الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد بين القرطبي جواز إطلاق هذا اللفظ على الله تعالى، خلافًا لمن منعه وليس معه دليل، حيث قال:"قوله: "ذات الله" .. دليل على جواز إطلاق لفظ "الذات" على وجود الله تعالى فلا يلتفت لإنكار من أنكر إطلاقه من المتكلمين"
(1)
.
وبعض الناس يظن أن إطلاق "الذات" على الله تعالى كإطلاق الصفات أي أنه وصف له فينكر ذلك بناء على هذا الظن ويقول: هذا ما ورد وليس الأمر كذلك، وإنما المراد التفرقة بين الصفة والموصوف، وقد تبين مراد الذين يطلقون هذا اللفظ أنهم يريدون نفس الموصوف وحقيقته فلا إنكار عليهم في ذلك كما وضحه كلام شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم
(2)
.
إطلاق النفس على الله تعالى:
وقد جاء إثبات النفس لله تعالى بالكتاب والسنة، قال تعالى:{تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ}
(3)
وقال تعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ}
(4)
وقال صلى الله عليه وسلم: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي"
(5)
وغيرها من النصوص، وعقد الإمام البخاري رحمه الله في كتاب التوحيد من صحيحه بابًا في إثبات النفس لله تعالى
(6)
.
وعند شرح القرطبي لقوله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله: أنا عند ظن عبدي بي،
(1)
المفهم (6/ 185).
(2)
شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري للغنيمان (1/ 242).
(3)
سورة المائدة، آية:116.
(4)
سورة الأنعام، آية:54.
(5)
سبق تخريجه ص (206).
(6)
صحيح البخاري مع الفتح (13/ 395).
وأنا معه حين يذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي"
(1)
، قال:"النفس" اسم مشترك يطلق على نفس الحيوان، وهي المتوفاة بالموت والنوم، ويطلق ويراد به: الدم، والله تعالى منزه عن ذينك المعنيين ويطلق ويراد به ذات الشيء وحقيقته، كما يقال: رأيت زيدًا نفسه عينه، أي: ذاته، وقد يطلق ويراد به الغيب كما قد قيل في قوله تعالى:{تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} أي: ما في غيبك، والأليق بهذا الحديث: أن يكون معناه: أن من ذكر الله تعالى خاليًا منفردًا بحيث لا يطلع أحد من الخليقة على ذكره جازاه الله على ذلك بأن يذكره بما أعد له من كرامته التي أخفاها عن خليقته حتى لا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون، وقد قلنا: إن التسليم هو الطريق المستقيم"
(2)
.
والمازري قد ذكر في هذه المسألة كلامًا قريبًا من كلام القرطبي السابق، ولعل القرطبي قد نقل عنه
(3)
.
وقد ذكر القرطبي المازري القول الصحيح في هذه المسألة عرضًا دون اختيار، وهو: أن يراد بالنفس ذاته تعالى، وهذا الذي عليه عامة علماء السنة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:"نفسه هي ذاته المقدسة"
(4)
. وقال أيضًا: "يراد بنفس الشيء ذاته وعينه، كما يقال: رأيت زيدًا نفسه عينه، وقد قال تعالى:{تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ}
(5)
، وقال:{كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ}
(6)
، وقال تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ
(1)
سبق تخريجه ص (573).
(2)
المفهم (7/ 7).
(3)
المعلم (3/ 183).
(4)
الفتاوى (14/ 196).
(5)
سورة المائدة، آية:116.
(6)
سورة الأنعام، آية:54.
نَفْسَهُ}
(1)
، وفي الحديث الصحيح أنه قال لأم المؤمنين:"لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات، لو وزنت بما قلتِ منذ اليوم لوزنتهن. سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته"
(2)
وفي الحديث الصحيح الإلهي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني، إذا ذكرني في نفسه ذكلرته في نفسي، وإذا ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم"
(3)
فهذه المواضع المراد فيها بلفظ "النفس" عند جمهور العلماء: الله نفسه التي هي ذاته المتصفة بصفاته، ليس المراد بها ذاتًا منفكة عن الصفات، ولا المراد بها صفة للذات، وطائفة من الناس يجعلونها من باب الصفات
(4)
، كما يظن طائفة أنها الذات المجردة عن الصفات وكلا القولين خطأ"
(5)
.
(1)
سورة آل عمران، آية:28.
(2)
رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والإستغفار، باب التسبيح أول النهار وعند النوم ح (2726)(17/ 47).
(3)
سبق تخريجه ص (573).
(4)
منهم: ابن خزيمة وعبد الغني المقدسي والبغوي وصديق حسن خان، انظر صفات الله الواردة في الكتاب والسنة لعلوي السقاف ص (255).
(5)
الفتاوى (2/ 292).