الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إن شرف العلم تابعٌ لشرف معلومه، ولا أجلّ ولا أعظم من الله تعالى، ولذا فمعرفة أسمائه سبحانه، والإيمان بها، وفهم معانيها من أجلِّ العلوم، وأفضل الطاعات، ولا طريق لذلك إلَّا بالكتاب والسنة، والاقتداء بسلف الأمة. فقد أجمع أهل السنة والجماعة على أن لله أسماء سمى بها نفسه، وأن هذه الأسماء كلها حسنى، كما قال تعالى:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}
(1)
.
قال - ابن القيم رحمه الله: "إن أسماء الله تبارك وتعالى دالةٌ على صفات كماله، فهي مشتقة من الصفات، فهي أسماء، وهي أوصاف، وبذلك كانت حسنى، إذ لو كانت ألفاظًا لا معاني فيها، لم تكن حسنى، ولا كانت دالة على مدح ولا كمال"
(2)
.
وقد تكلَّم القرطبي والمازري في أسماء الله تعالى، وما يتعلق بها، ويتضح هذا من خلال التفصيل في المباحث التالية:
المطلب الأول: الاسم والمسمى:
الكلام في هذه المسألة من الأمور المُحْدَثة، التي لم يتحدث فيها الصحابة رضي الله عنهم ولا التابعون، إنما حدثت بعدهم، ولذا أنكر بعض العلماء الحديث فيها، ومنعوا منه، قال الشافعي رحمه الله:"إذا سمعت الرجل يقول: الاسم غير المسمى، أو الاسم المسمى، فاشهد عليه أنه من أهل الكلام ولا دين له"
(3)
.
وقال محمد بن جعفر البغدادي
(4)
: "سمعت إبراهيم
(1)
سورة الأعراف، الآية:180.
(2)
مدارج السالكين (1/ 28).
(3)
طبقات السافعية للسبكي (2/ 174).
(4)
هو محمد بن جعفر بن محمد الربعي البغدادي ابن الإمام حدث عنه النسائي في سننه توفي =
الحربي
(1)
- ولم يكن في وقته مثله - يقول - وقد سُئِلَ عن الاسم والمسمى -: لي مذ أجالس أهل العلم سبعون سنة، ما سمعت أحدًا منهم يتكلم في الاسم والمسمى"
(2)
.
وقال الطبري: "وأمَّا القول في الاسم أهو المسمى أم غير المسمى، فإنه من الحماقات الحادثة التي لا أثر فيها فيتبع، ولا قول من إمام فيستمع، فالخوض فيه شين، والصمت عنه زين، وحسب امرئ من العلم به، والقول فيه أن ينتهي إلى قول الله عز وجل ثناؤه الصادق، وهو قوله:{قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا}
(3)
، وقوله تعالى:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}
(4)
"
(5)
.
لكن لما تحدث أهل البدع في هذه المسألة، وخاضوا فيها، وجانبوا فيها الصَّواب، كان لابد لأهل الحق من الحديث فيها بالصواب كغيرها من المسائل التي تحدث فيها أهل السنة، وقد سكت عنها من قبلهم؛ لأنهم ابتلوا بالحديث فيها ردًّا على أهل البدع، قال الإمام الدارمي: "قد كان من مضى من السلف يكرهون الخوض في هذا وما أشبهه، وقد كانوا رزقوا العافية منهم، وابتلينا بهم عند دروس الإسلام،
= سنة (300 هـ). سير أعلام النبلاء (13/ 568). تهذيب التهذيب (3/ 531).
(1)
إبراهيم بن إسحاق الحربي البغدادي الإمام الحافظ أحد أعلام القرن الثالث الهجري صنَّف "غريب الحديث" وغيره توفي سنة (285 هـ). تاريخ بغداد للبغدادي (6/ 27). صفة الصفوة (2/ 404).
(2)
سير أعلام النبلاء (13/ 359).
(3)
سورة الإسراء، الآية:110.
(4)
سورة الأعراف، الآية:180.
(5)
صريح السنة ص (26).
وذهاب العلماء، فلم نجد بدًّا من أن نرد عليهم ما أتوا به من الباطل بالحق"
(1)
.
وأول الأقوال في هذه المسألة قولة الجهمية والمعتزلة الذين قالوا: إن الاسم غير المسمى؛ لأن الاسم مخلوق والمسمى غير مخلوق، وهذا بناءً على قولهم في أن أسماء الله وصفاته مخلوقة، وقد تابعهم على قولهم هذا ابن حزم والغزالي
(2)
.
وقد أجمع أهل السنة، ومن وافقهم في رد هذا القول، ولكنهم اختلفوا في هذه المسألة على أقوال:
الأول: من، قال: الاسم هو المسمى وقد استدلوا بأدلة منها: قوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)}
(3)
، قالوا: المسبِّح هو المسمى، وهو الله تعالى، وقوله تعالى:{مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ}
(4)
والمراد المسميات
(5)
.
