الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني حكم الأخذ من اللحية
مدخل في ذكر الضوابط الفقهية:
• تحريم الأخذ من اللحية مطلقًا لم يعرف عن أحد من أهل العلم.
• فهم الصحابة من الأمر بإعفاء اللحية تحريم الحلق لا تحريم الأخذ، وهم الحجة.
الإعفاء له معنيان: الترك، والتكثير، وإذا حمل الصحابة والسلف المعنى على أحدهما وأهمل الآخر لم يحل التمسك بالمعنى المهمل بحجة اللغة.
• الكراهة في الشرع لفظ مشترك بين التحريم والكراهة، لحديث: كان يكره النوم قبلها والحديث بعدها.
• اللغة أحد أدوات فهم النص، والاعتماد عليها وحدها بمعزل عن فهم السلف نزعة ظاهرية لفهم النص الشرعي، وهو أحد الأسباب في عدم فهم المسألة.
• من أراد أن يفهم النص الشرعي فعليه أن يقف على فهم السلف، اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم.
• الأخذ من اللحية في النسك دليل على جوازه مطلقًا، فالنسك لا يبيح الحرام لذاته، وإنما قد يمنع من المباح زمن الإحرام
[م-863] اختلفوا في حكم الأخذ من اللحية من غير حلق،
فقيل: يكره أن يأخذ منها في غير النسك، وهو مذهب الشافعية
(1)
.
(1)
قال النووي في المجموع (1/ 344): «والصحيح كراهة الأخذ منها مطلقًا، بل يتركها على حالها كيف كانت للحديث الصحيح:(وأعفوا اللحى)، وأما حديث عمرو بن شعيب عن أبيه، =
وقيل: له الأخذ منها، وهو مذهب كثير من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
، والحسن
= عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها، فرواه الترمذي بإسناد ضعيف». اهـ
وقال أيضًا في شرحه لصحيح مسلم (3/ 151): «والمختار ترك اللحية على حالها، وأن لا يتعرض لها بتقصير شيء أصلًا» . اهـ والنص الأول يفسر معنى كلمة: والمختار ترك اللحية.
وقال العراقي في طرح التثريب (2/ 83): «واستدل الجمهور على أن الأولى ترك اللحية على حالها، وأن لا يقطع منها شيئًا، وهو قول الشافعي وأصحابه» . فالنووي عبر بالكراهة، والعراقي عبر بقوله: إنه خلاف الأولى، هذا أشد ما نقل من الأقوال في الأخذ من اللحية، وأما أن يقول أحد: إنه يحرم الأخذ منها في غير النسك، فهذا ينبغي أن يعترف صاحبه بأنه قال به تفقهًا دون أن يدعي أنه أخذه عن إمام واحد من السلف، فضلًا أن يزعم صاحبه أنه قول استقرت عليه الشريعة من عصر الصحابة إلى عصرنا هذا، ولو لم يكن في هذا القول إلا اتباع السلف لكان خيرًا لي من أن أقلد الخلف في تشدد ليس عليه أثارة من علم، فالله المستعان.
على أن الأخذ منها كونه خلاف الأولى في مذهب الشافعية ينبغي أن يقيد هذا في غير النسك، فإن مذهب الشافعية استحباب الأخذ من اللحية في النسك، وسوف يأتي النقل عن إمامهم رحمه الله بعد قليل.
وقد جاء في المجموع (1/ 342) كراهيته عن الحسن وقتادة، والمنقول عنهما خلاف هذا، فقد روى ابن أبي شيبة، قال: حدثنا وكيع، عن أبي هلال، قال: سألت الحسن وابن سيرين فقالا: لا بأس أن تأخذ من طول لحيتك.
وفي إسناده أبو هلال الراسبي صدوق فيه لين إلا أنه هنا يحكي شيئًا وقع له، فالأقرب صحته، ويختلف هذا عن شيء سمعه فرواه لأن هذا قد يدخله الوهم، وقد يعتريه سوء الحفظ، والله أعلم.
وروى ابن أبي شيبة أيضًا (5/ 225)، قال: حدثنا عائذ بن حبيب، عن أشعث، عن الحسن، قال: كانوا يرخصون فيما زاد على القبضة من اللحية أن يؤخذ منها.
وهذا إسناد ضعيف فيه أشعث بن سوار الكندي، وهذه المتابعة تقوي الطريق الأول. وانظر مذهب قتادة في التمهيد (24/ 146)، وقال ابن عبد البر في التمهيد (24/ 146):«وكان قتادة يكره أن يأخذ من لحيته إلا في حج أو عمرة، وكان يأخذ من عارضيه، وكان الحسن يأخذ من طول لحيته، وكان ابن سيرين لا يرى بذلك بأسًا» .
