الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1319 - الإسلام لا يسقط عن الذمي القتل إذا كان حدا:
1320 -
وإذا أسلم من انتقض عهده:
1321 -
وقتل الذمي إذا سب الله أو الرسول صلى الله عليه وسلم:
- قال ابن القيم: (والإسلام لا يسقط القتل إذا كان حدا ممن هو تحت الذمة، ملتزما لأحكام الله، بخلاف الحربي إذا أسلم، فإن الإسلام يعصم دمه وماله، ولا يقتل بما فعله قبل الإسلام، فهذا له حكم، والذمي الناقض للعهد إذا أسلم له حكم آخر، وهذا الذي ذكرناه هو الذي تقتضيه نصوص الإمام أحمد وأصوله، ونص عليه شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه، وأفتى به في غير موضع)[زاد المعاد 3/ 137 ــ 138].
- وقال أيضا: (قال شيخنا في الذمي إذا زنا بالمسلمة: قتل، ولا يرفع عنه القتل الإسلام، ولا يشترط فيه أداء الشهادة على الوجه المعتبر في المسلم، بل يكفي استفاضة ذلك واشتهاره. هذا نص كلامه)[الطرق الحكمية 156]
(1)
.
- وقال أيضا: (ذكر الأدلة من السنة على وجوب قتل الساب وانتقاض عهده:
الدليل الأول: ما رواه الشعبي عن علي أن يهودية كانت تشتم النبي صلى الله عليه وسلم وتقع فيه فخنقها رجل حتى ماتت، فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم دمها.
وهكذا رواه أبو داود في «السنن» ، واحتج به الإمام أحمد في رواية ابنه عبد الله
…
(1)
سبق نحوه في كلام ابن مفلح، تحت المسألة رقم (1317).
قال شيخنا: وهذا الحديث جيد، فإن الشعبي رأى عليا وروى عنه حديث شراحة الهمدانية، وكان في حياة علي قد ناهز العشرين سنة، وهو معه في الكوفة، وقد ثبت لقاؤه لعلي رضي الله عنه، فيكون الحديث متصلا، وإن يبعد سماع الشعبي من علي فيكون الحديث مرسلا، والشعبي عندهم صحيح المراسيل، لا يعرفون له إلا مرسلا صحيحا، وهو من أعلم الناس بحديث علي، وأعلمهم بثقات أصحابه، وله شاهد من حديث ابن عباس رضي الله عنهما وهو:
الدليل الثاني: قال الإمام أحمد: حدثنا روح حدثنا عثمان الشحام حدثنا عكرمة مولى ابن عباس أن رجلا كانت له أم ولد تشتم النبي صلى الله عليه وسلم فقتلها فسأله النبي صلى الله عليه وسلم عنها، فقال: يا رسول الله، إنها كانت تشتمك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«ألا إن دم فلانة هدر» .
رواه أبو داوود والنسائي من حديث إسماعيل بن جعفر عن إسرائيل عن عثمان الشحام عن عكرمة عن ابن عباس أن أعمى كانت له أم ولد تشتم النبي صلى الله عليه وسلم وتقع فيه فينهاها فلا تنتهي، ويزجرها فلا تنزجر، فلما كان ذات ليلة جعلت تقع في النبي صلى الله عليه وسلم وتشتمه، فأخذ المغول فوضعه في بطنها، واتكأ عليها فقتلها، فلما أصبح ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فجمع الناس فقال:«أنشد الله رجلا فعل ما فعل لي عليه حق إلا قام» . فقام الأعمى يتخطى الناس وهو يتدلدل حتى قعد بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: يا رسول الله، أنا صاحبها، كانت تشتمك وتقع فيك فأنهاها فلا تنتهي، وأزجرها فلا تنزجر، ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين، وكانت بي رفيقة، فلما كان البارحة جعلت تشتمك وتقع فيك، فأخذت المغول فوضعته في بطنها واتكأت عليها حتى قتلتها. فقال
النبي صلى الله عليه وسلم : «ألا اشهدوا أن دمها هدر»
…
قال شيخنا: فهذه القصة يمكن أن تكون هي الأولى وعليه يدل كلام الإمام أحمد، لأنه قيل له في رواية ابنه عبد الله: في قتل الذمي إذا سب أحاديث؟ قال: نعم، منها حديث الأعمى الذي قتل المرأة، قال سمعتها: تشتم النبي صلى الله عليه وسلم . ثم روى عنه عبد الله كلا الحديثين، وعلى هذا فيكون قد خنقها وبعج بطنها، أو تكون كيفية القتل غير محفوظة في إحدى الروايتين، ويؤيد ذلك أن وقوع قصتين مثل هذه لأعميين كل منهما كانت المرأة تحسن إليه وتكرر الشتم، وكلاهما قتلها وحده، وكلاهما نشد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها الناس= بعيد في العادة، وعلى هذا التقدير المقتولة يهودية كما جاء مفسرا في تلك الرواية، ويمكن أن تكونا قصتين كما يدل عليه ظاهر الحديثين) [أحكام أهل الذمة 2/ 830 - 834]
(1)
.