وقد روى شيخ الإسلام عن الشافعي قوله: "إذا سمعت الرجل يقول: الاسم غير المسمى فاشهد عليه بالزندقة"
(6)
.
وقد قال بهذا بعض علماء السنة، ومنهم: البغوي واللالكائي وغيرهما
(7)
.
(1)
الرد على الجهمية للدارمي ص (23).
(2)
انظر: الفصل في الملل والنحل لابن حزم (5/ 19). والمقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى للغزالي (28).
(3)
سورة الأعلى، الآية:1.
(4)
سورة يوسف، الآية:40.
(5)
انظر: الفتاوى لابن تيمية (6/ 190).
(6)
الفتاوى (6/ 187). وانظر: سير أعلام النبلاء (10/ 30).
(7)
قال ابن تيمية: ولم يعرف عن أحد من السلف أنه قال: الاسم هو المسمى بل هذا قاله كثير =
الثاني: من قال: إن الأسماء ثلاثة أقسام:
أ - تارة يكون هو المسمى كاسم الموجود.
ب - وتارة يكون الاسم غير المسمى كاسم الخالق.
* - وتارة لا يكون هو ولا غيره كاسم العليم والقدير.
وهذا هو المشهور عن أبي الحسن الأشعري
(1)
.
وقد ردَّ شيخ الإسلام هذا القول، وبيَّن مجانبته للصَّواب
(2)
.
الثالث: من قال: الاسم للمسمى إذ هو دليل وعلم عليه، قال شارح الطحاوية:"فالاسم يراد به المسمى تارة، ويراد به اللفظ الدال عليه أخرى، فإذا قلت: قال الله كذا، أو سمع الله لمن حمده، ونحو ذلك، فهذا المراد به المسمى نفسه، وإذا قلت: الله اسم عربي، والرحمن اسم عربي، والرحمن من أسماء الله تعالى، ونحو ذلك، فالاسم ههنَا هو المراد للمسمى، ولا يقال "غيره"، لما في لفظ "الغير" من الإجمال، فإن أُريد بالمغايرة أن اللفظ غير المعنى، فحق، وإن أريد أن الله تعالى كان ولا اسم له، حتى خلق لنفسه أسماء، أو حتى سماه خلقه بأسماء من صنعهم، فهذا من أعظم الضلال والإلحاد في أسماء الله"
(3)
.
وقد ذكر شيخ الإسلام أن الاسم يتناول اللفظ والمعنى المتصور في القلب، ولذا أمر الله تعالى بذكره تارة، وبذكر اسمه تارة كما أمر بتسبيحه تارة، وبتسبيح اسمه تارة، حيث قال:{اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41)}
(4)
،
= من المنتسبين للسنة بعد الأئمة وأنكره أكثر أهل السنة عليهم. الفتاوى (6/ 187).
(1)
الفتاوى (6/ 188) وانظر: موقف ابن تيمية من الأشاعرة (3/ 1043).
(2)
الفتاوى (6/ 201).
(3)
شرح الطحاوية (1/ 102).
(4)
سورة الأحزاب، الآية:41.
وقال تعالى: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8)}
(1)
، وقال تعالى:{وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}
(2)
، وقال تعالى:{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} "
(3)
"
(4)
.
وهذا القول هو اختيار أكثر أهل السنة والذي ارتضاه شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، حيث قال ابن القيم:"هذا المذهب مخالف لمذهب المعتزلة الذين يقولون أسماؤه تعالى غيره، وهي مخلوقة، ولمذهب من رد عليهم ممن يقول اسمه نفس ذاته لا غيره، وبالتفصيل تزول الشبه ويتبين الصواب"
(5)
.
وهذا القول هو الموافق لظاهر كلام القرطبي، حيث ردَّ على الذين قالوا: الاسم هو المسمى حقيقة، حيث قال: "الاسم في العرف العام: هو الكلمة الدالة على معنى فرد، وبهذا الاعتبار لا فرق بين الاسم والفعل والحرف، إذ كل واحد منها يصدق عليه ذلك الحد، فلا فعل ولا حرف في العرف العام، وإنما ذلك اصطلاح النحويين والمنطقيين، وليس ذلك من غرضنا، وإذا فهمت هذا فهمت غلط من قال: إن الاسم هو المسمى حقيقة، كما قالت طائفة من جُهَّال الحشوية، فإنهم صرحوا بذلك، واعتقدوه حتى ألزموا على ذلك أن من قال: سمُّ: مات، ومن قال: نار: احترق، وهؤلاء أخس من أن يشتغل بمخاطبتهم
(6)
، وأمَّا من قال من
(1)
سورة المزمل، الآية:8.
(2)
سورة الأحزاب، الآية:42.
(3)
سورة الأعلى، الآية:1.
(4)
انظر: الفتاوى (6/ 206، 209، 210).
(5)
بدائع الفوائد (1/ 23).
