الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليكم شرب الخمر وثمنها، وحرم عليكم أكل الميتة وثمنها، وحرم عليكم الخنازير وأكلها وثمنها، وقال: قصوا الشوارب وأعفوا اللحى، ولا تمشوا في الأسواق إلا وعليكم الأزر، إنه ليس منا من عمل سنة غيرنا
(1)
.
[إسناده ضعيف]
(2)
.
•
دليل من قال بجواز حلق شعر الخدين:
الظاهر أن قوله يرجع إلى أن شعر الخد ليس داخلًا في حد اللحية لغة، وقد قدمت في تعريف اللحية أن أهل اللغة ومثلهم الفقهاء قد اختلفوا في حد اللحية:
فقيل: الشعر النابت على الخد والذقن.
وقيل: شعر الذقن خاصة.
فمن رأى أن اللحية: شعر الذقن خاصة، لم يمنع من حلق شعر الخد، والله أعلم.
• ويجاب:
بأن الراجح والله أعلم أن اللحية هو الشعر النابت على اللحى، ومنه أطلق على اللحية لحية.
(3)
.
•
دليل من قال: يكره حلق اللحية:
هذا القول حمل حديث ابن عمر وحديث أبي هريرة بالأمر بإعفاء اللحية على الاستحباب، وكره حلق اللحية؛ لأنه ربط ذلك بمخالفة للمشركين.
(1)
الطبراني في الأوسط (9426).
(2)
سبق تخريجه، انظر ح:(2168).
(3)
عمدة القارئ شرح صحيح البخاري (22/ 46).
• ونوقش:
بأن الأصل في الأمر الوجوب، فأين الصارف للأمر من الوجوب إلى الاستحباب، والأصل في موافقة المشركين التحريم، وليس الكراهة.
• ويجاب عن هذا بجوابين:
الجواب الأول:
أن الأصل في الأمر الشرعي الوجب مسألة خلافية بين أهل الأصول، والخلاف في دلالته قوي، والراجح أن الأمر للوجوب إلا أن السلف يصرفونه لأدنى صارف، ولهذا لما رأى كثير من العلماء أن هناك أوامر على الاستحباب، ولم يظهر له قوة الصارف قالوا: إن المستحب هو القدر المتيقن، فلا نصرفه للوجوب إلا بقرينة، لأن الأصل عدم الوجوب، والحق أن الأصل في الأمر للوجوب، ولا يتشدد في الصارف، فيصرف الأمر للكراهة لأدنى صارف، ومن الصوارف لهذا الحديث:
الصارف الأول:
أن التعليل بمخالفة المشركين قد يكون قرينة صارفة للأمر من الوجوب إلى الكراهة، فالأصل أن ما كانت علته المخالفة فهو محمول على الكراهة إلا لقرينة صارفة، فقد يصل الأمر إلى ما أهو أعلى من التحريم كالشرك، وقد يصل الأمر إلى ما هو أدنى من الكراهة، وهو ما يعبر عنه بخلاف الأولى كالأمر بالصلاة بالنعل مخالفة للمشركين، وكقوله صلى الله عليه وسلم: إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر، فإن كان مجردًا من القرائن حمل على الكراهة، وهو قول وسط
(1)
، خاصة أن عمدة من قال: إن الأصل في
(1)
وابن حجر يعلل دائمًا بهذا، ولهذا لما تكلم في العلة في آنية الذهب والفضة، وأن العلة فيها التشبه بالأعاجم، قال في الفتح (10/ 98):«وفي ذلك نظر؛ لثبوت الوعيد لفاعله، ومجرد التشبه لا يصل إلى ذلك» . اهـ
وكذلك يذهب حرملة إلى أن التشبه لا يصل إلا التحريم في غير مسألتنا، انظر الفتح (10/ 94).
مخالفة المشركين هو الوجوب حديث من تشبه بقوم فهو منهم، وهو حديث الراجح فيه الإرسال، وظاهره غير مراد
(1)
.
قال الشيخ عبد الله أبا بطين عند الكلام على أن الأخذ من الشارب لا يجب: «وأما أمره صلى الله عليه وسلم بذلك مخالفة للمجوس والمشركين فلا يلزم منه الوجوب؛ لأن مخالفتهم قد تكون واجبة، وقد تكون غير واجبة، كقوله صلى الله عليه وسلم: إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم»
(2)
.
