الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا الكلام مدخول من وجهين:
الأول: القطع بأن هذه القصة متأخرة عن إعفاء الشعر، وإكرامه، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم صار إليه بعد أن كان له شعر كثير، وأن الرسول ترك إعفاء الشعر لأجل هذه القصة لا شك أن هذا من الظن الذي لا يغني من الحق شيئًا، وقد عقدت فصلًا مستقلًا في إكرام الشعر وتسريحه ودهنه، مما يجعل الباحث يقطع أن السنة إعفاء شعر الرأس وإكرامه.
الثاني: الاعتقاد بأن هذا القصة تعارض الأحاديث الكثيرة في إكرام الشعر غير صحيح، والجواب عن هذا، أن يقال:
إن هذا الرجل كان شعره طويلًا كثيرًا إلى حد الشهرة، فكان الأحسن تخفيفه عن حد الشهرة، ولذا ليس في الحديث أنه حلقه، وإنما جزه، ولا يصلح دليلًا للحلق إلا لو جاء في الحديث أن الرجل حلق رأسه، وربما حسن له رسول الله صلى الله عليه وسلم جز شعره وتخفيفه نظرًا لأنه لم يقم بحقه من تعهده وتنظيفه، وقد سبق أن قلت: إن ترك الشعر سنة لمن كان قادرًا على القيام بمؤنته من تسريحه وتنظيفه، أما من لا يقدر على ذلك فالأفضل في حقه تخفيف الشعر وجزه بدون حلق إلا في نسك، والحامل على هذا التأويل الأحاديث الكثيرة في صفة شعر الرسول صلى الله عليه وسلم بل والأنبياء قبله عليهم الصلاة والسلام، والصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، والله أعلم.
الدليل الثاني:
(2267 - 218) روى أحمد، قال: حدثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن أبي إسحاق، عن شمر،
عن خريم رجل من بنى أسد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لولا أن فيك اثنتين كنت أنت، قال: إن واحدة تكفيني. قال: تسبل إزارك وتوفر شعرك. قال: لا جرم، والله لا أفعل
(1)
.
(1)
مسند أحمد (4/ 321).
[إسناده منقطع شمر لم يدرك خريم، والحديث محتمل للتحسين بالمتابعات]
(1)
.
(1)
رواه عن خريم اثنان: شمر، وأيمن بن خريم.
أما رواية شمر، فهي منقطعة لم يدرك شمر خريم بن فاتك. كما أنه قد انفرد عنه بذلك أبو إسحاق السبيعي، وهو قد تغير في آخرة، إلا أن جماعة قد رووه عن أبي إسحاق، وكلهم قد روى عنه بعد تغيره، منهم.
الأول: معمر، رواها عبد الرزاق في المصنف (19986)، والمسند (4/ 321).
ولم أقف على معمر هل روى عن أبي إسحاق بآخرة أم لا، ولكن يغلب على ظني أن معمرًا كان صغيرًا، فإذا كان سماعه من قتادة كان صغيرًا حين ذاك فما بالك بأبي إسحاق، وإن كان لم ينص عليه في الرواة عن أبي إسحاق، ولذا تجنب البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي أحاديث أبي إسحاق من طريق معمر، ولم يرو له النسائي إلا حديثًا واحدًا حديث سعد:(قتال المسلم كفر وسبابه فسوق) وقد توبع عليه.
الثاني: أبو بكر بن عياش، كما في مسند أحمد (4/ 322).
وأبو بكر بن عياش، قد صرح أبو حاتم كما في العلل لابنه (1/ 35): أن سماع أبي بكر بن عياش من أبي إسحاق ليس بالقوي.
قلت: لكن لعله يتقوى بالمتابعة.
الثالث: عمار بن زريق، كما في مستدرك الحاكم (4/ 195)، وشعب الإيمان للبيهقي (5/ 228) رقم 6473، والإسناد إلى أبي إسحاق حسن لولا أن عمار بن زريق روى عن أبي إسحاق بآخرة كما أفاده أبو حاتم الرازي في العلل لابنه (2/ 166).
