الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي هذا الإجماع نظر، فقد خالف فيه ابن سيرين وإبراهيم النخعي، نقله عنهما الحافظ في الفتح
(1)
.
(1375 - 117) وقد روى ابن أبي شيبة، قال: حدثنا هشيم، عن ابن عون،
عن ابن سيرين، قال: كانوا يكرهون أن يستقبلوا واحدة من القبلتين
(2)
.
[رجاله ثقات].
وقول التابعي: كانوا يكرهون يقصد به الصحابة رضوان الله عليهم، ولعل الصحابة كانوا يكرهون ذلك؛ لأن استقبالهم بيت المقدس يستلزم استدبار الكعبة، فالعلة استدبار القبلة، لا استقبال بيت المقدس، فقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم استقبل بيت المقدس حال قضاء الحاجة، كما في حديث ابن عمر، وقد تقدم.
•
دليل من قال: التحريم خاص بأهل المدينة ومن على سمتها:
وهذا القول هو أضعف الأقوال، وقد أخذوه من عموم قوله صلى الله عليه وسلم:(ولكن شرقوا أو غربوا) قاله أبو عوانة، صاحب المزني، وهذه ظاهرية بحتة، ولا يوجد حكم يخص به أهل المدينة دون غيرهم، والعلة تكريم القبلة، وهم وغيرهم سواء في ذلك.
بقي أن نشير قبل ختام هذا البحث أن القائلين بالتفريق بين الصحراء والبنيان لا فرق عندهم في الساتر بين الجدار والدابة والوهدة، وكثيب الرمل، ونحو ذلك، ولو أرخى ذيله في قبالة القبلة فهل يحصل به الستر، وجهان عند الشافعية والحنابلة، الصحيح منهما عندهما الاكتفاء بذلك حيث أمن التنجس؛ لأن المقصود ألا يستقبل القبلة ولا يستدبرها بسوأته، وهذا المقصود يحصل بالذيل، وبه قال المالكية
(3)
.
(1)
فتح الباري (ح 144).
(2)
المصنف (1/ 139).
(3)
حاشية العدوي على الخرشي (1/ 147)، المجموع (2/ 93)، تصحيح الفروع (1/ 112)، كشاف القناع (1/ 65).
وإذا قلنا: إن الساتر مؤثر في جواز الاستقبال والاستدبار حال قضاء الحاجة، ومعلوم أن الفضاء فيه جبال وأشجار وغيرها، فهل يشترط مسافة معينة من الساتر حتى يكون مؤثرًا، أو يكفي وجود الساتر ولو بعد من الإنسان، وهل يشترط في الساتر قدرٌ معينٌ في ارتفاعه، أو لا يشترط.
أما القائلون بالتحريم مطلقًا كالحنفية فلا يحتاجون إلى هذا التفصيل.
وأما القائلون بالتفريق بين الصحراء والبنيان، فهم يفصلون في ذلك:
قال ابن ناجي من المالكية: لم أقف عندنا على مقدار السترة
(1)
.
وأما الشافعية
(2)
، والحنابلة
(3)
، فقالوا: إن كان قضاء الحاجة في بيت بني لذلك كالمرحاض ونحوه، فلا يشترط أن يكون قريبًا من الساتر، وإن كان في غيره، فقالوا: يشترط أن يكون بينه وبين الساتر نحو ثلاثة أذرع، فما دونها، وأن يكون ارتفاع الساتر مرتفعًا قدر مؤخرة الرحل، فإن زاد ما بينهما على ثلاثة أذرع، أو قصر الحائل عن مؤخرة الرحل، فهو حرام. وإنما اعتبروا في المسافة ثلاثة أذرع كسترة الصلاة، واعتبروا مؤخرة الرحل في الارتفاع من أجل أن تستر أسفله ليحصل المقصود.
وكل هذه الشروط تدل على أن اشتراط الساتر فيه ضعف؛ لأن كل هذه المقادير تحتاج إلى توقيف، ولا توقيف هنا.
وهذا التفصيل لا يلزمنا إذا رجحنا القول بكراهة استقبال القبلة واستدبارها حال قضاء الحاجة، في الصحراء والبنيان، والله أعلم.
* * *
(1)
حاشية العدوي على الخرشي (1/ 147)، وقد نص الصاوي في حاشيته على الشرح الصغير (1/ 94) بقوله:«ويكفي أن يكون طوله ثلثي ذراع، وقربه منه ثلاثة أذرع فأقل، وعرضه منه مقدار ما يواري عورته» . اهـ
(2)
المجموع (2/ 93).
(3)
كشاف القناع (1/ 65).