- وقال أيضا: (
…
أن ابن أبي أويس قال: حدثني إبراهيم بن جعفر الحارثي عن أبيه عن جابر قال: لما
(2)
كان من أمر النبي صلى الله عليه وسلم وبني قريظة ــ كذا فيه، قال شيخنا: أحسبه: وبني قينقاع ــ اعتزل ابن الأشرف ولحق بمكة وكان فيها، وقال: لا أعين عليه، ولا أقاتله. فقيل له بمكة: ديننا خير أم دين محمد وأصحابه؟ قال: دينكم خير وأقدم من دين محمد، ودين محمد حديث) [أحكام أهل الذمة 2/ 854 - 855]
(3)
.
- وقال أيضا: (قال شيخنا: وقد عرض لبعض السفهاء شبهة في قتل ابن
(1)
«الصارم المسلول» (2/ 125 - 127، 140 - 144).
(2)
في الأصل: (لما قال)، والتصويب من «الصارم المسلول» .
(3)
«الصارم المسلول» (2/ 169).
الأشرف، فظن أن دم مثل هذا معصوم بذمة أو بظاهر الأمان، وذلك نظير الشبهة التي عرضت لبعض الفقهاء حين ظن أن العهد لا ينتقض بذاك.
فروى ابن وهب: أخبرني سفيان بن عيينة عن عمر بن سعيد ــ أخي سفيان بن سعيد الثوري ــ عن أبيه عن عباية قال: ذكر قتل ابن الأشرف عند معاوية فقال ابن يامين: كان قتله غدرا. فقال محمد بن مسلمة: يا معاوية، أيغدر عندك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تنكر، والله لا يظلني وإياك سقف بيت أبدا، ولا يخلو لي دم هذا إلا قتلته.
قال الواقدي: حدثني إبراهيم بن جعفر عن أبيه قال: قال مروان بن الحكم ــ وهو على المدينة، وعنده ابن يامين النضري ــ: كيف كان قتل ابن الأشرف؟ فقال ابن يامين: كان غدرا. ومحمد بن مسلمة جالس، وهو شيخ كبير، فقال: يا مروان، أيغدر رسول الله صلى الله عليه وسلم عندك؟ ! والله ما قتلناه إلا بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله لا يؤويني وإياك سقف بيت إلا المسجد، وأما أنت يا ابن يامين فلله علي أن أفلتّ وقدرت عليك وفي يدي سيف إلا ضربت به رأسك. فكان ابن يامين لا ينزل في بني قريظة حتى يبعث رسولا ينظر محمد بن مسلمة، فإن كان في بعض ضياعه نزل فقضى حاجته، وإلا لم ينزل، فبينما محمد في جنازة وابن يامين بالبقيع، فرأى محمدا نعشا عليه جرائد رطبة لامرأة جاء فحله، فقام إليه الناس، فقالوا: يا أبا عبد الرحمن، ما تصنع؟ نحن نكفيك. فقام إليه فجعل يضربه بها جريدة جريدة، حتى كسر ذلك الجريد على وجهه ورأسه حتى لم يترك به مصحا، ثم أرسله ولا طباخ به
(1)
، ثم قال: والله لو قدرت على السيف لضربتك به.