وقد روى مسلم لأبي إسحاق السبيعي من رواية عمار بن زريق ثلاثة أحاديث:
حديث عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل حتى يكون آخر صلاته الوتر.
وحديث فاطمة بنت قيس في قصة طلاقها، وقد توبع عليه في نفس الصحيح.
وحديث البراء: إن آخر سورة أنزلت تامة سورة التوبة. وقد توبع فيه داخل الصحيح.
الرابع: إسرائيل، عن أبي إسحاق.
أخرجه ابن سعد (6/ 38)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1044)، والطبراني في الكبير (4156).
وإسناده إلى إسرائيل إسناد صحيح، إلا أن سماع إسرائيل من أبي إسحاق بآخرة، انظر الكواكب النيرات (ص: 350).
الخامس: قيس بن الربيع، كما في المعجم الكبير للطبراني (4156).
السادس: يونس بن إسحاق، كما في الطبقات الكبرى لابن سعد (6/ 38). =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= فصار ستة يروونه عن أبي إسحاق: معمر، وأبو بكر بن عياش، وعمار بن زريق، وإسرائيل، وقيس بن الربيع، ويونس.
وقد تابع الأعمش أبا إسحاق. فأخرجه الحاكم في المستدرك (3/ 622)، والطبراني في المعجم الكبير (4159) من طريق يحيى بن إبراهيم بن محمد بن أبي عبيدة بن معن المسعودي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن الأعمش، عن شمر بن عطية به.
قال الذهبي: إسناده مظلم، قلت: في إسناده إبراهيم بن محمد بن أبي عبيدة مجهول الحال، والأعمش لم يسمع من شمر.
الطريق الثاني: أيمن بن خريم، عن خريم.
رواه الطبراني في المعجم الكبير (4161)، والصغير (148)، والأوسط (3506)، قال: حدثنا حاجب بن أركين الفرغاني، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن مفضل الحراني، حدثنا يونس بن بكير، عن المسعودي، عن عبد الملك بن عمير، عن أيمن بن خريم بن فاتك، عن أبيه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم الفتى خريم لو قصر من شعره ورفع من إزاره، قال: فقال خريم: لا يجاوز شعري أذني، ولا إزاري عقبي. والله أعلم.
في إسناده عبد الملك بن عمير، وقد روى له الجماعة.
وعن أحمد: أنه ضعيف جدًّا، وقال أيضًا: مضطرب الحديث جدًّا مع قلة روايته، ما أرى له خمسمائة حديث. تهذيب الكمال (18/ 370).
وقال ابن معين: مخلط. كما في رواية إسحاق بن منصور عنه، يشير إلى أنه اختلط في آخر عمره، وإلا فقد قال: ثقة، إلا أنه أخطأ في حديث أو حديثين. كما في رواية ابن البرقي عنه. تهذيب التهذيب (6/ 364).
وقال أبو حاتم: ليس بحافظ، وهو صالح الحديث. تغير حفظه قبل موته. الجرح والتعديل (5/ 360).
وقال النسائي: ليس به بأس. تهذيب الكمال (18/ 370).
ووثقة ابن نمير والعجلي وابن حبان، زاد ابن نمير: ثبت. التهذيب (6/ 364)، ثقات العجلي (2/ 104)، الثقات (5/ 116).
وفي التقريب: ثقة فصيح، عالم تغير حفظه، وربما دلس.
قلت: لعل من ضعفه إنما ضعفه بسبب تغيره، ولذلك قال الحافظ في هدي الساري (ص 592) أخرج له الشيخان من رواية القدماء عنه في الاحتجاج، ومن رواية بعض المتأخرين عنه في المتابعات، وإنما عيب عليه أنه تغير حفظه لكبر سنه، لأنه عاش 103 سنين، ولم يذكره ابن عدي في الكامل، ولا ابن حبان. اهـ. =
والجواب عن هذا الدليل كالجواب عما سبق، إضافة إلى أن هذا الحديث صريح بأنه ليس فيه حلق، حيث ورد في بعض الروايات أن شعره إلى أذنيه.
