الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة
(1)
يجوز الحكم على المعدوم، ويتعلق به الأمر تعلقًا عقليًا عند أصحابنا خلافًا لطوائف فهم المعتزلة، وأصلها إثبات الكلام النفسى، وأنه هل يسمى فى الأزل أمرًا ونهيًا قبل وجود المخلوقين واستجماع شرائطهم للأوامر والنواهى أو لا؟
فذهب عبد اللَّه (2) بن سعيد بن كلاب، وأبو العباس (3) القلانسى (4) من أئمة السنة إلى أنه لا يتصف بذلك حتى يوجد المأمور.
وذهب الشيخ أبو الحسن إلى أنه لم يتصف بكونه أمرًا ونهيًا، وخبرًا، والمعدوم على أصله مأمور بالأمر الأزلى على تقدير الوجود (5).
(1) انظر المسألة فى هذه الكتب: البرهان لإمام الحرمين 1/ 270، المستصفى 1/ 54، المحصول 1/ 2/ 429، الإحكام للآمدى 1/ 219، أصول السرخسى 1/ 65، المنتهى لابن الحاجب ص 32، المنهاج بشرحى الإسنوى والبدخشى 1/ 132، الإبهاج 1/ 149، والبحر المحيط 1/ 211 - 216 وقارنه بما هنا.
(2)
هو أبو محمد عبد اللَّه بن سعيد بن محمد بن كلاب البصرى، أحد المتكلمين فى زمن المأمون.
توفى بعد عام 240 هـ.
طبقات ابن السبكى 2/ 299، لسان الميزان 3/ 290، وفؤاد سزكين 2/ 368.
(3)
فى الأصل (أبو الحسن) وهر خطأ، لأن جميع المصادر تذكره بأبى العباس بما فيها المؤلف فى البحر 1/ 212
(4)
هو أحمد بن عبد الرحمن بن خالد أبو العباس القلانسى الرازى، إمام أهل السنة فى القرن الثالث، له مصنفات كثيرة فى علم الكلام، وكان معاصرًا للحارث بن أسد المتوفى عام 243 هـ.
قال فى تبيين كذب المفترى: من معاصرى الأشعرى لا من تلاميذه.
كما قال الأهوازى: وهو من جملة العلماء الكبار الأثبات.
تبيين كذب المفترى ص 398، طبقات السبكى 3/ 300، الإنصاف للباقلانى ص 99، وفتاوى ابن تيمية 12/ 165.
(5)
انظر البرهان 1/ 270، غاية المرام ص 104، والمنخول ص 124.
وذكر الغزالى فى الاقتصاد أن الخلاف فى هذه المسألة لفظى (1) يرجع إلى اللغة من حيث جواز الإطلاق، وليس كما قال، بل هى متفرعة على هذا الأصل العظيم، ومن هذه المسألة قالت المعتزلة بخلق القرآن، كما قاله المازرى، لأنهم لما أحالوا وجود أمر ولا مأمور، ولم يكن مع اللَّه سبحانه فى الأزل أحد فيأمره وينهاه فيستحيل حصول الأمر لانتفاء المأمور فيستحيل حصول الكلام، وهذه عمدة عظيمة عندهم اقتضت القول بخلق القرآن، ودهش لها بعض أئمتنا المتقدمين كالقلانسى وغيره حتى ركب مركبًا صعبًا، فأنكر كون كلام اللَّه فى الأزل أمرًا أو نهيًا أو وعدًا أو وعيدًا فتخلص بهذا من إلزام المعتزلة، لأنه إذا بقى الأمر فى الأزل لم تجد المعتزلة سبيلًا من الطعن على مذهبه فى قدم القرآن بهذه الشهة، إذ لا تردد فى أن الحوادث مستأنفة الوجود، ولكنه وقع فى ما هو أبعد (2) منه، لأنه أثبت كلامًا قديمًا فى الأزل ليس بأمر ولا نهى ولا خبر، ولا يوصف بشىء من متعلقات الكلام، وهذا بعيد من العقول، فكأنه لم يثبت كلامًا، ولكنه أثبت صفة أخرى سماها كلامًا عاريًا من حقائقها النفسية ولوازمها (3) العقلية.
ولما ذكر الشيخ أبو الحسن أن مذهب المعتزلة ينفى قدم الكلام، ومذهب القلانسى يؤدى إلى إثبات كلام قديم عار عن حقائق الكلام لم يستبعد إثبات أمر فى الأزل ولا مأمور (وقدر ذلك تقدير أمر بالغائب عيًا)(4)، فإنا نجد من أنفسنا أمرًا أو إيماء يتوجه عند حضوره، وهذا أولى من ارتكاب واحد من ذينك
(1) ونقل المؤلف رحمه الله هذا القول عن الطرطوشى فى البحر 1/ 212.
(2)
نقل هذا الكلام بنصه عن المازرى فى البحر المحيط 1/ 215 ثم قال: "فالحاصل صعوبة هذه المسألة، فإنه إما أن ينشأ عنها نفى قدم الكلام كالمعتزلة، وإما إثبات قدم الكلام وفيه إثبات قدم الخلائق المأمورين أو إثبات أمر ولا مأمور، وإما إثبات كلام قديم عار عن حقائق الكلام. . ".
(3)
فى الأصل (ولزوامها).
(4)
ما بين القوسين لا يوجد فى البحر المحيط وهو قلق.
المذهبين (1).
* * *
(1) حاصل المسألة أن الأصوليين اختلفوا فيها على قولين:
القول الأول: أنه يجوز الحكم على المعدوم، لأن الحكم هو خطاب اللَّه تعالى المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير.
أو هو: ما يصح أن يكون فعلًا للمكلف من حيث إنه مكلف به، ولأنا مأمورون بحكم الرسول -صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم- وحكمه وجد ونحن فى العدم. وهذا مذهب أهل السنة وجمهور المتكلمين.
القول الثانى: أنه لا يجوز الحكم عليه وهو مذهب المعتزلة والكرامية لأنهم إما ينكرون صفة الكلام كالمعتزلة أو ينكرون قدمها كالكرامية.
والقول المختار عندى هو القول الأول، لأنا مأمورون الآن ومنهيون بأوامر النبى -صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم- ونواهيه وكنا عند صدورها منه معدومين، وهذا لا يخالف فيه أحد، فكذلك أوامر اللَّه تعالى ونواهيه يجوز تعلقها بنا فى الأزل تعلقًا معنويًا عقليًا أى أننا إذا وجدنا متصفين بشرائط التكليف نكون مأمورين ومنهيين بتلك الأوامر والنواهى الأزلية فهى أوامر ونواهى معلقة على هذا الوجود.
الإبهاج 1/ 149، المحصول 1/ 2/ 434، وفتاوى شيخ الإسلام 12/ 165.