الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع
في الاستنجاء من المني
مدخل في ذكر الضوابط الفقهية:
• الأصل في الأشياء الطهارة.
• كل شيء لم نؤمر بغسله، لا يجب الاستنجاء منه.
• غسل المني مجرد فعل لا يدل على الوجوب، ولم يصح في الأحاديث الأمر بغسله.
• المني أصل الآدمي فكان طاهرًا كالتراب.
وقيل:
• لا يعتبر الشيء بفرعه فالمني كالعلقة أصل الحيوان الطاهر، وهما نجسان.
• وسبب الخلاف:
تردد المني بين أن يشبه بالأحداث الخارجة من البدن، وبين أن يشبه بخروج الفضلات الطاهرة كالعرق ونحوه:
فمن حمل الغسل، وهو مجرد فعل على النظافة، واستدل من الفرك على الطهارة وعلى أصله في أن الفرك لا يطهر المتنجس ألحقه بالعرق فلم يره نجسا.
ومن رجح حديث الغسل على الفرك، وفهم منه النجاسة، أو كان من أصله أن النجاسة تزول بالفرك قال: الفرك يدل على نجاسته كما يدل الغسل.
[م-659] إذا علم ذلك نأتي إلى تحرير الأقوال بأدلتها:
اختلف العلماء في الاستنجاء من المني لاختلافهم في طهارته.
فقيل: يستنجي منه إن كان رطبًا بكل مائع مزيل
(1)
، ولا يكفي الاستجمار بالحجارة، وإن كان يابسًا ففيه قولان في مذهب الحنفية:
فقيل: يكفي فركه، اختاره الكرخي من الحنفية.
وقيل: لا يكفي بل لا بد من غسله، وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة
(2)
.
(1)
وإنما قلت المائع، ولم أقل الماء؛ لأن الحنفية يرون أن النجاسة تزال بكل مائع، بخلاف الحدث فيشترط الماء، قال الزيلعي في تبيين الحقائق (1/ 70):«وأما الثاني: وهو ما يطهر به النجس، فبكل مائع يمكن إزالته كالخل ونحوه» . اهـ
وقال الكاساني في بدائع الصنائع (1/ 83): «وأما ما سوى الماء من المائعات الطاهرة، فلا خلاف في أنه لا تحصل به الطهارة الحكمية: وهي زوال الحدث. وهل تحصل به الطهارة الحقيقية، وهي إزالة النجاسة عن الثوب والبدن، اختلف فيه، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف تحصل. وقال محمد وزفر والشافعي: لا تحصل
…
». إلخ كلامه.
(2)
قال في بدائع الصنائع (1/ 84): وإن جف -يعني: المني- فهل يطهر بالحت؟ روى الحسن عن أبي حنيفة أنه لا يطهر. وذكر الكرخي أنه يطهر. وجه رواية الحسن أن القياس أن لا يطهر في الثوب إلا بالغسل، وإنما عرفناه بالحديث. وأنه ورد في الثوب بالفرك، فبقي البدن مع أنه لا يحتمل الفرك على أصل القياس.
وجه قول الكرخي: أن النص الوارد في الثوب يكون واردًا في البدن من طريق الأولى؛ لأن البدن أقل تشربًا من الثوب، والحت في البدن يعمل عمل الفرك في الثوب في إزالة العين. انظر المبسوط (1/ 81)، الاختيار لتعليل المختار (1/ 32)، شرح معاني الآثار (1/ 53)، البحر الرائق (1/ 235، 236).
وقال في الدر المختار (1/ 312): «ويطهر مني يابس بفرك إن طهر رأس حشفة كأن كان مستنجيًا بماء» . اهـ
قال ابن عابدين في حاشيته شرحًا لهذا النص: «قوله: إن طهر رأس حشفة. قيل: هو مقيد أيضًا بما إذا لم يسبقه مذي، فإن سبقه فلا يطهر إلا بالغسل. وعن هذا قال شمس الأئمة الحلواني: مسألة المني مشكلة؛ لأن كل فحل يمذي ثم يمني إلا أن يقال: إنه مغلوب بالمني، مستهلك فيه، فيجعل تبعًا. وهذا ظاهر، فإنه إذا كان كل فحل كذلك، وقد طهره الشرع بالفرك يابسًا يلزم أنه اعتبر مستهلكًا للضرورة، بخلاف ما إذا بال فلم يستنج حتى أمنى لعدم الملجئ.