• الراجح من الأقوال:
الأصل أن ترك الشعر أفضل من حلقه، إذا كان قادرًا على القيام بمؤنته، وتعهده
= قلت: لم أجعله ثقة، بل هو أدنى مرتبة، إعمالًا لجرح الإمام أحمد، وقول أبي حاتم: ليس بالحافظ. اهـ. لكنه ليس ضعيفًا، وقد احتجا به في الصحيح، فتوسطت وجعلته في مرتبة الصدوق.
كما أن في إسناده المسعودي قد اختلط قبل موته، ولكن الراوي عنه يونس بن بكير كوفي، فلعله ممن سمع منه قبل اختلاطه، وقد قال الإمام أحمد: ذكر أنه اختلط ببغداد وأن سماع من سمع منه هناك ليس بشيء، قال: ومن سمع منه بالكوفة فسماعه جيد.
وقال أحمد أيضًا: سماع وكيع من المسعودي بالكوفة قديم، وأبو نعيم أيضًا: قال أنه اختلط ببغداد، وعلى هذا تقبل رواية كل من سمع منه بالكوفة والبصرة قبل أن يقدم بغداد، والله أعلم. انظر الكواكب النيرات (ص: 286 وما بعدها)، وعلى كل حال فإنه سند صالح في المتابعات، وهو يقوي طريق شمر، عن خريم.
وله شاهد ضعيف من مسند سهل بن الحنظلية.
رواه أبو عاصم في الآحاد والمثاني (1045) حدثنا يعقوب بن حميد، أخبرنا إسماعيل بن داود، عن هشام بن سعد، عن قيس بن بشر، عن أبيه أنه سمع ابن الحنظلية يقول: إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: نعم الرجل خريم الأسدي لولا طول جمته وإسبال إزاره، فبلغ ذلك خريمًا رضي الله تعالى عنه، فأخذ شفرة وقطع بها شعره إلى أذنيه، وإزاره إلى أنصاف ساقيه. قال بشر: رأيت خريمًا عند معاوية رضي الله تعالى عنهما وشعره جمة إلى أذنيه.
وفيه إسماعيل بن داود بن مخراق.
قال البخاري: منكر الحديث. التاريخ الكبير (1/ 374).
وذكره العقيلي في الضعفاء. الضعفاء الكبير (1/ 93).
وقال أبو حاتم الرازي: هو ضعيف الحديث جدًّا. الجرح والتعديل (2/ 167).
وقال الخليلي: ينفرد عن مالك بأحاديث، وقد روى عن الأكابر ولا يرضى حفظه. الإرشاد في معرفة علماء الحديث (1/ 234).
وقال الدارقطني في غرائب مالك: ليس بالقوي. لسان الميزان (1/ 403).
وقال الآجري: عن أبي داود لا يساوي شيئًا. المرجع السابق.
وهشام بن سعد ليس بالقوي.
وتنظيفه، كما بينا من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، بل ومن فعل الأنبياء، وقد يختلف حكم حلق الرأس من حال إلى آخر،
فأما حلقه في النسك فإنه أفضل من التقصير، وهو مشروع في الكتاب والسنة:
أما الكتاب، فقال تعالى:(لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ)
(1)
.
(2268 - 219) وأما السنة فقد روى البخاري، قال: حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن نافع،
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم ارحم المحلقين، قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: اللهم ارحم المحلقين. قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: والمقصرين. وقال الليث: حدثني نافع: رحم الله المحلقين مرة أو مرتين. قال: وقال عبيد الله: حدثني نافع، وقال في الرابعة: والمقصرين
(2)
.
(2269 - 220) وأما حلقه للتداوي، فهذا أيضًا جائز، فقد روى البخاري من طريق مجاهد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى،
عن كعب بن عجرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لعلك آذاك هوامك. قال: نعم يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احلق رأسك، وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، أو انسك بشاة
(3)
.
وأما حلقه على وجه التعبد، فقد قال ابن تيمية: وأما حلقه على وجه التعبد، والتدين، والزهد، من غير حج ولا عمرة، مثل ما يأمر بعض الناس التائب إذا تاب يحلق رأسه، ومثل أن يجعل حلق الرأس شعار أهل النسك والدين، أو من تمام الزهد
(1)
سورة الفتح آية (27).
