الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن محمد بن كعب القرظي، أنه كان يقول في هذه الآية: ثم ليقضوا تفثهم: رمي الجمار، وذبح الذبيحة، وأخذ من الشاربين واللحية، والأظفار، والطواف بالبيت وبالصفا والمروة
(1)
.
الدليل الرابع:
(2195 - 146) روى أبو داود، قال: حدثنا ابن نفيل، ثنا زهير، قرأت على عبدالملك بن أبي سليمان، وقرأه عبد الملك على أبي الزبير، ورواه أبو الزبير عن جابر قال: كنا نعفي السبال إلا في حج أو عمرة
(2)
.
[حسن]
(3)
.
(4)
.
وقوله: (كنا نعفي) حكاية عن الصحابة، كلهم أو أكثرهم، وهذا يؤيد أن الأخذ من اللحية لم يكن من فعل ابن عمر وحده، ولكن من فعل غالب الصحابة.
والسبال هنا المراد به اللحية، وإن كان قد يطلق على الشارب، لأنه لا يعقل أن الصحابة لا يأخذون من شواربهم إلا في حج أو عمرة، فهذا قرينة أن المراد به شعر اللحية، وعلى هذا التفسير يطابق ما كان يفعله ابن عمر رضي الله عنه، وبه يصح أن الصحابة كلهم أو غالبهم كانوا يأخذون من شعر اللحية في النسك، والله أعلم.
(1)
تفسير الطبري (17/ 149)، ورجاله كلهم ثقات إلا أبا صخر حميد بن زياد، وحديثه حسن إن شاء الله.
(2)
سنن أبي داود (4201).
(3)
وحسن إسناده الحافظ في الفتح (10/ 350)، والحديث سبق تخريجه، ح (2180).
(4)
الفتح (10/ 350).
وإذا ثبت أن الصحابة يأخذون من اللحية في النسك، فإن هناك مقدمتين ونتيجة:
المقدمة الأولى: هل كان الصحابة يجهلون الأمر بإعفاء اللحية، هذا الحكم الذي يعرفه آحاد المسلمين في بلادنا؟
المقدمة الثانية: إذا كانوا لا يجهلون الأمر بإعفاء اللحية، فإن السؤال، هل كان الصحابة لا يعرفون لغة مدلول كلمة الإعفاء في الأمر النبوي؟ وهذا أيضًا لا يمكن أن يقال: إن الصحابة، وهم أهل اللسان، وبلغتهم نزل التشريع، لا يمكن أن يقال: لا يعرفون مدلول كلمة الإعفاء. فبقي أن نقول بعد التسليم بالمقدمتين: وهو كون الأمر بإعفاء اللحية معلومًا لدى الصحابة، ومعنى الإعفاء معلوم أيضًا، فيبقى التسليم لفهم الصحابة أولى من التسليم لفهم من دونهم.
السؤال الآخر: هل كان ابن عمر لا يأخذ من لحيته إلا في النسك؟
والجواب:
ثبت عن ابن عمر أنه كان يأخذ من لحيته خارج النسك.
(2196 - 147) روى مالك في الموطأ عن نافع:
أن ابن عمر كان إذا أفطر من رمضان، وهو يريد الحج لم يأخذ من رأسه، ولا من لحيته شيئًا حتى يحج
(1)
.
وهذا الإسناد من أصح الأسانيد، وفيه فائدتان:
الفائدة الأولى:
أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يمتنع من الأخذ من لحيته بقيدين:
الأول: بعد الإفطار من رمضان، وأما قبل الإفطار فكان يأخذ من رأسه ولحيته مطلقًا، نوى الحج أو لم ينو.
(1)
الموطأ (1/ 396).
الفائدة الثانية: أن ابن عمر بعد الإفطار من رمضان يأخذ من لحيته ورأسه إلا أن ينوي الحج، فإن كان بنيته الحج كف عن الأخذ من رأسه ولحيته ليأخذ منهما بعد تحلله.
والذي يظهر أن ابن عمر لا يرى أن الأخذ من اللحية له علاقة بالنسك، وإنما لما كان ممنوعًا من الأخذ من لحيته ورأسه بعد تلبسه بالإحرام عادت الإباحة بعد تحلله من إحرامه وارتفاع الحظر، فصار حلالًا له الأخذ من لحيته كما كان قبل إحرامه يأخذ من لحيته قبل إفطاره من رمضان.