(1)
قال ابن الأثير في «النهاية» (3/ 246): (أصل الطباخ: القوة والسمن، ثم استعمل في غيره، فقيل: فلان لا طباخ له: أي لا عقل له، ولا خير عنده) ا. هـ.
قلت
(1)
: ونظير هذا ما حصل لبعض الجهال بالسنة من بنائه بصفية عقيب سبائه لها، فقال: بنى بها قبل استبرائها، وهذا من جهله وكفره، أو من أحدهما، فإن في «الصحيح»: فلما انقضت عدتها بنى بها.
فإن
(2)
قيل: فإذا كان هو وبنو النضير قبيلته موادعين، فما معنى ما ذكره ابن إسحاق، قال: حدثني مولى لزيد بن ثابت قال: حدثتني ابنة محيصة عن أبيها محيصة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ــ عقيب ذلك ــ: من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه، فوثب محيصة بن مسعود على ابن سنينة رجل من تجار اليهود كان يلابسهم ويبايعهم فقتله، وكان حويصة بن مسعود إذ ذاك لم يسلم، وكان أسن من محيصة، فلما قتله جعل حويصة يضربه ويقول: أي عدو الله قتلته، أما والله لرب شحم في بطنك من ماله. فقال: والله لقد أمرني بقتله من لو أمرني بقتلك لقتلتك. فقال حويصة: والله إن دينا بلغ منك هذا لعجب! فكان هذا أول إسلام حويصة.
وقال الواقدي ــ بالأسانيد المتقدمة ــ قالوا: فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليلة التي قتل فيها ابن الأشرف، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه» فخافت يهود، فلم تطلع عظيما من عظمائهم، وخافوا أن يبيتوا كما بيت ابن الأشرف، وذكر قتل ابن سنينة إلى أن قال: وفزعت يهود ومن معها من المشركين
…
وساق القصة كما تقدم.
فإن هذا يدل على أنهم لم يكونوا موادعين، وإلا لما أمر بقتل من وجد
(1)
القائل: ابن القيم.
(2)
هذا من تتمة النقل عن شيخه.
منهم، ويدل على أن العهد الذي كتبه بينه وبين اليهود كان بعد قتل ابن الأشرف وحينئذ فلا يكون ابن الأشرف معاهدا.
فالجواب: أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر بقتل من ظفر به من اليهود لأن كعب بن الأشرف كان من ساداتهم، وقد تقدم أنه قال: ما عندكم في أمر محمد؟ قالوا: عداوته ما حيينا. وكانوا مقيمين خارج المدينة، فعظم عليهم قتله، وكان مما هيجهم على المحاربة وإظهار نقض العهد انتصارهم للمقتول وذبهم عنه، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل من جاء منهم، لأن مجيئه دليل على نقض العهد وانتصاره للمقتول، وأما من قر فهو مقيم على عهده المتقدم، لأنه لا يظهر العداوة، ولهذا لم يحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحاربهم حتى أظهروا عداوته بعد ذلك.
وأما هذا الكتاب فهو شيء ذكره الواقدي وحده، وقد ذكر هو أيضا أن قتل ابن الأشرف كان في شهر ربيع الأول سنة ثلاث، وأن غزوة بني قينقاع كانت قبل ذلك في شوال سنة اثنتين بعد بدر بنحو شهر، وذكر أن الكتاب الذي وادع فيه النبي صلى الله عليه وسلم اليهود كلها كان لما قدم المدينة بعد بدر، وعلى هذا فيكون هذا كتابا ثانيا خاصا لبني النضير، يجدد فيه العهد الذي بينه وبينهم، غير الكتاب الأول الذي كتبه بينه وبين جميع اليهود لأجل ما كانوا قد أرادوا من إظهار العداوة.
