الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
•
دليل من كره أن يأخذ من اللحية شيئًا إلا في النسك:
الدليل الأول:
(2187 - 138) روى البخاري، قال: حدثني محمد، أخبرنا عبدة، أخبرنا عبيد الله بن عمر، عن نافع،
عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهكوا الشوارب وأعفوا اللحى
(1)
.
وفي رواية لمسلم: (أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى)
(2)
.
(2188 - 139) وروى مسلم، قال: حدثنا قتيبة بن سعيد، عن مالك بن أنس، عن أبي بكر بن نافع، عن أبيه،
عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بإحفاء الشوارب، وإعفاء اللحية
(3)
.
(2189 - 140) وروى مسلم من طريق العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب مولى الحرقة، عن أبيه،
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس
(4)
.
وجه الاستدلال:
قوله: (أعفوا اللحى)، والإعفاء في اللغة هو الترك.
• ويجاب بأجوبة منها:
الأول: ليس الإعفاء في الحديث هو الترك، بل الإعفاء في الحديث هو التكثير،
(1)
صحيح البخاري (5893).
(2)
صحيح مسلم (259).
(3)
صحيح مسلم (259).
(4)
مسلم (260).
كما يفهم من قوله تعالى: (حَتَّى عَفَوا) أي حتى كثروا، فمن أعفى لحيته بمقدار القبضة فقد كثرت لحيته، وصدق على لحيته أنها قد عفت، وأن صاحبها قد أعفاها، هذا هو المنقول لغة، وهو ما فهمه الصحابة رضوان الله عليهم، وسائر الفقهاء.
جاء في المصباح المنير: «عفا الشيء: كثر، وفي التنزيل:(حَتَّى عَفَوا)[الأعراف: 95]، أي حتى كثروا. ومنه عفا بنو فلان إذا كثروا. وعفوت الشعر: أي تركته حتى يكثر ويطول، ومنه:(أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى)
(1)
.
وجاء في إكمال المعلم في شرح فوائد مسلم: «قوله: (وأعفوا اللحى) وفي رواية: (أوفوا اللحى)، وهما بمعنى: أي اتركوها حتى تكثر وتطول. ثم قال: وقال أبو عبيد: في إعفاء اللحى: هو أن توفر، وتكثر، يقال: عفا الشيء: إذا كثر وزاد، وأعفيته أنا.
وعفا: إذا درس، وهو من الأضداد، ومنه الحديث:(فعلى الدنيا العفا) أي الدروس
(2)
.
وجاء في فتح الباري: «ذهب الأكثرون إلى أنه بمعنى وفروا أو كثروا، وهو الصواب»
(3)
.
وقال السندي: «المنهي قصها كصنع الأعاجم، وشعار كثير من الكفرة، فلا ينافيه ما جاء من أخذها طولًا ولا عرضًا للإصلاح»
(4)
.
وقال ابن دقيق العيد: لا أعلم أحدًا فهم من الأمر في قوله: (أعفوا اللحى) تجويز معالجتها بما يغزرها كما يفعله بعض الناس
(5)
.
(1)
المصباح المنير (ص: 217).
(2)
إكمال المعلم في شرح فوائد مسلم (2/ 63).
(3)
فتح الباري (10/ 351).
(4)
حاشية السندي على النسائي (1/ 18).
(5)
فتح الباري (10/ 351).
الجواب الثاني:
قال: معنى (أعفوا اللحى): أي أعفوها من الإحفاء.
قال القاضي أبو الوليد: ويحتمل عندي أنه يريد أن تعفى من الإحفاء؛ لأن كثرتها ليس بمأمور بتركه
(1)
.
الجواب الثالث:
وهذا قوي قال: إن اللفظ المطلق أو العام يقيد ويخصص بعمل الصحابة، أو بعضهم، وهي مسألة خلافية بعد الاتفاق على أن الصحابي إذا وجد من يخالفه فلا يخص به النص العام، ولا يقيد به المطلق
(2)
.
(1)
المنتقى للباجي (7/ 266)، وقال ابن حجر في الفتح (10/ 350):«حكى الطبري اختلافًا فيما يؤخذ من اللحية، هل له حد أم لا؟ فأسند عن جماعة الاقتصار على أخذ الذي يزيد منها على قدر الكف، وعن الحسن البصري أنه يؤخذ من طولها وعرضها ما لم يفحش. وعن عطاء نحوه. قال: وحمل هؤلاء النهي على منع ما كانت الأعاجم تفعله من قصها وتخفيفها. قال: وكره آخرون التعرض لها إلا في حج أو عمرة. وأسند عن جماعة، واختار قول عطاء، وقال: إن الرجل لو ترك لحيته لا يتعرض لها حتى أفحش طولها وعرضها لعرض نفسه لمن يسخر به» .
(2)
فعل الصحابي الموقوف عليه له حالتان:
الأولى: أن يكون مما لا مجال للرأي فيه.
الثانية: أن يكون مما له فيه مجال.
فإن كان مما لا مجال للرأي فيه، فهو في حكم المرفوع، كما تقرر في علم الحديث، فيقدم على القياس، ويخص به النص إن لم يعرف الصحابي بالأخذ من الإسرائيليات، وإن كان مما للرأي فيه مجال، فإن انتشر في الصحابة، ولم يظهر له مخالف، فهو الإجماع السكوتي، وهو حجة عند الأكثر، وإن علم له مخالف من الصحابة، فلا يجوز العمل بقول أحدهما إلا بترجيح بالنظر في الأدلة.
وإن لم ينتشر، فقيل: حجة على التابعي ومن بعده؛ لأن الصحابي حضر التنزيل، فعرف التأويل لمشاهدته لقرائن الأحوال.
وقيل: ليس بحجة على المجتهد التابعي مثلًا؛ لأن كليهما مجتهد، يجوز في حقه أن يخطئ وأن يصيب، والأول أظهر
…
إلخ انظر أصول الفقه للشنقيطي (ص: 165، 166).
…
فإذا تبين هذا، فالمسألة التي معنا قد نقل عن الصحابة عموم الصحابة أنهم كانوا يأخذون من اللحية في النسك، وتعليق الأخذ في النسك دليل على جوازه في غيره؛ لأن اللحية لا تعلق لها بالنسك، وحجة النبي صلى الله عليه وسلم قد نقلها لنا الصحابة جابر وغيره، ولم يذكروا أن الأخذ من اللحية من المناسك، فيكون قيد النسك قيدًا غير مؤثر، كما لو فعل الرسول صلى الله عليه وسلم فعلًا، وصادف أن ذلك الفعل كان في السفر، لا يقال: لا يفعل إلا في السفر، وإذا كان الأخذ منها في النسك لا ينافي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالإعفاء، فكذلك لا ينافيه خارج النسك. ولا يقال: إن الصحابة لا يعفون لحاهم في النسك.