(1)
ذكر ذلك عنهم جابر بن عبد الله بسند حسن، وسيأتي تخريجه، والكلام عليه.
وابن سيرين
(1)
، وقتادة
(2)
، وعطاء
(3)
، والشعبي
(4)
، والقاسم بن محمد
(5)
، وطاووس
(6)
، وإبراهيم النخعي
(7)
، ومذهب الحنفية والمالكية والحنابلة
(8)
، واستحبه الشافعي في النسك
(9)
، واختاره الطبري
(10)
، ورجحه ابن عبد البر
(11)
،
والقاضي عياض
(12)
، والغزالي من الشافعية
(13)
، والحافظ ابن حجر
(14)
، وغيرهم.
(1)
مصنف بن أبي شيبة (5/ 225) بسند حسن، وسبق أن نقلت إسناده، وفيه أبو هلال الراسبي، صدوق فيه لين، راجع كلامي على الإسناد، وجاء من طريق أشعث، عن الحسن، وفيه ضعف، وانظر التمهيد (24/ 146).
(2)
التمهيد (24/ 146).
(3)
مصنف ابن أبي شيبة (5/ 225) رقم 25482 بسند على شرط الشيخين، وانظر فتح الباري (10/ 350).
(4)
المجموع (1/ 342).
(5)
روى ابن أبي شيبة في المصنف (5/ 225): حدثنا أبو عامر العقدي، عن أفلح، قال: كان القاسم إذا حلق رأسه أخذ من لحيته وشاربه. وسنده صحيح، وأفلح هو ابن حميد بن نافع، ثقة من رجال الشيخين بل روى له الجماعة سوى الترمذي.
(6)
رواه ابن أبي شيبة في المصنف (5/ 225) حدثنا أبو خالد، عن ابن جريج، عن ابن طاووس، عن أبيه أنه كان يأخذ من لحيته ولا يوجبه، ورجاله ثقات.
(7)
رواه ابن أبي شيبة في المصنف (5/ 225) حدثنا غندر، عن شعبة، عن منصور: كان إبراهيم يأخذ من عارض لحيته. وسنده صحيح.
(8)
سيأتي العزو إلى كتبهم قريبًا إن شاء الله تعالى.
(9)
قال في الأم (2/ 232): «وأحب إلي لو أخذ من لحيته وشاربه، حتى يضع من شعره شيئًا لله، وإن لم يفعل فلا شيء عليه؛ لأن النسك إنما هو في الرأس لا في اللحية» .اهـ
(10)
قال الحافظ في الفتح (10/ 350): «واختار - يعني الطبري - قول عطاء، وقال: إن الرجل لو ترك لحيته لا يتعرض لها حتى أفحش طولها وعرضها لعرض نفسه لمن يسخر به» .
(11)
التمهيد (24/ 145) ..
(12)
إكمال المعلم بفوائد مسلم (2/ 64).
(13)
المجموع (1/ 344).
(14)
فتح الباري (10/ 350).
• والقائلون بالأخذ منها اختلفوا في المقدار على قولين:
الأول: أنه لا حد لمقدار ما يؤخذ منها، إلا أنه لا يتركها لحد الشهرة، وهو مذهب المالكية
(1)
.
(1)
قال الباجي في المنتقى (7/ 266): «روى ابن القاسم عن مالك لا بأس أن يؤخذ ما تطاير من اللحية. قيل لمالك: فإذا طالت جدًّا. قال: أرى أن يؤخذ منها، وتقص» .اهـ
وقول الإمام مالك: «لا بأس» لا يعني التخيير، فقد جاء في الفواكه الدواني (2/ 307):«وحكم الأخذ الندب، (فلا بأس) هنا هو خير من غيره، والمعروف لا حد للمأخوذ، وينبغي الاقتصار على ما تحسن به الهيئة» .
وقال القرطبي في المفهم (1/ 512): «لا يجوز حلق اللحية، ولا نتفها، ولا قص الكثير منها، فأما أخذ ما تطاير منها، وما يشوه ويدعو إلى الشهرة طولًا وعرضًا فحسن عند مالك وغيره من السلف» .