وقد تقدم أن ابن الأشرف كان معاهدا، وتقدم أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب الكتاب لما قدم المدينة في أول الأمر، والقصة تدل على ذلك، وإلا لما جاء اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم وشكوا إليه قتل صاحبهم، وإلا فلو كانوا محاربين له لم يستنكروا قتله، وكلهم ذكروا أن قتل ابن الأشرف كان بعد بدر، فإن معاهدة
النبي صلى الله عليه وسلم كانت قبل بدر، كما ذكره الواقدي، قال ابن إسحاق: وكان فيما بين ذلك من غزو رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بني قينقاع. يعني فيما بين بدر وغزوة الفرع من العام المقبل في جمادى الأولى، وقد ذكر أن بني قينقاع هم أول من حارب ونقض العهد) [أحكام أهل الذمة 2/ 865 - 869]
(1)
.
- وقال أيضا: (قال شيخنا: وأقوال أحمد كلها نص في وجوب قتله، وفي أنه قد نقض العهد، وليس عنه في هذا اختلاف، وكذلك ذكر عامة أصحابه متقدمهم ومتأخرهم لم يختلفوا في ذلك، إلا أن القاضي في «المجرد» ذكر الأشياء التي يجب على أهل الذمة تركها، وفيها ضرر على المسلمين وآحادهم في نفس أو مال، وهي الإعانة على قتال المسلمين، وقتل المسلم والمسلمة، وقطع الطريق عليهم، وأن يؤوي على المسلمين جاسوسا، وأن يعين عليهم بدلالة، مثل أن يكاتب المشركين بأخبار المسلمين، وأن يزني بمسلمة، أو يصيبها باسم نكاح، وأن يفتن مسلما عن دينه.
قال: فعليه الكف عن هذا شرط أو لم يشرط، فإن خالف انتقض عهده، وذكر نصوص أحمد في نقضها، مثل نصه في الزنى بمسلمة، وفي التجسس للمشركين، وقتل المسلم وإن كان عبدا، كما ذكر الخرقي، ثم ذكر نصه في قذف المسلم على أنه لا ينتقض عهده بل يحد حد القذف.
قال: فتخرج المسألة على روايتين، ثم قال: وفي معنى هذه الأشياء ذكره الله وكتابه ودينه ورسوله بما لا ينبغي، قال: فهذه أربعة أشياء الحكم فيها كالحكم في الثمانية التي قبلها، ليس ذكرها شرطا في صحة العقد، فإن أتوا واحدة منها نقضوا الأمان، سواء كان مشروطا في العهد أو لم يكن.
(1)
«الصارم المسلول» (2/ 182 - 188).
وكذلك قال في «التعليق» بعد أن ذكر أن المنصوص انتقاض العهد بهذه الأفعال والأقوال، قال: وفيه رواية أخرى لا ينتقض عهده إلا بالامتناع من بذل الجزية، وجري أحكامنا عليهم، ثم ذكر نص أحمد على أن الذمي إذا قذف المسلم يضرب.
قال: فلم يجعله ناقضا للعهد بقذف المسلم، مع ما فيه من الضرر عليه بهتك عرضه، وتبع القاضي جماعة من أصحابه ومن بعدهم كالشريف أبي جعفر وأبي الخطاب وابن عقيل والحلواني فذكروا أنه لا خلاف أنهم إذا امتنعوا من أداء الجزية والتزام أحكام الملة انتقض عهدهم.
وذكروا في جميع هذه الأفعال والأقوال التي فيها الضرر على المسلمين وآحادهم في نفس أو مال أو فيها غضاضة على المسلمين في دينهم مثل سب رسول الله صلى الله عليه وسلم وما معه روايتين: إحداهما: ينتقض العهد، والأخرى: لا ينتقض عهده، ويقام فيه الحد، مع أنهم كلهم متفقون على أن المذهب انتقاض العهد بذلك.
ثم إن القاضي والأكثرين لم يعدوا قذف المسلم من الأمور المضرة الناقضة، مع أن الرواية المخرجة إنما خرجت من نصه في القذف، وأما أبو الخطاب ومن تبعه فإنهم نقلوا حكم تلك الخصال إلى القذف كما نقلوا حكم القذف إليها، حتى حكوا في انتقاض العهد بالقذف روايتين.
