الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني في حكم شعر اللحية
المبحث الأول في تحريم حلق اللحية
مدخل في ذكر الضوابط الفقهية:
• أمرنا بإعفاء اللحى، والأصل في الأمر الوجوب إلا لصارف.
وقيل:
• أمرنا بالصبغ وإعفاء اللحى، والمحل هو الشعر، والعلة فيهما مخالفة المشركين، والصبغ ليس بواجب فكذا إعفاء اللحى، فوجود أمرين شرعيين في محل واحد، وبعلة واحدة يعني اتفاقهما في الحكم.
• موافقة المشركين الأصل فيها الكراهة إلا لقرينة، وقد يصل الأمر فيها إلى الكفر، وقد لا يبلغ الشأن فيها الكراهة بما يعبر عنه بعض الفقهاء بخلاف الأولى، والكراهة هي المتيقنة إلا لقرينة، ولا قرينة تدل على الوجوب، بل القرينة تدل على عدم الوجوب، فقص الشارب ذكر مع اللحية بعلة واحدة، وهي المخالفة، وقص الشارب متفق على أنه سنة، فكذا اللحية.
• موافقة المشركين في شأن اللحية ليس كموافقتهم في أصل العبادة، فأمر اللحية متعلق بالزينة، والشأن فيها أخف، وإذا كنا قد أمرنا بالصلاة بالنعال، وهي صفة في العبادة، والصلاة بدون نعال لا يبلغ به حد الكراهة، فالموافقة في حلق اللحية من باب أولى.
• صيام عاشوراء شرع بعد معرفة سبب صيامه، وشرع صيام التاسع للمخالفة، والاكتفاء بصيام عاشوراء ليس مكروهًا.
• إذا علم ذلك نأتي إلى ذكر الخلاف:
[م-862] اختلف العلماء في حكم حلق اللحية:
فقيل: يحرم حلق اللحية، وهو مذهب الحنفية، والمشهور من مذهب المالكية، وأحد الوجهين في مذهب الشافعية، وبه قال ابن تيمية من الحنابلة، وعليه المتأخرون منهم
(1)
.
وقيل: يجوز إزالة شعر الخدين دون الذقن، اختاره ابن عرفة من المالكية
(2)
.
وقيل: يكره حلق اللحية، وهو ظاهر عبارة القاضي عياض من المالكية، وأحد الوجهين في مذهب الشافعية، بل هو المعتمد في المذهب
(3)
.
(1)
انظر في مذهب الحنفية: حاشية ابن عابدين (2/ 418)، البحر الرائق (2/ 302)، حاشية الشلبي على تبيين الحقائق (1/ 332)، وعبر الكاساني في البدائع (2/ 141) بالكراهة، ولعلها كراهة التحريم.
وفي مذهب المالكية، قال الحطاب في مواهب الجليل (1/ 216): «وحلق اللحية لا يجوز
…
وهو مثلة وبدعة، ويؤدب من حلق لحيته أو شاربه». اهـ وانظر حاشية الدسوقي (1/ 90)، المفهم للقرطبي (1/ 512).
وجاء في غذاء الألباب (1/ 433): «والمعتمد في المذهب حرمة حلق اللحية. قال في الإقناع: ويحرم حلقها، وكذا في شرح المنتهى وغيرهما» .
وقال ابن تيمية في الفتاوى الكبرى (5/ 302): «ويحرم حلق اللحية» .
(2)
حاشية العدوي (2/ 446)، وهو ظاهر مذهب من يرى أن اللحية: هي شعر الذقن خاصة. قال النووي: اللحية: هي الشعر النابت على الذقن، قاله المتولي، والغزالي في البسيط وغيرهما. المجموع (1/ 408، 413).
(3)
قال القاضي عياض في إكمال المعلم (2/ 63): «وكره قصها وحلقها وتحريقها، وقد جاء الحديث بذم فاعل ذلك، وسنة بعض الأعاجم حلقها وجزها .... » .
فهل قوله: (وقد جاء الحديث بذم فاعل ذلك) ما يدل على أن المراد من الكراهة التحريم، لأن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= المكروه لا يذم فاعله، قد ذهب إلى هذا بعض طلبة العلم، ممن أستفيد من كتاباتهم.
وقد يقال: الكراهة على وجهها، والمكروه قد يذم فاعله؛ لأنه فعله وتركه ليس مستوي الطرفين، خاصة أنه عطف القص على الحلق، وقد قال بعد ذلك: «وتكره الشهرة في تعظيمها وتحليتها كما تكره في قصها وجزها
…
» فالقص هنا هو القص المذكور مع الحلق، وإذا كانت تعظيم اللحية وتحليتها لا يلحق في المحرمات، لم يلحق بالمحرمات القص، وإذا كان القص مكروهًا كان الحلق مكروهًا لأنه معطوف عليه، خاصة أنه ذكر أن السلف إنما هم مختلفون في مقدار القص ووقته، فقال: منهم من لم يحدد إلا أنه لم يتركها لحد الشهرة، ويأخذ منها، وكره مالك طولها جدًّا، ومنهم من حدد فما زاد على القبضة فيزال، ومنهم من كره الأخذ منها إلا في حج أو عمرة» فهذا مذهب السلف في القص، وقد عطف عليه الحلق، فالذي يظهر لي أن الكراهة مذهب للقاضي عياض في حلق اللحية، وهي خلاف المشهور من مذهب المالكية، فإنهم قد ذهبوا إلى تحريم الحلق، والله أعلم.
قال الرملي في حاشيته على أسنى المطالب (1/ 551): «قول الحليمي في منهاجه لا يحل لأحد أن يحلق لحيته ولا حاجبيه ضعيف» .
وقال في تحفة المحتاج: «ذكروا هنا في اللحية ونحوها خصالًا مكروهة، منها نتفها وحلقها، وكذا الحاجبان، ولا ينافيه قول الحليمي لا يحل ذلك لإمكان حمله على أن المراد نفي الحل المستوي الطرفين» .
وقال ابن الملقن في شرحه لعمدة الأحكام: (ص: 712): «والمعروف في المذهب الكراهة» .
والمذهب عند الشافعية على ما قرره الرافعي والنووي، وقد اختارا الكراهة، جاء في إعانة الطالبين (2/ 386): «قال الشيخان: يكره حلق اللحية
…
».
وقال أيضًا في نفس الصفحة: «المعتمد عند الغزالي وشيخ الإسلام وابن حجر في التحفة، والرملي، والخطيب، وغيرهم الكراهة» .
وفي حاشية الشرواني (9/ 376): «قال الشيخان: يكره حلق اللحية، واعترضه ابن الرفعة في حاشية الكافية بأن الشافعي رضي الله عنه نص في الأم على التحريم. قال الزركشي: وكذا الحليمي في شعب الإيمان، وأستاذه القفال الشاشي في محاسن الشريعة
…
».
والحق أن الشافعي ليس له نص في المسألة، ولهذا الشافعية يذكرون أن في المذهب وجهين، المعتمد منهما الكراهة، ولو كان عن الشافعي رواية لم يعبر بالوجه، وقول ابن الرفعة خطأ، فالشافعي في الأم (6/ 88) إنما أوجب على من صب حميمًا على رأس رجل أو لحيته فلم تنبت حكومة وهذا من باب العقوبة، ولا دخل له في حكم الحلق، وهو مشروط بعدم نبات الشعر، سواء كان في الرأس أو في اللحية، ولذلك قال بعده:«ولو حلقه حلاق، فنبت شعره كما كان أو أجود فليس عليه شيء» .