الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العقد بتعذر تسليم المعقود عليه فلا أقل من أن تملك المرأة الفسخ، فإنها لم ترض ولم تبح فرجها إلا بهذا، وهم يقولون: المهر ليس بمقصود أصلي فيقال: كل شرط فهو مقصود، والمهر أوكد من الثمن، لكن الزوجان معقود عليهما، وهما عاقدان، بخلاف البيع، فإنهما عاقدان غير معقود عليهما، وهذا يقتضي إذا فات فالمرأة مخيرة بين الفسخ وبين المطالبة بالبدل، كالعيب في البيع، لكن المعقود عليه وهما الزوجان باقيان، فالفائت جزء من المعقود عليه، فهو كالعيب في السلعة، وإن كان الشرط باطلًا ولم يعلم المشترط بطلانه
(1)
لم يكن العقد لازمًا إن رضي بدون الشرط وإلا فله الفسخ، وأما إلزامه بعقد لم يرض به ولا ألزمه الشارع أن يعقده فمخالف لأصول الشرع والعدل) [الفروع 5/ 264 - 265 (8/ 320 - 322)]
(2)
.
1020 - إذا أصدق صداقا في السر وآخر في العلن:
- قال ابن القيم: (وقال في رواية الأثرم، في رجل أصدق صداقًا سرًا، وصداقًا علانية: يؤخذ بالعلانية، إذا كان قد أقر به. قيل له: فقد أشهد شهودًا في السر بغيره؟ قال: وإن، أليس قد أقر بهذا أيضًا عند شهود؟ يؤخذ بالعلانية.
قال شيخنا: ومعنى قوله: «أقر به» أي رضي به والتزمه، لقوله تعالى:{أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي} [آل عمران: 81] وهذا يعم التسمية في العقد، والاعتراف بعده، ويقال: أقر بالجزية، وأقر للسلطان بالطاعة، وهذا
(1)
في ط 2: (ببطلانه)، والمثبت من ط 1 والمخطوطة.
(2)
«الفتاوى» (29/ 351 - 352، 408 - 410)، «الاختيارات» (329).
كثير في كلامهم.
وقال في رواية صالح ــ في الرجل يعلن مهرا ويخفي آخر -: آخذ بما يعلن لأن العلانية قد أشهد على نفسه بها، وينبغي لهم أن يفوا له بما كان أسرَّه.
وقال في رواية ابن منصور: إذا تزوج امرأة في السر بمهر، وأعلنوا مهرا آخر، ينبغي لهم أن يفوا، وأما هو فيؤخذ بالعلانية.
قال القاضي وغيره: فقد أطلق القول بمهر العلانية، وإنما قال:«ينبغي لهم أن يفوا بما أسروا» على طريق الاختيار، لئلا يحصل منهم غرور له في ذلك، وهذا القول هو قول الشعبي وأبي قلابة وابن أبي ليلى وابن شبرمة والأوزاعي، وهو قول الشافعي المشهور عنه، وقد نص في موضع آخر: أنه يؤخذ بمهر السر، فقيل: في هذه المسألة قولان، وقيل: بل ذلك في الصورة الثانية كما سيأتي.
وقال كثير من أهل العلم ــ أو أكثرهم -: إذا علم الشهود أن المهر الذي يظهره سمعة، وأن أصل المهر كذا وكذا، ثم تزوج وأعلن الذي قال، فالمهر هو السر، والسمعة باطلة، وهذا هو قول الزهري والحكم بن عتيبة ومالك والثوري والليث وأبي حنيفة وأصحابه وإسحاق، وعن شريح والحسن كالقولين، وذكر القاضي عن أبي حنيفة: أنه يبطل المهر ويجب مهر المثل، وهو خلاف ما حكاه عنه أصحابه وغيرهم.
وقد نقل عن أحمد ما يقتضي: أن الاعتبار بالسر، إذا ثبت أن العلانية تلجئة، فقال: إذا كان رجل قد أظهر صداقًا، وأسر غير ذلك= نظر في البينات والشهود، وكان الظاهر أوكد، إلا أن تقوم بينة تدفع العلانية.
قال القاضي: وقد تأول أبو حفص العكبري هذا، على أن بينة السر عدول، وبينة العلانية غير عدول، فحكم بالعدول.
قال القاضي: وظاهر هذا أنه يحكم بمهر السر إذا لم تقم بينة عادلة بمهر العلانية.
وقال أبو حفص: إذا تكافأت البينات، وقد شرطوا في السر: أن الذي يظهر في العلانية الرياء والسمعة، فينبغي لهم أن يفوا له بهذا الشرط، ولا يطالبوه بالظاهر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم :«المؤمنون على شروطهم» .
قال القاضي: وظاهر هذا الكلام من أبي حفص أنه قد جعل السر حكمًا.
قال: والمذهب على ما ذكرناه.