ثم إن هؤلاء كلهم وسائر الأصحاب ذكروا مسألة سب النبي صلى الله عليه وسلم في موضع آخر، وذكروا أن سابه يقتل وإن كان ذميا، وأن عهده ينتقض، وذكروا نصوص أحمد من غير خلاف في المذهب، إلا أن الحلواني قال: ويحتمل ألا يقتل من سب الله ورسوله إذا كان ذميا.
فصل
وسلك القاضي أبو الحسين طريقا ثالثة في نواقض العهد، فقال: أما الثمانية التي فيها ضرر على المسلمين وآحادهم في مال أو نفس فإنها تنقض العهد في أصح الروايتين، وأما ما فيه إدخال غضاضة ونقص على الإسلام وهو ذكر الله وكتابه ودينه ورسوله بما لا ينبغي فإنه ينقض العهد، نص عليه، ولم يخرج في هذا رواية أخرى كما ذكر أولئك، وهذا أقرب من تلك الطريقة.
وعلى الرواية التي تقول: لا ينتقض العهد بذلك، فإنما ذلك إذا لم يكن مشروطا عليهم في العهد، فأما إن كان مشروطا ففيه وجهان:
أحدهما: ينتقض، قاله الخرقي، قال أبو الحسن الآمدي: وهو الصحيح في كل ما شرط عليهم تركه، فصحح قول الخرقي بانتقاض العهد إذا خالفوا شيئا مما شرط عليهم.
والثاني: لا ينتقض، قاله القاضي وغيره.
قال شيخنا: وهاتان الطريقتان ضعيفتان، والذي عليه عامة المتقدمين ومن تبعهم من المتأخرين إقرار نصوص أحمد على حالها، وهو قد نص في مسائل سب الله ورسوله على انتقاض العهد في غير موضع، وعلى أنه يقتل، وكذلك فيمن جسَّس على المسلمين، أو زنى بمسلمة، على انتقاض عهده وقتله في غير موضع، وكذلك نقله الخرقي فيمن قتل مسلما أو قطع الطريق.
وقد نص أحمد على أن قذف المسلم وسحره لا يكون نقضا للعهد في غير موضع، وهذا هو الواجب، وهو تقرير المذهب، لأن تخريج حكم
إحدى المسألتين إلى الأخرى، وجعل الروايتين في الموضعين مسألتين لوجود
(1)
الفرق بينهما نصا واستدلالا، ولوجود معنى يجوز أن يكون مستندا للفرق غير جائز، ولم يخرج التخريج) [أحكام أهل الذمة 797 ــ 801]
(2)
.
- وقال ــ بعد أن ذكر ضمن أدلة من قال بقتل الذمي إذا طعن في ديننا، قوله تعالى:{وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} [التوبة: 12]، واعتراض المخالفين بقولهم: الآية تدل على أن من نقض عهده وطعن في الدين فإنه يقاتل، فمن أين لكم أن من طعن في الدين ولم ينقض العهد يقاتل؟ ثم أجاب عن ذلك بأجوبة إلى أن قال ــ: (الجواب الرابع: أن الذمي إذا سب الله والرسول أو عاب الإسلام علانية فقد نكث يمينه وطعن في ديننا، ولا خلاف بين المسلمين أنه يعاقب على ذلك بما يردعه وينكل به، فعلم أنه لم يعاهدنا عليه، إذ لو كان معاهدا عليه لم تجز عقوبته عليه، كما لا يعاقب على شرب الخمر وأكل الخنزير ونحو ذلك، وإذا كنا عاهدناه على ألا يطعن في ديننا ثم طعن فقد نكث يمينه من بعد عهده، فيجب قتله بنص الآية.
قال شيخنا: وهذه دلالة ظاهرة جدا، لأن المنازع سلم لنا أنه ممنوع من ذلك بالعهد الذي بيننا وبينه، لكنه يقول: ليس كل ما منع منه ينقض عهده كإظهار الخمر والخنزير، ولكن الفرق بين من وجد منه فعل ما منع منه العهد مما لا يضر بنا ضررا بينا كترك الغيار مثلا وشرب الخمر وإظهار الخنزير،
(1)
كذا بالأصل، وفي «الصارم»:(مع وجود).
(2)
«الصارم المسلول» (2/ 19).
