها كانت لسنة تؤذي زوجها وأحماءها بلسانها، فإن هذه الصفة لا تليق بمن اختارها رسول الله صلى الله عليه وسلم لحبه وابن حبه
(1)
وتواردت رغبات الصحابة عليها حين انقضت عدتها، ولو كانت على مثل تلك الحال لكان ينبغي ألا يُرغب فيها ولا يُحرص عليها أيضًا: فلم يثبت بذلك نقل مسند صحيح
…
ويا للعجب كيف يجترئ ذو دين أن يقدم على غيبة مثل هذه الصحابية التي اختارها النبي صلى الله عليه وسلم لحبه ابن حبه لسبب خبر لم يثبت وأعجب من ذلك قول بعض المفسرين في قوله تعالى: {وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ}
(2)
إنها نزلت في فاطمة لأنها كانت فيها بذاذة لسان وأذى للأحماء وهذا لم يثبت فيه نقل ولا يدل عليه نظر فذكر ذلك عنها ونسبته إليها غيبة أو بهتان
(3)
.
وقال أيضًا: ويغفر الله تعالى لسعيد بن المسيب ما وقع فيه حيث قال في هذه الصحابية المحتارة: تلك امرأة فتنت الناس إنها كانت لسنة فوضِعَت على يد ابن أم مكتوم وروى عنه أيضًا أنه قال: تلك امرأة استطالت على أحمائها فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تنتقل فلقد أفحش في القول
(1)
وهو أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنهما.
(2)
سورة الطلاق، الآية:1.
(3)
المفهم (4/ 269).
واغتابها ولابد لها معه من موقف بين يدي الله تعالى
(1)
.
وقد دافع أيضًا عن كثير من الصحابة رضي الله عنهم مما قد ينسب إليهم أو يفهم خطأ عنهم مما لا يليق بهم ولا يتناسب مع مكانتهم: كأبي بكر
(2)
وسعيد بن زيد
(3)
، وأبي هريرة
(4)
، وغيرهم
(5)
رضي الله عنهم.
(1)
المفهم (4/ 278).
(2)
انظر: المفهم (6/ 254).
(3)
انظر: المفهم (4/ 536).
(4)
انظر: المفهم (4/ 379، 450).
(5)
انظر: المفهم (7/ 379).