(6)
قال ابن تيمية: وهؤلاء الذين قالوا: إنَّ الاسم هو المسمى لم يريدوا بذلك أنَّ اللفظ المؤلف من الحروف هو نفس الشخص المسمى به فإنَّ هذا لا يقوله عاقل ولهذا يقال: لو كان الاسم هو المسمى لكان من قال: نار احترق لسانه ومن الناس من يظن أنَّ هذا مرادهم ويشنع =
النحويين ومن المتكلمين: الاسم هو المسمى، فحاشاهم أن يريدوا هذه الحماقة، وإنما أرادوا: أنه هو من حيث أنه لا يدل إلَّا عليه، ولا يفيد إلَّا هو، فإن كان ذلك الاسم من الأسماء الدالة على ذات المسمى دل عليه من غير مزيد أمر أخر، وإن كان من الأسماء الدالة على معنى زائد: دلَّ على تلك الذات منسوبة إلى ذلك الزائد خاصة دون غيره، وبيان ذلك: أنك إذا قلت: زيد -مثلًا- فهو يدل على ذاتٍ مُشخَّصه في الوجود من غير زيادة ولا نقصان، فلو قلت -مثلًا-: العالم دل هذا على تلك الذات منسوبة إلى العلم
…
ومن هنا صحَّ عقلًا أن تكثر الأسماء المختلفة على ذات واحدة، ولا توجب تعددًا فيها ولا تكثيرًا
(1)
، وقد غمض فهم هذا مع وضوحه على بعض أئمة المتكلمين، وفر منه هربًا من لزوم تعدد في ذات الإله
…
قد يقال: الاسم هو المسمى ويعني به: أن هذه الكلمة التي هي الاسم قد يطلق ويراد به المسمى كما قيل ذلك في قوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)}
(2)
أي سبح ربك، فأريد بالاسم المسمى، وهذا بحث لفظي لا ينبغي أن ينكر ولا جرم قال به في هذه الآية وفيما يشبهها جماعة من علماء اللسان وغيرهم، وإذا تقرر هذا فافهم أن أسماء الحق سبحانه، وإن تعددت فلا تعدد في ذاته تعالى"
(3)
.
وبيَّن في موضع آخر أن الاسم غير المسمى، وذلك عند قول عائشة
= عليهم وهذا غلط عليهم بل هؤلاء يقولون: اللفظ هو التسمية والإسم ليس هو اللفظ بل هو المراد باللفظ فإنك إذا قلت: يا زيد يا عمر فليس مرادك دعاء اللفظ بل مرادك دعاء المسمى باللفظ وذكرت الإسم فصار المراد بالاسم هو المسمى. الفتاوى (6/ 188).
(1)
وهذا منه رحمه الله رد على الجهمية الذين يزعمون أنَّ إثبات الأسماء يوجب تعددًا في الذات.
(2)
سورة الأعلى، الآية:1.
(3)
المفهم (7/ 14) وقد نقل الحافظ ابن حجر هذا القول بطوله في فتح الباري (11/ 225).
-رضي الله عنها للرسول صلى الله عليه وسلم: "والله يا رسول الله ما أهجر إلَّا اسمك"
(1)
، حيث قال:"هذا يدل على أن الاسم غير المسمى، وهي مسألة اختلف فيها أهل اللسان والمتكلمون"
(2)
.
وأما أن الاسم هو المسمى فعند قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم باسمك أحيا وباسمك أموت"
(3)
قال: "فالاسم هنا: هو المسمى كقوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}
(4)
أي سبح ربك، هذا قول الشارحين"
(5)
.
وقال أيضًا عند رقية جبريل للرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: "باسم الله أرقيك"
(6)
: "الاسم هنا يراد به المسمى، فكأنه قال: الله يبريك، كما قال تعالى:{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)}
(7)
أي سبح ربك، ولفظ الاسم في أصله عبارة عن الكلمة الدالة على المسمى، والمسمى هو مدلولها غير أنه قد يتوسع فيوضع الاسم موضع المسمى مسامحة فتدبر هذا فإنه موضع كثر فيه الغلط وتاه فيه كثير من الجهال وسقط"
(8)
.
والتفصيل هو الصواب؛ لأن إنكار قول من قال: الاسم هو المسمى: لما في قوله من الاحتمال الباطل، وذلك بجعل الأسماء هي
(1)
رواه البخاري في كتاب النكاح، باب غيرة النساء ووجدهن (ح 5228)(9/ 237). ومسلم في كتاب فضائل الصحابة باب فضائل عائشة رضي الله عنها ح (2439)(15/ 212).
(2)
المفهم (6/ 323).
(3)
رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب ما يقول عند النوم ح (2711)(17/ 38).
(4)
سورة الأعلى، الآية:1.
(5)
المفهم (7/ 40).
(6)
رواه مسلم في كتاب السلام، باب الطب والمرض والرقي ح (2186)(14/ 420).
(7)
سورة الأعلى، الآية:1.
(8)
المفهم (5/ 564).