الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بلطف أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين"
(1)
.
وهل عاد بعد هذه الرحلة إلى قرطبة أم كان هذا هو الاستقرار النهائي له في الإسكندرية؟ الله أعلم بذلك! .
المقصود أنه استقر في الإسكندرية وانتقل من قرطبة بعدما ساءت أحوالها انتقالًا نهائيًا. فكان أن قضى شطر حياته الأخير في الإسكندرية حيث تصدى للتدريس ونفع الناس هناك.
قال ابن فرحون: "نزل الإسكندرية واستوطنها ودرَّس بها"
(2)
.
المطلب الثالث: أسرته:
لم أقف على ترجمة لوالده ولا ذكر لأسرته، سوى ما ذكره تلميذه أبو عبد الله القرطبي حينما أشار إلى أخيه أبي القاسم حيث قال:"ولقد أخبرني صاحبنا أبو القاسم رحمه الله أنه ربط نحوًا من خمسين امرأة واحدة بعد أخرى في حبل مخافة سبي العدو، حتى خرجوا من قرطبة أعادها الله"
(3)
.
ولم أقف أيضًا على شيء يدل على زواجه وإنجابه، إلَّا ما ذكره هو عن نفسه في "المفهم" حيث قال:"ومنها أني تزوجت امرأة، وقبل الدخول بها حُدِّثْتُ عن صفتها ما أوقع في قلبي نفرة، فأُريتها في النوم على الصفة التي كانت عليها في بيتها، ثم إني لما اجتمعت بها وجدتها هي التي أريتها في النوم"
(4)
.
وقد يكون تزوج فلم يوفق فآثر العزوبة بعد، وربما يؤيد هذا الظن
(1)
المفهم (6/ 25).
(2)
الديباج المذهب ص (130).
(3)
التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة لأبي عبد الله القرطبي ص (724).
(4)
المفهم (6/ 25).
ما ذهب إليه من تفضيله التفرغ للعبادة على الزواج، فبعد ذكره لأقوال القائلين بتفضيل الزواج على التفرغ منه للعبادة قال:"وحديث أنس وسهيل يدلان على أن التزويج أفضل من التفرغ للعبادة، وهو أحد القولين المتقدمين، ويمكن أن يقال كان ذلك في أول الإسلام، لِمَا كان عليه النساء من المعونة على الدين والدنيا، وقلة الكلفة، والتعاون على البر والتقوى، والحنو والشفقة على الأزواج، وأما في هذه الأزمان فنعوذ بالله من الشيطان والنسوان، فوالله الذي لا إله إلَّا هو لقد حلت العزبة والعزلة بل وتعين الفرار من فتنتهن والرحلة، ولا حول ولا قوة إلَّا بالله"
(1)
.
وقال أيضًا في شرحه لدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم لأنس بن مالك رضي الله عنه بقوله: " اللهُمَّ أكثِرْ مالَهُ وَوَلَدَهُ"
(2)
.
قال: "يدل على إباحة الاستكثار من المال والولد والعيال، لكن إذا لم يشغلك ذلك عن الله تعالى، ولا عن القيام بحقوقه، لكن لما كانت سلامة الدين مع ذلك نادرة، والفتن والآفات غالبة، تعين التقلل من ذلك، والفرار مما هنالك، ولولا دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لأنس بالبركة لخيف عليه من الإكثار الهلكة، ألا ترى أن الله تعالى قد حذَّرنا من آفات الأموال والأولاد، ونبَّه على المفاسد الناشئة من ذلك، فقال:{إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ}
(3)
.
وصدر الكلام بإنما الحاصرة المحققة، فكأنه قال: لا تكون
(1)
المفهم (4/ 89).
(2)
رواه البخاري في كتاب الدعوات، باب الدعاء بكثرة المال والولد مع البركة ح/ 6378 (11/ 186)، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أنى بن مالك رضي الله عنه ح/ 2480 (16/ 272).
(3)
سورة الأنفال، الآية:28.