الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجهك، وبوجه القبلة؟ فإنه لا يجوز أن يستعاذ بوجه شيء غير وجه الله تعالى، وكذلك لا يجوز أن تقول: لذة النظر إلى قبلتك، وإلى الأعمال التي ابتغى بها وجهك - وبعد ذكر النصوص في صفة الوجه والرد على جميع التأويلات فيها - قال: وعلى تصديق هذه الآثار والإيمان بها أدركنا أهل الفقه والعلم ولولا كثرة من يستنكر الحق ويستحسن الباطل، ما اشتغلنا كل هذا الاشتغال بتثبيت وجه الله ذي الجلال والإكرام"
(1)
.
فإثبات الوجه لله تعالى واجب على الحقيقة بما يليق به سبحانه وتعالى. هذا هو المذهب السلفي الواضح النقي.
صفة اليد:
لقد جاءت النصوص الكثيرة في الكتاب والسنة بإثبات اليد لله سبحانه وتعالى، قال تعالى:{قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ}
(2)
، وقال تعالي:{بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}
(3)
وقال تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}
(4)
.
وجاء في السنة أحاديث كثيرة، منها: قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل"
(5)
وفي حديث الشفاعة وفيه: "فيأتونه فيقولون: ياآدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه"
(6)
.
(1)
رد الدارمي على المريسي (2/ 708، 723) بتصرف، وانظر: الحجة في بيان المجحة (1/ 217) وأصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي (3/ 457).
(2)
سورة آل عمران، آية:73.
(3)
سورة المائدة، آية:64.
(4)
سورة ص، آية:75.
(5)
رواه مسلم في كتاب التوبة باب قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت ح (2759)(17/ 83).
(6)
رواه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء باب قول الله عز وجل {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} =
وأهل السنة والجماعة أثبتوا أن لله سبحانه وتعالى يدين تليقان به سبحانه وتعالى من غير تشبيه بخلقه، تعالى الله عن ذلك.
قال الإمام ابن خزيمة: "باب: ذكر إثبات اليد للخالق البارئ جل وعلا، والبيان أن الله تعالى له يدان كما أعلمنا في محكم تنزيله" ثم سرد جملة من الآيات تدل على ذلك، ثم قال:"باب: ذكر البيان من سنة النبي صلى الله عليه وسلم على إثبات يد الله عز وجل موافقًا لما تلونا من تنزيل ربنا لا مخالفًا، قد نزه الله نبيه وأعلى درجته ورفع قدره عن أن يقول إلَّا ما هو موافق لما أنزل الله عليه من وحيه"
(1)
.
وذكر أبو الحسن الأشعري أن من جملة ما عليه أهل الحق والسنة: أن لله يدين بلا كيف
(2)
. ورد على أهل البدع في تأويلها
(3)
.
وقال اللالكائي: "سياق ما دل من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على أن من صفات الله عز وجل: الوجه والعين واليدين"
(4)
ثم سرد بعد ذلك الأدلة على ثبوت هذه الصفات
(5)
.
وقد كانت هذه الصفة من أكثر ما تعرض له القرطبي في "المفهم"، والمازري في "المعلم" ولكنهما صرفا النصوص عن ظاهرها، والتزما بتأويل جميع النصوص الواردة في ذلك في تكلف ظاهر.
= ح (3340)(6/ 428) ومسلم في كتاب الإيمان باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها ح (194)(3/ 66).
(1)
التوحيد لابن خزيمة (1/ 118، 119).
(2)
الإبانة عن أصول الديانة للأشعري ص (106).
(3)
المرجع السابق (125، 140).
(4)
شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/ 457).
(5)
المرجع السابق.
ففي شرح القرطبي لحديث الشفاعة قال: "اعلم أن الله تعالى منزه عن يد الجارحة، واليد في كلام العرب تطلق على القدرة والنعمة والملك. واللائق هنا حملها على القدرة، وتكون فائدة الاختصاص لآدم: أنه تعالى خلقه بقدرته ابتداءً من غير سبب ولا واسطة خلق ولا أطوار قَلَبَهُ فيها وذلك بخلاف غيره من ولده، ويحتمل أن يكون شرفه بالإضافة إليه كما قال "بيتي" وقد قدمنا أن التسليم في المشكلات أسلم"
(1)
.