(2)
صحيح البخاري (1727)، ورواه مسلم (1301).
(3)
صحيح البخاري (1814)، مسلم (1201).
والعبادة، أو من يجعل من يحلق رأسه أفضل ممن لم يحلقه أو أدين أو أزهد، أو من يقصر من شعر التائب، كما يفعل بعض المنتسبين إلى المشيخة إذا توب أحدًا أن يقص بعض شعره، ويعين الشيخ صاحب مقص وسجادة، فيجعل صلاته على السجادة، وقصه رؤوس الناس من تمام المشيخة التي يصلح بها أن يكون قدوة يتوب التائبين فهذا بدعة لم يأمر الله بها، ولا رسوله، وليست واجبة، ولا مستحبة عند أحد من أئمة الدين، ولا فعلها أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا شيوخ المسلمين المشهورين بالزهد والعبادة، لا من الصحابة ولا من التابعين، ولا تابعيهم، ومن يعدهم مثل الفضيل بن عياض، وإبراهيم بن أدهم، وأبي سليمان الداراني، ومعروف الكرخي، وأحمد بن أبي الحواري، والسري السقطي، والجنيد بن محمد، وسهل بن عبد الله التستري، وأمثال هؤلاء لم يكن هؤلاء يقصون شعر أحد إذا تاب، ولا يأمرون التائب أن يحلق رأسه
(1)
.
وبقي أن يحلق رأسه لا على وجه التعبد، ولا من باب التداوي، وفي غير النسك، فإن كان قادرًا على القيام بمؤنته وتنظيفه، وتعهده بالترجل والدهن ونحوه فإن الأفضل تركه، وإلا كان ممكنًا قصه برقم واحد، وهو قريب جدًّا من الحلق، ويخرج به عن الحلق، فإن أصر إلا الحلق فأرجو أنه لا بأس به، والله أعلم.
وقد نقل عن بعض الصحابة أن لهم شعرًا كثيرًا،
(2270 - 221) فقد أخرج ابن أبي شيبة، قال: حدثنا، وكيع،
عن هشام قال: رأيت ابن عمر وجابرًا ولكل واحد منهما جمة
(2)
.
(2271 - 222) وروى أيضًا، قال: حدثنا أبو أسامة، عن هشام، قال: رأيت لابن عمر جمة مفروقة تضرب منكبيه
(3)
.
(1)
الفتاوى (21/ 118).
(2)
مصنف ابن أبي شيبة (5/ 187) رقم 25067 وسنده صحيح.
(3)
المصنف (5/ 189) رقم 25086، وسنده صحيح.
(2272 - 223) وروى ابن أبي شيبة أيضًا، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن هبيرة قال: كان لعبد الله شعر يصفه على أذنيه
(1)
.
(2273 - 224) وروى ابن أبي شيبة، قال: حدثنا الفضل، عن عبد الواحد بن أيمن، قال: رأيت ابن الزبير، وله جمة إلى العنق، وكان يفرق
(2)
.
(2274 - 225) وروى أيضًا قال: حدثنا وكيع، عن عبد الواحد بن أيمن قال: رأيت عبيد بن عمير وابن الحنفية لكل واحد منهما جمة
(3)
.
وقال أحمد بن حنبل: أحصيت على ثلاثة عشر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان لهم شعر، فذكر أبا عبيدة بن الجرح، وعمار بن ياسر، والحسن والحسين.
وقال أحمد أيضًا حين سئل عن تطويل الشعر: تدبرت مرة، فإذا هو عن بضعة عشر رجلًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
(4)
.
* * *
(1)
المصنف (5/ 187) رقم 25068، وسنده لا بأس به.
(2)
المصنف (5/ 188)، وسنده لا بأس به.
(3)
المرجع السابق، ونفس الصفحة، وسنده حسن.
(4)
كتاب الوقوف والترجل من الجامع لمسائل الإمام أحمد - أبو بكر الخلال (ص: 117، 118).