ثم قال: وقوله: كأن كان مستنجيًا بماء: أي بعد البول، واحترز عن الاستنجاء بالحجر؛ لأنه مقلل للنجاسة لا قالع لها». اهـ
وعليه فمذهب الحنفية يكفي فرك المني من رأس الحشفة بشرط أن يكون قد استنجى بماء، فإن كان استنجاؤه بحجر، فيجب غسل المني. والله أعلم.
وقيل: يتعين الماء وحده، ولا يجزئ الفرك، اختاره أبو يوسف من الحنفية
(1)
،
وهو مذهب المالكية
(2)
.
وقيل: لا يستنجي منه بناء على أن المني طاهر، وهو مذهب الشافعية
(3)
، والحنابلة
(4)
،
(1)
قال في تبيين الحقائق (1/ 70): «وعن أبي يوسف أنه لا يجوز تطهير البدن إلا بالماء؛ لأنها نجاسة يجب إزالتها فلا يجوز بغير الماء كالحدث» . اهـ
وقال في بدائع الصنائع (1/ 83): «وروي عن أبي يوسف أنه فرق بين الثوب والبدن، فقال في الثوب تحصل -يعني: الطهارة بكل مائع مزيل- وقال في البدن: لا تحصل إلا بالماء» . اهـ
وفيه قول ثان عن أبي يوسف كقول أبي حنيفة، والله أعلم.
(2)
قال ابن عبد البر في الاستذكار (3/ 113): «ولا يجزئ عند مالك وأصحابه في المني ولا في سائر النجاسات إلا الغسل بالماء، ولا يجزئ فيه عنده الفرك، وأنكره، ولم يعرفه» . اهـ
وقال في القوانين الفقهية (ص: 41): «لا يجوز الاستجمار -يعني: بالحجارة- من المني ولا من المذي، ولا إن تعدت النجاسة المخرجين أو ما قرب منهما» . اهـ وانظر حاشية الدسوقي (1/ 111)، مواهب الجليل (1/ 284)، مختصر خليل (ص: 15)، التاج والإكليل (1/ 284، 285)، المفهم للقرطبي (1/ 548)، والمدونة (1/ 128)، المنتقى شرح الموطأ (1/ 103).
(3)
قال النووي في المجموع (1/ 146): «والمني طاهر لا يجب الاستنجاء منه، وهو محمول على من خرج منه مني، ولم يخرج غيره، وصلى بالتيمم لمرض، أو فقد الماء فإنه تصح صلاته ولا إعادة، كما ذكرنا في دم الحيض، أما إذا اغتسل من الجنابة فلا بد من غسل رأس الذكر، والله أعلم» . اهـ
(4)
انظر مسائل أحمد رواية أبي داود (1/ 32) رقم 148، 149، 150. وقال أحمد في مسائله رواية صالح (3/ 46):«قلت لأبي الفراش يصيبه المني، يبسط عليه؟ فقال: المني شيء آخر، وسهل في المني جدًا، وقال: أين المني من البول، البول شديد، والمني يفرك، وقد جاء أنه بمنزلة المخاط، يقوله ابن عباس» . اهـ وانظر مسائل أحمد رواية ابن هانئ (1/ 25)، ورواية عبد الله (1/ 49) رقم 52. ومسائل أحمد وإسحاق (1/ 157، 192، 247).
وعن أحمد ثلاث روايات في المني:
الأولى: أنه طاهر، قال في المغني: وهو المشهور.
…
الثانية: أنه نجس كالدم، ويعفئ عن يسيره.
الثالثة: أنه لا يعفى عن يسيره، ويجزئ فرك يابسه من الرجل والمرأة. وقيل: من الرجل دون المرأة. انظر المغني (1/ 416)، الإنصاف (1/ 340، 341).