الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل العاشر
في ضمان ما أتلف بالختان
مدخل في ذكر الضابط الفقهي:
• ما ترتب على المأذون فهو غير مضمون، والعكس بالعكس، فما ترتب على غير المأذون فهو مضمون.
[م-831] الخاتن إذا أذن له في الختان، وكان الإذن معتبرًا، وكان هو حاذقًا، ولم تجن يده، ولم يتجاوز ما أذن له فيه، وسرى إليه التلف؛ فإنه لا يضمن لأنه فعل فعلًا مباحًا مأذونًا له فيه، ولم يتعد ولم يفرط.
قال غانم البغدادي من الحنفية: «والفصاد، والبزاغ، والحجام، والختان لا يضمنون بسراية فعلهم إلى الهلاك إذا لم يجاوز الموضع المعتاد المعهود المأذون فيه، هذا إذا فعلوا فعلًا معتادًا، ولم يقصروا في ذلك العمل «
(1)
.
وقال في التبصرة وهو من المالكية: «إذا أذن الرجل لحجام يفصده، أو يختن ولده، أو البيطار في دابة، فتولد من ذلك الفعل ذهاب نفس أو عضو أو تلف الدابة أو العبد، فلا ضمان عليه؛ لأجل الإذن «
(2)
.
وقال ابن قدامة من الحنابلة: «وإذا ختن الولي الصبي في وقت معتدل في الحر
(1)
مجمع الضمانات (ص: 48).
(2)
تبصرة الحكام (2/ 340).
والبرد، لم يلزمه ضمان إن تلف به؛ لأنه فعل مأمور به في الشرع، فلم يضمن ما تلف به»
(1)
.
وقال أيضًا: إذا فعل الحجام والختان والمطبب ما أمروا به، لم يضمنوا بشرطين:
أحدهما: أن يكونوا ذوي حذق في صناعتهم، ولهم بها بصارة ومعرفة؛ لأنه إذا لم يكن كذلك لم يحل له مباشرة القطع، وإذا قطع مع هذا كله كان فعلًا محرمًا، فيضمن سرايته.
الثاني: ألا تجني أيديهم، فيتجاوز ما ينبغي أن يقطع، فإن كان حاذقًا، وتجاوز قطع الختان إلى الحشفة، أو قطع في غير محل القطع، أو في وقت لا يصلح فيه القطع، وأشباه هذا ضمن فيه كله؛ لأنه إتلاف، لا يختلف ضمانه بالعمد والخطأ، فأشبه إتلاف المال، ولأن هذا فعل محرم، فيضمن سرايته كالقطع ابتداء
(2)
أما إذا تعدى، بأن فعل ما لا يجوز له فعله، أو فرط: ترك ما يجب فعله فمات، فقد اختلفوا في مقدار ما يجب عليه، وإليك النقول عنهم:
مذهب الحنفية:
قالوا: لو قطع الختان حشفة الصبي، فمات منه، يجب عليه نصف الدية، وإن برئ منها يجب عليه الدية كاملة؛ لأنه إذا مات حصل موته بفعلين: أحدهما مأذون فيه: وهو قطع الجلدة. والثاني: غير مأذون فيه، وهو قطع الحشفة، فكان ضامنًا نصف الدية.
وأما إذا برئ جعل قطع الجلدة كأنه لم يكن، وقطع الحشفة غير مأذون فيه، فوجب فيه ضمان الحشفة كاملة، وهو الدية كاملة؛ لأنه عضو مقصود، لا ثاني له في النفس، فيقدر ضمانه بالدية كاملة
(3)
.
(1)
المغني (9/ 151).
(2)
المغني مع تصرف يسير (5/ 313).
(3)
شرح العناية على الهداية (9/ 120)، الجوهرة النيرة (1/ 265)، حاشية ابن عابدين (6/ 68، 69).
مذهب المالكية:
جاء في التبصرة: «إذا كان الخاتن جاهلًا، أو فَعَلَ فعلًا غير ما أذن له فيه خطأ، أو يجاوز الحد فيما أذن له فيه، أو قصر فيه عن المقدار المطلوب ضمن ما تولد عن ذلك.
قال ابن عبد السلام: وينفرد الجاهل بالأدب، ولا يؤدب المخطئ، وهل يؤدب من لم يؤذن له، فيه نظر»
(1)
.
وجاء في التاج والإكليل: «وإذا أخطأ في فعله، مثل أن يسقي الطبيب المريض ما لا يوافق مرضه، أو تزل يد الخاتن أو القاطع فتجاوز في القطع، أو الكاوي فتجاوز في الكي، أو يد الحجام فيقطع غير الضرس التي أمر بها، فإن كان من أهل المعرفة، ولم يَغُرَّ من نفسه فذلك خطأ يكون على العاقلة، إلا أن يكون أقل من الثلث فيكون في ماله، وإن كان مما لا يحسن، وغَرَّ من نفسه، فعليه العقوبة.