قال شيخنا: كلام أبي حفص الأول فيما إذا قامت البينة بأن النكاح عقد في السر بالمهر القليل، ولم يثبت نكاح العلانية، وكلامه الثاني فيما إذا ثبت نكاح العلانية، ولكن تشارطوا، أن ما يظهرون من الزيادة على ما اتفقوا عليه للرياء والسمعة.
قال شيخنا: وهذا الذي ذكره أبو حفص أشبه بكلام الإمام أحمد وأصوله، فإن عامة كلامه في هذه المسألة، إنما هو إذا اختلف الزوج والمرأة، ولم تثبت بينة ولا اعتراف أن مهر العلانية سمعة، بل شهدت البينة أنه تزوجها بالأكثر، وادعى عليه ذلك، فإنه يجب أن يؤخذ بما أقر به، إنشاء أو إخبارا، فإذا أقام شهودا يشهدون أنهم تراضوا بدون ذلك عمل على البينة الأولى، لأن التراضي بالأقل في وقت لا يمنع التراضي بما زاد عليه في وقت
آخر، ألا ترى أنه قال: آخذ بالعلانية، لأنه قد أشهد على نفسه؟ وينبغي لهم أن يفوا بما كان أسره، فقوله: لأنه قد أشهد على نفسه، دليل على أنه: إنما يلزمه في الحكم فقط، وإلا فما يجب بينه وبين الله لا يعلل بالإشهاد.
وكذلك قوله: «ينبغي لهم أن يفوا له، وأما هو فيؤخذ بالعلانية» دليل على أنه يحكم عليه به، وأن أولئك يجب عليهم الوفاء، وقوله «ينبغي» يستعمل في الواجب أكثر مما يستعمل في المستحب.
ويدل على ذلك: أنه قد قال أيضا ــ في امرأة تزوجت في العلانية على ألف، وفي السر على خمسمائة، فاختلفوا في ذلك -: فإن كانت البينة في السر والعلانية سواء أخذ بالعلانية، لأنه أحوط، وهو فرج يؤخذ بالأكثر.
وقيدت المسألة بأنهم اختلفوا، وأن كليهما قامت به بينة عادلة، وإنما يظهر ذلك بالكلام في الصورة الثانية، وهو:
ما إذا تزوجها في السر بألف، ثم تزوجها في العلانية بألفين، مع بقاء النكاح الأول، فهنا قال القاضي في «المجرد» و «الجامع»: إن تصادقا على نكاح السر لزم نكاح السر بمهر السر، لأن النكاح المتقدم قد صح ولزم، والنكاح المتأخر عنه لا يتعلق به حكم، ويحمل مطلق كلام أحمد والخرقي على مثل هذه الصورة، وهذا مذهب الشافعي.
وقال الخرقي: إذا تزوجها على صداقين، سر وعلانية، أخذ بالعلانية، وإن كان السر قد انعقد النكاح به.
وهذا منصوص كلام أحمد في قوله: «إن تزوجت في العلانية على ألف، وفي السر على خمسمائة» ، وعموم كلامه المتقدم يشمل هذه الصورة،
والتي قبلها، وهذا هو الذي ذكره القاضي في «خلافه» ، وعليه أكثر الأصحاب، ثم طريقته وطريقة جماعة في ذلك أن ما أظهراه زيادة في المهر، والزيادة فيه بعد لزومه لازمة، وعلى هذا: فلو كان السر هو الأكثر أخذ به أيضا، وهو معنى قول الإمام أحمد: آخذ بالعلانية، أي: يؤخذ بالأكثر.
ولهذا القول طريقة ثانية: وهو أن نكاح السر إنما يصح، إذا لم يكتموه، على إحدى الروايتين، بل أنصّهما، فإذا تواصوا بكتمان النكاح الأول كانت العبرة إنما هي بالنكاح الثاني.
فقد تحرر أن الأصحاب مختلفون: هل يؤخذ بصداق العلانية ظاهرًا وباطنًا، أو ظاهرا فقط؟ فيما إذا كان السر تواطؤا من غير عقد، وإن كان السر عقدًا فهل هي كالتي قبلها، أو يؤخذ هنا بالسر في الباطن بلا تردد؟ على وجهين:
فمن قال: إنه يؤخذ به ظاهرًا فقط، وأنهم في الباطن لا ينبغي لهم أن يأخذوا إلا بما اتفقوا عليه لم يرد نقضا، وهذا قول له شواهد كثيرة.
ومن قال: إنه يؤخذ به ظاهرًا وباطنا، بنى ذلك على أن المهر من توابع النكاح وصفاته، فيكون ذكره سمعة كذكره هزلًا، والنكاح جده وهزله سواء، فكذلك ذكر ما هو فيه، يحقق ذلك: أن حل البضع مشروط بالشهادة على العقد، والشهادة وقعت على ما أظهره، فيكون وجوب المشهود به شرطا في الحل.
هذا كلام شيخ الاسلام في مسألة مهر السر والعلانية، في كتاب «إبطال التحليل» ، نقلته بلفظه.