وبين من وجد منه فعل ما منع منه العهد مما فيه غاية الضرر بالمسلمين وبالدين، فإلحاق أحدهما بالآخر باطل.
يوضح ذلك الجواب الخامس: أن النكث هو مخالفة العهد فمتى خالفوا شيئا مما صولحوا عليه فهو نكث مأخوذ من نكث الحبل، وهو نقض قواه، ونكث الحبل يحصل بنقض قوة واحدة، كما يحصل بنقض جميع القوى، لكن قد يبقى من قواه ما يتمسك به الحبل، وقد يهن بالكلية.
وهذه المخالفة من المعاهد قد تبطل العهد بالكلية حتى تجعله حربيا، وقد تشعث العهد حتى تبيح عقوبتهم، كما أن فقد بعض الشروط في البيع والنكاح وغيرهما قد يبطله بالكلية وقد يبيح الفسخ والإمساك.
وأما من قال: ينتقض العهد بجميع المخالفات فظاهر على قول قاله القاضي في «التعليق» .
واحتج القاضي بأنهم لو أظهروا منكرا في دار الإسلام مثل: إحداث البيع والكنائس في دار الإسلام، ورفع الأصوات بكتبهم، والضرب بالنواقيس، وإطالة البناء على أبنية المسلمين، وإظهار الخمر والخنزير، وكذلك ما أخذ عليهم تركه من التشبه بالمسلمين في ملبوسهم ومركوبهم وشعورهم وكناهم، قال: والجواب أن من أصحابنا من جعله ناقضا للعهد بهذه الأشياء، وهو ظاهر كلام الخرقي، فإنه قال: ومن نقض العهد بمخالفة شيء مما صولحوا عليه عاد حربيا، فعلى هذا لا نسلم، وإن سلمناه فلما تبين فيها أنه لا ضرر على المسلمين فيها، وإنما نهوا عن فعلها لما في إظهارها من المنكر، وليس كذلك في ملتنا؛ لأن في فعلها ضررا بالمسلمين فبان الفرق. انتهى كلامه.
قال شيخنا: فعلى التقديرين فقد اقتضى العقد ألا يظهروا شيئا من عيب ديننا، وأنهم متى أظهروه فقد نكثوا وطعنوا في الدين، فيدخلون في عموم الآية لفظا ومعنى، ومثل هذا العموم يبلغ درجة النص) [أحكام أهل الذمة 2/ 816 - 820]
(1)
.
- وقال ابن مفلح: (ومن نقضه بلحوقه بدار حرب فكأسير حربي، ومن نقضه بغيره فنصه: يقتل، قيل: يتعين قتله، والأشهر: يخير فيه، كحربي، وذكر أبو الفرج أن ما فيه ضرر علينا، أو ما في شروط عمر= يلزمه تركه وينتقض بفعله.
ويحرم بإسلامه قتله، ذكره جماعة، وفي «المستوعب»: رقه «و: هـ ش» وإن رق ثم أسلم بقي رقه، وقيل
(2)
: من نقض عهده بغير قتالنا ألحق بمأمنه، والمراد بتحريم القتل غير الساب، وأنه فيه الخلاف الذي في المرتد، ولهذا اقتصر في «المستوعب» على ما ذكره ابن أبي موسى أن ساب النبي صلى الله عليه وسلم يقتل ولو أسلم، وكذا ذكره ابن البنا في «الخصال» ، وذكر شيخنا أنه صحيح المذهب، وذكر ما تقدم في قذف أم النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن اقتصار السامري على هذا مع ذكره الخلاف في توبة المسلم الساب فيه خلل، لأنه ذكر ما في «الإرشاد» و «الهداية» ، وأن عكس هذه رواية تقدمت، ذكرها جماعة، وأنه قد توجه بأنه قد يكون وقع غلطا من المسلم لا اعتقادا له، وتقدم حد الزنا وتقدم حكم ماله.
وفي «الخلاف» فيمن انتقض عهده وتاب: أنه يخير فيه كالأسير،
(1)
انظر: «الصارم المسلول» (2/ 35 - 40).
(2)
(وقيل) استدركت من ط 2 والمخطوط (ص: 356).