الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث الموقف مما وقع بينهم
كل ما سبق بيانه من فضل الصحابة رضي الله عنهم ومكانتهم، وبيان عدالتهم وعظم الطعن فيهم، يبين لنا الموقف مما وقع بينهم من فتن؛ إذ قد نص أهل السنة على السكوت عما شجر بينهم، وبيان أن الجميع مجتهد: فمصيبتهم له أجران ومخطئهم له أجر واحد
(1)
.
وهذا هو الذي سلكه القرطبي والمازري رحمهما الله. إذ بيَّن القرطبي أن الخلاف الذي وقع بينهم إنما هو بسبب حرصهم على الخير وشدة تمسكهم بالحق، فقال:"الصحابة رضي الله عنهم لا يخافون في الله لومة لائم، ولا يبالون في القيام بالحق، وإن أدى إلى العظائم، وهذا هو أعظم الأسباب التي أوجبت الاختلاف بينهم، حتى أدى ذلك إلى الحروب العظيمة والخطوب الجسيمة، فإن كل طائفة كانت ترى أنها المصيبة المحقة، ومخالفتها المخطئة، فإنها كانت أمورًا اجتهادية، ولم يكن فيها نصوص قطعية"
(2)
.
وقال أيضًا في بيان الموقف الحق مما وقع بينهم: "والذي عليه جماعة أهل السنة والخق حسن الظن بهم، والإمساك عما شجر بينهم، وطلب أحسن التأويل لفعلهم، وأنهم مجتهدون غير قاصدين للمعصية، والمجاهرة بذلك، وطلب حب الدنيا، بل كلُّ عملٍ على شاكلته وبحسب ما أدَّاه إليه اجتهاده، لكن منهم المخطئ في اجتهاده، ومنهم المصيب،
(1)
انظر: عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني ص (294)، والإمامة والرد على الرافضة للأصبهاني ص (363)، وشرح العقيدة الطحاوية (2/ 724).
(2)
المفهم (6/ 620).
وقد رفع الله تعالى الحرج عن المجتهد المخطئ في فروع الدين، وضعف الأجر للمصيب، وقد توقف الطبري وغيره عن تعيين المحق منهم وعند الجمهور: أن عليًّا وأشياعه مصيبون في ذبهم عن الإمامة وقتالهم من نازعهم فيها إذ كان أحق الناس بها وأفضل من على الأرض حينئذ، وغيره تأول وجوب القيام بتغيير المنكر في طلب قتلة عثمان الذين في عسكر عليٍّ رضي الله عنه وأنهم لا يعطون بيعة ولا يعقدون إمامة، حتى يقضوا ذلك، ولم يطلبوا سوى ذلك، ولم ير هو دفعهم إذ الحكم فيهم إلى الإمام وكانت الأمور لم يستقر استقرارها، ولا اجتمعت الكلمة بعد، وفيهم عدد، ولهم شوكة ومنعة، ولو أظهر تسليمهم أولًا، أو القصاص لاضطرب الأمر وانبثَّ الحَبْلُ، ومنهم جماعة لم يروا الدخول في شيء من ذلك محتجين بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التلبس بالفتن، والنهي عن قتال أهل الدعوة
…
وعذروا الطائفتين بتأويلهم، ولم يروا إحداهما باغية فيقاتلوها"
(1)
.
وبين أن ما وقع بينهم لا يجيز وصف أحدهم بالفسق، أو الابتداع، بل كل منهم مجتهد عمل على حسب ظنه، وهم في ذلك على ما أجمع عليه المسلمون في المجتهدين من القاعدة المعلومة: وهي أن كل مجتهد مأجور غير مأثوم"
(2)
.
وبيَّن أنه لا خلاف أن علي رضي الله عنه هو الإمام العدل، وأنه أفضل من معاوية، ومن كل من كان معه
(3)
.
وكذلك المازري بين أن الخلاف الذي وقع بين علي ومعاوية ومن
(1)
المفهم (7/ 212).
(2)
المفهم (1/ 123).
(3)
المفهم (3/ 116).