وقال عند قوله صلى الله عليه وسلم: "وكلتا يديه يمين"
(2)
: "يفهم من إضافة اليدين إليه تعالى قدرته على المخلوقات"
(3)
.
وعند شرحه لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبسط يده بالليل
…
"
(4)
قال: "هذا الحديث أُجري مجرى المثل الذي يفهم منه دوام قبول التوبة واستدامة اللطف والرحمة"
(5)
.
وقال المازري في قوله تعالى {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}
(6)
: "أي: نعمتاه على تأويل اليد ههنا على النعمة، ونعم الله لا تحصى، فالتثنية للتأكيد لا حقيقية"
(7)
.
وقال في شرحه لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبسط يده
…
": "المراد بهذا: القبول على التائب؛ لأنه قد جرت العادة أن الإنسان إذا نُوول ما يقبله
(1)
المفهم (1/ 427).
(2)
رواه مسلم في كتاب الإمارة باب فضيلة الإمام العادل ح (1827)(12/ 452).
(3)
المفهم (3/ 37).
(4)
سبق تخريجه ص (525).
(5)
المفهم (7/ 106).
(6)
سورة المائدة، الآية:64.
(7)
المعلم (2/ 47).
بسط يده إليه، وإذا نوول ما يكره قبض يده فخاطب العرب من حيث تعلم، وذكر أمثالًا محسوسة ليؤكد معنى ما يريده في النفس وأما يد الجارحة فمستحيلة على الله سبحانه والقبض والبسط من صفات الأجسام، واليد قد تطلق في اللغة على النعمة، وهذا المعنى المشهور في اللسان يقارب ما قلناه؛ لأن ما يفعله سبحانه من قبول توبة عباده من أحد نعمه عليهم وكذلك ما يفعله من النعم بالتائبين، وأما إثبات اليدين لله سبحانه من غير أن تكون يدي جارحة بل صفتين من الصفات قديمة أزلية فأثبتها أبو بكر القاضي ابن الطيب وغيره من أئمتنا لقوله تعالى:{لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}
(1)
فأثبت اليدين ههُنا صفتين قديمتين؛ لأن صرف اليد ههُنَا عنده إلى النعمة لا يليق بهذا الموضع؛ لأن النعمة مخلوقة، ولا يخلق مخلوق بمخلوق، وصرفها إلى القدرة يمنع منه التثنية، والقدرة واحدة بلا خلاف، وأبو المعالي مال إلى نفي ذلك وحمل القرآن على التجوز وأن المراد أن الله خلق آدم بغير واسطة بخلاف غيره من بنيه، فكنَّى عن ذلك بأنه خلقه بيديه، لأنا إذا لم يكن بيننا وبين ما يكون من الأفعال وسائط عبر عن ذلك بأن يقال: فعلته بنفسي، وتوليته بيدي، والقصد تمييز آدم بالاختصاص، وقد يجمع الشيء تفخيمًا، وإن كان واحدًا، والعرب تفعل ذلك، فهذا المعنى سلك الأئمة في هذه الآية وإن قلنا بإثبات اليد على طريقة القاضي، فلابد من تأويل الأحاديث على نحو ما قلناه، لذكر البسط فيه، وإنما يبقى النظر في معنى اليد، وإضافة هذا الأمر إليهما"
(2)
.
وقال عند قوله صلى الله عليه وسلم: "يطوي الله سبحانه السموات يوم القيامة ثم
(1)
سورة ص، آية:75.
(2)
المعلم (3/ 190).