قال ابن عبد البر في الاستذكار: «لما كان حرامًا عليه أن يأخذ من لحيته وشاربه، وهو محرم، رأى أن ينسك بذلك عند إحلاله»
(1)
.
فتبين أن دعوى أصحابنا أن ابن عمر لم يكن يأخذ من لحيته إلا في النسك دعوى ليست صحيحة.
قال ابن عبد البر: هذا ابن عمر روى: (أعفوا اللحى) وفهم المعنى، فكان يفعل ما وصفنا، وقال به جماعة من العلماء في الحج وغير الحج.
الجواب الثاني:
على فرض أن يكون الصحابة لم يأخذوا من لحاهم إلا في النسك، فهل كان الأخذ محرمًا والنسك أباح لهم انتهاك المحرم؟ أو يقال: إن فعلهم في النسك دليل على أن الترك خارج النسك لم يكن واجبًا، فقد يستحبون الإعفاء كما قال عطاء: كانوا يحبون أن يعفوا لحاهم إلا في حج أو عمرة، وقد يكره بعضهم الأخذ منها، أما أن يكون الشيء محرمًا ثم يبيحه النسك فهذا القول لا يقوم على فقه ولا نقل. والدليل على هذا:
أولًا: أن اللحية لا تعلق لها بالنسك، وإنما النسك في شعر الرأس خاصة، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم النسك من قوله، ومن فعله، وقال: خذوا عني مناسككم، ولم ينقل
(1)
الاستذكار (4/ 316).
عن الرسول صلى الله عليه وسلم في بيان النسك أن اللحية لها تعلق به، فبطل اعتقاد أن الأخذ منها خاص بالنسك.
وثانيًا: أن السلف فهموا جواز الأخذ منها ملطقًا، ولم يقيدوه في النسك فيما أعلم إلا الشافعية فإنهم كرهوه خارج النسك، ولم يحرموه، وعبر بعضهم بالأولى كما هي عبارة العراقي، وقد سقتها عند عرض الأقوال.
ثالثًا: ولأني لا أعرف أحدًا من السلف حرم الأخذ من اللحية مطلقًا، فمن ادعى تحريم أخذ ما زاد من القبضة من فهم السلف فليأت به، ولا أعلم أحدًا قال به إلا بعض المعاصرين في البلاد النجدية، قاله الشيخ تفقهًا، وقلده طلابه من غير بحث، وهو فهم لم يسبق إليه، ولم يوافق عليه من سائر البلاد الإسلامية، ومن ادعى فهمًا من النص لم يسبق إليه فهو رد عليه، وإني أدعو القوم إلى ترك أقوالهم إلى أقوال السلف، ومن دعانا إلى تقليده تاركين مذهب السلف فقد استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير.
رابعًا: ولأن أحدًا لا يستطيع أن يقول: إن الصحابة الذين أخذوا من اللحية في النسك لم يعفوا لحاهم حينئذ، وقد تشبهوا في المشركين في ترك الإعفاء. أو يقول: إن التشبه بالمشركين في ترك إعفاء اللحية داخل النسك مباح، وإذا كان خارج النسك كان محرمًا، فلابد من القول بأن الصحابة، وإن أخذوا من لحاهم داخل النسك لم يخرجوا عن حد الإعفاء، وإذا كانوا لم يخرجوا عنه داخل النسك، لم يخرجوا عنه خارج النسك، والعجب أن قومًا من الحنابلة ينقمون علينا اتباع الدليل وتعظيم الآثار في مسائل كثيرة يكون فيها المذهب الحنبلي خلاف القول الراجح، ويدعوننا إلى التقليد واتباع الرجال، وترك الاجتهاد، وفي هذه المسألة التي وافقت مذهب أحمد من قوله وفعله لم تعجبهم، فخالفوا منهجهم في اتباع التقليد، فإن كان التقليد لمذهب الحنابلة هو الراجح عندهم فلم الغضب والمسألة لم تخرج عن مذهب الحنابلة؟ وإن