وقال القاضي عياض في شرحه لصحيح مسلم (2/ 64): «وأما الأخذ من طولها وعرضها فحسن، ويكره الشهرة في تعظيمها وتحليتها كما تكره في قصها وجزها، وقد اختلف السلف هل لذلك حد، فمنهم من لم يحدد إلا أنه لم يتركها لحد الشهرة، ويأخذ منها، وكره مالك طولها جدًّا، ومنهم من حدد، فما زاد على القبضة فيزال، ومنهم من كره الأخذ منها إلا في حج أو عمرة» .
وقال ابن عبد البر في التمهيد (24/ 145): «اختلف أهل العلم في الأخذ من اللحية، فكره ذلك قوم، وأجازه آخرون. ثم ساق بسنده عن ابن القاسم، قال: سمعت مالكًا يقول: لا بأس أن يؤخذ ما تطايل من اللحية وشذ. قال: فقيل لمالك: فإذا طالت جدًّا فإن من اللحى ما تطول، قال: أرى أن يؤخذ منها وتقصر. وقد روى سفيان، عن ابن عجلان، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان يعفي لحيته إلا في حج أو عمرة.
وذكر الساجي: حدثنا بندار وابن المثنى، قالا: حدثنا عبد الوهاب، حدثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان إذا قصر من لحيته في حج أو عمرة كان يقبض عليها، ويأخذ من طرفها ما خرج من القبضة.
قال ابن عبد البر: هذا ابن عمر روى (أعفوا اللحى) وفهم المعنى، فكان يفعل ما وصفنا، وقال به جماعة من العلماء في الحج وغير الحج.
وروى ابن وهب، قال: أخبرني أبو صخر، عن محمد بن كعب، في قوله:(ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) قال: رمي الجمار، وذبح الذبيحة، وحلق الرأس، والأخذ من الشارب واللحية والأظفار، والطواف بالبيت، وبالصفا والمروة.
وكان قتادة يكره أن يأخذ من لحيته إلا في حج أو عمرة، وكان يأخذ من عارضيه، وكان الحسن
يأخذ من طول لحيته، وكان ابن سيرين لا يرى بذلك بأسًا، وروى الثوري، عن منصور، عن عطاء أنه كان يعفي لحيته إلا في حج أو عمرة. قال منصور: فذكرت ذلك لإبراهيم، فقال: كانوا يأخذون من جوانب اللحية». اهـ كلام ابن عبد البر نقلته بطوله ليعلم أن من يرى جواز الأخذ من اللحية هم السواد الأعظم من العلماء.
والقول الثاني: أنه يؤخذ منها ما زاد على القبضة، وهو فعل ابن عمر
(1)
.
ثم اختلفوا في حكم أخذ ما زاد على القبضة على خمسة أقوال:
فقيل: يجب أخذ ما زاد على القبضة، وهو قول في مذهب الحنفية
(2)
، واختاره الطبري رحمه الله
(3)
.
وقيل: إنه سنة، وهو قول في مذهب الحنفية
(4)
، واستحسنه الشعبي وابن سيرين
(5)
.
وقيل: إنه بالخيار، فله أخذ ما زاد على القبضة وله تركه، نص عليه أحمد
(6)
، وظاهر هذا القول أنه يرى أن الأخذ من اللحية وتركها على الإباحة.
وقيل: الترك أولى، وهو قول في مذهب الحنابلة
(7)
.
وقيل: يكره الأخذ منها إلا في حج أو عمرة
(8)
.
(1)
سيأتي تخريج الأثر المنسوب إليه إن شاء الله في أدلة الأقوال.
(2)
الدر المختار (2/ 44).
(3)
عمدة القارئ (22/ 46، 47).
(4)
قال في البحر الرائق (3/ 12): «قال أصحابنا: الإعفاء تركها حتى تكث وتكثر، والقص سنة فيها، وهو أن يقبض الرجل لحيته فما زاد منها على قبضة قطعها، كذلك ذكر محمد في كتاب الآثار عن أبي حنيفة، قال: وبه نأخذ» .اهـ ونقل نحوه في الفتاوى الهندية (5/ 358). وانظر حاشية ابن عابدين (6/ 407).
(5)
المجموع (1/ 342).
(6)
الفروع (3/ 329)، ويعبر بعض الأصحاب بقوله، ولا يكره أخذ ما زاد على القبضه انظر مطالب أولي النهى (1/ 85).
(7)
قال في المستوعب (1/ 260): «ولا يقص من لحيته إلا ما زاد على القبضة إن أحب، والأولى أن لا يفعله» . وانظر الإنصاف (1/ 121).
(8)
إكمال المعلم بفوائد مسلم (2/ 64).