الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السادس
في الأثر المتبقي بعد الاستجمار
مدخل في ذكر الضابط الفقهي:
• يسير النجاسة وأثرها معفو عنه على الصحيح للمشقة.
[م-627] اختلف العلماء في أثر الاستجمار:
فقيل: نجس، معفو عن يسيره.
وقيل: طاهر
(1)
. وحكي الإجماع على أنه معفو عنه.
قال ابن قدامة: «وقد عفي عن النجاسات المغلظة لأجل محلها في ثلاثة مواضع:
أحدها: محل الاستنجاء، فعفي فيه عن أثر الاستجمار بعد الإنقاء واستيفاء العدد بغير خلاف نعلمه.
واختلف أصحابنا في طهارته، فذهب أبو عبد الله بن حامد وأبو حفص بن المسلمة إلى طهارته، وهو ظاهر كلام أحمد، فإنه قال في المستجمر يعرق في سراويله: لا بأس به، ولو كان نجسًا لنجسه.
ثم قال: وقال أصحابنا المتأخرون: لا يطهر المحل، بل هو نجس». اهـ أي نجس معفو عنه
(2)
.
(1)
الإنصاف (1/ 109)، المغني (1/ 411).
(2)
المغني (1/ 411).
وقال البهوتي: وأثر الاستجمار نجس؛ لأنه بقية الخارج من السبيل، يعفى عن يسيره بعد الإنقاء واستيفاء العدد، بغير خلاف نعلمه
(1)
.
• الدليل على أن الاستجمار مطهر:
(1417 - 159) ما رواه الدارقطني، من طريق يعقوب بن حميد بن كاسب، أخبرنا سلمة بن رجاء، عن الحسن بن فرات القزاز، عن أبيه، عن أبي حازم الأشجعي،
عن أبي هريرة، قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يستنجى بروث أو عظم، وقال: إنهما لا يطهران
(2)
.
[ضعيف، فيه ثلاثة ضعفاء، ابن كاسب، وسلمة، والحسن بن فرات يرويه بعضهم عن بعض، وقد انفردوا بقولهم: (إنهما لا يطهران) ويصعب إلصاق الوهم بواحد منهم، حيث لا يوجد متابع لأي منهم]
(3)
.
(1)
كشاف القناع (1/ 192).
(2)
سنن الدارقطني (1/ 56).
(3)
دراسة الإسناد:
يعقوب بن حميد بن كاسب، جاء في ترجمته:
قال النسائي ويحيى بن معين: ليس بشيء. الضعفاء والمتروكين (616)، الجرح والتعديل (9/ 206).
وقالا أيضًا في موضع آخر: ليس بثقة. تهذيب التهذيب (11/ 336).
وقال أبو حاتم الرازي: ضعيف الحديث. المرجع السابق.
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبا زرعة عن يعقوب بن كاسب؟ فحرك رأسه. قلت: كان صدوقًا في الحديث؟ قال: لهذا شروط وقال في حديث رواه يعقوب: قلبي لايسكن على ابن كاسب. المرجع السابق.
وقال أبو داود السجستاني: رأينا في مسنده أحاديث أنكرناها، فطالبناه بالأصول، فدافعنا، ثم أخرجها بعد، فوجدنا الأحاديث في الأصول مغيرة بخط طري، كانت مراسيل فأسندها وزاد فيها. ضعفاء العقيلي (4/ 446).
وقال البخاري: لم يزل خيرًا، هو في الأصل صدوق. المرجع السابق.
وفي التقريب: صدوق ربما وهم. قلت: لو قال: له أوهام أو كثير الوهم لكان أقرب، فقد =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= جرحه أبو داود والنسائي وأبو زرعة وأبو حاتم وغيرهم، وجرحهم له مفسر.
سلمة بن رجاء، جاء في ترجمته:
قال النسائي: كوفي ضعيف. الضعفاء والمتروكين (242).
قرئ على العباس بن محمد الدوري: سئل يحيى بن معين عن سلمة بن رجاء، فقال: ليس بشيء. الجرح والتعديل (4/ 160).
وقال أبو حاتم الرازي: ما بحديثه بأس. المرجع السابق.
وقال أبو زرعة: كوفى صدوق. المرجع السابق.
وذكره العقيلي في الضعفاء (2/ 149).
وذكر ابن عدي هذا الحديث من غرائب سلمة بن رجاء، وأعله به، وقال:«لا أعلم رواه عن فرات القزاز غير ابنه الحسن، وعن الحسن سلمة بن رجاء، وعن سلمة ابن كاسب، ولسلمة بن رجاء غير ما ذكرت من الحديث، وأحاديثه أفراد وغرائب، ويحدث عن قوم بأحاديث لا يتابع عليه» . الكامل (3/ 331).
وقال الدارقطني: ينفرد عن الثقات بأحاديث. تهذيب التهذيب (4/ 127).
وفي التقريب: صدوق يغرب.
الحسن بن فرات القزاز، جاء في ترجمته،
قال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين قال: الحسن بن فرات القزاز ثقة. الجرح والتعديل (3/ 32).
ذكره ابن حبان في الثقات (6/ 165).