الصارف الثاني:
أن حديث ابن عمر وأبي هريرة اشتمل على أمرين أعفوا اللحى وأحفوا الشوارب، وعلل ذلك في بعض طرق الحديث خالفوا المشركين.
وقد حكى جماعة من أهل العلم الإجماع على أن الأخذ من الشارب ليس واجبًا منهم القرافي في الذخيرة
(3)
، والباجي في المنتقى
(4)
، والعراقي في طرح التثريب
(5)
، والنووي في المجموع
(6)
، والشوكاني في نيل الأوطار
(7)
.
وقد نقلت نصوصهم في الكلام على حكم قص الشارب.
ونقل ابن حجر عن ابن دقيق العيد أنه قال: «لا أعلم أحدًا قال بوجوب قص الشارب»
(8)
.
ولم يخالف في ذلك إلا ابن حزم وابن العربي والإجماع حجة عليهم.
(1)
انظر تخريجه (ص: 237) من هذا المجلد.
(2)
الدرر السنية (4/ 150).
(3)
الذخيرة للقرافي (13/ 279).
(4)
المنتقى للباجي (7/ 232).
(5)
طرح التثريب (2/ 76).
(6)
المجموع (1/ 340).
(7)
نيل الأوطار (1/ 142).
(8)
فتح الباري (10/ 348).
• ورد هذا:
بأنه لو سلم الإجماع فإنه في الشارب، وليس في اللحية، ودلالة الاقتران دلالة ضعيفة.
• وأجيب على هذا الرد:
بأن هذا ليس من باب دلالة الاقتران كما فهم بعض الإخوة، وإنما هو من باب أن الاشتراك في العلة يعني الاشتراك في الحكم، فالحديث واحد، والعلة فيه واحدة توجهت لأمرين معًا، وهو الشعر، ومحله الوجه: شعر اللحية وشعر الشارب، فما كان فوق الشفة في حكم ما كان أسفل الشفة، فمن أراد أن يفرق بينهما في الحكم فعليه الدليل، ولا يجوز التفريق للتشهي، فهو يقول: أعفوا اللحى وأحفوا الشوارب خالفوا المشركين، فقوله: خالفوا المشركين إن كانت هذه العلة دالة على التحريم في اللحية فهي تدل على التحريم في الشارب، والعكس صحيح، إذا لم تدل على التحريم في الشارب وحكي فيها الإجماع لم تدل على التحريم في اللحية.
الصارف الثالث:
أن مخالفة المشركين إن كانت في أمور الاعتقاد وأصول العبادات فهي على الوجوب، وموافقتهم محرمة وقد تبلغ الشرك، وإن كانت في أمور الهيئة والشعر فهي لا تبلغ الوجوب، ومخالفتهم مستحبة، وموافقتهم دائرة بين الكراهة وخلاف الأولى، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم متفق عليه من حديث أبي هريرة، والصبغ ليس بواجب، والأمر يتعلق بالشعر، ومنه شعر اللحية، وقوله: أعفوا اللحى خالفوا المشركين، الأمر يتعلق بالشعر، والعلة المخالفة.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسدل شعره، ثم فرقه مخالفة لأهل الكتاب كما في حديث ابن عباس في الصحيحين
(1)
، وفرق الشعر ليس بواجب، فأنت ترى أن شعر الشارب،
(1)
صحيح البخاري (3558)، ورواه مسلم (2336).
وصبغ الشعر، وفرق الرأس كلها تشريعات في الشعر لمخالفة المشركين، ولم تبلغ الوجوب، فلا يختلف الشأن في اللحية عن الشأن في هذه الأمور، فهي لا تتجاوز الكراهة.
الصارف الرابع:
أن الحنابلة استحبوا إعفاء اللحية مع أن الإعفاء هو المعلل بمخالفة المشركين (أعفوا اللحى خالفوا المشركين) ولم يعلل الحلق بهذه العلة، إلا أن يقال بطريق الأولى، وهذا يقال لو أن الحنابلة قالوا بوجوب الإعفاء، فإذا لم تكن علة المخالفة دالة على وجوب إعفاء اللحية عند الحنابلة مع النص عليها لم تكن هذه العلة دالة على تحريم الحلق، فهل يقال: إعفاء اللحية مستحب مع تعليله بمخالفة المشركين وحلق اللحية محرم للعلة نفسها.
