الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول: منهج السلف في الصفات:
إن منهج السلف في صفات الله تعالى وسطٌ بين المعطلة من الجهمية والمعتزلة ومن سلك مسلكهم، وبين الأشاعرة وغيرهم من الذين يلحدون في ذلك ويعطلون حقائق ما وصف الله به نفسه عز وجل وبين الممثلة من غلاة الكرامية وغلاة الرافضة الذين يضربون لله عز وجل الأمثال ويشبهونه بالمخلوقات.
وكلا المذهبين مجانب للحق والصواب، والمذهب الصحيح ما عليه سلف الأمة من الصحابة والتابعين، ومن اقتدى بهم، إذ هو الصراط المستقيم، فهم يؤمنون بما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم من صفات الجلال والكمال حقيقة على الوجه الذي يليق به تعالى، وينفون عنه ما نفاه سبحانه عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم من صفات النقص التي لا تليق به سبحانه، وعمدتهم في هذا: الأدلة الواردة في الكتاب والسنة من غير تكييف ولا تمثيل، ومن غير تحريف ولا تعطيل {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)}
(1)
.
قال محمد بن الحسن
(2)
: "اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة الرب عز وجل من غير تفسير ولا وصف ولا تشبيه، فمن فسر اليوم شيئًا من ذلك فقد خرج مما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وفارق الجماعة، فإنهم لم يصفوا، ولم يفسروا، ولكن أفتوا بما في الكتاب
(1)
سورة الشورى، آية:11.
(2)
محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني فقيه العراق وصاحب أبي حنيفة وقد أخذ عنه الشافعي كان من الفقهاء الأذكياء توفي بالري سنة (189 هـ). تاريخ بغداد (2/ 172)، سير أعلام النبلاء (9/ 134).
والسنة ثم سكتوا"
(1)
.
وقال ابن خزيمة
(2)
: "نحن وجميع علمائنا من أهل الحجاز وتهامة واليمن والعراق والشام ومصر مذهبنا: أنا نثبت لله ما أثبته الله لنفسه، نقر بذلك بألسنتنا ونصدق ذلك بقلوبنا من غير أن نشبه وجه خالقنا بوجه أحد من المخلوقين عزَّ ربنا عن أن يشبه المخلوقين وجلَّ ربنا عن مقالة المعطلين، وعزَّ أن يكون عدمًا كما قاله المبطلون، لأن ما لا صفة له عدم، تعالى الله عما يقول الجهميون الذين ينكرون صفات خالقنا الذي وصف بها نفسه في محكم تنزيله، وعلى لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم"
(3)
.
وقال الصابوني: "أصحاب الحديث يعرفون ربهم عز وجل بصفاته التي نطق بها وحيه وتنزيله أو شهد بها رسوله صلى الله عليه وسلم على ما وردت به الأخبار الصحاح ونقلته العدول الثقات عنه ويثبتون دته عز وجل ما أثبته لنفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يعتقدون تشبيهًا لصفاته بصفات خلقه، وقد أعاذ الله أهل السنة من التحريف والتكييف، ومنَّ عليهم بالتعريف والتفهيم، حتى سلكوا سبل التوحيد والتنزيه، وتركوا القول بالتعطيل والتشبيه، واتبعوا قول الله عز وجل:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)}
(4)
"
(5)
.
وقال ابن عبد البر: "أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات
(1)
شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي (3/ 480).
(2)
أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة إمام الأئمة الحافظ صاحب الصحيح وله كتاب "التوحيد" وغيرها من علماء السنة المنافحين عنها توفي سنة (311 هـ) سير أعلام النبلاء (14/ 365)، طبقات الحفاظ للسيوطي ص (330) ترجمة (710).
(3)
التوحيد لابن خزيمة (1/ 26).
(4)
سورة الشورى، آية:11.
(5)
عقيدة السلف وأصحاب الحديث ص (160، 162) باختصار.
الواردة كلها في القرآن والسنة، والإيمان بها، وحملها على الحقيقة، لا على المجاز، إلَّا أنهم لا يكيفون شيئًا من ذلك، ولا يُحدُّون فيه صفة محصورة، وأما أهل البدع والجهمية والمعتزلة كلها والخوارج، فكلهم ينكرها ولا يحمل شيئًا منها على الحقيقة، ويزعمون أن من أقر بها مُشبِّه، وهم عند من أثبتها نافون للمعبود، والحق فيما قاله القائلون بما نطق به كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهم أئمة الجماعة والحمد لله"
(1)
.
وقال أبو القاسم قوَّام السُّنَّة
(2)
: "قال علماء السلف: جاءت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم متواترة في صفات الله تعالى، موافقة لكتاب الله تعالى، نقلها السلف على سبيل الإثبات والمعرفة، والإيمان به والتسليم، وترك التمثيل والتكييف، وأنه عز وجل أزلي بصفاته وأسمائه، التي وصف بها نفسه، أو وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم بها، فمن جحد صفة من صفاته بعد الثبوت، كان بذلك جاحدًا
…
والله تعالى امتدح نفسه بصفاته ودعا عباده إلى مدحه بذلك، وصدق به المصطفى صلى الله عليه وسلم وبيَّن مراد الله فيما أظهر لعباده من ذكر نفسه وأسمائه وصفاته، وكان ذلك مفهومًا عند العرب غير محتاج إلى تأويله"
(3)
.
وقال ابن قدامة: "ومذهب السلف -رحمة الله عليهم- الإيمان بصفات الله تعالى وأسمائه التي وصف بها نفسه في آياته وتنزيله أو على
(1)
التمهيد (7/ 145).
(2)
إسماعيل بن محمد بن الفضل التميمي الأصبهاني الملقب "قوام السنة" مكثر من التصنيف إذ له العديد من التصانيف النافعة في التفسير والحديث، والتوحيد، وغيرها توفي سنة (535 هـ) طبقات المفسرين للسيوطي ص (37). طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (2/ 302).
(3)
الحجة في بيان المحجة (1/ 183، 184).
لسان رسوله من غير زيادة عليها، ولا نقص منها، ولا تجاوز لها، ولا تفسير لها، ولا تأويل لها بما يخالف ظاهرها، ولا تشبيه بصفات المخلوقين، ولا سمات المحدثين، بل أمروها كما جاءت وردوا علمها إلى قائلها
(1)
ومعناها إلى المتكلم بها"
(2)
.
وقال ابن تيمية: "الأصل في هذا الباب أن يوصف الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسله نفيًا وإثباتًا، فيثبت لله ما أثبته لنفسه، وينفى عنه ما نفاه عن نفسه، وقد علم أن طريقة سلف الأمة وأئمتها إثبات ما أثبته من الصفات من غير تكييف ولا تمثيل، ومن غير تحريف ولا تعطيل، وكذلك ينفون عنه ما نفاه عن نفسه مع إثبات ما أثبته من الصفات من غير إلحاد لا في أسمائه ولا في آياته، كما قال تعالى:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)}
(3)
(4)
الآية، فطريقتهم تتضمن إثبات الأسماء والصفات مع نفي مماثلة المخلوقات إثباتًا بلا تشبيه وتنزيهًا بلا تعطيل، كما قال تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)}
(5)
ففي قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ردٌّ للتشبيه والتمثيل، وفي قوله:{وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} ردٌّ للإلحاد
(1)
أي: علم كيفيتها.
(2)
ذم التأويل لابن قدامة ص (11).
(3)
سورة الأعراف، آية:180.
(4)
سورة فصلت، آية:40.
(5)
سورة الشورى، آية:11.