الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
له جميع تلك الأوصاف التي تضمنتها تلك الأخبار والله تعالى أعلم"
(1)
.
فالقرطبي رحمه الله أثبت خروج المهدي كما هو معتقد أهل السنة والجماعة، وحشد الأدلة في الرد على من خالفهم فيه، قال السفاريني رحمه الله:"قد كثرت الأقوال في المهدي حتى قيل لا مهدي إلَّا عيسى، والصواب الذي عليه أهل الحق أن المهدي غير عيسى، وأنه يخرج قبل نزول عيسى عليه السلام، وقد كثرت بخروجه الروايات حتى بلغت حد التواتر المعنوي، وشاع ذلك بين علماء السنة، حتى عدَّ من معتقداتهم" (
2).
2 -
المسيح الدجال:
خروج الدجال يكون في آخر الزمان، وهو من أشراط الساعة الكبرى، وقد حذَّر الرسول صلى الله عليه وسلم منه وبين أن جميع الأنبياء قد حذروا أممهم منه لعظم فتنته، وشدة الابتلاء به، فقال صلى الله عليه وسلم: "إني لأنذركموه ما من نبي إلَّا وأنذره قومه، لقد أنذره نوح قومه، ولكن أقول لكم فيه قولًا لم يقله نبي لقومه، إنه أعور، وإن الله تبارك وتعالى ليس بأعور
…
إنه مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه من كره عمله أو يقرؤه كل مؤمن وتعلمون أنه لن يرى أحد منكم ربه عز وجل حتى يموت"
(3)
.
وقد بيَّن القرطبي أن تحذير الأنبياء عليهم السلام منه بسبب عظم فتنته، وأن فائدة هذا التحذير الإيمان بوجوده، كما جاءت بذلك
(1)
المفهم (7/ 352 - 354).
(2)
لوامع الأنوار للسفاريني (2/ 84).
(3)
رواه البخاري في كتاب الجهاد والسير باب كيف يعرض الإسلام على الصبي ح 3057 (6/ 199)، ومسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر ابن صياد ح 2930 (18/ 268).
الآثار، وهو مذهب، أهل السنة، ورد على منكري الدجال من المبتدعة، وذلك عند شرحه لهذا الحديث حيث قال:"إنما كان هذا من الأنبياء لما علموا من عظيم فتنته، وشدة محنته، ولأنهم لما لم يعين لواحد منهم زمان خروجه توقع كل واحد منهم خروجه في زمان أمته فبالغ في التحذير، وفائدة هذا الإنذار الإيمان بوجوده، والعزم على معاداته، ومخالفته، وإظهار تكذيبه، وصدق الالتجاء إلى الله تعالى في التعوذ من فتنته، وهذا مذهب أهل السنة وعامة أهل الفقه والحديث خلافًا لمن أنكر أمره وأبطله، من الخوارج وبعض المعتزلة"
(1)
.
"وسمي الدجال مسيحًا لأنه ممسوح العين اليمنى، أو لأنه مسح الأرض أي: قطعها بالذهاب ومن سماه المسيخ بالخاء فهو من المسخ
(2)
.
وشدة الابتلاء به لِمَا أظهر الله تعالى على يديه من خوارق العادات من إنزال المطر والخصب على من يصدقه والجدب على من يكذبه، واتباع كنوز الأرض له، وما معه من جنة ونار، ومياه تجري، كل ذلك محنة من الله واختبار ليهلك المرتاب، وينجو المتيقن، وكل هذا أمر مخوف
(3)
.
وما مع الدجال من هذه حقيقة لا خيال، كما زعم ذلك الجهمية، وبعض المعتزلة. ق ال ابن كثير: "إن الدجال يمتحن الله به عباده بما يخلقه معه من الخوارق إلى مشاهدة في زمانه، ثم ذكر الخوارق التي معه ثم قال: وهذا كله ليس بمخرقة بل له حقيقة امتحن الله بها عباده في آخر الزمان، فَيُضلُّ به كثيرًا ويهدي به كثيرًا يكفر المرتابون ويزداد الذين آمنوا
(1)
المفهم (7/ 267).
(2)
المفهم (1/ 398)، والمعلم (1/ 222).
(3)
فتح الباري لابن حجر (13/ 111).
إيمانًا"
(1)
.
وقد رد القرطبي على هؤلاء الذين زعموا أن ما معه من باب الخيال فقال: "الجبائي من المعتزلة ومن وافقنا على إثباته من الجهمية وغيرهم زعموا أن ما عنده مخارق وحيل قال: لأنها لو كانت أمورًا صحيحة لكان ذلك إلباسًا للكاذب بالصادق، وحينئذ لا يكون فرق بين النبي والمتنبيء وهذا هذيان لا يلتفت إليه، فإن هذا إنما كان يلزم لو أن الدجال يدعي النبوة، وليس كذلك، فإنه إنما ادعى الإلهية، وكذبُه في هذه الدعوى واضح للعقول، إذ أدلة حدثه ونقصه وفقره مُدرَكٌ بأول الفطرة، بحيث لا يجهله من له أدنى فكرة، وقد زاد النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى إيضاحًا في هذه الحديث من ثلاثة أوجه:
أحدها: بقوله: "ولكن أقول لكم فيه قولًا لم يقله نبي لأمته، إنه أعور وإن الله ليس بأعور" وهذا تنبيه للعقول القاصرة أو الغافلة على أن من كان ناقصًا في ذاته عاجزًا عن إزالة نقصه، لم يصلح لأن يكون إلهًا لعجزه وضعفه، ومن كان عاجزًا عن إزالة نقصه، كان أعجز عن نفع غيره، وعن مضرته.