قال ابن مفلح: «ويسن أن يعفي لحيته، وقيل: قدر قبضة»
(1)
.
وفي المبدع: «ويعفي لحيته، وذكر ابن حزم أن ذلك فرض كقص الشارب، وأطلق أصحابنا وغيرهم أن ذلك سنة»
(2)
.
وقال في الشرح الكبير: «ويستحب إعفاء اللحية
…
»
(3)
.
الجواب الثاني:
أن ربط الأمر بإعفاء اللحية مخالفة للمشركين جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر، وفي مسلم من حديث أبي هريرة، وهما أصح حديثين في الباب، وفيهما اختلاف في ذكر هذه الزيادة
(4)
.
(1)
الآداب الشرعية (3/ 329).
(2)
المبدع (1/ 105).
(3)
الشرح الكبير (1/ 105).
(4)
فأما حديث ابن عمر، فرواه عن ابن عمر راويان:
أحدهما: ابن أبي علقمة، عن ابن عمر عند أحمد وأبي يعلى (5738)، والنسائي (5045)، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= بسند صحيح، وليس فيه لفظ:(خالفوا المشركين).
الثاني: عروة، عن ابن عمر، رواه ابن جميع الصيداوي في معجم شيوخه (ص: 336) بسند حسن، وليس فيه ذكر المخالفة.
الثالث نافع، عن ابن عمر، واختلف على نافع.
فرواه عبيد الله بن عمر، عن نافع كما في صحيح البخاري (5993)، ومسلم (52 - 259) وليس فيه ذكر مخالفة المشركين، وعبيد الله مقدم في نافع على غيره من الرواة، حتى قدموه على على مالك، وهو من أجل من روى عن نافع، ولم يختلف عليه في عدم ذكر مخالفة المشركين.
كما رواه مالك، عن أبي بكر بن نافع، عن نافع، كما في صحيح مسلم (53 - 259)، وهو في الموطأ (2/ 947)، وسنن أبي داود (4199)، والترمذي (2764)، ومسند أبي عوانة (467)، وشرح معاني الآثار (4/ 230)، وليس فيه ذكر (مخالفة المشركين).
وقد رواه مالك، عن نافع، عن ابن عمر في المسند، وليس فيه ذكر مخالفة المشركين، وأظن المحفوظ عن مالك، أنه رواه عن أبي بكر بن نافع، عن نافع، كما تقدم.
وخالفهما عمر بن محمد بن زيد، فرواه عن نافع، واختلف على عمر بن محمد:
فرواه البخاري (5892)، ومسلم (54 - 259) عنه، عن نافع، بزيادة (خالفوا المشركين)، وقد ذكر مسلم أولًا رواية عبيد الله، عن نافع، ثم ثنى برواية أبي بكر، عن نافع، وكلاهما ليس فيه ذكر للمخالفة، ثم ثلث برواية عمر بن محمد بن زيد هذه، مما يدل صنيع مسلم أن الروايتين السابقتين مقدمة على رواية عمر بن محمد، والله أعلم.
ورواه يزيد بن زريع، عن عمر بن محمد، واختلف على يزيد:
فرواه أبو نعيم في مستخرجه على صحيح مسلم (602) من طريق سهل بن عثمان.
والبيهقي في السنن (1/ 150) من طريق محمد بن المنهال، كلاهما عن يزيد بن زريع، عن عمر ابن محمد، عن نافع به، بلفظ:(خالفوا المشركين) كما هي رواية الصحيحين.
وخالفهم ابن شبابان، قال أبو أبو عوانة في مستخرجه (468) حدثنا ابن شبابان، حدثنا أبو بشر بكر بن خلف، قال: حدثنا يزيد بن زريع به، بلفظ:(خالفوا المجوس) وهذه لفظة شاذة، والله أعلم، وشيخ أبي عوانة مجهول.
وإذا كان قد انفرد فيها عمر بن محمد، عن نافع، وخالفه عبيد الله بن عمر، وأبو بكر بن نافع، عن نافع، كما رواه عروة، عن ابن عمر، وليس فيه ذكر للمخالفة. فعبيد الله بن عمر وحده مقدم على عمر بن محمد، فكيف وقد توبع عبيد الله، ولم يتابع عمر بن محمد إلا أن صنيع البخاري قد اعتبرها زيادة ثقة، ورواية مسلم بالترتيب الذي ذكرته عنه قد لا يجزم الباحث بأنه يراها محفوظة، فتأمل. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وأما حديث أبي هريرة، فرواه عن أبي هريرة سعيد المقبري، وأبو سلمة، عن أبي هريرة بدون ذكر المخالفة.