واختلف على من تكون الدية، فقال ابن القاسم: على العاقلة، وظاهر قول مالك أنها عليه، ورجحه الدسوقي في حاشيته، وقال: لأن فعله عمد، والعاقلة لا تحمل عمدًا
(2)
.
المذهب الشافعي:
ومن ختنه: أي الصبي من ولي أو غيره في سن لا يحتمله، فمات لزمه القصاص، إن علم أنه لا يحتمله، لتعديه بالجرح المهلك؛ لأنه غير جائز في هذه الحالة قطعًا، فإن ظن احتماله، كأن قال له أهل الخبرة يحتمله، فمات، فلا قصاص، ويجب دية شبه العمد، بحثه الزركشي إلا والدًا وإن علا ختنه في سن لا يحتمله، فلا قصاص عليه
(1)
تبصرة الحكام (2/ 340).
(2)
التاج والإكليل (7/ 558)، حاشية الدسوقي (4/ 28)، وقال في بلغة السالك (4/ 47): إذا كان الخاتن والطبيب من أهل المعرفة، ولم يخطئ في فعله، فلا ضمان، فإن أخطأ فالدية على عاقلته، فإن لم يكن من أهل المعرفة عوقب، وفي كون الدية على عاقلته أو في ماله قولان: الأول: لابن القاسم، والثاني: لمالك، وهو الراجح؛ لأن فعله عمد، والعاقلة لا تحمل عمدًا.
للبعضية، ويجب عليه دية مغلظة في ماله؛ لأنه عمد محض. والسيد في ختان رقيقه لا ضمان عليه، والمسلم في ختان الكافر لا قصاص عليه، فإن احتمله وختنه ولي، فمات، فلا ضمان عليه في الأصح؛ لأنه لابد منه، والتقديم أسهل من التأخير لما فيه من المصلحة. والثاني: يضمن؛ لأنه غير واجب في الحال، فلم يبح إلا بشرط سلامة العاقبة.
ويشمل قوله: (ولي) الأب والجد والحاكم والقيم والوصي: وهو كذلك، واقتضى كلامه أن من ليس بولي يضمن قطعًا. قال الأذرعي: وبه صرح الماوردي وغيره، ونص عليه في الأم لتعديه، فيقتص منه. قال الزركشي: إلا إذا قصد بذلك إقامة الشعار، فلا يتجه القصاص؛ لأن ذلك يضمن شبهة في التعدي
(1)
.
المذهب الحنبلي:
(2)
.
وقيل: لا يضمن، وهو رواية عن أحمد
(3)
.
فملخص البحث أنه إن تعدى أو فرط ضمن لأنه جان والحالة هذه، وإن لم يتعد ولم يفرط لم يضمن؛ لأن ما ترتب على المأذون غير مضمون، وهذه قاعدة فقهية. وهذا القول هو الصواب، والله أعلم.
* * *
(1)
مغني المحتاج (5/ 541).
(2)
كشاف القناع (1/ 80). وانظر الفروع، ومع تصحيح الفروع (1/ 133، 134)، مطالب أولي النهى، في شرح غاية المنتهى (1/ 91).
(3)
انظر الفروع، ومع تصحيح الفروع (1/ 133، 134).
مبحث
في أجرة الخاتن
مدخل في ذكر الضوابط الفقهية:
• بذل المال في مقابل الحصول على ما له فيه منفعة مباحة مقصودة جائز شرعًا؟
• يجوز الاستئجار على الختان كما يجوز الاستئجار على قلع الضرس.
• كل الأمور التي تدعو الحاجة إلى فعلها، ولا تحريم فيها يجوز الإجارة فيها، وأخذ الأجر عليها كسائر المنافع المباحة.
[م-832] الاستئجار على الختان جائز. قال ابن قدامة: لا نعلم فيه خلافًا؛ لأنه فعل يحتاج إليه، مأذون فيه شرعًا، فجاز الاستئجار عليه، كسائر الأفعال المباحة
(1)
.
وأجرة الختان في مال الصبي، فإن لم يكن له مال، فالأجرة تكون على أبيه، أو على من تجب عليه نفقته
(2)
.
(1)
المغني (5/ 313).
(2)
قال في العقود الدرية من الحنفية (2/ 141): «وأجرة الأديب والختان في مال الصبي إن كان له مال، وإلا فعلى أبيه» .اهـ
وقال ابن عابدين في حاشيته (6/ 751، 752): «وأجرة ختان الصبي على أبيه، إن لم يكن له مال، والعبد على سيده» .اهـ وانظر الفتاوى الهندية (4/ 527).
وقال النووي في المجموع (1/ 351): «وأجرة ختان الطفل في ماله، فإن لم يكن له مال فعلى من عليه نفقته. والله أعلم» . اهـ
وقال القاضي حسين والبغوي: يجب على السيد أن يختن عبده، أو يخلي بينه وبين كسبه ليختن نفسه. قال القاضي: فإن كان العبد زمنًا فأجرة ختانه في بيت المال. قال النووي: وهذا الذي قاله فيه نظر، وينبغي أن يجب على السيد كالنفقة
(1)
.
* * *
(1)
المجموع (1/ 351).