يأخذهن بيده اليمنى"
(1)
: "تقدَّم القول في ذكر اليد واختلاف الأصوليين في إثباتها بمعنى الصمة، لا بمعنى الجارحة، وتنازعهم في مقتضى قوله تعالى:{لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}
(2)
وذكرنا تأويل ما وقع في ذكر اليد، ولكن لما ذكر ههُنا اليمين والشمال كان آكد في إيهام الجارحة، فإذا ثبت استحالة يد الجارحة عليه ووصفه باليمين والشمال، فلابد من حمل هذا على ما يجوز وأمثل ما تؤول عليه عندي: أن الله سبحانه أراد أنه يطوي السموات والأرضين بقدرته، وكنى عن ذلك بذكر اليد؛ لأن بها فعلنا نحن وبها تصرفنا فخاطب بما يفهم وبما يخرج إلى الحس والوجود ليكون أوكد وأرسخ في نفس السامع"
(3)
.
وهذه التأويلات التي ذكروها بناءً على مذهبهم الفاسد بأن إثبات الصفات يستلزم التجسيم والتشبيه، وهذا زعمٌ باطلٌ؛ لأن اللازم المذكور إنما يلزم من أثبت يدين مماثلتين لأيدي المخلوقين، وأما من أثبت يدين تليقان بالله لا تشبهان أيدي المخلوقين، فإن هذا لا يلزمه ماذكروه؛ لأن إثبات يدين حقيقيتين تليقان بالله تعالى، هو مثل إثبات علم وقدرة وحياة وسمع وبصر يليق بالله تعالى، أما تأويل اليدين بالقوة أو القدرة، أو النعمة، فهذا مذهب الكلَّابية والأشاعرة، وغيرهم، ممن ينفي صفات الله تعالى الخبرية، ولو فرض مجيء اليد بمعنى القدرة، فلا يجوز إطلاق هذا المعنى إلَّا في حق من اتصف باليد على الحقيقة، ولذلك لا يقال: يد الهوى ولا يد الماء"
(4)
.
(1)
رواه مسلم في كتاب صفة القيامة والجنة والنار ح (2788)(17/ 138).
(2)
سورة ص، آية:75.
(3)
المعلم (3/ 195).
(4)
الفتاوى لابن تيمية (6/ 370).
وقد ورد ذكر اليدين في الآية بصيغة التثنية، وتأويلها بالقدرة لا يمكن لأن قدرة الله تعالى صفته وهي مفردة، وقد قال تعالى لإبليس:{مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}
(1)
إشارة إلى المعنى الذي أوجب السجود، فلو كانت اليد بمعنى القدرة لم يكن بين آدم وإبليس فرق لتشاركهما فيما خُلق كل منهما به وهي قدرته ولقال إبليس: وأي فضيلة له عليَّ وأنا خلقتني بقدرتك كما خلقته بقدرتك، فلما قال:{خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}
(2)
دلَّ على اختصاص آدم بأن الله خلقه بيديه.
ولا جائز أن يراد باليدين النعمتان لاستحالة خلق المخلوق بمخلوق؛ لأن النعم مخلوقة
(3)
.
وأما جعل قوله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}
(4)
من باب العناية بخلق آدم عليه السلام، وتشريفه بالإضافة إليه، فهذا كلام باطل؛ لأنه يقتضي أن اليدين ليستا من الصفات الحقيقية بل من الصفات المعنوية، وهذا مخالف لسياق الآية، ولفهم السلف، وذلك أن الفعل إذا أُضيف إلى الفاعل، وعُدِّيَ الفعل إلى اليد بحرف الباء كقوله:{لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} كان نصًّا في أنه فعل الفعل بيديه، فلو لم يرد أنه فعله باليد حقيقة كان ذلك زيادة محضة من غير فائدة، وكلام الله تعالى منزَّه عن ذلك"
(5)
.
وأهل السنة والجماعة قد أجمعوا على إثبات اليدين لله تعالى فيجب إثباتهما بدون تحريف ولا تعطيل ولا تكييف، ولا تمثيل، وهما
(1)
سورة ص، آية:75.
(2)
سورة ص، آية:76.
(3)
فتح الباري لابن حجر (13/ 405) وقد نقل هذا عن ابن بطال.
(4)
سورة ص، آية:75.
(5)
انظر: الفتاوى لابن تيمية (6/ 366).