وخالفهما العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة بذكرها، على اختلاف عليه في فيها. وإليك تخريج ما وقفت عليه من هذه الطرق.
الأول: سعيد المقبري، عن أبي هريرة رواه أبو يعلى في مسنده (6588) بسند صحيح، وليس فيه ذكر المخالفة.
الثاني: عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة.
رواه أحمد (2/ 229) والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 230) عن هشيم، عن عمر بن أبي سلمة به، بدون ذكر مخالفة المشركين.
ورواه أبو عوانة وضاح بن عبد الله، واختلف عليه:
فرواه أحمد (2/ 387) عن عفان، عن أبي عوانة عن عمر بن أبي سلمة به بدون ذكر المخالفة كرواية هشيم.
وخالفه يحيى بن إسحاق البجلي، فرواه أحمد (2/ 356) عنه، عن أبي عوانة به، بلفظ: أعفوا اللحى، وخذوا الشوارب، وغيروا شيبكم، ولا تشبهوا باليهود والنصارى.
وقد رواه أبو يعلى في مسنده (6021) عن محمد بن المنال،
ورواه الترمذي (1752) حدثنا قتيبة، كلاهما عن أبي عوانة بلفظ: غيروا الشيب، ولا تشبهوا باليهود، بدون ذكر اللحية والشارب، وبدون ذكر النصارى. فأخشى أن يكون يحيى بن إسحاق دخل عليه حديث تغيير الشيب بحديث أعفوا اللحى، فجمعهما بذكر مخالفة اليهود والنصارى.
ورواه الطبراني في المعجم الصغير (16) والخطيب في تاريخ بغداد (3/ 260) من طريق سليمان ابن داود اليامي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، بدون ذكر المخالفة.
تفرد به سليمان بن داود، عن يحيى بن أبي كثير، وهو منكر الحديث.
الثالث: العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، واختلف على العلاء:
فرواه أحمد (2/ 366) عن أبي سلمة الخزاعي، عن سليمان بن بلال، عن العلاء بن عبد الرحمن، مرة بذكر مخالفة المجوس، وأعاد أحمد الحديث بنفس الإسناد (2/ 365)، ولم يذكر المخالفة.
ورواه أبو نعيم في مستخرجه على صحيح مسلم (603) من طريق حرملة، عن ابن وهب.
والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 150) من طريق يحيى بن صالح، كلاهما عن سليمان بن بلال به، بذكر مخالفة المجوس.
ورواه ابن أبي مريم، عن محمد بن جعفر، عن العلاء، واختلف على ابن أبي مريم: =
• الراجح:
أن القولين متقابلان، وفي كلٍ قوة، وإن كنت أميل إلى التحريم؛ لأنه عمل الناس من لدن العصر الأول إلى عصرنا هذا، حتى خضعت البلاد لحكم المستعمر، وأخذ المغلوب في تقليد الغالب، والله أعلم.
* * *
= فرواه الطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 230) عن يزيد بن سنان، عن ابن أبي مريم، حدثنا محمد بن جعفر، عن العلاء بن عبد الرحمن به، وليس فيه ذكر للمخالفة، وسنده صحيح.
ورواه مسلم (55 - 260) وابو عوانة في مستخرجه (465) عن أبي بكر بن إسحاق، عن ابن
أبي مريم به، بذكر مخالفة المجوس.
فإذا رجحنا في طريق العلاء بن عبد الرحمن ذكر المخالفة، فقد خالفه سعيد المقبري، وأبو سلمة، عن أبي هريرة فلم يذكراها.
هذا ما وقفت عليه في تخريج حديث ابن عمر وحديث أبي هريرة في ذكر مخالفة المشركين، وفي لفظ: ذكر مخالفة المجوس.
ويتبين أن هناك اختلافًا في ذكرها بين الرواة، فإن كانت محفوظة فقد علمت الجواب عنها، وإن لم تكن محفوظة، كان الخلاف محصورًا في دلالة الأمر على الوجوب، وليس في التعليل بمخالفة المشركين، والله أعلم.