وقال أبو حاتم منكر: الحديث نقله عنه ابنه في مقدمة الجرح والتعديل.
وفي التقريب: صدوق يهم.
وقد بين الدارقطني أن الوهم من الحسن بن الفرات، حيث انفرد بزيادة: إنهما لا يطهران، وقد رواه غيره عن أبيه، ولم يقل: إنهما لا يطهران.
فقد رواه الدارقطني كما في العلل (8/ 239) من طريق نصر بن حماد، حدثنا شعبة، عن فرات، عن أبي حازم به، بلفظ: نهى أن يستنجى بعظم أو روث.
قال الدارقطني: وزاد الحسن بن فرات، عن أبيه، عن أبي حازم، عن أبي هريرة في آخره، وقال: إنهما لا يطهران». اهـ
ونصر بن حماد فيه ضعف.
فهنا الدارقطني نسب التفرد إلى الحسن بن فرات، بينما ابن عدي أعله بسلمة بن رجاء كما تقدم.
والحق أن الحديث فيه ثلاثة ضعفاء الحسن بن فرات، وسلمة بن رجاء، ويعقوب بن كاسب، وكل واحد يرويه عن الآخر منفردًا به، فيصعب جدًا إلصاق الوهم بواحد منهما، خاصة أنه =
الدليل الثاني:
أن النجاسة تزال بأي مزيل، ولا يتعين الماء في إزالتها، فكيف زالت زال حكمها، فإذا استنجى الإنسان، وأزال عين النجاسة فقد طهر المحل، والدليل على أن الماء لا يتعين في إزالة النجاسة أحاديث كثيرة في تطهير ذيل المرأة بالتراب، وتطهير النعل بدلكه في التراب،
(1418 - 160) فقد روى أحمد، قال: ثنا أبو كامل، ثنا زهير -يعني ابن معاوية- ثنا عبد الله بن عيسى، عن موسى بن عبد الله، قال: وكان رجل صدق، عن امرأة من بني عبد الأشهل قالت: قلت:
يا رسول الله إن لنا طريقًا إلى المسجد منتنة، فكيف نصنع إذا مطرنا؟ قال: أليس بعدها طريق هي أطيب منها؟ قالت: قلت: بلى. قال: فهذه بهذه
(1)
.
[صحيح]
(2)
.
= لا يوجد متابع لأي منهم، والله أعمل.
وقال الدارقطني في السنن (152): «إسناده صحيح» . قال ابن الملقن عقبه في البدر المنير (2/ 350): «في سنده سلمة بن رجاء، قال يحيى بن معين: ليس بشيء، وقال ابن عدي: حدث بأحاديث لا يتابع عليها، وذكره ابن حبان في الثقات، وروى له البخاري في الصحيح، وفيه أيضًا يعقوب بن كاسب، قيل: روى عنه البخاري في صحيحه ولم ينسبه، وقال يحيى والنسائي: ليس بشيء، ووثقه يحيى مرة» . اهـ
والنهي عن الاستنجاء بالعظم والروث محفوظ من حديث أبي هريرة في البخاري (3860)، وحديث ابن مسعود في البخاري (156)، وحديث سلمان في مسلم (262)، وإنما الكلام على زيادة:(إنهما لا يطهران) مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد علل النهي عن الروث والعظام في حديث أبي هريرة في البخاري (3860)، بأنها طعام إخواننا من الجن، وكذا علله في مسلم من حديث ابن مسعود في قصة قراءة القرآن على الجن. وعلل النهي عن الروث في حديث ابن مسعود في البخاري بأنها ركس، ولم يذكر قط في الصحيحين ولا في غيرهما بأنهما لا يطهران إلا في هذا الحديث، وقد تفرد به مجموعة من الضعفاء، فالضعف ظاهر على هذه الزيادة، والله أعلم.
(1)
المسند (6/ 435).
(2)
انظر تخريجه (ص: 389) ح: 1498.
(1419 - 161) ومنها ما رواه أحمد، قال: ثنا يزيد، أنا حماد بن سلمة، عن
أبي نعامة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى، فخلع نعليه، فخلع الناس نعالهم، فلما انصرف قال: لم خلعتم نعالكم؟ فقالوا: يا رسول الله رأيناك خلعت فخلعنا. قال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن بهما خبثًا فإذا جاء أحدكم المسجد فليقلب نعله فلينظر فيها فإن رأى بها خبثًا فليمسه بالأرض ثم ليصل فيهما
(1)
.
[صحيح]
(2)
.
(1420 - 162) ومنها ما رواه البخاري، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا إبراهيم بن نافع، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال:
قالت عائشة: ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه، فإذا أصابه شيء من دم، قالت بريقها فقصعته بظفرها
(3)
.
فإذا كانت النعل تطهر بالتراب، وكان التراب لها طهورًا، وكان ذيل المرأة يطهره ما بعده من التراب الطيب، وكان الريق ربما طهر الثوب يصيبه شيء من دم الحيض، فكذلك مكان البول والغائط يطهره الأحجار ونحوها، والله أعلم.
* * *
(1)
المسند (3/ 20، 92).
(2)
انظر تخريجه في هذا المجلد، (ح 1499).
(3)
صحيح البخاري (312).