الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل التاسع
لا يباشر الاستنجاء بيده اليمنى ولا يمس ذكره بها
مدخل في ذكر الضوابط الفقهية:
• النهي عن مس الذكر باليمين حال البول، هل هو من باب تكريم اليمين باعتبار العضو طاهرًا، فيكون النهي للكراهة، أو من باب وقاية اليمين عن مباشرة النجاسة فيكون النهي للتحريم.
• الأصل في النهي التحريم ويصرف عنه إلى الكراهة لأدنى صارف.
[م-631] كره الفقهاء مس الفرج باليمين حال البول، واستنجاءه واستجماره بها، وهو مذهب الأئمة
(1)
.
وقيل: يحرم الاستنجاء باليمين، رجحه ابن نجيم من الحنفية
(2)
، واختاره
(1)
انظر في مذهب الحنفية: بدائع الصنائع (1/ 119)، شرح فتح القدير (1/ 216)، العناية شرح الهداية (1/ 216)، الفتاوى الهندية (1/ 50)، حاشية ابن عابدين (1/ 339).
وفي مذهب المالكية: مواهب الجليل (1/ 290)، القوانين الفقهية (ص: 29)، التاج والإكليل (1/ 388)، الخرشي (1/ 141)، حاشية الصاوي (1/ 95).
وفي مذهب الشافعية: المجموع (2/ 125)، روضة الطالبين (1/ 70)، أسنى المطالب (1/ 53)، المهذب (1/ 28)، حلية العلماء (1/ 163)، حواشي الشرواني (1/ 184)، حاشيتي قليوبي وعميرة (1/ 50)، تحفة المحتاج (1/ 184، 185).
وفي مذهب الحنابلة: المغني (1/ 103)، شرح العمدة (1/ 152)، المحرر (1/ 10)، الكافي (1/ 54)، كشاف القناع (1/ 61)، الفتاوى الكبرى (1/ 340)، الفروع (1/ 120).
(2)
البحر الرائق (1/ 255).
ابن حزم
(1)
، ورجحه الشوكاني
(2)
.
وقيل: يكره مس الذكر باليمين، ويحرم الاستنجاء بها، اختاره بعض الحنابلة وبعض الشافعية
(3)
.
• دليل من قال: يحرم الاستنجاء باليمين:
قال: ورد النهي عن الاستنجاء باليمين في أحاديث كثيرة، والأصل في النهي التحريم. ومن تلك الأحاديث مايلي:
الدليل الأول:
(1431 - 173) ما رواه البخاري من طريق الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا بال أحدكم فلا يأخذن ذكره بيمينه، ولا يستنجي بيمينه، ولا يتنفس في الإناء، ورواه مسلم
(4)
.
الدليل الثاني:
(1432 - 174) ما رواه مسلم من طريق وكيع وأبي معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد،
عن سلمان قال: قيل له: قد علمكم نبيكم صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة، قال: فقال:
(1)
المحلى (1/ 108)، والعجبيب أن ابن حزم أباح للمرأة أن تمس فرجها باليمين حال البول، وحرم ذلك على الرجل، اتباعًا للظاهر، وجمودًا عليه. انظر المحلى (1/ 318).
وقد قال بالتحريم غير ابن حزم، قال ابن عبد البر في الكافي في فقه أهل المدينة (ص: 17): «ولا يجوز لأحد أن يستنجي بيمينه» .اهـ
(2)
نيل الأوطار (1/ 106).
(3)
الفروع (1/ 93)، ونسبه ابن حجر في الفتح (ح 153) لبعض الحنابلة، وذهب إليه بعض الشافعية، قال في المهذب (2/ 125):«ولا يجوز أن يستنجي بيمينه» . ونسبه النووي إلى سليم الرازي في الكفاية والمتولي، والشيخ نصر وأبي حامد. راجع المجموع (2/ 125).
(4)
صحيح البخاري (154)، مسلم (267).
أجل، لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول، أو أن نستنجي باليمين، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع أو بعظم
(1)
.
الدليل الثالث:
(1433 - 175) ما رواه أحمد، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا محمد بن عجلان، حدثني القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح،
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما أنا لكم مثل الوالد أعلمكم، فإذا أتى أحدكم الخلاء فلا تستقبلوها ولا تستدبروها، ولا يستنجي بيمينه، وكان يأمر بثلاثة أحجار، وينهى عن الروث والرمة
(2)
.
[حسن]
(3)
.
الدليل الرابع:
(1434 - 176) روى أحمد، قال: حدثنا عبد الوهاب، عن سعيد، عن أبي معشر، عن النخعي، عن الأسود،
عن عائشة أنها قالت: كانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم اليمنى لطهوره ولطعامه وكانت اليسرى لخلائه وما كان من أذى.
قال أحمد: وحدثنا ابن أبي عدي عن سعيد عن رجل عن أبي معشر عن إبراهيم عن عائشة نحوه
[الراجح في إسناده الانقطاع]
(4)
.
فهذه الأحاديث فيها النهي عن مس الذكر باليمين، وعن الاستنجاء باليمين، وأخذ بظاهرها ابن حزم ومن معه، فقالوا: يحرم الاستنجاء باليمين.
(1)
مسلم (262).
(2)
المسند (2/ 250).
(3)
سبق تخريجه. انظر ح (1263).
(4)
انظر تخريجه في رقم (1280).
• دليل من قال: يكره الاستنجاء باليمين:
حملوا النهي في الأحاديث السابقة على الكراهة، والقرينة الصارفة عندهم أن ذلك أدب من الآداب، فلا يصل النهي فيها للتحريم، فيحتمل أن تكون الحكمة من النهي كون اليد اليمنى معدة للأكل بها، فلو استنجى بها لأمكن أن يتذكر ذلك عند الأكل فيتأذى بذلك، والله أعلم.
• دليل من حرم مس الذكر باليمين وكره الاستنجاء بها:
قالوا: ثبت النهي عن مس الذكر باليمين، وعن الاستنجاء باليمين كما في حديث أبي قتادة المتقدم، لكن قالوا: إن الاستنجاء باليمين أقبح من مس الذكر حال البول؛ لأن في الأولى مباشرة إزالة النجاسة باليد اليمنى، وفي الثاني مسه فقط دون الاستنجاء، والذكر في نفسه طاهر، وليس بنجس، لهذا حملنا النهي على الأصل في إزالة النجاسة باليمين، وأنه للتحريم، وحملنا النهي على الكراهة في مس الذكر؛ لأنه بضعة من الإنسان، والله أعلم.
• الراجح:
أن القول بالتحريم قول قوي؛ لأن الصارف ليس واضحًا؛ نعم يتساهل الفقهاء بالصارف لو وجد، ويصرفون اللفظ من الوجوب للندب، ومن التحريم للكراهة لأدنى صارف، لكن لم يظهر لي حكمة كونه أدبًا من الآداب أن نحمله على الكراهة، ولا يخفى أن هذا الصارف ليس نصًا منصوصًا عليه، إنما هو شيء انقدح في النفس، وهي علة مستنبطة، فلا بد من حمله على الكراهة من قرينة جلية تكون سببًا في نقله من أصله الذي هو التحريم إلى الكراهة، والله أعلم.
* * *