وثانيها: قوله: "أنه مكتوب بين عينيه "كافر" يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب" وهذا أمرٌ مشاهد للحس يشهد بكذبه وكفره.
وثالثها: قوله: "تعلموا أنه لن يرى أحد منكم ربه حتى يموت" وهذا نصٌّ جليٌّ في أن الله تعالى لا يُرى في هذه الدار
…
وحاصل هذا: أن الصادق قد أخبر أن الله تعالى لا يراه أحد في الدنيا، والدجال يراه الناس، فليس بإله، وهذا منه صلى الله عليه وسلم نزول إلى غاية البيان بحيث لا يبقى معه
(1)
النهاية في الفتن والملاحم (1/ 121).
ريبة لإنسان"
(1)
.
وقد رد القرطبي له سائر تأويلاتهم وشبهاتهم المتعلقة بهذه المسألة
(2)
.
هل ابن صياد هو الدجال؟ :
ويقال له: ابن صائد، واسمه صاف، ذكر أن نسبه في بني النجار،
وقيل: من اليهود، وكانوا حلفاء بني النجار، وكانت حاله في صغره حالة
الكهان يصدق مرة ويكذب مرارًا، ثم إنه أسلم لما كبر وظهرت منه علامة
الخير من الحج والجهاد مع المسلمين، ثم ظهرت منه أحوال وسمعت
منه أقوال له تشعر بأنه الدجال، وبأنه كافر، وقيل: إنه تاب ومات
بالمدينة، وقيل: فقد يوم الحرة ولم يوقف عليه
(3)
.
قال القرطبي: "اختلف بابن صياد، هل هو الدجال أم لا؟ وقد ذكره
ابن جرير وغيره في الصحابة غير أنه قد ظهرت منه أمور بعضها كفر
وبعضها يشعر بأنه الدجال، وهي أمور تقارب النص أنه هو، وأما ما ورد
من إسلامه وحجه وغير ذلك من أعمال تنافي حال الدجال، فقد يكون
أسلم ثم كفر أو يكون هذا منه من باب النفاق.
وأما كون الدجال، لا يولد له ولا يدخل مكة ولا المدينة وابن صياد
ولد له ودخل مكة والمدينة، فربما يكون هذا من الدجال إذا خرج على
الناس، وقد اجتمعت قرائن كثيرة تفيد أن ابن صياد هو الدجال، ولذلك
كان ابن عمر رضي الله عنهما قد اعتقد ذلك، وصمم عليه، بحيث كان
يحلف على ذلك، وكذلك جابر بن عبد الله رضي الله عنهما وعلى
الجملة فأمره كله مشكلة على الأمة، وهو فتنة ومحنة والله أعلم
(1)
المفهم (7/ 267).
(2)
انظر: المفهم (7/ 268، 269).
(3)
المفهم (7/ 262).
بحقيقته"
(1)
.
والرسول صلى الله عليه وسلم لم يَعْلَم بحقيقة ابن صياد هل هو الدجال أم لا؟ .
ولذا قال: صلى الله عليه وسلم لعمر حينما استأذنه في قتل ابن صياد: "إن يكنه فلن
تسلط عليه، وإن لم يكنه فلاخير لك في قتله"
(2)
.
قال القرطبي: "هذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتضح له شيء من أمر
كونه هو الدجال أم لا؟ وليس هذا نقصًا في حق النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لم يكن
يعلم إلَّا ما علمه الله، وهذا مما لم يعلمه الله تعالى به، ولا هو مما تُرهِق
إلى علمه حاجة لا شرعية ولا عادية ولا مصلحية، ولعل الله تعالى قد علم
في إخفائه مصلحة فأخفاه، والذي يجب الإيمان به: أنه لابد من خروج
الدجال يدعى الإلهية، وأنه كذاب أعور كما جاء في الأحاديث الصحيحة
الكثيرة التي قد حصلت لمن عاناها العلم القطعي بذلك
(3)
.
من ينجو من فتنته:
الذي ينجو من فتنة الدجال هو الذي صدق في إيمانه وتوكله على
الله سبحانه، قال القرطبي: "لا شك في أن من صح إسلامه في ذلك
الوقت أنه يكفى تلك الفتن
…
قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}
(4)
أي: كافيه مشقة ما توكل عليه فيه، وموصله إلى ما يصلحه منه، ومع هذا فقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما يقرؤه على الدجال فيؤمن من
فتنته وذلك عشر آيات من أول سورة الكهف أو آخرها على اختلاف في
ذلك، والاحتياط والحزم يقتضي أن يقرأ عشرًا من أولها، وعشرًا من
(1)
انظر: المفهم (7/ 262، 270، 272).
(2)
هو جزء من الحديث الذي سبق تخريجه في تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من الدجال ص (776).
(3)
المفهم (7/ 265).
(4)
سورة الطلاق، الآية:3.