الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الخامس في الشارب
مدخل:
[م-857] المسلم مطلوب منه التميز عن غيره من الكفار، ولهذا نهي أن يلبس لباسهم، وأن يوافقهم في الظاهر، لما في ذلك من التشبه فيهم، والتشبه في الظاهر يقود إلى التشبه بالباطن، وفي الحديث:(من تشبه بقوم فهو منهم)
(1)
.
وفي قص الشارب
(1)
الحديث رواه حسان بن عطية، واختلف عليه فيه:
فأخرجه أحمد (2/ 50، 92) وابن أبي شيبة (33016)، وعبد بن حميد (848)، وأبو داود (4031) والطبراني في مسند الشاميين (216)، والبيهقي في شعب الإيمان (1199) من طريق عبد الرحمن بن ثابت، عن حسان بن عطية، عن أبي منيب الجرشي، عن ابن عمر.
أبو منيب لم يوثقه إلا ابن حبان والعجلي، وقال الحافظ في الفتح (6/ 98):«أبو منيب لا يعرف اسمه، وعبد الرحمن بن ثابت مختلف في توثيقه» . اهـ
قلت: عبد الرحمن بن ثابت مع كونه مختلفًا فيه، فقد تغير بآخرة، فإسناد حديثه هذا إلى الضعف أقرب.
ورواه الأوزاعي، عن حسان بن عطية، واختلف على الأوزاعي:
فرواه الطحاوي في شرح مشكل الآثار (231) من طريق الوليد بن مسلم، حدثنا الأوزاعي، عن حسان بن عطية، عن أبي منيب الجرشي، عن ابن عمر مرفوعًا.
وهذه متابعة لعبد الرحمن بن ثابت.
ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (33010) عن عيسى بن يونس.
ورواه أيضًا (33011) عن سفيان.
ورواه ابن المبارك في الجهاد (105)، ومن طريقه الشهاب في مسنده (390)، ثلاثتهم (عيسى ابن يونس، وسفيان، وابن المبارك) رووه عن الأوزاعي، عن سعيد بن جبلة، عن طاووس، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا مرسل.
وسفيان وعيسى وابن المبارك مقدمون على الوليد بن مسلم؛ لثلاثة أسباب: =
وإحفاؤه تحقيق لجانب من جوانب التميز من جهة، وفيه أيضًا من النظافة ما فيه.
قال ابن دقيق العيد: «في قص الشارب وإحفائه وجهان:
أحدهما: مخالفة زي الأعاجم، وقد وردت هذه العلة منصوصة في الصحيح،
= السبب الأول: كثرة من رواه عن الأوزاعي مرسلًا، والكثرة من أسباب الترجيح.
السبب الثاني: أن الوليد بن مدلس، وقد عنعنه، وهو متهم بتسوية أحاديث الأوزاعي.
السبب الثالث: أن شيخ الطحاوي أبا أمية الطرسوسي له أوهام إذا حدث من حفظه.
ورواه البزار كما في نصب الراية للزيلعي (4/ 437) عن صدقة بن عبد الله، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة.
وصدقة بن عبد الله رجل ضعيف. وهذا اختلاف ثالث على الأوزاعي.
قال البزار كما في نصب الراية (4/ 347): «لم يتابع صدقة على روايته هذه، وغيره يرويه عن الأوزاعي مرسلا» . اهـ
كما رجح رواية الأوزاعي المرسلة أبو حاتم الرازي، كما في العلل لابنه (1/ 319).
ورجح مثله دحيم، وقال أبو حاتم في علل الحديث (3/ 388):«قال لي دحيم: هذا الحديث ليس بشيء؛ الحديث حديث الأوزاعي، عن سعيد بن جبلة، عن طاوس، عن النبي صلى الله عليه وسلم» .اهـ
ورواه معمر بن راشد في كتاب الجامع (20986) عن قتادة، أن عمر رأى رجلًا قد حلق قفاه، ولبس حريرًا، فقال: من تشبه بقوم فهو منهم.
وهذا له علتان، أحدهما: الانقطاع، قتادة لم يدرك عمر.
والثانية: أن رواية معمر، عن قتادة فيها كلام.
كما أن في الباب حديث حذيفة مرفوعًا، رواه البزار في مسنده كما في كشف الأستار (144) والطبراني في الأوسط (8/ 179) رقم 8327 من طريق علي بن غراب، حدثنا هشام، عن محمد بن سيرين، عن أبي عبيدة بن حذيفة، عن أبيه مرفوعًا.
قال البزار: لا نعلمه مسندًا عن حذيفة إلا من هذا الوجه، وقد وقفه بعضهم على حذيفة. اهـ
وأبو عبيدة روى عنه جماعة، ولم يوثق، ولم يرو له أحد من الكتب الستة إلا ابن ماجه روى له حديثًا واحدًا، وفي التقريب: مبقول.
ورواه الطبراني في مسند الشاميين (1862) من طريق عمرو بن الحارث، حدثنا عبد الله بن سالم، عن الزبيدي، حدثنا نمير بن أوس، أن حذيفة بن اليمان كان يرده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: من تشبه بقوم فإنه منهم.
وعمرو بن الحارث، قال الذهبي: لا تعرف عدالته. ولم يوثقه إلا ابن حبان.
ونمير بن أوس، روايته عن حذيفة مرسلة.
فالراجح أن الحديث ضعيف، وإن حسنه بعض أهل العلم.
حيث قال: (خالفوا المجوس).
والثاني: أن زوالها عن مدخل الطعام والشراب أبلغ في النظافة وأنزه من وضر الطعام
(1)
.
وقال الشيخ ولي الدين العراقي في شرح سنن أبي داود: «الحكمة في قص الشوارب أمر ديني، وهو مخالفة شعار المجوس في إعفائه، كما ثبت التعليل به في الصحيح، وأمر دنيوي: وهو تحسين الهيئة، والتنظف مما يعلق به من الدهن، والأشياء التي تلصق بالمحل كالعسل، والأشربة، ونحوها.
وقد يرجع تحسين الهيئة إلى الدين؛ لأنه يؤدي إلى قبول قول صاحبه، وامتثال أمره من أرباب الأمر كالسلطان، والمفتي والخطيب، ونحوهم، ولعل في قوله تعالى:(وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ)[غافر: 64]، إشارة إليها، فإنه يناسب الأمر بما يزيد في هذا، كأنه قال: قد أحسن صوركم فلا تشوهوها بما يقبحها، وكذا قوله تعالى حكاية عن إبليس:(وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ)[النساء: 119]، فإن إبقاء ما يشوه الخلقة تغيير لها، لكونه تغييرًا لحسنها، ذكر ذلك كله تقي الدين السبكي»
(2)
.
المقصود بالشارب: الشعر النابت على الشفة العليا، واختلف في جانبيه، وهما السبالان:
فقيل: هما من الشارب، فيشرع قصهما.
وقيل: هما من جملة شعر اللحية. ذكر ذلك الحافظ في الفتح، وسيأتي مزيد بحث إن شاء الله عن ذلك.
وقص الشارب: هو الإطار، وهو طرف الشعر المستدير على الشفة
(3)
.
وقيل: الشارب: اسم لمحل الشعر، كما ذكره في التحقيق.
* * *
(1)
إحكام الأحكام (1/ 124).
(2)
تنقيح الفتاوى الحامدية (2/ 330).
(3)
الفواكه الدواني (2/ 305).